جدل الإرهاب .. شماعة أوروبا وتونس


من مظاهر صناعة الحجج المغلوطة في نقد الإرهاب، والكشف عن أسبابه الداخلية، استعمال فكرة أن التطرف وجد في تونس وأوروبا. لقد أصبحت هذه الفكرة حائط صد لتلقي أي مقولات نقدية عن أوضاعنا في العالم العربي. تعرض مسألة تجفيف المنابع .. يقول لك «طيب .. وتونس»، تطرح مشكلة الفقر أو مشكلة الحريات السياسية يقول: طيب وبريطانيا، تتحدث عن المناهج والتعليم والخطاب الديني وعن الانفتاح الاجتماعي عن مظاهر خلل كثيرة، يقول لك «طيب .. وفرنسا»!




من مظاهر صناعة الحجج المغلوطة في نقد الإرهاب، والكشف عن أسبابه الداخلية، استعمال فكرة أن التطرف وجد في تونس وأوروبا. لقد أصبحت هذه الفكرة حائط صد لتلقي أي مقولات نقدية عن أوضاعنا في العالم العربي. تعرض مسألة تجفيف المنابع .. يقول لك «طيب .. وتونس»، تطرح مشكلة الفقر أو مشكلة الحريات السياسية يقول: طيب وبريطانيا، تتحدث عن المناهج والتعليم والخطاب الديني وعن الانفتاح الاجتماعي عن مظاهر خلل كثيرة، يقول لك «طيب .. وفرنسا»!

في البدايات كانت تطرح مثل هذه الأفكار في سياق مقالات جادة، وبحوث ودراسات لفهم أوسع للظواهر الاجتماعية والسياسية والدينية في رؤية تطرف الأجيال الجديدة. مثل هذه الحجج تبدو مفيدة لتوسيع الفهم والإدراك لظواهر معقدة، ورصد المتغيرات المعطيات في كل مرحلة، وهي حجة مناسبة للوقوف أمام أي طرح أحادي متطرف أو من يريد انتقاء سبب وحيد سياسي أو ديني أو اجتماعي حسب أجندته.

لكن هذه الفكرة سرقت على الطريقة الصحفية والإعلامية قبل أكثر من عقد وما بعد سبتمبر، فطالما أن هناك إرهابيين يأتون من أوروبا، حيث يلتحق بهذه التنظيمات أعداد كبيرة من دول غربية تعيش أفضل الديمقراطيات والحريات الإنسانية، إذن السياسية العربية ليست هي السبب في منطقتنا، لدى من يريد الدفاع عن تلك الأوضاع. وفي الدول العربية التي تعاني من أوضاع معيشية سيئة وانتشار للفقر، يحتج بعضهم بوجود الإرهاب في دول غنية مثل أوروبا أو دول الخليج.

ظاهرة سرقت هذه الشماعة تطورت عند تيار محافظ آخر، وأخذ يستعمل الحجة التونسية الأوروبية، وأرقام الهجرات للإرهابيين من هناك، كحجة جاهزة لتبرئة التعليم والخطاب الديني، عند أي رؤية نقدية للمشكلات الفكرية التي لا زال بعضها مستمرا. خطأ كثير من الكتاب في نقدهم العشوائي والانتقائي للخطاب الديني أو المناهج، والعجز في بلورة طبيعة هذه الأخطاء وفق رؤية شاملة ومنهجية، لا يعنيان عدم وجود أخطاء حقيقية.

عندما تتعولم أي ظاهرة لا يعني أنك بريء، وإنما يجب أن يشعرك هذا بالخطر بصورة أكبر .. خاصة إذا كنت جزءا من هذه الظاهرة في جوانب متعددة. تعولم الكثير من الظواهر في العقدين الأخيرين بسبب حدوث متغيرات عديدة في تقنية الاتصال كسرت معها الحواجز، وخرجت عن سيطرة الدول. هذا الإشكال الحقيقي لا بأس أن تستعمله أمام هجمات الآخرين الذين يريدون اختزال وتحميل بلدك ومجتمعك كل مشكلات المنطقة وانهياراتها السياسية. لكن لا تستعمل هذه الفكرة كمضاد دائم ضد أي نقد فكري حقيقي للداخل. تعولم الظواهر يزيد من مسؤوليتنا، ويجعل خطابنا الديني والتعليمي أمام تحد أخطر، فلم تعد الأخطاء المحلية محصورة داخل مجتمعات معزولة. كل خلل ينتشر مباشرة إلى أنحاء المعمورة. وبدلا من أن تتحول هذه الحجة إلى إحساس أكبر بالمسؤولية من قبل بعض النخب، وظف استعمالها بصورة غير نزيهة المقصد.

عندما يتأثر أي شخص بأفكار دينية متطرفة محسوبة على الإسلام في أماكن متفرقة من العالم، يجب أن يخيفنا هذا أكثر، خاصة أن تلك الدول تدرك من أين مصدر ومرجعية هذه الأفكار.. من خلال بحوث ودراسات عديدة. ويجب أن يوقظ المهتمين في الشأن الديني بصورة أكبر، وخطورة ذلك على بلداننا الإسلامية من تدخل قوى كبرى بصور عديدة.

الغرب يدرك مصالحه جيدا مع مشكلة التطرف، ففي الوقت الذي يرى فيه مشكلات دولنا ويساهم فيها، هو يعرف أن جاذبية كثير ممن يعيشون بينهم لخلل لديهم، تكشفه بعض الدراسات حول فشل اندماج الأقليات، وبعض المصاعب التي تواجههم. من يعيش في الغرب لا يعني أنه لا يواجه مشكلات الحاجة والفقر وصعوبات المعيشة. يدرك الغرب أيضا أن أبناء الجاليات لديهم انتماء لهويتهم وأوطانهم الأصلية. من يعيش في الغرب ليس محصنا ضد التضليل، بل قد يكون صيدا أكثر سهولة عندما يكون مسلما ولا يكون مدركا لحقيقة الإسلام، ولا يملك ثقافة كافية في دينه، فيظن أنه بالانتماء لجماعات إرهابية باسم الجهاد هو الحل.

تونس الدولة العربية الصغيرة، ليست هي الأخرى محصنة أو معزولة جغرافيا في جزيرة وسط المحيط. فمهما كانت تجربتها خلال العقود الماضية، فهي دولة محاطة بالجزائر وليبيا .. ودول أفريقية مليئة بالجماعات والتنظيمات المتناثرة. الإرهاب لم يعد ظاهرة سهلة في هذا الزمن، حيث تداخلت العديد من المتغيرات والمعطيات التي لم تكن موجودة سابقا، وقد تأخرت بلداننا في فهم هذه الظاهرة، وفي كل مرحلة ننتقل من فشل إلى آخر، ومن شماعة إلى أخرى، حيث تزداد مهارتنا في استعمال مثل هذه الحجج التي تصلح للمناكفة في الجدل، وليس لمن يريد معالجة أزمة وطن ومجتمع .. في معارك خاسرة لا نهاية لها.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 04, 2015 06:20
No comments have been added yet.


عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.