عـــــــــــــلي الصوفي الشـــــــاذلي: علم لدني في القرن الحادي والعشرين
عـــــــــــــلي الصوفي الشـــــــاذلي:
علم لدني في القرن الحادي والعشرين.
إليــــاس بلكا هذا المقال نشر الجمعة 12 يونيو بأكبر الجرائد المغربية وأوسعها انتشارا: الأخبار.
توجد في تاريخنا العلمي ظاهرة غريبة، لكنها حقيقية، وهي ظهور أفراد -ضمن مجتمعات التصوف خاصة- بين الفينة والأخرى يتكلمون بحقائق عالية وبعلوم دقيقة تبهر العلماء قبل العوامّ.. وهؤلاء الأشخاص إما أميون تماما، وإما تعليمهم بسيط جدا. وهذا غير ظاهرة أخرى هي حديث علماء متصوفة بعلوم راقية، كما حدث حين حضر العز بن عبد السلام مجلسا للإمام أبي الحسن الشاذلي، رضي الله عن الجميع، فقال: اسمعوا إلى هذا الحديث القريب العهد بالله. والعزّ عالم كبير، لكنه سمع من الشاذلي علوما ما صادفها في قراءاته ودراساته الواسعة. فهاتان ظاهرتان متشابهتان، لكن الأعجب منهما هي الأولى لأن للقائل أن يقول على كل حال: الشاذلي عالم وغاية الأمر أنه جاء بعلوم نادرة. لكن ماذا سنقول بالنسبة لواحد أميّ أو تعليمه بسيط.
من أشهر هؤلاء الأمّيين في القرن العاشر هجري: علي الخوّاص، كان أميّا صِرفا، أعني لا يعرف القراءة والكتابة. وهو شيخ العالم الكبير عبد الوهاب الشعراني الذي حكى كثيرا من أحواله، وجمع بعض ما أخبره به من علوم في كتب، منها: درر الغواص على فتاوى سيدي علي الخواص، ومنها: الجواهر والدرر..
ومنهم في القرن الثاني عشر: عبد العزيز الدباغ، دفين فاس. وكان أيضا أميا خالصا، ولا يحفظ من القرآن غير جزء عمّ. لكنه آية في العلوم. وقد جمع بعضَها تلميذه شيخ علماء فاس في زمانه أحمد بن المبارك اللمطي في كتابه نادر المثال: الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز. وهو الكتاب الذي كان الشيخ محمد عبده يتخذه مرجعا أساسيا (شخصيا) لما يشكل عليه من التفسير وغيره.. رحمهم الله جميعا.
وقد قرأت هذه الكتب، وأشهد أن فيها علوما عجيبة فعلا، وتثير علامات استفهام كبيرة بقدر ما تجيب عن إشكالات كثيرة. بل إن كثيرا ممّا فيها غير مفهوم. وهنا قد يتساءل القارئ: كيف أتأكد من صدق هذه الظاهرة وأنها حقيقية كما تدعي ذلك يا كاتب هذا المقال، وليستْ متوهمة أو لها تفسير عقلاني ما؟ والجواب:
1- إما أن تصدقنا نحن المشتغلين بالدراسات والعلوم الإسلامية، بما فيها التصوف وشؤونه. ونحن بتوفيق الله لن نكذب عليك. قد نخطئ لكن لا نكذب.
2- وإما أن تقرأ هذه الكتب وأمثالها، وتقرأ في كتب تراجم الصالحين والأولياء.. وستصادف عشرات من هذا النوع من الأميين الذين يتحدثون بالعلوم.
3- وإما أن تبحث عنهم بنفسك وتسألهم مباشرة وتقف على هذه الظاهرة العجيبة. وقد كنت أعرف واحدا يُشار إليه بهذه الصفة بمنطقة وجدة، وكان أُميا، وكان هذا من حوالي خمس وعشرين سنة، لكن للأسف وقتَها لم أكن مهتما بالموضوع فلم أقترب منه. وإذا كان حيّا الآن، فالمفروض أن يكون عمرُه في حدود ثمانين سنة أو أكثر قليلا. والمقصود أنه يبدو أن هؤلاء الأشخاص يوجدون في كل زمان، لكن الناس لا يلتفتون إليهم في الأغلب.
ما تفسير الظاهرة إذن؟ تفسيرها عند كل من عرفها أو اتصل بها أن هؤلاء الأشخاص آتاهم الله سبحانه من عنده علما، فهو من علّمهم. إنه "علم لَدُنِي" أخذا من قوله تعالى في قصة الخضر مع موسى عليهما السلام: (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدُنا علما). ومصداقه من السُّنة حديث النبي عليه السلام المتفق عليه: إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. وهذا أحد تفاسير الحديث، وقيل: محدث أي ملهم، وقيل مفهَّم..
أما لماذا يوجدون، ولماذا في كل عصر.. فلا أدري، هل من أسباب ذلك استمرار سنّة الله سبحانه وحكمته في نبيه محمد عليه الصلاة والسلام والذي كان أميّا، ومع ذلك نزلت عليه الرسالة الخاتمة، فيكون في الأمة دائما أشخاص على هذا الطريق؟
هكذا كان ما كان.. حتى تعرّفت –فقط بشبكة الأنترنت- على شخصية عجيبة من هذا النمط اسمه: علي، وهو من سوسة بتونس، وشهرته في الأنترنت: الصوفي، لكنه يحب لقب: الشاذلي، ربما لأنه ينتسب إلى مدرسة الشيخ الكبير أبي الحسن الشاذلي عن طريق شيخه إسماعيل الهادفي تلميذ محمد المدنى تلميذ أحمد العلاوي المستغانمي تلميذ محمد البوزيدي (وهو غير محمد البوزيدي شيخ ابن عجيبة وصاحب كتاب الآداب المرضية) تلميذ محمد بن قدور الوكيلي شيخ الزاوية الدرقاوية بجبل كركر في آخر القرن التاسع عشر ميلادي ببني بويحيى بالناظور (أو إقليم الدريوش حاليا).
لكن قبل أن أواصل الحديث عن علي الشاذلي لابد من كلمة مختصرة عن شيخه الذي تيقنت أنه رحمه الله رجل عظيم وصدّيق حين رأيت أنه خرّج من مدرسته أمثال علي الشاذلي. فالشيخ إسماعيل من توزر بتونس، تخرّج من جامع الزيتونة بدرجة العالِمية، ثم درّس به، كما اشتغل بالتعليم العمومي. وخلف شيخه محمد المدني على الزاوية، فقام بشؤونها حتى توفي رحمه الله سنة 1994. وتعرّض في البداية لأذى من مصادر متعددة، من مريدين وعامّة وسلطات.. ثم استقام له الأمر. له كتب ورسائل وقصائد، ويا ليت أصحابه ينشرون تراثه، منها: مرآة الذاكرين في مناجاة رب العالمين.
أما صاحبنا فليس أميا، لكن تعليمه بسيط في المراحل الإعدادية، ولا يتجاوزالثانوية بحال.. واشتغل في شبابه الباكر موظفا بسيطا بشركة توزيع الماء بسوسة، ثم تنقل كثيرا في البلدان، فهو بلا دار ولا قرار على طريقة بعض الصوفية الأوائل من الأفراد.. لكنه يعيش حاليا بفرنسا. وقد انضم للطريقة باكرا (في سن السادسة عشر، وعمره الآن خمس وأربعون سنة)، وكوّن نفسه بنفسه في هذه البدايات، فدرس بعض العلوم، منها الفقه والتصوف، وقرأ بعض كتبهما. ثم فتح الله سبحانه عليه بالكلام في حقائق التصوف العالية، فترك القراءة منذ أكثر من عشر سنين، فهو يكتب من دون الرجوع للكتب. وقد حدّث عن نفسه مرارا أنه يجد هذه العلوم في صدره فيكتبها كما هي، لذلك لا يتخذ مسودات، بل لا يحتفظ حتى بما كتب.. ولذلك نفهم سبب تنقله من موضوع لموضوع، لأنه لا يكتب بالطريقة المنظمة المتعارف عليها. ومن خصائص تأليفه ما يلي:
1- يوجد نور على كتاباته، فتجد أنك تتقبّلها وتدخل إلى قلبك من غير استئذان، وأنها متسقة مع الأصول المشهورة لعلومنا، فتصوفه سني منضبط.
2- غياب الكُـلفة، فهي كتابات عفوية ليس فيها تصنع أو تقعّر أو تكلّف.
3- أسلوبه في العربية جميل، وأحيانا راق.
4- لا يتناقض فيما يكتب، وإذا قارنت كلامه بعضه ببعض تجده منسجما لا اضطراب فيه.
5- كتابته مستفيضة، كـالنهر الهادر يجري بلا توقف. وحاورته مرارا ببعض المواقع بالأنترنت، فوجدت عنده جوابا لكل سؤال، وعلى البديهة دون الحاجة لتفكر أو رويّة. وهو مثلا من الحالات النادرة الآن التي تفهم بامتياز كتاب فتوحات ابن عربي.
على المستوى الشخصي في السيد علي حدّة خفيفة أظنها من طبعه. لكن من أسبابها أيضا أنه يشعر أن كثيرا من القراء لا يفهمون ما يكتب. وهذا واقع، لذلك تجد أن من يتابعه بمواقع التواصل الاجتماعي قليل العدد، في الوقت الذي يحظى فيه الحمقى، وأعدادهم كبيرة بهذه المواقع، بكثير من الأصدقاء والإعجابات (اللايكات). فلا غرابة إذن أن يضيق قليلا حين يناقشه بعض المبتدئين الذين لا يميزون بين اليمين واليسار. لذلك لا يحسِن الاستفادة من كتابات صاحبنا إلاّ من له خبرة وحدّ أدنى بأمور التصوف. والسبب الآخر أن الأستاذ علي مبتلى بالحسد، ولعل القارئ يستغرب ذلك، فليعلم أن عالم التصوف بشري، فيه ما في البشر من أمراض، كما فيه أيضا نماذج إنسانية تكاد تكون مثالية. والمقصود أن البعض يعترض عليه ويشغب لا بعلم بل لحسد بقلبه، كأن لسان حاله يقول: بمّ تميّز عني هذا الشخص الذي لا يعرفه أحد ولا شهادة له، وينطق بهذه العلوم الراقية، أنا خير منه وأوْلى بهذا؟ رغم ذلك من أخلاق الأستاذ علي العفو والتجاوز، كما أنه رجّاع إلى الحق.
للأسف أن السيد علي لم يجمع كتاباته بين دفتيْ مؤلَّف، ولن يفعل ذلك لأن طريقة كتابته كما شرحت غير طبيعية. والطريقة الوحيدة للاطلاع عليها هي قراءتها في حسابيْه على الفايسبوك، وفي بعض المنتديات (خاصة منتدى روض الرياحين)، وله مدونة تطوّع أحدهم بإنشائها ثم اختفى قبل أن يسلمها لصاحبها (مدونة علي الصوفي).
أنا بحمد الله كاتب محترف، ألفتُ خمسة عشر كتابا، ومئات المقالات.. ورافقت مئات الطلاب في إعداد بحثوهم من كل نوع.. ومن ربع قرن شغلي أن أكتب وأقرأ ما يكتبه الآخرون.. لذلك أشهد أن أقل ما يمكن قوله في كتابات علي الشاذلي الذي لم ألتق به ولا مرة: فيها جزء كبير غير بشري.. لا يمكن أبدا أن تكون هذه الكتابات بشرية بالكامل. قارنها بما يكتبه الناس في نفس المجال -أعني التصوف- وسيظهر لك الفرق. وأتمنى أن يتصدى أحد ما لجمع تراث الرجل وترتيبه وتنظيمه (وأقدّره في مجلدين). كما يمكن أن يكون هذا التراث موضوعا لدكتوراه.. ولا يجب أن تكون المعاصرة حجابا.
يَا مَا في هذا الوجود الغريب من عجائب!
https://www.facebook.com/ALHABIB.ALI.ALSOUFI?fref=photo
https://www.facebook.com/profile.php?id=100002060998199&fref=tl_fr_box
https://www.facebook.com/profile.php?id=100009283910867&fref=tl_fr_box
http://www.google.ae/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=1&cad=rja&uact=8&ved=0CBwQFjAAahUKEwiXs_r86YrGAhVMVRQKHZ3lAFc&url=http%3A%2F%2Fasoufiali.blogspot.com%2F&ei=pyp7VdfDL8yqUZ3Lg7gF&usg=AFQjCNHy7hYoDHmiWAnjNJ22V_8yxLu06g&sig2=3uLVkq1XSNtIhpgNZfyMzQ&bvm=bv.95515949,d.bGg
http://cb.rayaheen.net/showthread.php?tid=27223
Published on June 12, 2015 10:13
No comments have been added yet.
إلياس بلكا's Blog
- إلياس بلكا's profile
- 50 followers
إلياس بلكا isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

