ليش أصوم….؟
يصوم في الصباح..يقوم في الليل…عابدا طوال يومه ..يبكي في صلاة القيام…يختم القرآن قراءة مرتين تقريبا .. كلنا نحسده ونتمنى أن نكون مكانه و أن تسجد قلوبنا مع جباهنا و تلين عيوننا قبل قلوبنا.. ..كانت هذه لقطة من حياة صديق دعونا نسميه عابد, هنيئا لك يا عابد!!
مشكلة عابد أنه عابد فقط في رمضان, لا تسيئوا فهمي فهو في غير رمضان يصلي لكن لنقل أنه – لاسمح الله- مرتشي أو باللغة الخفيفة صاحب “محسوبية” , وسارق أحيانا, كاذب في معظم الوقت و سيء الخلق دائما!
لماذا تصوم رمضان…؟ كان هذا سؤالي لصديقي , أجابني بغضب وكأني شتمته و أهله و كل من أحب , ظننت في لحظة أنه قد يقتلني , ثم حاول أن يسكت غضبه “كثر خيره” كي يرد بنفس الإجابات التي أسمعها دائما ,تلك الأجوبة لم تقنعه يوما رغم ترديده لها كما لم تقنعني لأنه وبعد كل رمضان تتحول الملائكة إلى شياطين ,و كأن الشياطين كانت تلبس قناعا زمنيا ولا أظن أبدا أنهم ممن قدم لرمضان لدرجة “الشي اذا زاد عن حده انقلب لضده” … لا تنهالوا عليً بألسنتكم كما فعل هو أرجوكم , فإن كان صيامكم قد علمكم الصبر فاصبروا على جهلي علي أهتدي ,قررت أن أٌكمل مابدأته من أسئلة:
– إن كان رمضان شهر عبادة فلماذا لم يتميز بزيادة عدد الصلوات مثلا إلى سبع أو تكون سمته أننا نستغفر في اليوم إلزاميا ألف مرة على الأقل مثلا ؟ لماذا كان أساسه الصيام أي عدم تناول الطعام –فضلا عن صيانة الجوارح طبعا- ؟
– من أجل أن نتربى عن الصبر !
– هل فعل ذلك معك؟
– نعم
– هل تصبر عن المال الحرام ؟
لم يجب صديقي!
– ماذا تفكر في كل رمضان؟
– أن ينتهي رمضان و قد رآني الله عابدا
حتى لا أطيل عليكم يا سادة كل مافي الأمر أني أرى أن الصيام –كما أثبت علميا- أنه مفيد للصحة و كأن الله جعل سمة رمضان الأولى والتي يتميز بها عن باقي شهور السنة صحة الجسد وكما يقولون “العقل السليم في الجسم السليم” و العقل السليم هو ما يحتاجه الشخص لعبادة الله تعالى , أي أن الإسلام يُسقط أبصار من لديه بصيرة على ضرورة الإهتمام بالصحة و قوى ذلك الاستنتاج عندي الأثر عن عمر رضي الله عنه حين حث عموما على تعليم الأولاد السباحة و الرماية و ركوب الخيل ,و أنالرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى الكمية الصحية للطعام و أظن أن ذلك أولى بالاتباع في رمضان !
و إن كانت بعثة الرسول صلى الله عليه و سلم من أجل أن يتمم مكارم الأخلاق فهو في رمضان بالأخص –لا على وجه الحصر- يقوم بذلك ويحث عليه, بل يضع الصيام الذي هو ركن من أركان الإسلام و الخلق الذي منه قول الزور والعمل به في كفتي مقارنة ,هكذا كان يقوم الرسول صلى الله عليه وسلم بعمله في رمضان , وعودة إلى عابد فهو يحتج بالحر و الجوع ليتهرب من دوامه , و يؤجل أوراق المراجعين, ويكتفي بساعتين دوام يوميا , نسي أن الصحابة رضوان الله عليهم قاموا بدورهم بنشر الدين على أحسن وجه في رمضان!
مما لايعرفه عابد أن الصحابة رضوان الله عليهم قبل كل رمضان كانوا يقومون بإعداد قائمة بالدعوات التي يريدون حدوثها طوال العام ويدعون الله بها في رمضان,ولا يأتي رمضان التالي إلا وقد أُجيبت دعواتهم, طبعا الصحابة هم أكثر من يأخذ بالأسباب, أي أنهم كانوا يخططون للسنة التالية قبل وفي أثناء رمضان و ينفذون باقي العام..أين عبادة عابد في رمضان إذن؟!
في كل رمضان يقوم عابد بنفس الأعمال , يصل إلى نفس النتيجة, ينتهي رمضان فيعود كما كان قبله, وحين يأتي رمضان التالي يقرر أن يجعله مختلفا كي يحصل على نتيجة أفضل لكنه يقوم بنفس ماعمله مسبقا فيصل مجددا إلى نفس النتيجة!
رمضان أفضل الشهور لأنه يجعلنا نجمع بين العبادة و الصحة و العمل وتطوير الذات و التخطيط لباقي العام كأنه نقطة الصفر التي يجب أن نبدأ منها ,لا كما نفعل دائما حين نجعل نهايته الهدف الذي تنتهي به العبادة و الأخلاق!! حين نحصره رمضان على الصلاة والصوم فقط فكأنما نصومه ناقصا ونقومه ناقصا , نبتر رمضان فيُيتر منا ذلك التغيير الذي نريده لباقي العام و بالتالي باقي حياتنا,و لذلك نعود بعده كما كنا , رمضان “عابد” هو رمضان معظمنا الذي برأيي يعيدنا باقي العام إلى الصفر بدليل أن سؤالي كان : ” لماذا نصوم رمضان ناقصا يا “عابد”؟ “لكن صبر عابد كان ناقصا كرمضاناته !

