قصة بنت وَرْدَان ـ من المجموعة القصصية فعل مؤنث منتصب

بنت وَرْدَان
...................................

غريب الأطوار الرمادي:
ملفات منتفخة وكثير من الأوراق تجلس أمامه في تحفز سيتحول مع الوقت ليأس من إتمامها، وأما عن أكواب القهوة وأعقاب السجائر فقد خيَّم عليهم صمت جنائزي يليق بهذا الجالس فريسة لبيوت العنكبوت، لا يلحظ أسراب النمل المحيطة به، ولا وجودي أمامه.

ـ لقد تم تعييني معك في نفس القسم لمساعدتك.
ـ بل تم تعيينك لتساعدي نفسك.

من المؤكد أنه سيموت أسفل هذه الأوراق، لا يقبل المزاح في العمل، يدفن رأسه بين الأرقام والإحصاءات.
طلب منِّي حَصْرَ عدد الوفيات في الدفاتر، وإضافة المواليد إليها، وألاَّ أسجِّل أيَّ أوراق بدون أختام.. أنا لا أحب الأعمال المكتبية.. سأطلب من عامل النظافة أن يحضر غدًا؛ فهذا المكتب لم تمر عليه امرأة منذ زمن.

لا يصل من يسير وحيدًا:
الإجازات ممنوعة، فقط عمل متواصل نُبدِّل فيه الأرواح بين الأجساد وفق أعمالهم.. الصالحون لا ينتقلون لأجسام آدمية؛ فهي الجحيم ذاته!

ـ هل فكَّرتَ بِمَ سيُستبدل جسدُكَ يا سيدي؟
ـ جميعُ العاملين في هذا القسم لا اختيار لهم؛ فمصيرهم واحد.
ـ سأكتب لهم عن رغبتي في أن أصير موجة بحر، فأنا أحب سحابة.

سأحبك فقط حين تعرف اسم زهرتي المفضَّلة:
هذا العمل أكثر دقة من أن يستعينوا باثنين.. لا أجد الوقت الكافي لإتقان عملية المبادلة، ومدى مناسبتها لأصحابها؛ فهناك امرأة صالحة أرادت أن تتحول لزهرة، ولم تحدد نوعها.. ربما سيكون الجحيم في اختيارنا لزهرتها!
قليلون من يقوموا بتحديد طلباتهم؛ فمعظمهم لا يعرف كيف كان في حياته السابقة، ليعرف ماذا يريد أن يكون.
هذا الرمادي غريب الأطوار أصبح يخيفني بتفانيه في العمل، وإصراره على الإهمال في مظهره.. أشعر بأنه سيتحوّل لشجرة عجوز رمادية، وربما غريبة الأطوار أيضًا!
ستكون شجرة عديمة النفع، وسينفر الأطفال من اللعب حولها، كما ستمنع عناق الأحبة أسفلها.. لذا فلن تثمر أبدًا!
ـ لم يأتِ عاملُ النظافة اليوم، وربما سأخاطِب الرئيس مباشرة لمعاقبته!
ـ من الأفضل أن تعتادي على الأمر؛ فهنا لا يتم أيُّ شيء بنظافة!

الحب يقتل.. الوحدة تقتل:
أحضرتُ أدوات التنظيف وقبل موعد العمل الرسمي كنتُ أدمِّر بيوت العنكبوت، وأزيل أكوام الأتربة من الهواء.. كنت أخشى أن أصطدم بفأر أو تظهر لي بعضُ الخفافيش، لكن حدث ماهو أسوأ.
صرصور صغير كافٍ لاتخاذى وضع القتال، إلا أن كونَه لا يطير جعل الأمر قيد السيطرة.. لم تستمر حرب المبيدات سوى دقائق، حتى فقد وعيه، ثم عاد سريعًا لمحاولات الهرب، فهاجمتُه بجرعة زائدة ومكثفة، فانقلب على ظهره، وظننتُ أنه الانتصار أخيرًا!
كان لا يزال يحرِّك أطرافه في كل اتجاه، يتشبَّث بالحياة لدرجة لم تجعل لي اختيارًا سوى أن أدهسه بحذائي قبل أن ينجوَ من فعلته هذه!
حينها ظهر التساؤل المعتاد: هل كان له زوجة وأولاد؟

آكلو التفاح لا يدخلون الجنة:
بدأ ظهور أول الموظفين قبل أن أنتهي، تعجَّب من نشاطي الزائد ولم يُثنِ عليه، فهذا لن يمنعه من إحضار أوراق وأرقام جديدة للعمل.. تفاجئني دائمًا طلبات التحويل، حتى أصبحتْ الجزءَ المثير الوحيد في هذا العمل. أحدهم يريد أن يكون شجرة تفاح، ربما أراد أن يقابل نيوتن، أو يعرف سر الغواية!

ورقة أخيرة تحمل ختم التحويل:
انتصف النهار ولم يحضر الرمادي غريب الأطوار! سأطالب بيوم راحة إضافي لتحمُّلي عبء العمل بمفردي؛ فلا يجب عليَّ تحمُّلُ أعراض شيخوخته، وألا أهتمَّ لكونه ليس له زوجة ولا أولاد، ولا منزل له سوى هذا المكتب!فعل مؤنث منتصب


https://www.facebook.com/photo.php?fb...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 14, 2015 23:07 Tags: دينا-سليمان
No comments have been added yet.