الرسائل الزينبية - ٢
وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في...

الرسائل الزينبية - ٢
وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه…
د. نادر الملاح - البحرين
٢٦ أكتوبر ٢٠١٥ / ١٢ محرم ١٤٣٧
خرج الحسينُ عليه السلام من مدينة جَدِّه صَلَّى الله عليه وآله وسلم رافعاً شعار إصلاح الأمة، بعدما بلغ فيها الانحراف مبلغه منذ وفاة رسول الله (ص) حتى آلت الأمور لأن يعلو منبر قيادة الدولة الإسلامية فاسقٌ فاجرٌ مجاهرٌ بالمعاصي مستهترٌ بالدماء والحرمات..
ولأن الإصلاح مشروعٌ يتطلب ثمناً ليس باليسير، فقد قدَّم دمه الزاكي ودماء أهل بيته وأصحابه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.. إلا أن ثمناً باهظاً كالذي قدمه الحسين عليه السلام لن يُحدثَ التأثير ولن يصوِّب المسار في ليلة وضحاها. لذا، كان لزاماً أن يكون في مقدمة حساباته ما يضمن استمرارية تلك الثورة، ولم يكن بذلك الحمل الثقيل والمسؤولية الجبارة أجدر وأقدر من ابنة عليٍ وفاطمة عليهم السلام..
قُتِلَ الحسين عليه السلام كما كانت الإرادة الإلهية.. فانتقل لواء (الإصلاح في أمة محمد) لِيَد شريكة الثورة، عقيلة بني هاشم، زينب الكبرى عليها السلام، فكانت رغم جراحاتها وألمها نِعمَ القائد الذي قلب الأمر على خصمه، فحوَّل ما كان يظنه انتصاراً إلى هزيمةٍ نكراء لا يمتحي ذكرها ولا يزول عارها..
ولم تكن زينب في كل مواقفها بعد مقتل الحسين عليهما السلام تنطلق من ردود الفعل والعاطفة، على الرغم من هول ما وقع على قلبها، بل كانت تعمل برسالةٍ تدرك أبعادَها وأهدافَها تمام الإدراك، حيث لا يكون الإصلاح إلا بفضح الفساد وتصحيح المفاهيم لإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح. فكان بقاء دين محمد (ص) بدم الحسين، وبقاء الحسين بقلب زينب وعزيمتها، لتستمر الرسالة عبر الزمن، تُحطّم كل يزيد يحاول محو دين محمد.. فما زينبُ تلك التي يتصورها البعض امرأة ثكلى منكسرة، بل تلك التي تُصبِّر ابن أخيها الإمام علي بن الحسين بقولها:
“لا يُجزعنّك ما ترى، فوالله إنّ ذلك لعهدٌ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جدّك وأبيك وعمّك. ولقد أخذ الله ميثاق أناسٍ من هذه الأمّة، لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات، أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيوارونها وهذه الجسوم المضرّجة، ويَنصبون لهذا الطفّ عَلَماً لقبر أبيك سيّد الشهداء عليه السلام، لا يَدرُسُ أثره، ولا يَعفو رَسمُه، على كُرورِ اللّيالي والأيّام. وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلّا ظهورا، وأمره إلّا علوّا..”.


