هل توقعت ان تقابل مجموعتك الأولى بهذا القدر من الحفاوة ولماذا تأخرت عن نشرها كل هذا الوقت الكتابة من 2008 لـ 2013 والنشر في 2015؟
الكتاب تم نشره في أبريل 2014، وتأخرت في نشره لأنني تأخرت – كذلك – في كتابته. فأول قصة في الكتاب كُتبت عام 2008، وآخرها عام 2013، والكتاب كله لم يتعدَّ المائة صفحة، لأنني أخاف من الكتابة في الحقيقة، وأعاني عندما تخرج العبارات مني، كلمة كلمة. ربما لذلك فالحفاوة بمعناها العام ليست في أول اهتماماتي. لأن الحفاوة – بالنسبة لي – هي استقبال القاريء الذي يسمع ويعي، ويرى ويشعر. وهو نوع نادر من القراء. لم أتأخر في الكتابة إلا من أجل إرضائه، ولم أكتب أصلا إلا من أجل مخاطبته.
في مجموعتك تناولت بالكتابة موضوعات تعتبر مهجورة كعالم الحيوان وعالم النبات .. السنجاب والشجرة والياسمينة والفراشة كيف تقيم أهمية مثل تلك التفاصيل وبم تفسر عدم اكتراث كثير من الكتاب بها اللهم الا شخصيات معدود كالمخزنجي والخميسي ؟
تناولت هذه المخلوقات في قصصي لأنها سكنت هذا العالم طويلا قبلنا، وربما ستسكنه طويلا بعدنا. لأننا في هذا العالم كالضيف السخيف الثقيل، الذي لا يرى إلا نفسه، ولا يراعي حقوق جيرانه الأقدم والأكثر وداعة. وربما لإحساس البشر بأهميتهم البالغة هذا، لم يلتفت منهم، ومن كُتابهم، إلى تلك العوالم الرائعة إلا قلة استطاعت – كبطل أول "حكايات بعد النوم" – أن ترى ما لا يراه الناس.
بم تفسر اقتصار تناول الحيوانات والجماد كشخصات أدبية على عالم الاطفال والكتابات الموجهة إليهم من أين نشأ ذلك الرابط بين الطفل والابطال من هذا العالم ولم يختفي ذلك الرابط كلما تطورت المراحل العمرية التي يتوجه لها الكاتب
يولد الإنسان على الفطرة، ثم تمضي به الحياة كل يوم بعيدا عنها. فالطفل تشغله المخلوقات الأخرى، ويتابعها بشغف، قبل أن يكبر شيئا فشيئا ليكتشف أنه هو المهم حقا، وأن كل تلك المخلوقات هي محض اهتمامات أطفال! ومجرد "ديكور" للعالم الذي سيسعى كل يوم نحو امتلاك قطعة أكبر منه.
أي الحيوانات أقرب لنفسك وما هو الحيوان أو الجماد الذي تمنيت الكتابة عنه ولم تكتب بعد؟
عندي شغف بالحيتان بأنواعها، برغم ذلك لم أكتب عنها في "حكايات بعد النوم". ربما لأن "هيرمان ميلفيل" كتب في تحفته "موبي ديك" عن حوت العنبر بطريقة أتعبت كل من سيحاول الكتابة بعده! لكنني لن أستريح – مثل الكابتن آهاب – حتى أكتب عن حوتي الخاص، الذي لن يكون في الغالب حوتا جبارا أبيض يُذكر الإنسان بحجمه في العالم، لكنه، ربما، سيكون حوتا أحدب، يجوب بحار العالم مدفوعا برحابة قلبه الهائلة.
هل تشعر أن ثمة خجل لدى الكتاب من الغوص بكتاباتهم في عالم الخيال؟
لو كان أغلب الكُتاب يشعرون بالخجل أصلا لما ظهر من الكتب شيء! لكن الذي ينأى عن الخيال عموما يفعل ذلك عن فقر أو عن كسل، لا عن خجل.
كيف تقيم مساحة الخيال في أعمال الكتاب المصريين والعرب وهل يدل الانخراط في الواقعية على نضوج الكاتب كما يروج البعض؟
يكاد الخيال – في أدبنا العربي المعاصر – أن يختنق من مزاحمة الواقع بكل تفاصيله الثقيلة. والانخراط في الواقعية والبعد عن الخيال يدل على نضوج التاجر وموظف البنك ومدير المبيعات، لا على نضوج الكاتب. والكاتب يكبر كلما اتسع خياله، لكن الكاتب لا "ينضج" أبدا.
لماذا يغيب عن عالمنا العربي أعمال خيالية من عينة الهوبيت؟ هل هو فقر خيال ام فقر جمهور؟
فقر الجمهور لم يصنعه إلا فقر خيال الذين يكتبون، الذين جاءوا – بدورهم – من جمهور فقير. وحلقة الفقر مغلقة لا يكسرها إلا أبطال أسطوريون مثل تولكين، صاحب الهوبيت.
كيف تؤثر الأعمال الخيالية في الجمهور برأيك وهل يختلف مجتمع يحتفي كتابه بالخيال عن مجتمع آخر غارق في الواقعية ؟
إجابة هذا السؤال تحتاج – صدقا – إلى زمرة فذة من علماء الاجتماع! لكنني أحب أن أرى – في خيالي فقط – مجتمعا يحفظ فيه الأطفال حواديت "هانز أندرسن"، ويتندر فيه الكبار بحكايات "أوسكار وايلد"، ويُدرس فيه المعلمون ملاحم "تولكين"، ويحذرون فيه طلابهم من أخ "أورويل" الأكبر، وينظر الجميع فيه إلى السماء المظلمة وتراودهم الرؤى عن "اوديسا الفضاء".
كيف ترى هذا الميل الشهير لدى دارسي العلوم إلى كتابة الأدب هل تجد رابطا بين الأمرين؟
دراسة العلوم بمجالاتها – إن كانت دراسة حقيقية بالطبع - تفتح أبوابا لم يكن العقل يراها أصلا، وتطرح أسئلة بشأن العالم وما فيه وما وراءه، وتُشعر الإنسان بضآلته كلما أبحر أكثر، وترده طفلا يتسائل من جديد: لماذا السماء زرقاء؟
لماذا اخترت ان تكون بدايتك مع القصة القصيرة والقصيرة جدا ، ما الذي يمثله لك هذا الفن وهل تنوي مواصلة الكتابة في اطار هذا الفن ام تنوي الانتقال الى فنون أخرى؟
اخترت القصة القصيرة لأن الكتابة – كما ذكرت – تخيفني وتؤلمني، والنتيجة هي أنني أكتب مائة صفحة كل ستة أعوام! واخترت القصة القصيرة لأن شغفي بمطاردة المعنى أكبر كثيرا من شغفي برسم الكلمات. واخترت القصة القصيرة لأن فيها سحر الحكاية وقوة القصيدة، واخترت القصة القصيرة لإيماني بأن الفنان الحقيقي قد يشيد قصرا أو قد ينقش خاتما، واخترت القصة القصيرة لأنني كسول، ولأنني ملول، واخترت القصة القصيرة لأنني أبحث – كما ذكرت – عن قاريء نادر، يعرف – عندما يقرأ – لماذا اخترت القصة القصيرة.
هل تنوي مواصلة الكتابة في اطار عوالم خيالية عبر أعمالك القادمة؟
بناء على ما تقدم، لا أعرف حقا متى تكون هناك "أعمال قادمة"، إن كانت أصلا. لكنني أعرف أنني سأواصل الإبحار – بإذن الله – كل يوم في عوالم الخيال. ربما صادفتُ ما أحببت واستطعت وتذكرت أن أحكيه يوما، وربما لاقيتُ ما يُعجز قدرتي على التعبير، وتختلط فيه الذاكرة بالتوهم، وتحدثني أصوات هامسة بأن أحتفظ به لي، وحدي.
رابط الحوار على موقع جريدة الراي الكويتية:
http://www.alraimedia.com/Articles.as...