لم تعلمنا المدارس

أتذكرون قصة السلحفاة التي سبقت الأرنب، رغم سرعته، بسبب إصرارها؟ أتذكر جيداً أن هذه القصة كانت من أوائل القصص التي شدّت انتباهي، وبقيت معي حتى هذا اليوم لأذكرها هنا، لأعترض على التعميم فيها.


“علينا دائما أن تنمسّك بما نريد ولانقبل أبدا بغير ذلك”


هذا ماقالته معلمتي إيمان ذلك اليوم، لم أنسى هذه القصة لأني عشت على مغزاها حتى الشهر الماضي.


وصلت مبكرة إلى المستشفى، كانوا لايزالون ينظفون الأرضيات هكذا عرفت، لدي اليوم مريضاتان، نبدأ بسم الله،  الأولى شابة في بداية عقدها الثالث اكتشفت في وقت متأخر أنها تعاني من سرطان في الثدي اكتسح جسدها، والأخرى سيدة عجوز تعاني من نوع آخر من أنواع هذا المرض، النتيجة واحدة للإثنتين


“وظيفتنا حالياً هو تخفيف معاناة الإثنين، ومساعدتهما على الموت بسلام”


لا أعرف معنى أن أكون طبيبة لا أعالج، الطبيب لا يتفرج، هذه كانت إجابات عقلي على الأوامر.


لم أستوعب معنى هذا الكلام، كنت يومياً أراجع أدويتهما، أخاف حين يبدأ أي عرض جديد، طبيعي أن تظهر أعراض جديدة حين يقتصر العلاج علي المسكنات، لم يُخترع بعد أي دواء لهذه المراحل بعد، مع ذلك لم أستوعب.


زرت الشابة فوجدتها في حال يرثى له، سألت:ماذا حدث؟


قال زوجها: لقد طردت أختها، لأنها أحضرت ابنها الذي لا يزيد عمره عن ٣ سنوات، احتضنته بقوة حين رأته، بكت، ثم دفعته وطردت أختها


أما الأخرى فقد كانت فكانت في غيبوبة،لا تحرك ساكنا، إلا بعض الأنين من وقت لآخر


يوم غريب! لكن الأغرب لم يبدأ حتى الساعة العاشرة صباحاً


توفيت الأولى، بعد أن عانت من أعراض انتشار الورم لدماغها! كانت الصدمة تعطّل الإحساس لدي، فاتجهت إلى الأخرى التي لازالت معنا هنا في هذه الحياة


وبينما أمر مرور الكرام لألقي التحية على ابنة المريضة الثانية، تخبرنا الأجهزة أنها ذاهبة إلى نفس المصير، لم أعرف ماذا أفعل، اتجهت لأنعشها لكن تذكرت أن مثل هذه الحالات يمنع انعاشها لأننا بذلك نطيل معاناتها، ولكن كيف؟ أأقف متفرجة على موتها؟ أنا طبيبة وظيفتي أن أعمل كل شيء للحفاظ علي صحتها، جانب ما يخبرني أني لا أستطيع المساعدة وجزء آخر في عقلي يأمرني بعمل أي شيء! أي شيء!


تعلمنا دائماً أن نعمل ولا نيأس، وكانوا يقولون لنا أن الدرس الصعب في حياتنا هو ألا نتوقف عن المحاولة أبداً ، لم يعلمنا أي أحد أننا أحياناً يجب أن نجلس على الكرسي، ونكتفي بالمشاهدة، فهناك أدوار لا يمكن أن يلعبها أحد، وهناك أقدار لايمكن تغيير مسبباتها لسبب لايعلمه إلا الله، لم يقل لنا أحد أن الدرس الأصعب هو أن نترك بعض الأمور تحدث بسلام ونقف شهوداً أو طلاباً للصبر لا أكثر.


أمسكت ابنة السيدة العجوز بيد أمها اليمنى، وطلبت مني أن أمسك باليد الأخرى وقالت: لندعها تحس للمرة الأخيرة بأنها ليست وحيدة


ابتسمت لأمها حتى توقف صوت الأجهزة، وتوقف قلب أمها.


الشابة أفترض أنها فعلت الأمر ذاته من طفلها، لم يفهم زوجها تصرفها في ذلك الوقت، أعتقد أني أفهمه الآن.


تعلمته؟ لا أدري لكن الأكيد أني شهدته للمرة الأولى، وإن لم يكن هذا درسي الأول إلا أنه الدرس الأهم


بنفس القوة التي نتمسك بها ببعض الأمور، علينا أن نتحلى بقوة أكبر لترك بعض الأحداث تصير دون أن نحاول أن نكون أبطالها، والأصعب من هذا وذاك الرضا.


 Image



1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 02, 2014 02:40
No comments have been added yet.