النفط.. وتنويع مصادر الخلل!
حضر مبدأ «تنويع مصادر الدخل» بعد الخطة الخمسية الثانية كأحد أهدافها بين عامي 1975م -1980م لتقليل الاعتماد على عائدات البترول، حينها كان رقم الاعتماد على النفط حوالي 87%. تزايد استعمال هذا التعبير في إعلامنا التقليدي منذ الثمانينات.. ومن يتابع نشرات الأخبار الرسمية يجده حاضرا منذ ذلك الزمن الذي تراجعت فيه أسعار النفط حتى هذه المرحلة، كلزمة في الحديث عن أي مشروع، وأي كلمة بمناسبة تنموية.. تقال هنا أو هناك، مثل عبارة «بناء الإنسان».. حيث تتحول إلى كليشيهات في الصحافة وغيرها من التعبيرات التي تحنط في إعلامنا والمخاطبات الرسمية.. بدون أي معنى تراكمي للفكرة.
حضر مبدأ «تنويع مصادر الدخل» بعد الخطة الخمسية الثانية كأحد أهدافها بين عامي 1975م -1980م لتقليل الاعتماد على عائدات البترول، حينها كان رقم الاعتماد على النفط حوالي 87%. تزايد استعمال هذا التعبير في إعلامنا التقليدي منذ الثمانينات.. ومن يتابع نشرات الأخبار الرسمية يجده حاضرا منذ ذلك الزمن الذي تراجعت فيه أسعار النفط حتى هذه المرحلة، كلزمة في الحديث عن أي مشروع، وأي كلمة بمناسبة تنموية.. تقال هنا أو هناك، مثل عبارة «بناء الإنسان».. حيث تتحول إلى كليشيهات في الصحافة وغيرها من التعبيرات التي تحنط في إعلامنا والمخاطبات الرسمية.. بدون أي معنى تراكمي للفكرة.
تسع خطط خمسية تنموية تعاقبت منذ صدور أول خطة سعودية خمسية للتنمية في 1970م ونحن على مشارف الخطة الخمسية العاشرة للفترة ما بين 2016 إلى 2020، وما زال رقم الاعتماد مقارب جدا لتلك المرحلة، لكن بصورة أكثر تعقيدا، وقد تحول إلى أحد أمراضنا التنموية المزمنة، وبدلا من أن نحصل على تنويع لمصادر الدخل.. أصبح لدينا تنوع في مصادر الخلل!
في العام الماضي وقريبا من هذا الشهر بدأ هبوط النفط التدريجي، وحينها كانت بعض التحليلات الإعلامية تشير إلى أنه متعمد للضغط على روسيا بخصوص الأزمة السورية.. وأخذت هذه الرؤية حيزا من الكتابات العربية، قبل أن يطويها النسيان المعتاد. تطورات الهبوط استمرت خلال العام قبل أن يتسارع بالأسابيع الأخيرة، عادت الكتابة الروتينية عن حالة إدمان النفط، وأصبح بعضهم يشير بأنه حذر عن ذلك من قبل خلال زمن قريب، وهي تعبر عن حالة سعودية سائدة في وعي كثير من الكتاب، حيث غياب الرؤية التاريخية للبناء عليها.. فتاريخ طرح القضايا ومناقشتها يبدأ من بداية تحذيره العظيم وتنظيره الاقتصادي الكبير عن هذا الخطر، وكأن القضية ليس لها عمر أكثر من جيل.
استحضار العامل الزمني مهم عمليا.. لندرك أولا أن الجهات الرسمية منذ بداية الثمانينات وهي تستحضر هذا الخلل في خطابها، وتتذكره مع صدور كل ميزانية.. ويكتب عن الموضوع في الصحافة، ونقدر لمن نبه مبكرا عنه من ذلك الجيل، الذي تحدث عن هذه القضية منذ ذلك الزمن. الجانب الآخر.. عند طرح هذه القضية الآن يجب ألا تتعامل معها، وكأنها قضية جديدة.. وإنما لها تاريخ وقصة طويلة من الفشل والتعثر، ليبدو السؤال أكثر عمقا وتحديدا لنوع الخلل. الإشكال الذي يجب طرحه الآن: ليس لماذا فشلنا في تنويع مصادر الدخل، وإنما لماذا تكرر هذا الفشل.. ليس مرة ولا مرتين ولا ثلاث؟! ولا يوجد في الأفق ما يشير إلى قدرتنا على النجاح. فالخلل أصبح أكثر تعقيدا، وبدون أي إصلاحات هيكلية في جوانب سياسية واقتصادية وتعليمية كثيرة لا يمكن أن يحدث تقدم، سوى تكرار لأخطاء الماضي. كيف نستطيع وصف حالة التشوه الاقتصادي المحلي الذي يصنع هذا الخلل، وكيف يصبح ارتفاع النفط عاجزا عن حل أمور كثيرة ومربكا للطبقة المتوسطة قبل الفقيرة، حيث تستمر مشكلة الإسكان والصحة وغيرها.. وانخفاضه مشكلة أخرى!
الحفاظ على مقومات الاقتصاد الريعي هو حالة عربية سائدة، وليست مرتبطة بالنفط فقط كما يتوهم بعض العرب.. فقناة السويس وأي مورد طبيعي آخر، والتي تتلقى دعما خارجيا هي اقتصاد ريعي حيث لا يوجد نشاط إنتاجي حقيقي. يرى جورج قرم في الحالة العربية «أن الفعاليات الاقتصادية في القطاع الخاص لها مصلحة في الحفاظ على مقومات الاقتصاد الريعي لأنها هي المستفيدة بالدرجة الأولى إلى جانب أهل الحكم والسياسة..».
عندما يتراجع النفط، وهو لا يزال الآن بعيدا عن أرقام الخطر، تبتهج بعض الأقلام العربية عبر كتابات يختلط فيها روح التمني والتشفي أكثر من الرؤية الواقعية للقضية، ففي المستقبل المنظور لعقد وعقدين لا يوجد أي خطر، لمعطيات واقعية كثيرة.. أجلتها الطفرة النفطية الأخيرة التي قدمت ميزانية ثلاثين عاما في عقد واحد. عدم الإحساس بالخطر هو الخطر الذي يعطل المسؤول من العمل بجدية، ويفقده الإحساس بالمسؤولية.. فالمشكلة لن تظهر طالما هو موجود في منصبة حاليا، فتترك للأجيال القادمة. عند مقارنة أداء نخب مرحلة السبعينات ومعطياتها ونخب هذه المرحلة.. خلال طفرتين ستشعر بالفارق الكبير بين التجربتين.
يشير محمد الماضي الرئيس التنفيذي لشركة «سابك» في كلمة له أمام منتدى التنافسية الدولي «أنه لولا أن وفق الله قادة المملكة بأن اتخذوا في العام 1976م خطوة بالغة الأهمية بإنشاء قطاع صناعة البتروكيماويات، لضاعت على المملكة فرصة جني نحو 34 مليار دولار سنويا، حيث يوظف بشكل مباشر 35 ألف شخص في المملكة، ويولد حوالي 280 ألف فرصة عمل في سوق العمل المحلي» كانت مثل هذه القرارات الصناعية الكبرى، التي لم تكرر للأسف في مجالات أخرى في زمن لم يوجد فيه إحساس بالخطر مستقبليا، لكنه جيل لديه إحساس بالمسؤولية وكان قريبا من تحديات الخمسينات والستينات على الدولة. مسؤول اليوم يفتقد لهذا الإحساس بالخطر الحقيقي.. إلا خطر كاميرا جوال أو مقال أو تغريدة عابرة!
عبد العزيز الخضر's Blog
- عبد العزيز الخضر's profile
- 44 followers
