More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
Read between
September 10 - September 10, 2023
سلم، أمّته قوله عليه السّلام: (علامة إعراض الله تعالى عن العبد اشتغاله بما لا يعنيه، و إنّ امرأ ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له من العبادة، لجدير ان تطول عليه حسرته، و من جاوز الأربعين و لم يغلب خيره على شرّه فيتجهّز إلى النّار).
سبحان الله العظيم! لا يعلم هذا المغرور أنه حين حصّل العلم، إذا لم يعمل به، تكون الحجّة عليه آكد كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة عالم لا ينفعه الله بعلمه).
لو قرأت العلم مائة سنة، و جمعت ألف كتاب؛ لا تكون مستعدّا لرحمة الله تعالى إلاّ بالعمل ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * النجم: ٣٨)، ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا * الكهف:
و الايمان قول باللّسان و تصديق بالجنان و عمل بالاركان، و دليل الأعمال أكثر من أن يحصى، و إن كان العبد يبلغ الجنّة بفضل الله تعالى و كرمه. لكن بعد أن يستعدّ بطاعته و عبادته، لأنّ رحمة الله قريب من المحسنين. و لو قيل أيضا: يبلغ بمجرّد الإيمان قلنا: نعم، لكن متى يبلغ؟ و كم من عقبة كؤود يقطعها إلى أن يصل؟ فأوّل تلك العقبات عقبة الايمان، و أنّه هل يسلم من سلب الايمان أم لا؟ و إذا وصل هل يكون خائبا مفلسا؟ و قال الحسن البصريّ: «يقول الله تعالى لعباده يوم القيامة: ادخلوا، يا عبادي الجنّة برحمتي و اقتسموها بأعمالكم.».
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و زنوا أعمالكم قبل أن توزنوا.) و قال عليّ رضى الله عنه: «من ظنّ أنّه بدون الجهد يصل فهو متمنّ. و من ظنّ أنّه ببذل الجهد يصل فهو مستغن.»
أيّها الولد، كم من ليال أحييتها بتكرار العلم، و مطالعة الكتب، و حرمت على نفسك النّوم؟ لا أعلم ما كان الباعث فيه؟ إن كان نيل عرض الدّنيا و جذب حطامها و تحصيل مناصبها و المباهاة على الأقران و الأمثال فويل لك ثمّ ويل لك. و إن كان قصدك فيه إحياء شريعة النّبيّ صلى الله عليه و سلم، و تهذيب أخلاقك و كسر النّفس الأمارة بالسّوء، فطوبى لك ثمّ طوبى لك.
أيها الولد، عش ما شئت فإنّك ميّت، و أحبب ما شئت فإنّك مفارقه؛ و اعمل ما شئت فإنّك مجزيّ به.
و كلّ يوم ينظر في قلبك يقول: ما تصنع لغيري و أنت محفوف بخيري.
اعلم أن العلم الذي لا يبعدك اليوم عن المعاصي و لا يحملك على الطاعة، لن يبعدك غدا عن نار جهنّم، و إذا لم تعمل بعلمك اليوم و لم تدارك الأيام الماضية تقول غدا يوم القيامة: «فارجعنا نعمل صالحا» فيقال: «يا أحمق أنت من هناك تجئ!».
أيّها الولد، لو كان العلم المجرّد كافيا لك و لا تحتاج إلى عمل سواه لكان نداء «هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ هل من تائب؟» ضائعا بلا فائدة. و روي أن جماعة من الصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين، ذكروا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عند رسول الله صلى الله عليه و سلّم؛ فقال: (نعم الرّجل هو لو كان يصلي بالّليل). و قال عليه الصلاة و السلام لرجل من أصحابه: (يا فلان، لا تكثر النّوم باللّيل فإنّ كثرة النّوم باللّيل يدع صاحبه فقيرا يوم القيامة.).
«إذا كان أوّل اللّيل ينادي مناد من تحت العرش: ألا ليقم العابدون. فيقومون و يصلّون ما شاء الله. ثم ينادي مناد في شطر اللّيل: ألا ليقم القانتون. فيقومون و يصلّون إلى السّحر. فإذا كان السّحر نادى مناد: ألا ليقم المستغفرون. فيقومون و يستغفرون. فإذا طلع الفجر نادى مناد: ألا ليقم الغافلون. فيقومون من فرشهم كالموتى نشروا من قبورهم.». أيّها
كلّ ما تقول و تفعل و تترك يكون باقتداء الشّرع، كما لو صمت يوم العيد و أيّام التّشريق تكون عاصيا، أو صلّيت في ثوب مغصوب، و إن كانت صورة عبادة، تأثم.
ينبغي لك ألاّ تغترّ بالشّطح و طامّات الصّوفيّة، لأنّ سلوك هذا الطريق يكون بالمجاهدة و قطع شهوة النّفس و قتل هواها بسيف الرّياضة، لا بالطّامّات و التّرهات.
و اعلم أنّ اللّسان المطلق، و القلب المطبق المملوء بالغفلة و الشّهوة، علامة الشّقاوة، فإذا لم تقتل النّفس بصدق المجاهدة فلن يحيا قلبك بأنوار المعرفة.
و سألتني عن التّوكّل و هو أن تستحكم اعتقادك بالله تعالى فيما وعد، يعني تعتقد أنّ ما قدّر لك سيصل إليك لا محالة، و إن اجتهد كلّ من في العالم على صرفه عنك، و مالم يكتب لن يصل إليك و إن ساعدك جميع العالم.
سألتني عن الإخلاص، و هو أن تكون أعمالك كلّها لله تعالى و لا يرتاح قلبك بمحامد النّاس و لا تبالي بمذمّتهم. و اعلم أنّ الرّياء يتولّد من تعظيم الخلق. و علاجه أن تراهم مسخّرين تحت القدرة و تحسبهم كالجمادات في عدم قدرة إيصال الرّاحة و المشقّة لتخلص من مراءاتهم. و متى تحسبهم ذوي قدرة و إرادة لن يبعد عنك الرّياء.
و اقرأ هذا الدّعاء في جميع أوقاتك خصوصا أعقاب صلواتك: «أللّهمّ إنّي أسألك من النّعمة تمامها، و من العصمة دوامها، و من الرّحمة شمولها، و من العافية حصولها، و من العيش ارغده، و من العمر أسعده، و من الإحسان أتمّه، و من الإنعام أعمّه، و من الفضل أعذبه، و من اللّطف أنفعه. أللّهمّ كن لنا و لا تكن علينا. أللّهمّ اختم بالسعادة آجالنا. و حقّق بالزّيادة آمالنا، و اقرن بالعافية غدوّنا و آصالنا، و اجعل إلى رحمتك مصيرنا و مآلنا، و اصبب سجال عفوك على ذنوبنا، و منّ علينا بإصلاح عيوبنا، و اجعل التّقوى زادنا، و في دينك إجتهادنا، و عليك توكّلنا و اعتمادنا. أللّهمّ ثبّتنا على نهج الإستقامة، و أعذنا في الدّنيا من
...more

