أوديسا الفراش
لم يعد هناك ما يثير الدهشة في حالة د/يوسف مصطفى. فقد اعتاد الوسط الطبي ما يتساقط من أخبار عن أبحاثه الغريبة ، بعد أن كان لسنوات محط اهتمامهم وسخريتهم من الخزعبلات التي يبحث فيها، والشائعات الي تتهمه أحياناً بعبادة الشيطان وأحياناً بالعودة للديانات الوثنية. بعد أن كانت جملة "هل علمت آخر تقاليع يوسف؟" هي أهم جملة تقال في النادي والنقابة وفي استراحات الأطباء و مكاتب أساتذة الجامعات .صار الموضوع بعد عدة سنوات معتاداً مثل نكتة قديمة. والآن بعد سبعة عشر عاماً من بدئه تلك الأبحاث ليس هناك من يهتم أصلاً. فهو لم يعد طبيباً نفسياً شهيراً بعد أن أهمل عيادته منذ زمن. وليس له ظهور في مؤتمرات ولا اجتماعات ولا حتى مناسبات اجتماعية . حتى أسرته أهملها. لا يتذكر أحد معارف الأسرة أنه شاهده قط يداعب ابنه أو يحمله أو حتى ينظر إليه ، ولم يكن الفتى المراهق بالمثل يسأل عنه أو يدرجه في قائمة اهتماماته . حاولت زوجته كثيرا هدم ذلك السد الذي ظهر من العدم ليفصل بين زوجها وبين العالم فجأة منذ ذلك اليوم الذي لم تنسه أبداً والذي لم يتكرر ،و كانت نتيجته الابن الحبيب والزوج الضائع. فقط ابنته هي التي ظلت على اتصال به، والوحيدة التي كانت تقتحم عليه عزلته بدون استئذان ويتعامل معها كأي أب طبيعي.
لكن د/ يوسف عاد إلى الأضواء ثانية بذلك الإعلان الذي نشر باسمه في الجرائد المصرية أولاً ثم نشر في الجرائد العالمية بعد ذلك مكلفاً ثروة كما تحدث البعض.
" د/ يوسف مصطفى . قد اكتشف علاجاً لحالة مستعصية زارته منذ سبعة عشر عاماً. فعلى المريض أيا كان اسمه وبلده أن يحضر لعيادته فوراً ليبدأ العلاج"
كل من قرأ الإعلان ظنه مزاحاً أو شفرة سرية. الأهل والزملاء تأكدوا أن الطبيب بدأ يفقد صوابه بالنداء على أشخاص وهميين في الجرائد . شخص واحد فقط قرأ الإعلان وأدرك أنه المعني به. رجل زاره منذ سبعة عشر عاماً وغير حياته ورحل على موعد آخر لم يتحقق.لم أكن قد عدت لتلك المدينة منذ سنوات طوال. وقت أن قرأت الإعلان في جريدة بريطانية قررت أن أجد طريقة للعودة. خلال تنقلاتي اليومية كان ما يشغلني هو البحث عن من تعيدني ، وفي نفس الوقت البحث عن تطورات الإعلان الذي صار مزحة مواقع التواصل الإجتماعي. حتى وصلت في ليلة لي في قرية جنوب لبنان إلى بيان أصدرته ابنته على الفيس بوك تدافع فيها عن نفسها وعن أبيها وإخلاصه العلمي ضد هجمات سخفاء المواقع والإعلام والصحف.
وجدت أخيراً طريقة العودة. مكثت عدة أيام حتى قررت الذهاب بدافع الفضول .لم يكلفني الأمر إلا ركوب تاكسي والقدوم للعيادة التي لم يتغير مكانها وإن طالتها يد الإهمال. هكذا قدمت إلى الرجل الذي أعلم أنني حطمته ذات يوم ولم أجد بعد ذلك الجرأة لاقتحام حياته مرة أخرى دون فائدة. ضغطت زر الجرس وأنا أشك أن هناك من سيرد .لكن الباب في النهاية فتح على وجه يبدو أكبر كثيراً من سنه. نظر إلي في تساؤل فقلت:
- قرأت إعلانك لي في الجريدة.
ظل الطبيب صامتاً فترة . كانت صدمة نجاح الإعلان وشكلي الحالي أكبر من استيعابها في لحظات .أخيراً تحرك عن الباب ليسمح لي بالمرور. اتجهت من فوري للمكتب وذكرى ذلك اليوم البعيد تقتحمني.
منذ سبعة عشر عاماً كان د/ يوسف مصطفى طبيباً ناجحاً جداً ،يعيش حياة زوجية تبدو للجميع مثالية مع زوجة رائعة الجمال وابنة في الثانية ملائكية الشكل. تمضي به الحياة بين نجاح مادي كبير في عمله. وفتور قاتل في علاقته بزوجته الجميلة التي لا يكاد يرى جمالها ولا حزنها.
في ذلك اليوم أتيت.قام الطبيب وشد على يدي كما ينبغي تقديراً للمبلغ الذي دفعته للتو. دعاني إلى الجلوس:
- أول مرة تشرفني؟
- تقريباً..
لم يبد الطبيب دهشة من الرد .أخذ يسأل عن البيانات الأساسية ويدونها في دفتره.
- أنا أسمعك.
اعتدلت في جلستي وفكرت ثوان قبل أن أرد:
- لا أعرف متى بدأ الأمر ولا كيف. ولا أعرف ماذا ومن كنت قبل أن يبدأ. أنا حتى مندهش أنني أعلم ما يحدث.
صمتُ لأختبر تأثير كلماتي في الطبيب ، والذي أظهر عدم دهشته:
- أستيقظ كل يوم صباحاً لأجدني في هيئة مختلفة، بجواري امرأة لا أعرفها و حولي أبناء ليسوا لي . أخرج كل يوم لأبحث عن سيارتي أحياناً أو أركب الميكروباص لعملي أحياناً ، أو أذهب إلى ورشتي أو دكاني أو حقلي أو مكتبي الرئاسي.. أقضي وقتي في العمل بصورة طبيعية. وأعود للغداء والجلوس معهم. في الليل أمارس الجنس للمرة الأولى والأخيرة معها . بمجرد أن أقذف لا أشعر بشيء حتى الصباح التالي حين أجدني مع امرأة أخرى.
أخذ يدون ما يسمعه بينما انا منشغل بمتابعة شهاداته وصوره العائلية. تعلقت عيناي بصورة له مع زوجته وعلى يدها طفلة في سنتها الأولى.
- منذ متى بدأت معك تلك الحالة.
كان صوتي محتداً وأنا أرد:
- ليست حالة. هي حقيقة.
ابتسم الطبيب بجانب فمه وهو يقول:
- متى بدأت تشعر بهذا؟
- لا أعلم بالضبط. أنا لم أعد أذكر آخر مرة كنت أحيا فيها حياة طبيعية. لكن أذكر منذ زمن لا أعرفه أنني كنت أستيقظ كل يوم صباحاً شاعراً بالفزع و مليئاً بالتساؤلات عما حدث لي ومحاولات لتذكر آخر شيء حدث لي الليلة السابقة. في البداية كنت أذكر أشياء عن حياتي الماضية. ولكن هذا في البداية فقط. صرت أتشكك بعدها هل كانت تلك الحياة الماضية حقيقية أم مجرد حلقة أخرى في متاهتي بين الزوجات والعشيقات والأسر والبلدان واللغات والوظائف.
- عندما تقول كل يوم هل تقصد أنه لم يحدث أن وجدت نفسك شخصاً معيناً أكثر من يوم؟
- حدث عدة مرات أن مكثت عدة أيام في نفس الشخصية. مثلاً مرة عشيقتي كانت في دورتها الشهرية فلم نمارس الجنس لأربعة أيام، و في مرة زوجتي كانت مسافرة في جولة غنائية مرة واحتجت عدة أيام لأحصلها .
- هل تعني أن الموضوع مرتبط بالجنس؟
- هذا ما قلته. أنني أمارس الجنس كل مرة وبمجرد أن أنتهي أغمض عيني وأفتحهما لأجد نفسي في مكان آخر.
- ولماذا لم تحاول إنهاء ذلك ؟
- كيف؟
استدار لي كلية وقال بلهجة ساخرة:
- بألا تنام مع زوجتك. أن تطلقها. أو تهجر عشيقتك مثلاً.
- هناك سببان. أولاً أنني لا أريد أن أوقف هذا لأنني ببساطة أريد أن اعود لحياتي الأولى.
- تلك التي لا تعرفها.
- نعم.
- والسبب الثاني؟
- أنني لا أستطيع المقاومة.
ابتسم ثانية بنصف فمه كأنما كان متوقعاً ما سأقوله :
- بمعنى؟
- كل زوجاتي وعشيقاتي كن ساحرات. تستطيع أن تقول أن كل منهن مثال في الجمال والجنس كما أتمناها.
- كما تتمناها في أي شخصية؟
- كما أتمناها في كل شخصياتي.
- أي أنك لا تستطيع مقاومة ألا تنام معهن.
- نعم.
أطرق قليلاً كأنما يستجمع رأيه.
- ألا ترى أن ما يحدث لك هو ربما ما يتمناه كل رجل؟
- نعم.. فراشة تاخذ من كل زهرة رشفة.
- بالضبط.. ألا يوحي لك هذا بأنك ربما تحلم؟
- فكرت في هذا.. ولكن لو كنت أحلم فيجب أن تكون هناك فترات صحو أعود فيها لحياتي الأولى. إلا لو كان حلماً داخل حلم.
مرة أخرى صمت وشرد متفكراً ثم قال:
- سأفترض أنك تقول الحقيقة، وانك غير مريض بالهلاوس، ما المطلوب مني؟
- لا أدري حقاً. كنت في طريقي للمنزل حينما لمحت اللافتة. قلت لن أخسر شيئاً لو تكلمت فأنا لن أراك ثانية.
- هناك حل.. لكني لن أبدأ به اليوم.
- لا يوجد غداً بالنسبة لي..
- أعلم ولكن يجب أن يكون هناك غد لأصدقك.
- هل تقصد أن...
- لا.. أولاً سأسجل بياناتك وأتصل بشخصيتك غداً..
- لا أعلم هل سيتذكر ما حدث أم لا..
- هذا ما سأعلمه.
بدأ الطبيب ينقل البيانات في ورقة وقال:
- هناك أمر آخر..
- ما هو؟
- عندما تصحو غداً في شخصية جديدة أرجو أن تأتي إلى هنا.
ضحكت وقلت:
- أنت فعلاً لا تصدقني..
- نعم ولكن حتى لو كنت أصدقك يجب ان أرى حالتك من جميع جوانبها.
- يمكن أن أرسل لك صديقاً يحكي لك نفس الحالة.
- كما أنك غداً.يمكن أن تدعي أنك لا تذكر شيئاً عن اليوم.أنا طبيب نفسي يا سيدي وسأكشف الكذب.
- كما اكتشفته الآن؟
- عدم تصديقي لا يعني بالضرورة أنك كاذب، ربما مهلوس.
- ولكني ربما غداً لن أكون هنا. يمكن أن أكون في أي مكان.. ليس معنى أنني أتيت إليك أنني مصري في الأصل فربما أكون في أي جنسية أخرى. كثيراً ما كنت أوروبي أو أمريكي أو حتى هندي. وأحياناً سيكون موضوع السفر صعباً حسب الشخصية وانشغلاتها وظروفها، مرة كنت رئيس جمهورية دولة في أمريكا الجنوبية.
رد الطبيب بسخرية:
- فعلا؟ من هو؟
- الغريب أنني في اليوم التالي صرت عشيقاً لفتاة في المعارضة في نفس البلد وألد أعداء الرئيس ومعرض للاعتقال معها.
هز رأسه وقال:
- قلت ما عندي. تستطيع أخذ ما دفعته لو أردت ولا تريني وجهك ثانية. أو سأنتظر منك الاتصال بي.
اتفقنا على كل شيء. وغادرته ذاهباً إلى منزلي وهناك ما يضايقني. كنت اشعر بأن هناك ما خبأته عنه دون أن أدري. لم أتذكره خلال الطريق ، ولا بعد أن مكثت بالمنزل منتظراً زوجتي المذيعة الشهيرة في إحدى القنوات الفضائية. أتت متعبة مثل كل ليلة. لم تتوقع من زوجها أن ينتظرها بعشاء فاخر صنعه بنفسه وباقة من الورد. استعادت نشاطها جزئياً لتشاطره تلك الليلة التي لم تحدث منذ سنوات. فكرت في كلامه لكنها كانت أشهى مما أحتمل. وهي بعد تلك المعاملة الزوجية الاستثنائية لم تمهلني الفرصة. وجدتها تنتظرني بروب قصير يكشف ساقيها الفاتنتين ويلتصق على مؤخرة طالما ألهبت خيال جمهورها. حملتها بسهولة تتناسب مع جسدي المفتول وقتها . تبادلنا القبلات الساخنة في الطريق للفراش وقد انهارت قواي فسمحت لها بالسقوط لاعتصر ثديها و مداعباً جسدها باليد التي مازالت حرة. رميتها على الفراش بعنف وهي تموء كالقطة وتغريني بالتقلب مظهرة عريها الكامل. قفز لذاكرتي فجأة ذلك الشيء الذي خبأته عنه . ذلك اليوم عندما كنت رئيس جمهورية دولة لاتينية و أحد المساعدين يريني صورة للفتاة المعارضة التي يريدون اعتقالها. لم أسمع من كلامه شيئاً فقد انجذبت لجمال الفتاة بشدة. أعطيته الصورة وقلت له أن يؤجل ذلك الاعتقال قليلاً. هكذا وأنا ارقد على ظهري وزوجتي المذيعة الشهيرة تمتطيني وتئن بينما التقم ثديها. حينها فقط عرفت ما خبأته. أنني أذهب للنساء اللاتي أعجب بهن في حياة أخرى. رغم ذلك لم أدرك أهمية هذا الخبر وأنا في ذروتي وصراخ زوجتي يلهب إحساسي برجولتي حتى انتهيت وحينها- كالعادة – أظلمت الدنيا .
عندما استيقظت ونظرت في المرآة لأعرف شكلي أدركت المشكلة. فأمامي في المرآة كان يقف د/ يوسف مصطفى.
كان ينظر إلي كأنما ينتظر أن أتحدث أولاً. لم أجد ما أقوله سوى:
- أنا آسف.
- هل تعلم أن زوجتي أنجبت؟
لم أستوعب للحظات ما يريد قوله ثم صدمتني الحقيقة:
- هل تعني....
- نعم ابنك و أربيه لك..
- ولكن يا دكتور إنه ابنك.
ضحك وكأن الموضوع لا يعنيه وقال:
- هو يشبهني. ولكن لست أنا من نام مع زوجتي يومها.
أدركت أي مأساة يعيشها هذا الرجل. ليس فقط تذكر ما حدث ولكن أيضاً نتيجته التي أجبر على تحملها لأن لا أحد سيصدق كلمة مما سيقولها لو أنكر نسب الابن. عندما كنت في جسده وتطلعت لجمال زوجته أدركت أي ورطة أنا فيها. هي ظلت طوال الإفطار تراقب حركاتي ونظرتي لها . وهي تقدم لي القهوة كانت بدلت ملابسها وقد أدركت أن هناك شيئاً كان ميتاً بيننا وقد بعث اليوم. قاومت فكرة أن أبدأ الآن فقد قررت أن أزور الرجل الذي كنته بالأمس. ليس فقط لأحقق رغبة الطبيب، ولكن أيضاً لأعرف ما سيشعر به الطبيب في اليوم التالي.
- وبالرغم من أنك عرفت بأن الشخص لا ينسى ما فعله اليوم السابق، وأنه سيظن أنه كان يحلم على الأرجح أو كان يمر بحالة نفسية مؤقتة. إلا أنك أكملت ونمت معها.
- وماذا كنت سأفعل لأخرج من جسدك غير هذا؟
صمت قليلاً مفحماً بمنطقي ولكنه أشاح بوجهه متألماً وقال:
- أم أنك لم تستطع المقاومة.
نعم كيف كان لي أن أقاوم. عند ذهابي لزوج المذيعة الذي تذكرني كطبيب ذهب إليه وإن لم يفهم ماذا أصابه يومها. سألته عن علاقته بزوجته فقال لي إنه راح في إغفاءة ليلة أمس واستيقظ ليحد نفسه عارياً وزوجته تعامله كما لم يحدث منذ شهر العسل. وأنها منذ الصباح تهاتفه كل ربع ساعة حتى أضجرته. بعد أن عدت وقد أدركت أن ممارسة الجنس ستمحى من ذاكرة الطبيب وإن كان سيعرف بما حدث. كانت الزوجة تعد الغداء في حماسة حين فوجئت بعودتي .كانت ترتدي مريلة الطهو فوق شورت ساخن وحمالة صدر رائعة. فكرت في أن أفاجئها في المطبخ ولكن أجلت الموضوع حتى الليل كي لا يفيق الطبيب إلا اليوم التالي.
- هل تتذكر ما حدث معها؟
أخرجتني جملته من ذكرياتي. تمالكت نفسي وقلت:
- هل لديك العلاج حقاً؟
أومأ عدة مرات فقلت:
- ولكنني لم أعد أريد.
كان ما قلته صادماً له بحق. حملق في متشككاً وقال:
- كيف هذا؟ ألم يكن هذا هو طلبك في المقام الأول؟
لم أعلم كيف أعبر عن الأمر.. هناك شيء في الأيام القليلة الماضية جعل رغبتي في العودة تفتر.
- نعم ..ولكنني أحب...
صرخ مستنكراً:
- تحب؟ بعد أن حطمت حياتي تحب؟ طبعاً حب عذري.
أومأت فهيئة المراهق التي أنا فيها الآن وكلمة الحب التي نطقت بها ليس لها علاقة بالحيوان الجنسي الذي يتنقل بين النساء.
- وماذا ستفعل حين تطلب منك الزواج؟ أنت تؤجل الأمر لا أكثر.
- عندي أمل..
أوقفني بحركة من يده وقال:
- عندك أمل أن تتزوجا ذات يوم وتظل معها. وإذا لم يحدث؟ أمامك فرصة الآن قبل أن تنتظر سنوات ثم تجد نفسك فارقتها بعد أول لحظة سعادة. وحينها لن تجدني. ثم أنك مدين لي بسبعة عشر عاماً من العذاب والعمل.
- مالك واثق هكذا بأن ذلك سيؤثر عليك.
- المفترض حسب نظريتي أن الوحيد المتأثر هو أنت وأسرتك الأصلية .فأنت فيما يشبه الحلم وهم توقفت حياتهم في انتظار أن تعود من حلمك . جميع من تداخلت معهم في أحلامك لم يتأثروا لجهلهم لكن بسبب ما حدث تداخلت معك في حلمك وعلقت معك . لذلك فأنا مثل أسرتك أنتظر أن تعود وحينها أكيد هناك ما سيتغير.
ترددت قليلاً .. كنت أخشى أن أصارحه بالحقيقة فأقتله غماً. ربما احتمل الصدمة الأولى في شبابه لكن الآن لا أحد يعرف كيف سيكون رده. علي أن أرحل ولو كنت أريد البقاء. سألت:
- وكيف ستعيدني؟
تنهد وقد استراح من فكرة أنني سأتركه.
- بحثت كثيراً عن قصص حالات تشبهك. هناك من يؤمن بتناسخ الأرواح وأنه كان روح شخص آخر في مكان وزمان آخرين . واتجهت الأبحاث حينها بوسيلة للاتصال بشخصيته الأخرى أو رؤية ما مرت به. قرأت روايات عن أشخاص يتكرر يومهم أو تتغير حياتهم بتغير حدث معين كل مرة .لكن لم يكن هنا حالة واحدة تشبهك ولا حالة لها تفسير نفسي. التنويم المغناطيسي حل لكني لا أعرف كم من الوقت تحتاج لترتحل عبر جميع شخصياتك لتصل للأصل لذلك فهناك وسيلة واحدة.
- ما هي؟
- هي بالتنويم ولكن... لا أريد أن أشرح لك قبل أن أجرب..أفضل أن تخضع للتنويم أولاً.
عندما استيقظت كان يبتسم. قال باختصار:
- أعتقد أننا نجحنا.
لم يمر أكثر من ساعتين على نومي فسألته:
- ماذا فعلت؟
قال في بساطة:
- لا شيء. كان لي سؤال أسأله لنفسي كل يوم منذ أن استيقظت ذات يوم ووجدت نفسي عارياً في حضن زوجتي وهي تتمتم بكلمات عن "الليلة الرائعة". منذ أن صرت هذا الإنسان وأنا أتساءل : ما الذي جعلك هكذا ؟ ما سبب تلك الحالة. أعتقد أن ما أنت فيه هو حلم ناتج عن تعاسة ما. أغلب الظن أنه إحباط جنسي, خمنت أنك في حياتك الأصلية متزوج من امرأة لا تمتعك . تشعر مع كل نظرة لكل فتاة جميلة أنك تعيس بزواجك وأنك خسرت بالزواج فرصة أن تكون مع تلك الفتاة. وأن حياتك العاطفية ليست على ما يرام. تخيل لو فكرت في هذا كل مرة تشاهد فتاة جميلة في الشارع أو التلفاز . حلمك هو تجسيد لما تمنيته. نساء جميلات- شهيات- ماكينات جنسية – وقدراتك في أفضل حالاتها . لذلك ما أبحث عنه هو عكس كل هذا. مرت سنوات حتى توصلت لتلك النتيجة ولكيف سأضع يدي على الشخصية الحقيقية. لذلك فكل ما فعلته منذ أن نمت هو أنني سألتك عن آخر إحباط جنسي مررت به في حياتك. كانت الإجابة سريعة بالنسبة لشخص هجرته منذ ربع قرن.
- هل.. هل وجدتني؟
- نعم.. لقد وجدتك أو قل أنت وجدت نفسك.
سألت وقد بدأت فكرة الرحيل تسعدني رغم كل شيء:
- والآن هل سأنام وأستيقظ لأجدني عدت؟
- ليس بالضبط. أعتقد أنك ستخوض التجربة مرة أخرى.
- تقصد أن...
- نعم ومع فتاتك فأنت هنا من أجلها.
- ولكن هذا مستحيل.. هذه ..نذالة.
- كل شيء سيمحى بمجرد أن تفعل..
لم يكن هناك بد من المصارحة:
- هناك شيء آخر..
- ما هو؟
- هي.. ابنتك.
مرت لحظات ثقيلة من الصمت. حاولت تخيل ما سيفكر فيه. حتى وهو يحلم بالخلاص يجد أن الثمن ابنته.
- كيف وصلت لابنتي؟
لم أكن هذا هو السؤال الذي توقعته.
- كنت في لندن عندما قرأت إعلانك، وأخذت طوال الأيام التالية أبحث عن طريقة للعودة إذ لم أكن قادراً على السفر. وفي نفس الوقت عن أتابع اسمك لأعلم تبعات الإعلان فوجدت ابنتك على الفيس بوك تنشر...
- وعندما رأيت صورتها ذكرك جمالها بجمال أمها؟
كان هذا هو ما أخشاه.. أنا نفسي عندما وجدتني أجلس جانبها في الكلية ونتبادل الابتسام، تساءلت كيف أحب فتاة نمت مع أمها في حياة أخرى.
- أنت تعلم أنني لا أختار ولا أقصد أن اذهب لأي امرأة. و في نفس الوقت لولا هذا لما كنت أمامك الآن.
صمت ثانية وقد ابيض وجهه وغرق في عرقه.
- والآن المفترض أن أقدم ابنتي لفراشك على أمل أن أعود لحياتي الأولى.
عرضت فكرة خطرت لي:
- يمكن أن أتزوجها.
أشاح بيده لغباء الفكرة:
- ويستيقظ صديقها اليوم التالي ليجد أنه تورط فيطلقها.
- ولكنك قلت أن كل شيء سيمحى. ألا تؤمن بما قلته؟
- بلى .أنا أريد ذلك. أؤمن به لأنه خلاصي. فلو عدت لنفس العصر ستصير شيخاً ويصير كل هذا إلى لا شيء وأظل أنا رجل تعيس ينظر لوجه ابنه ولا يستطيع أن يحبه. و ربما الآن ينظر لوجه ابنته ويرى أي جريمة ارتكب ليخلص نفسه. الأمر بيدك .لقد فعلت ما علي ولن أملي عليك شيئاً. سأجلس هنا وأنتظر أن يتغير شيء أو أن يأتيني الموت أخيراً.
قبل أن أغادر الطبيب للأبد قلت له شيئاً:
- اسمح لي. أعرف أن ما سأقوله مؤلماً وربما متأخراً وبلا معنى. زوجتك كانت تحبك. ولكنها كانت تشعر دائماً أنك تفحصها بنظراتك. إذا عدت لحياتك السابقة يوماً فكن حريصاً على أن تنظر زوجتك بفضول الرجل لا الطبيب. جل ما يريده الرجل وهو ينظر لأمرأة أن يعريها. لكن نظرة الطبيب .. أنت تعلم.. لا ترى اللحم.
تركته دون أن أنتظر رداً. لم أنظر خلفي أبداً. من العيادة للشارع للمنزل. لم أقرر شيئاً طوال الأيام التالية. لم أكن أتعجل المغادرة منذ أن قابلتها على أي حال. والآن صار لدي سبب للتمهل. وهو كما قال لن يفعل شيئاً ولكنه سينتظر. لم ينتظر طويلاً. بل لعله لم ينتظر ولا ساعة. فقد علمت بعد بضعة أيام أنه مات في عيادته على كرسيه حيث تركته، وأنه ظل في مكانه حتى تعفنت جثته وأجبرت رائحته الجيران على اقتحام الشقة. لم أترك ابنته طوال الأيام والأشهر التالية. كنت لها أكثر من صديق. تعرفت على أمها وأخيها. لا أصدق ما فعلته بهذه العائلة. وهبت نفسي لهم فأنا عاشق وأب وزوج وجاني. كنت أساعدهم في أي مشكلة، أزورهم وهم من لا يجدون من يصل عائلة اتهم عائلها بالجنون والكفر. صار الكل مع الوقت يعلم بقصة الحب وينتظر أن تكلل بالزواج. خطبتها في السنة النهائية وعقدنا القران بعد التخرج و زفت إلي منذ عدة ساعات. هي نائمة الآن وقد قررت ألا أقربها قبل أن أكتب حكايتي . لا أعلم حقاً ماذا أريد. هل السعادة أن أعيش معها ولو كان كل هذا محض حلم ، أم أعود لحياتي الأولى و أواجه ذلك الألم وتلك التعاسة الذين هربت منهما لسنوات. وضعت ما كتبته في مظروف وخبأته في حقيبة ملابسي دون أن أعلم له قيمة. اقتربت منها وهي في ملابسها الشفافة تنام مطمئنة. أيقظتها في حنان غامراً إياها بقبلات بدت لي كالوداع.خلعت ملابسها في بساطة وهي مستسلمة بقلق العذراء لما ينتظرها.كنت تعيساً أنني لم يهمني جمالها ولا عريها الرائع ولا ثدييها الصلبان كثمرة برتقال تغري بالاعتصار. لم يهمني خوفها ولا تشنجها في محاولتي الأولى. كنت أحبها ولكنني أريد الخلاص. رغم مهارتي إلا أنني بصعوبة دخلت ولم أستمتع ولا هي استمتعت .بمجرد أن انتهيت نظرت إليها مطولاً في حب وهي تبتسم وقد عبرت مرحلة القلق. تمنيت أن أمكث معها لأفعلها ثانية بهدوء وحب . لم أرد أن أغمض عيني لكي لا أفقدها. أقسمت وأنا مازلت معها إن وجدتها في الصباح بجانبي أن أسعدها حتى الممات لأكون قد قضيت ديني لأبيها ولعائلته. وإن تحققت توقعات الأب و عدت لحياتي أن أصلح ما أفسدته . وعدت نفسي أن أرحل عن التعاسة وأظل منتظراً تلك الفتاة التي أحببتها أن تولد لأصلح ما أخطأت به. و حينها سيكون الأب أيضاً عاد لتلك اللحظة التي سبقت لقاءه بي. لعله يتذكر شيئاً من خبرته معي. من نصيحتي له. كان النوم يسحبني ولا وقت لنمارس الحب ثانية، ولا لعناق أخير ولا قبلة. ودعتها بابتسامة مبللة بالدموع و استسلمت أخيراً وأغمضت عيني منتظراً أن تحدث العجائب.
لكن د/ يوسف عاد إلى الأضواء ثانية بذلك الإعلان الذي نشر باسمه في الجرائد المصرية أولاً ثم نشر في الجرائد العالمية بعد ذلك مكلفاً ثروة كما تحدث البعض.
" د/ يوسف مصطفى . قد اكتشف علاجاً لحالة مستعصية زارته منذ سبعة عشر عاماً. فعلى المريض أيا كان اسمه وبلده أن يحضر لعيادته فوراً ليبدأ العلاج"
كل من قرأ الإعلان ظنه مزاحاً أو شفرة سرية. الأهل والزملاء تأكدوا أن الطبيب بدأ يفقد صوابه بالنداء على أشخاص وهميين في الجرائد . شخص واحد فقط قرأ الإعلان وأدرك أنه المعني به. رجل زاره منذ سبعة عشر عاماً وغير حياته ورحل على موعد آخر لم يتحقق.لم أكن قد عدت لتلك المدينة منذ سنوات طوال. وقت أن قرأت الإعلان في جريدة بريطانية قررت أن أجد طريقة للعودة. خلال تنقلاتي اليومية كان ما يشغلني هو البحث عن من تعيدني ، وفي نفس الوقت البحث عن تطورات الإعلان الذي صار مزحة مواقع التواصل الإجتماعي. حتى وصلت في ليلة لي في قرية جنوب لبنان إلى بيان أصدرته ابنته على الفيس بوك تدافع فيها عن نفسها وعن أبيها وإخلاصه العلمي ضد هجمات سخفاء المواقع والإعلام والصحف.
وجدت أخيراً طريقة العودة. مكثت عدة أيام حتى قررت الذهاب بدافع الفضول .لم يكلفني الأمر إلا ركوب تاكسي والقدوم للعيادة التي لم يتغير مكانها وإن طالتها يد الإهمال. هكذا قدمت إلى الرجل الذي أعلم أنني حطمته ذات يوم ولم أجد بعد ذلك الجرأة لاقتحام حياته مرة أخرى دون فائدة. ضغطت زر الجرس وأنا أشك أن هناك من سيرد .لكن الباب في النهاية فتح على وجه يبدو أكبر كثيراً من سنه. نظر إلي في تساؤل فقلت:
- قرأت إعلانك لي في الجريدة.
ظل الطبيب صامتاً فترة . كانت صدمة نجاح الإعلان وشكلي الحالي أكبر من استيعابها في لحظات .أخيراً تحرك عن الباب ليسمح لي بالمرور. اتجهت من فوري للمكتب وذكرى ذلك اليوم البعيد تقتحمني.
منذ سبعة عشر عاماً كان د/ يوسف مصطفى طبيباً ناجحاً جداً ،يعيش حياة زوجية تبدو للجميع مثالية مع زوجة رائعة الجمال وابنة في الثانية ملائكية الشكل. تمضي به الحياة بين نجاح مادي كبير في عمله. وفتور قاتل في علاقته بزوجته الجميلة التي لا يكاد يرى جمالها ولا حزنها.
في ذلك اليوم أتيت.قام الطبيب وشد على يدي كما ينبغي تقديراً للمبلغ الذي دفعته للتو. دعاني إلى الجلوس:
- أول مرة تشرفني؟
- تقريباً..
لم يبد الطبيب دهشة من الرد .أخذ يسأل عن البيانات الأساسية ويدونها في دفتره.
- أنا أسمعك.
اعتدلت في جلستي وفكرت ثوان قبل أن أرد:
- لا أعرف متى بدأ الأمر ولا كيف. ولا أعرف ماذا ومن كنت قبل أن يبدأ. أنا حتى مندهش أنني أعلم ما يحدث.
صمتُ لأختبر تأثير كلماتي في الطبيب ، والذي أظهر عدم دهشته:
- أستيقظ كل يوم صباحاً لأجدني في هيئة مختلفة، بجواري امرأة لا أعرفها و حولي أبناء ليسوا لي . أخرج كل يوم لأبحث عن سيارتي أحياناً أو أركب الميكروباص لعملي أحياناً ، أو أذهب إلى ورشتي أو دكاني أو حقلي أو مكتبي الرئاسي.. أقضي وقتي في العمل بصورة طبيعية. وأعود للغداء والجلوس معهم. في الليل أمارس الجنس للمرة الأولى والأخيرة معها . بمجرد أن أقذف لا أشعر بشيء حتى الصباح التالي حين أجدني مع امرأة أخرى.
أخذ يدون ما يسمعه بينما انا منشغل بمتابعة شهاداته وصوره العائلية. تعلقت عيناي بصورة له مع زوجته وعلى يدها طفلة في سنتها الأولى.
- منذ متى بدأت معك تلك الحالة.
كان صوتي محتداً وأنا أرد:
- ليست حالة. هي حقيقة.
ابتسم الطبيب بجانب فمه وهو يقول:
- متى بدأت تشعر بهذا؟
- لا أعلم بالضبط. أنا لم أعد أذكر آخر مرة كنت أحيا فيها حياة طبيعية. لكن أذكر منذ زمن لا أعرفه أنني كنت أستيقظ كل يوم صباحاً شاعراً بالفزع و مليئاً بالتساؤلات عما حدث لي ومحاولات لتذكر آخر شيء حدث لي الليلة السابقة. في البداية كنت أذكر أشياء عن حياتي الماضية. ولكن هذا في البداية فقط. صرت أتشكك بعدها هل كانت تلك الحياة الماضية حقيقية أم مجرد حلقة أخرى في متاهتي بين الزوجات والعشيقات والأسر والبلدان واللغات والوظائف.
- عندما تقول كل يوم هل تقصد أنه لم يحدث أن وجدت نفسك شخصاً معيناً أكثر من يوم؟
- حدث عدة مرات أن مكثت عدة أيام في نفس الشخصية. مثلاً مرة عشيقتي كانت في دورتها الشهرية فلم نمارس الجنس لأربعة أيام، و في مرة زوجتي كانت مسافرة في جولة غنائية مرة واحتجت عدة أيام لأحصلها .
- هل تعني أن الموضوع مرتبط بالجنس؟
- هذا ما قلته. أنني أمارس الجنس كل مرة وبمجرد أن أنتهي أغمض عيني وأفتحهما لأجد نفسي في مكان آخر.
- ولماذا لم تحاول إنهاء ذلك ؟
- كيف؟
استدار لي كلية وقال بلهجة ساخرة:
- بألا تنام مع زوجتك. أن تطلقها. أو تهجر عشيقتك مثلاً.
- هناك سببان. أولاً أنني لا أريد أن أوقف هذا لأنني ببساطة أريد أن اعود لحياتي الأولى.
- تلك التي لا تعرفها.
- نعم.
- والسبب الثاني؟
- أنني لا أستطيع المقاومة.
ابتسم ثانية بنصف فمه كأنما كان متوقعاً ما سأقوله :
- بمعنى؟
- كل زوجاتي وعشيقاتي كن ساحرات. تستطيع أن تقول أن كل منهن مثال في الجمال والجنس كما أتمناها.
- كما تتمناها في أي شخصية؟
- كما أتمناها في كل شخصياتي.
- أي أنك لا تستطيع مقاومة ألا تنام معهن.
- نعم.
أطرق قليلاً كأنما يستجمع رأيه.
- ألا ترى أن ما يحدث لك هو ربما ما يتمناه كل رجل؟
- نعم.. فراشة تاخذ من كل زهرة رشفة.
- بالضبط.. ألا يوحي لك هذا بأنك ربما تحلم؟
- فكرت في هذا.. ولكن لو كنت أحلم فيجب أن تكون هناك فترات صحو أعود فيها لحياتي الأولى. إلا لو كان حلماً داخل حلم.
مرة أخرى صمت وشرد متفكراً ثم قال:
- سأفترض أنك تقول الحقيقة، وانك غير مريض بالهلاوس، ما المطلوب مني؟
- لا أدري حقاً. كنت في طريقي للمنزل حينما لمحت اللافتة. قلت لن أخسر شيئاً لو تكلمت فأنا لن أراك ثانية.
- هناك حل.. لكني لن أبدأ به اليوم.
- لا يوجد غداً بالنسبة لي..
- أعلم ولكن يجب أن يكون هناك غد لأصدقك.
- هل تقصد أن...
- لا.. أولاً سأسجل بياناتك وأتصل بشخصيتك غداً..
- لا أعلم هل سيتذكر ما حدث أم لا..
- هذا ما سأعلمه.
بدأ الطبيب ينقل البيانات في ورقة وقال:
- هناك أمر آخر..
- ما هو؟
- عندما تصحو غداً في شخصية جديدة أرجو أن تأتي إلى هنا.
ضحكت وقلت:
- أنت فعلاً لا تصدقني..
- نعم ولكن حتى لو كنت أصدقك يجب ان أرى حالتك من جميع جوانبها.
- يمكن أن أرسل لك صديقاً يحكي لك نفس الحالة.
- كما أنك غداً.يمكن أن تدعي أنك لا تذكر شيئاً عن اليوم.أنا طبيب نفسي يا سيدي وسأكشف الكذب.
- كما اكتشفته الآن؟
- عدم تصديقي لا يعني بالضرورة أنك كاذب، ربما مهلوس.
- ولكني ربما غداً لن أكون هنا. يمكن أن أكون في أي مكان.. ليس معنى أنني أتيت إليك أنني مصري في الأصل فربما أكون في أي جنسية أخرى. كثيراً ما كنت أوروبي أو أمريكي أو حتى هندي. وأحياناً سيكون موضوع السفر صعباً حسب الشخصية وانشغلاتها وظروفها، مرة كنت رئيس جمهورية دولة في أمريكا الجنوبية.
رد الطبيب بسخرية:
- فعلا؟ من هو؟
- الغريب أنني في اليوم التالي صرت عشيقاً لفتاة في المعارضة في نفس البلد وألد أعداء الرئيس ومعرض للاعتقال معها.
هز رأسه وقال:
- قلت ما عندي. تستطيع أخذ ما دفعته لو أردت ولا تريني وجهك ثانية. أو سأنتظر منك الاتصال بي.
اتفقنا على كل شيء. وغادرته ذاهباً إلى منزلي وهناك ما يضايقني. كنت اشعر بأن هناك ما خبأته عنه دون أن أدري. لم أتذكره خلال الطريق ، ولا بعد أن مكثت بالمنزل منتظراً زوجتي المذيعة الشهيرة في إحدى القنوات الفضائية. أتت متعبة مثل كل ليلة. لم تتوقع من زوجها أن ينتظرها بعشاء فاخر صنعه بنفسه وباقة من الورد. استعادت نشاطها جزئياً لتشاطره تلك الليلة التي لم تحدث منذ سنوات. فكرت في كلامه لكنها كانت أشهى مما أحتمل. وهي بعد تلك المعاملة الزوجية الاستثنائية لم تمهلني الفرصة. وجدتها تنتظرني بروب قصير يكشف ساقيها الفاتنتين ويلتصق على مؤخرة طالما ألهبت خيال جمهورها. حملتها بسهولة تتناسب مع جسدي المفتول وقتها . تبادلنا القبلات الساخنة في الطريق للفراش وقد انهارت قواي فسمحت لها بالسقوط لاعتصر ثديها و مداعباً جسدها باليد التي مازالت حرة. رميتها على الفراش بعنف وهي تموء كالقطة وتغريني بالتقلب مظهرة عريها الكامل. قفز لذاكرتي فجأة ذلك الشيء الذي خبأته عنه . ذلك اليوم عندما كنت رئيس جمهورية دولة لاتينية و أحد المساعدين يريني صورة للفتاة المعارضة التي يريدون اعتقالها. لم أسمع من كلامه شيئاً فقد انجذبت لجمال الفتاة بشدة. أعطيته الصورة وقلت له أن يؤجل ذلك الاعتقال قليلاً. هكذا وأنا ارقد على ظهري وزوجتي المذيعة الشهيرة تمتطيني وتئن بينما التقم ثديها. حينها فقط عرفت ما خبأته. أنني أذهب للنساء اللاتي أعجب بهن في حياة أخرى. رغم ذلك لم أدرك أهمية هذا الخبر وأنا في ذروتي وصراخ زوجتي يلهب إحساسي برجولتي حتى انتهيت وحينها- كالعادة – أظلمت الدنيا .
عندما استيقظت ونظرت في المرآة لأعرف شكلي أدركت المشكلة. فأمامي في المرآة كان يقف د/ يوسف مصطفى.
كان ينظر إلي كأنما ينتظر أن أتحدث أولاً. لم أجد ما أقوله سوى:
- أنا آسف.
- هل تعلم أن زوجتي أنجبت؟
لم أستوعب للحظات ما يريد قوله ثم صدمتني الحقيقة:
- هل تعني....
- نعم ابنك و أربيه لك..
- ولكن يا دكتور إنه ابنك.
ضحك وكأن الموضوع لا يعنيه وقال:
- هو يشبهني. ولكن لست أنا من نام مع زوجتي يومها.
أدركت أي مأساة يعيشها هذا الرجل. ليس فقط تذكر ما حدث ولكن أيضاً نتيجته التي أجبر على تحملها لأن لا أحد سيصدق كلمة مما سيقولها لو أنكر نسب الابن. عندما كنت في جسده وتطلعت لجمال زوجته أدركت أي ورطة أنا فيها. هي ظلت طوال الإفطار تراقب حركاتي ونظرتي لها . وهي تقدم لي القهوة كانت بدلت ملابسها وقد أدركت أن هناك شيئاً كان ميتاً بيننا وقد بعث اليوم. قاومت فكرة أن أبدأ الآن فقد قررت أن أزور الرجل الذي كنته بالأمس. ليس فقط لأحقق رغبة الطبيب، ولكن أيضاً لأعرف ما سيشعر به الطبيب في اليوم التالي.
- وبالرغم من أنك عرفت بأن الشخص لا ينسى ما فعله اليوم السابق، وأنه سيظن أنه كان يحلم على الأرجح أو كان يمر بحالة نفسية مؤقتة. إلا أنك أكملت ونمت معها.
- وماذا كنت سأفعل لأخرج من جسدك غير هذا؟
صمت قليلاً مفحماً بمنطقي ولكنه أشاح بوجهه متألماً وقال:
- أم أنك لم تستطع المقاومة.
نعم كيف كان لي أن أقاوم. عند ذهابي لزوج المذيعة الذي تذكرني كطبيب ذهب إليه وإن لم يفهم ماذا أصابه يومها. سألته عن علاقته بزوجته فقال لي إنه راح في إغفاءة ليلة أمس واستيقظ ليحد نفسه عارياً وزوجته تعامله كما لم يحدث منذ شهر العسل. وأنها منذ الصباح تهاتفه كل ربع ساعة حتى أضجرته. بعد أن عدت وقد أدركت أن ممارسة الجنس ستمحى من ذاكرة الطبيب وإن كان سيعرف بما حدث. كانت الزوجة تعد الغداء في حماسة حين فوجئت بعودتي .كانت ترتدي مريلة الطهو فوق شورت ساخن وحمالة صدر رائعة. فكرت في أن أفاجئها في المطبخ ولكن أجلت الموضوع حتى الليل كي لا يفيق الطبيب إلا اليوم التالي.
- هل تتذكر ما حدث معها؟
أخرجتني جملته من ذكرياتي. تمالكت نفسي وقلت:
- هل لديك العلاج حقاً؟
أومأ عدة مرات فقلت:
- ولكنني لم أعد أريد.
كان ما قلته صادماً له بحق. حملق في متشككاً وقال:
- كيف هذا؟ ألم يكن هذا هو طلبك في المقام الأول؟
لم أعلم كيف أعبر عن الأمر.. هناك شيء في الأيام القليلة الماضية جعل رغبتي في العودة تفتر.
- نعم ..ولكنني أحب...
صرخ مستنكراً:
- تحب؟ بعد أن حطمت حياتي تحب؟ طبعاً حب عذري.
أومأت فهيئة المراهق التي أنا فيها الآن وكلمة الحب التي نطقت بها ليس لها علاقة بالحيوان الجنسي الذي يتنقل بين النساء.
- وماذا ستفعل حين تطلب منك الزواج؟ أنت تؤجل الأمر لا أكثر.
- عندي أمل..
أوقفني بحركة من يده وقال:
- عندك أمل أن تتزوجا ذات يوم وتظل معها. وإذا لم يحدث؟ أمامك فرصة الآن قبل أن تنتظر سنوات ثم تجد نفسك فارقتها بعد أول لحظة سعادة. وحينها لن تجدني. ثم أنك مدين لي بسبعة عشر عاماً من العذاب والعمل.
- مالك واثق هكذا بأن ذلك سيؤثر عليك.
- المفترض حسب نظريتي أن الوحيد المتأثر هو أنت وأسرتك الأصلية .فأنت فيما يشبه الحلم وهم توقفت حياتهم في انتظار أن تعود من حلمك . جميع من تداخلت معهم في أحلامك لم يتأثروا لجهلهم لكن بسبب ما حدث تداخلت معك في حلمك وعلقت معك . لذلك فأنا مثل أسرتك أنتظر أن تعود وحينها أكيد هناك ما سيتغير.
ترددت قليلاً .. كنت أخشى أن أصارحه بالحقيقة فأقتله غماً. ربما احتمل الصدمة الأولى في شبابه لكن الآن لا أحد يعرف كيف سيكون رده. علي أن أرحل ولو كنت أريد البقاء. سألت:
- وكيف ستعيدني؟
تنهد وقد استراح من فكرة أنني سأتركه.
- بحثت كثيراً عن قصص حالات تشبهك. هناك من يؤمن بتناسخ الأرواح وأنه كان روح شخص آخر في مكان وزمان آخرين . واتجهت الأبحاث حينها بوسيلة للاتصال بشخصيته الأخرى أو رؤية ما مرت به. قرأت روايات عن أشخاص يتكرر يومهم أو تتغير حياتهم بتغير حدث معين كل مرة .لكن لم يكن هنا حالة واحدة تشبهك ولا حالة لها تفسير نفسي. التنويم المغناطيسي حل لكني لا أعرف كم من الوقت تحتاج لترتحل عبر جميع شخصياتك لتصل للأصل لذلك فهناك وسيلة واحدة.
- ما هي؟
- هي بالتنويم ولكن... لا أريد أن أشرح لك قبل أن أجرب..أفضل أن تخضع للتنويم أولاً.
عندما استيقظت كان يبتسم. قال باختصار:
- أعتقد أننا نجحنا.
لم يمر أكثر من ساعتين على نومي فسألته:
- ماذا فعلت؟
قال في بساطة:
- لا شيء. كان لي سؤال أسأله لنفسي كل يوم منذ أن استيقظت ذات يوم ووجدت نفسي عارياً في حضن زوجتي وهي تتمتم بكلمات عن "الليلة الرائعة". منذ أن صرت هذا الإنسان وأنا أتساءل : ما الذي جعلك هكذا ؟ ما سبب تلك الحالة. أعتقد أن ما أنت فيه هو حلم ناتج عن تعاسة ما. أغلب الظن أنه إحباط جنسي, خمنت أنك في حياتك الأصلية متزوج من امرأة لا تمتعك . تشعر مع كل نظرة لكل فتاة جميلة أنك تعيس بزواجك وأنك خسرت بالزواج فرصة أن تكون مع تلك الفتاة. وأن حياتك العاطفية ليست على ما يرام. تخيل لو فكرت في هذا كل مرة تشاهد فتاة جميلة في الشارع أو التلفاز . حلمك هو تجسيد لما تمنيته. نساء جميلات- شهيات- ماكينات جنسية – وقدراتك في أفضل حالاتها . لذلك ما أبحث عنه هو عكس كل هذا. مرت سنوات حتى توصلت لتلك النتيجة ولكيف سأضع يدي على الشخصية الحقيقية. لذلك فكل ما فعلته منذ أن نمت هو أنني سألتك عن آخر إحباط جنسي مررت به في حياتك. كانت الإجابة سريعة بالنسبة لشخص هجرته منذ ربع قرن.
- هل.. هل وجدتني؟
- نعم.. لقد وجدتك أو قل أنت وجدت نفسك.
سألت وقد بدأت فكرة الرحيل تسعدني رغم كل شيء:
- والآن هل سأنام وأستيقظ لأجدني عدت؟
- ليس بالضبط. أعتقد أنك ستخوض التجربة مرة أخرى.
- تقصد أن...
- نعم ومع فتاتك فأنت هنا من أجلها.
- ولكن هذا مستحيل.. هذه ..نذالة.
- كل شيء سيمحى بمجرد أن تفعل..
لم يكن هناك بد من المصارحة:
- هناك شيء آخر..
- ما هو؟
- هي.. ابنتك.
مرت لحظات ثقيلة من الصمت. حاولت تخيل ما سيفكر فيه. حتى وهو يحلم بالخلاص يجد أن الثمن ابنته.
- كيف وصلت لابنتي؟
لم أكن هذا هو السؤال الذي توقعته.
- كنت في لندن عندما قرأت إعلانك، وأخذت طوال الأيام التالية أبحث عن طريقة للعودة إذ لم أكن قادراً على السفر. وفي نفس الوقت عن أتابع اسمك لأعلم تبعات الإعلان فوجدت ابنتك على الفيس بوك تنشر...
- وعندما رأيت صورتها ذكرك جمالها بجمال أمها؟
كان هذا هو ما أخشاه.. أنا نفسي عندما وجدتني أجلس جانبها في الكلية ونتبادل الابتسام، تساءلت كيف أحب فتاة نمت مع أمها في حياة أخرى.
- أنت تعلم أنني لا أختار ولا أقصد أن اذهب لأي امرأة. و في نفس الوقت لولا هذا لما كنت أمامك الآن.
صمت ثانية وقد ابيض وجهه وغرق في عرقه.
- والآن المفترض أن أقدم ابنتي لفراشك على أمل أن أعود لحياتي الأولى.
عرضت فكرة خطرت لي:
- يمكن أن أتزوجها.
أشاح بيده لغباء الفكرة:
- ويستيقظ صديقها اليوم التالي ليجد أنه تورط فيطلقها.
- ولكنك قلت أن كل شيء سيمحى. ألا تؤمن بما قلته؟
- بلى .أنا أريد ذلك. أؤمن به لأنه خلاصي. فلو عدت لنفس العصر ستصير شيخاً ويصير كل هذا إلى لا شيء وأظل أنا رجل تعيس ينظر لوجه ابنه ولا يستطيع أن يحبه. و ربما الآن ينظر لوجه ابنته ويرى أي جريمة ارتكب ليخلص نفسه. الأمر بيدك .لقد فعلت ما علي ولن أملي عليك شيئاً. سأجلس هنا وأنتظر أن يتغير شيء أو أن يأتيني الموت أخيراً.
قبل أن أغادر الطبيب للأبد قلت له شيئاً:
- اسمح لي. أعرف أن ما سأقوله مؤلماً وربما متأخراً وبلا معنى. زوجتك كانت تحبك. ولكنها كانت تشعر دائماً أنك تفحصها بنظراتك. إذا عدت لحياتك السابقة يوماً فكن حريصاً على أن تنظر زوجتك بفضول الرجل لا الطبيب. جل ما يريده الرجل وهو ينظر لأمرأة أن يعريها. لكن نظرة الطبيب .. أنت تعلم.. لا ترى اللحم.
تركته دون أن أنتظر رداً. لم أنظر خلفي أبداً. من العيادة للشارع للمنزل. لم أقرر شيئاً طوال الأيام التالية. لم أكن أتعجل المغادرة منذ أن قابلتها على أي حال. والآن صار لدي سبب للتمهل. وهو كما قال لن يفعل شيئاً ولكنه سينتظر. لم ينتظر طويلاً. بل لعله لم ينتظر ولا ساعة. فقد علمت بعد بضعة أيام أنه مات في عيادته على كرسيه حيث تركته، وأنه ظل في مكانه حتى تعفنت جثته وأجبرت رائحته الجيران على اقتحام الشقة. لم أترك ابنته طوال الأيام والأشهر التالية. كنت لها أكثر من صديق. تعرفت على أمها وأخيها. لا أصدق ما فعلته بهذه العائلة. وهبت نفسي لهم فأنا عاشق وأب وزوج وجاني. كنت أساعدهم في أي مشكلة، أزورهم وهم من لا يجدون من يصل عائلة اتهم عائلها بالجنون والكفر. صار الكل مع الوقت يعلم بقصة الحب وينتظر أن تكلل بالزواج. خطبتها في السنة النهائية وعقدنا القران بعد التخرج و زفت إلي منذ عدة ساعات. هي نائمة الآن وقد قررت ألا أقربها قبل أن أكتب حكايتي . لا أعلم حقاً ماذا أريد. هل السعادة أن أعيش معها ولو كان كل هذا محض حلم ، أم أعود لحياتي الأولى و أواجه ذلك الألم وتلك التعاسة الذين هربت منهما لسنوات. وضعت ما كتبته في مظروف وخبأته في حقيبة ملابسي دون أن أعلم له قيمة. اقتربت منها وهي في ملابسها الشفافة تنام مطمئنة. أيقظتها في حنان غامراً إياها بقبلات بدت لي كالوداع.خلعت ملابسها في بساطة وهي مستسلمة بقلق العذراء لما ينتظرها.كنت تعيساً أنني لم يهمني جمالها ولا عريها الرائع ولا ثدييها الصلبان كثمرة برتقال تغري بالاعتصار. لم يهمني خوفها ولا تشنجها في محاولتي الأولى. كنت أحبها ولكنني أريد الخلاص. رغم مهارتي إلا أنني بصعوبة دخلت ولم أستمتع ولا هي استمتعت .بمجرد أن انتهيت نظرت إليها مطولاً في حب وهي تبتسم وقد عبرت مرحلة القلق. تمنيت أن أمكث معها لأفعلها ثانية بهدوء وحب . لم أرد أن أغمض عيني لكي لا أفقدها. أقسمت وأنا مازلت معها إن وجدتها في الصباح بجانبي أن أسعدها حتى الممات لأكون قد قضيت ديني لأبيها ولعائلته. وإن تحققت توقعات الأب و عدت لحياتي أن أصلح ما أفسدته . وعدت نفسي أن أرحل عن التعاسة وأظل منتظراً تلك الفتاة التي أحببتها أن تولد لأصلح ما أخطأت به. و حينها سيكون الأب أيضاً عاد لتلك اللحظة التي سبقت لقاءه بي. لعله يتذكر شيئاً من خبرته معي. من نصيحتي له. كان النوم يسحبني ولا وقت لنمارس الحب ثانية، ولا لعناق أخير ولا قبلة. ودعتها بابتسامة مبللة بالدموع و استسلمت أخيراً وأغمضت عيني منتظراً أن تحدث العجائب.
Published on November 02, 2015 10:09
No comments have been added yet.