د. صلاح الجبيلي عن حكايات بعد النوم
صديقي المبدع النبيل. أحمد الديب. انتهيت من مجموعتك القصصية الآن في نهاية هذا الأسبوع كما وعدتك. لم يكن كتابا عاديا يمكن للمرء أن يمر على صفحاته بسرعة. هذا العمل الأدبي في منتهى الفرادة والتميز. هذا ليس ديوانا للشعر أو مجموعة قصصية تقليدية نمر بها بسرعة ثم نلقيها جانبا وننصرف. هذه المجموعة المتميزة مشروع أدبي يقف على قدم المساواة مع مشاريع شعراء كبار وكتَّاب متميزين في أدبنا العربي.
أولا: دعني أبدأ معك من البداية. من العنوان. العنوان عبقري جدا. أنت مدرك لقيمة العنوان بالنسبة للعمل الأدبي. إنه اختصار لعشرات الصفحات في جملة أو كلمة واحدة، كما أنه يتناص مع عنوان شهير لقصص الأطفال التقليدية في أدبنا العربي التي نسميها "حكايات قبل النوم". أما حكاياك أنت فهي مرحلة لاحقة بعد الاستيقاظ من النوم. حكايات الأطفال سنارة تجعلهم يصطادون النوم الهارب منهم والانفراد به في فراشهم، لكن حكاياتك مثيرة للقلق والفكر بشكل كبير. ما الذي يجعلك تفضل هذا العنوان على غيره من العناوين؟
ثانيا: مجموعتك تثير من الأسئلة أكثر مما تقدم من الإجابات، وهذه قيمة كل عمل أدبي متميز. دائما الأعمال الأدبية المتميزة مثيرة للنقاش والجدل، وأول ما فكرت فيه هو اختيارك لهذا الشكل الفني والقالب الذي تكتب فيه. لا أستطيع أن أقول إنها محاولات لكتابة سرد تقليدي، أو محاولة لكتابة قصيدة شعر. هو شكل يجمع من الشعر كثافته المتناهية وشفراته الحادة واختصاره للزمان والمكان في الحد الأدنى من الكلمات. واكتفيت من القصة بحميمية السرد. في الحقيقة مجموعتك القصصية الشعرية، أو ديوانك الشعري السردي محاولة متميزة للتعبير من خلال أشكال كتابة غير تقليدية، وهي محاولات تذكرني بكتابات محمود درويش ومريد البرغوثي، لكن الأهم أنها محاولة أصيلة لا تنتمي إلى أي محاولات سابقة وهذا ما يعطيها الفرادة في رأيي. أنت كاتب متميز من عملك الأول لا يمكن أن تُحسب على أي أديب سابق لك. هذه النقطة بالذات تعجبني جدا لأن الكاتب الأصيل لا يكتب إلا وهو يدرك موضع قدمه على خريطة الإبداع من ديوانه أو مجموعته القصصية الأولى وهو ما يتوفر هنا بشدة.
ثالثا: أكثر ما أعجبني في مجموعتك القصصية الشعرية أنها مشروع كامل وليست مجرد مجموعة من المشاهد المتراصة. لعلك قرأت كثيرا من المجموعات القصصية، ورأيت كيف أن كثيرا من الأدباء يتعاملون مع مشروعاتهم الأدبية بشكل جزئي، فالمجموعة القصصية مثلا تتكون من عدد من القصص القصيرة لا يجمع بينها سوى الكتاب. إنها موضوعات متفرقة في اتجاهات مختلفة، لكنني على يقين أنك قرأت ديوانا للشاعر مريد البرغوثي هو ديوان "منطق الكائنات"، أو ديوانا للشاعر محمد أبو دومة هو "تباريح أوراد الجوى" لتفهم ما أقصده. الديوان من بدايته إلى نهايته مشروع إبداعي في اتجاه واحد، وهو أمر لا يتاح إلا لشاعر قد جرب أشكالا مختلفة من الكتابة. الغريب هنا أن هذه المجموعة القصصية هي مجموعتك الأولى. هنا نحن أمام أديب من الطراز الأول. أديب صاحب مشروع متكامل. هذه المسألة تعجبني بشدة. الكتابة بالنسبة لك ليست مجرد تعبير عن عدد من المشاهد التي تلتقط تفاصيلها من الحياة اليومية. لكنها تخبرنا أن الحياة لا تبدو كما نظنها في أعيننا. الكتابة عندك مشروع يبدأ بهذه المجموعة وأنا متأكد أننا سنرى مشروعات أفضل وأكثر نضجا من مشروعك الأول هذا.
رابعًا: يمكن تقسيم مجموعتك القصصية الشعرية إلى قسمين: القسم الأول وهي الحكايات العجائبية التي تشبه أساطير اليونان القديمة التي تُعيد تعريف العالم وتفسيره وأسطرته من خلال عدسة الشاعر. فزهرة النرجس مثلا كانت شابا رائع الجمال، لكنه عوقب من خلال ربات الجمال، فافتُتن بصورته في الماء، فتحول إلى زهرة النرجس كما تقول الأساطير اليونانية. أنت أيضا في حكاية الولد والبحر تعيد تفسير العالم طبقا لأسطورتك الخاصة. في حكاية "الولد والخاتم" تعيد تفسير لون الأسماك الذي يتغير من اللون الشفاف إلى اللون الرمادي بعد خروجها من البحر. أنا أؤكد لك أن الحكايات في جزئيها الأول والثاني إضافة جديدة في أدبنا العربي، وهي إضافة شديدة التميز. إعادة تفسير العالم واكتشافه طبقا لأسطورتك الخاصة مسألة في منتهى الصعوبة وهي تحتاج إلى أديب متميز بالفعل
أما النصف الثاني فهي محاولتك لاكتشاف ما نمر به في حياتنا ولا نراه. أنت تجعلنا نبصر العالم من خلال عدستك الخاصة التي تخلع الرتابة عن الوجود وتعيده لنا جديدا كأنما نراه للمرة الأولى. لكنني لا أخفي عليك كنت أتمنى أن تكون المجموعة خالصة للجزء الأول. يجب أن تعلم أن القيمة الأدبية لهذا الجزء لا يقدرها إلا أولئك الذين قرأوا أعمالا لشعراء من الغرب أمثال جوتة وبودلير بالذات لأن كلا منهما كان ينطلق في رؤيته من خلال مشروع إبداعي أوقف عليه عمره كله. كنت أتمنى أن يكون الجزء الأول عملا متفردا لا يجتمع مع الجزء الثاني
خامسًا: يبدو في الجزء الأول طغيان بعض التيمات الفنية التي تصلح في ديوانك أو مجموعتك القصصية كنموذج رائع للتوظيف الفني لتقنيات بعينها بدون تكلف أو استعراض للثقافة كما يحدث عند بعض الكُتَّاب. مثلا تبدو المفارقة الدرامية روحا عامة في مجموعتك بشكل يذكرنا بديوان "منطق الكائنات" للشاعر مريد البرغوثي. مجموعتك من بدايتها وحتى نهايتتها تقول لنا: لا تغترُّوا بما ترونه من العالم، فما ترونه ليس إلا قشرة خارجية سأقوم بتعريتها أمامكم الآن. في حكايتك "على جانب الطريق"، و"خطوات"، و"حجر" تبدو المشاهد مراوغة إلى حد بعيد. يبدو كل شيء في البداية في اتجاه واحد، لكنه مع التورُّط في القراءة يبدو شيئا مختلفا تماما عما كنا نظنه كذلك. ففي قصة "على جانب الطريق" يبدو أن الكلام في البداية يشكل نوعا من الوضوح الذي يكشف عما وراءه من مشاعر، لكنه في النهاية - وهذا مكمن المفارقة الدرامية- يتحول إلى نوع من الاختباء والصمت العاجز عن مواجهة الواقع. الكلام هنا هو الصمت، والصمت هو الكلام. كل قصة في مجموعتك تتحول إلى شَرَك للقارئ يقوده في النهاية إلى ما يهرب منه وهذا سر عبقرية النصوص وعبقرية اختزالها إلى الحد الأدنى من الكلمات
سادسا: مركزية البحر في مجموعتك تَظهر بشكل فادح. البحر هنا ليس وجودا فيزيائيا فقط. إنه العالم الذي تدور حوله حكايات أبطالك. لا أستطيع أن أدَّعي أن انتماءك للإسكندرية هو الذي عكس اهتمامك بالبحر وأعطاه هذه الأهمية في مجموعتك. مجموعتك تعطي أبعادا مختلفة تماما عن البحر الذي رأيناه في مجموعات أدباء سكندريين سابقين مثل إبراهيم عبد المجيد مثلا، يمكن أن نقول إنه نقلة نوعية جديدة شديدة الفرادة والتميز
سابعا: لا أستطيع أن أصدق أن هذه القصص التي يدل تاريخ كتابتها على البدء فيها منذ العام 2008 أنك ظللت في انتظار أن تنشرها في عام 2014. كان ينبغي أن تكون لديك على الأقل مجموعتان قصصيتان أو أكثر. لا أحب أن يكون أديبا بموهبتك يمتلك هذه اللغة المراوغة وأن يتكاسل بهذا الشكل. أتمنى أن تدرك القيمة الأدبية لمجموعتك القصصية هذه وأن تمتعنا في المستقبل بما هو أفضل منها، وأنا لا أشك لحظة واحدة في مقدرتك على ذلك
ثامنا: هل تعلم الفارق بين أن تقرأ ديوان المتنبي وأن تقرأ ديوانا لأي شاعر أقل منه في الموهبة؟ ديوان المتنبي يتميز برؤيا شديدة التفرد والخصوصية للحياة تشبه تلك الرؤيا التي تخرج بها حين تتابع تراجيديات شيكسبير، لا يمكن أن تكون الحياة في نظرك كما هي بعد قراءتها أو قراءة المتنبي. هكذا كل فن عبقري. يجب أن تعلم أن هذه الرؤيا العبقرية المتميزة من أهم ما يميز مجموعتك. يجب أن تكون على وعي بهذا، وأن تكون مشاريعك الأدبية في المستقبل على هذه الشاكلة، وأنا على يقين أنك قادر على هذا. لقد أرهقتني قراءتك لأن الحياة بعد قراءتها لا تشبه الحياة قبلها أبدا
أخيرا أعتذر عن الإطالة والتأخير في كتابة هذه الكلمات التي لم تعط لمجموعتك قدرها الذي تستحقه، لكنني لا يفوتني أن أشير إلى لغتك المصفاة الخالية من الأخطاء إلا في أقل القليل. لغة لا تهتم بالزخرفات الأدبية قدر اهتمامها بتعرية الواقع والإنسان معا. وفي النهاية أرجو ألا تعتقد أن صداقتنا قد أوجبت أن أكتب إليك أي مجاملة لأن صداقتي للإبداع والحق أكثر متانة، كما أتمنى أن يتاح لنا الجلوس والحديث كما كنا نفعل في مكتبة الإسكندرية من قبل، وهي لحظات من أغلى ما مررت به في الإسكندرية. خالص تحياتي وتقديري.
صلاح الجبيلي
أولا: دعني أبدأ معك من البداية. من العنوان. العنوان عبقري جدا. أنت مدرك لقيمة العنوان بالنسبة للعمل الأدبي. إنه اختصار لعشرات الصفحات في جملة أو كلمة واحدة، كما أنه يتناص مع عنوان شهير لقصص الأطفال التقليدية في أدبنا العربي التي نسميها "حكايات قبل النوم". أما حكاياك أنت فهي مرحلة لاحقة بعد الاستيقاظ من النوم. حكايات الأطفال سنارة تجعلهم يصطادون النوم الهارب منهم والانفراد به في فراشهم، لكن حكاياتك مثيرة للقلق والفكر بشكل كبير. ما الذي يجعلك تفضل هذا العنوان على غيره من العناوين؟
ثانيا: مجموعتك تثير من الأسئلة أكثر مما تقدم من الإجابات، وهذه قيمة كل عمل أدبي متميز. دائما الأعمال الأدبية المتميزة مثيرة للنقاش والجدل، وأول ما فكرت فيه هو اختيارك لهذا الشكل الفني والقالب الذي تكتب فيه. لا أستطيع أن أقول إنها محاولات لكتابة سرد تقليدي، أو محاولة لكتابة قصيدة شعر. هو شكل يجمع من الشعر كثافته المتناهية وشفراته الحادة واختصاره للزمان والمكان في الحد الأدنى من الكلمات. واكتفيت من القصة بحميمية السرد. في الحقيقة مجموعتك القصصية الشعرية، أو ديوانك الشعري السردي محاولة متميزة للتعبير من خلال أشكال كتابة غير تقليدية، وهي محاولات تذكرني بكتابات محمود درويش ومريد البرغوثي، لكن الأهم أنها محاولة أصيلة لا تنتمي إلى أي محاولات سابقة وهذا ما يعطيها الفرادة في رأيي. أنت كاتب متميز من عملك الأول لا يمكن أن تُحسب على أي أديب سابق لك. هذه النقطة بالذات تعجبني جدا لأن الكاتب الأصيل لا يكتب إلا وهو يدرك موضع قدمه على خريطة الإبداع من ديوانه أو مجموعته القصصية الأولى وهو ما يتوفر هنا بشدة.
ثالثا: أكثر ما أعجبني في مجموعتك القصصية الشعرية أنها مشروع كامل وليست مجرد مجموعة من المشاهد المتراصة. لعلك قرأت كثيرا من المجموعات القصصية، ورأيت كيف أن كثيرا من الأدباء يتعاملون مع مشروعاتهم الأدبية بشكل جزئي، فالمجموعة القصصية مثلا تتكون من عدد من القصص القصيرة لا يجمع بينها سوى الكتاب. إنها موضوعات متفرقة في اتجاهات مختلفة، لكنني على يقين أنك قرأت ديوانا للشاعر مريد البرغوثي هو ديوان "منطق الكائنات"، أو ديوانا للشاعر محمد أبو دومة هو "تباريح أوراد الجوى" لتفهم ما أقصده. الديوان من بدايته إلى نهايته مشروع إبداعي في اتجاه واحد، وهو أمر لا يتاح إلا لشاعر قد جرب أشكالا مختلفة من الكتابة. الغريب هنا أن هذه المجموعة القصصية هي مجموعتك الأولى. هنا نحن أمام أديب من الطراز الأول. أديب صاحب مشروع متكامل. هذه المسألة تعجبني بشدة. الكتابة بالنسبة لك ليست مجرد تعبير عن عدد من المشاهد التي تلتقط تفاصيلها من الحياة اليومية. لكنها تخبرنا أن الحياة لا تبدو كما نظنها في أعيننا. الكتابة عندك مشروع يبدأ بهذه المجموعة وأنا متأكد أننا سنرى مشروعات أفضل وأكثر نضجا من مشروعك الأول هذا.
رابعًا: يمكن تقسيم مجموعتك القصصية الشعرية إلى قسمين: القسم الأول وهي الحكايات العجائبية التي تشبه أساطير اليونان القديمة التي تُعيد تعريف العالم وتفسيره وأسطرته من خلال عدسة الشاعر. فزهرة النرجس مثلا كانت شابا رائع الجمال، لكنه عوقب من خلال ربات الجمال، فافتُتن بصورته في الماء، فتحول إلى زهرة النرجس كما تقول الأساطير اليونانية. أنت أيضا في حكاية الولد والبحر تعيد تفسير العالم طبقا لأسطورتك الخاصة. في حكاية "الولد والخاتم" تعيد تفسير لون الأسماك الذي يتغير من اللون الشفاف إلى اللون الرمادي بعد خروجها من البحر. أنا أؤكد لك أن الحكايات في جزئيها الأول والثاني إضافة جديدة في أدبنا العربي، وهي إضافة شديدة التميز. إعادة تفسير العالم واكتشافه طبقا لأسطورتك الخاصة مسألة في منتهى الصعوبة وهي تحتاج إلى أديب متميز بالفعل
أما النصف الثاني فهي محاولتك لاكتشاف ما نمر به في حياتنا ولا نراه. أنت تجعلنا نبصر العالم من خلال عدستك الخاصة التي تخلع الرتابة عن الوجود وتعيده لنا جديدا كأنما نراه للمرة الأولى. لكنني لا أخفي عليك كنت أتمنى أن تكون المجموعة خالصة للجزء الأول. يجب أن تعلم أن القيمة الأدبية لهذا الجزء لا يقدرها إلا أولئك الذين قرأوا أعمالا لشعراء من الغرب أمثال جوتة وبودلير بالذات لأن كلا منهما كان ينطلق في رؤيته من خلال مشروع إبداعي أوقف عليه عمره كله. كنت أتمنى أن يكون الجزء الأول عملا متفردا لا يجتمع مع الجزء الثاني
خامسًا: يبدو في الجزء الأول طغيان بعض التيمات الفنية التي تصلح في ديوانك أو مجموعتك القصصية كنموذج رائع للتوظيف الفني لتقنيات بعينها بدون تكلف أو استعراض للثقافة كما يحدث عند بعض الكُتَّاب. مثلا تبدو المفارقة الدرامية روحا عامة في مجموعتك بشكل يذكرنا بديوان "منطق الكائنات" للشاعر مريد البرغوثي. مجموعتك من بدايتها وحتى نهايتتها تقول لنا: لا تغترُّوا بما ترونه من العالم، فما ترونه ليس إلا قشرة خارجية سأقوم بتعريتها أمامكم الآن. في حكايتك "على جانب الطريق"، و"خطوات"، و"حجر" تبدو المشاهد مراوغة إلى حد بعيد. يبدو كل شيء في البداية في اتجاه واحد، لكنه مع التورُّط في القراءة يبدو شيئا مختلفا تماما عما كنا نظنه كذلك. ففي قصة "على جانب الطريق" يبدو أن الكلام في البداية يشكل نوعا من الوضوح الذي يكشف عما وراءه من مشاعر، لكنه في النهاية - وهذا مكمن المفارقة الدرامية- يتحول إلى نوع من الاختباء والصمت العاجز عن مواجهة الواقع. الكلام هنا هو الصمت، والصمت هو الكلام. كل قصة في مجموعتك تتحول إلى شَرَك للقارئ يقوده في النهاية إلى ما يهرب منه وهذا سر عبقرية النصوص وعبقرية اختزالها إلى الحد الأدنى من الكلمات
سادسا: مركزية البحر في مجموعتك تَظهر بشكل فادح. البحر هنا ليس وجودا فيزيائيا فقط. إنه العالم الذي تدور حوله حكايات أبطالك. لا أستطيع أن أدَّعي أن انتماءك للإسكندرية هو الذي عكس اهتمامك بالبحر وأعطاه هذه الأهمية في مجموعتك. مجموعتك تعطي أبعادا مختلفة تماما عن البحر الذي رأيناه في مجموعات أدباء سكندريين سابقين مثل إبراهيم عبد المجيد مثلا، يمكن أن نقول إنه نقلة نوعية جديدة شديدة الفرادة والتميز
سابعا: لا أستطيع أن أصدق أن هذه القصص التي يدل تاريخ كتابتها على البدء فيها منذ العام 2008 أنك ظللت في انتظار أن تنشرها في عام 2014. كان ينبغي أن تكون لديك على الأقل مجموعتان قصصيتان أو أكثر. لا أحب أن يكون أديبا بموهبتك يمتلك هذه اللغة المراوغة وأن يتكاسل بهذا الشكل. أتمنى أن تدرك القيمة الأدبية لمجموعتك القصصية هذه وأن تمتعنا في المستقبل بما هو أفضل منها، وأنا لا أشك لحظة واحدة في مقدرتك على ذلك
ثامنا: هل تعلم الفارق بين أن تقرأ ديوان المتنبي وأن تقرأ ديوانا لأي شاعر أقل منه في الموهبة؟ ديوان المتنبي يتميز برؤيا شديدة التفرد والخصوصية للحياة تشبه تلك الرؤيا التي تخرج بها حين تتابع تراجيديات شيكسبير، لا يمكن أن تكون الحياة في نظرك كما هي بعد قراءتها أو قراءة المتنبي. هكذا كل فن عبقري. يجب أن تعلم أن هذه الرؤيا العبقرية المتميزة من أهم ما يميز مجموعتك. يجب أن تكون على وعي بهذا، وأن تكون مشاريعك الأدبية في المستقبل على هذه الشاكلة، وأنا على يقين أنك قادر على هذا. لقد أرهقتني قراءتك لأن الحياة بعد قراءتها لا تشبه الحياة قبلها أبدا
أخيرا أعتذر عن الإطالة والتأخير في كتابة هذه الكلمات التي لم تعط لمجموعتك قدرها الذي تستحقه، لكنني لا يفوتني أن أشير إلى لغتك المصفاة الخالية من الأخطاء إلا في أقل القليل. لغة لا تهتم بالزخرفات الأدبية قدر اهتمامها بتعرية الواقع والإنسان معا. وفي النهاية أرجو ألا تعتقد أن صداقتنا قد أوجبت أن أكتب إليك أي مجاملة لأن صداقتي للإبداع والحق أكثر متانة، كما أتمنى أن يتاح لنا الجلوس والحديث كما كنا نفعل في مكتبة الإسكندرية من قبل، وهي لحظات من أغلى ما مررت به في الإسكندرية. خالص تحياتي وتقديري.
صلاح الجبيلي
Published on March 18, 2015 04:15
No comments have been added yet.