الغريب


في الطريق إلى الهيبرماركت،مشيت مثقلا بالعالم والحياة،غارقة ذاتي كانت في سوائل ليمفاوية لزجة،فقاعات أفكار سوداء كانت تنفثأ على حافة كأسي.حينها تقدم الغريب باتجاهي،وفي اللحظة التي مر فيها بي، في تلك اللحظة، لا غيرها،مررت به. (كما يحدث فقط في مصادفات الأفلام التي تسترهص حدثا مستقبليا ذا شأن)التقت عينانا لجزء من الثانية،وعرفنا بالغريزة وحدها، دونما جهد منا،أن نبعد جسدينا عن بعضهما خوف الاصطدام، ولم يصطدم كلانا كذلك بالجدار على جانبينا،ولا بالعربات من حولنا.في تلك اللحظة مر شعاع من الوعي حاملا أفكاري إليه وحاملا أفكاره إلي (ولكأن مخرجا سماويا كان يدير دفة حديث أمواج صامت).لم أعرف حينها، ولا أعرف الآن، لماذا أسرف الله ومنحه الوعي؟لم أكن أنا وحيد وعي؛ كان للآخر وعي أيضا:كانت له عينان تنبئان عن شيء قابع خلفهما، كانت له إرادة جنبته الاصطدام بي،كانت له رغبة في شيء ما، لأنه مشى في اتجاه ما.  بدت صورتانا متشابهتين على زجاج الهيبرماركيت،لم أعرف إن كانت كأسه تفثأ فقعات أفكار سوداء،ولم أستطع كذلك رؤية كأسي من النظر في الزجاج،بيد أن شبهه بي أوحى لي غرقه في أثقال الحياة والعالم وبدا مستنقعه لزج أيضا بسائل لمفاوي.لم أستطع حينها أن أفهم، ولا أفهم الآن،السبب الذي من أجله نتشابه.لكن، ويا للغرابة، تلبستني حالة من الرضا، شعور ناعم بالسرور، أيكون ذلك لأنني أدركت أن ثمة وعي آخر في هذا الوجود يتأذى مثلي؟أن ثمة من تثقله الحياة مثلي؟ أن ثمة من هو تائه مثلي؟لقد مر في اتجاهه، ومررت في ذات اللحظة،لا غيرها،في اتجاهي؛فلم يكن باستطاعتي إثبات عكس ما فكرت فيه،وهكذا ما أزال، حتى وقتي هذا، أجتر سرور ذلك اللقاء الغريب. 
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 17, 2010 09:02
No comments have been added yet.


حسين العبري's Blog

حسين العبري
حسين العبري isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow حسين العبري's blog with rss.