كواليس فرح



مكالمه تليفونيه في منتصف الليل من رقم غريب,أتردد في الرد تجنباً لمزيد من المشاكل بعد عناء يوم طويل مليء بإسترجاع الذكريات وأشخاص يبعثون من الماضي,أغلق الهاتف وأستسلم للنوم.

صباحاً,بمجرد أن أعيد تشغيل تليفوني أجد نفس الرقم يعاود الإتصال هذه المره يـُلح,أتشجع لأجيب,إنها صديقتي وجارتي المفضله..أسماء.

مكالمه لم تستغرق سوي دقائق جعلتني أقفز من سريري وأنا أضحك فرحاً وأنتزع قلبي من تجويفه لأغلفه مع باقه ورود حمراء أرسلها لها مع سيل من القبلات..تماماً كلون فستانها الذي إرتدته يوم عقد قرانها.

أسعدتني كثيراً بهذا الخبر ,لدرجه أني تلعثمت في كلامي فقلت لها"كل سنه وإنتي طيبه "بدلاً من "مبروك "! ,كسرت حاله الملل التي أحيا بها من فتره,ما أسعدني هو تتويج قصه حب دامت لست سنوات,من ضفائر المدرسه الثانويه إلي زهره أنوثه ما بعد التخرج.

في منزلها,حفل أسري بسيط,غني بمشاعر الحضور,تجلس في كامل رقتها المعتاده والبريق يقفز من عينيها بكل فرحه,بمجرد أن أدخل تقوم من مكانها وأتوجه إلها نتبادل الأحضان والقبلات,تهمس في أذني بفخر وحب شديد يبدو في نبرات صوتها.."بقيت مراته"


علي سطح المنزل إنطلقت موجه من الأغاني الشعبيه التي أبغضها,أحببتها اليوم من أجل صديقتي.أقف في أحد الأركان وأستمتع بهدوء بسيط بعيد عن مكبرات الصوت وزحام الناس.ألمح "العريس"بالصدفه يهرول بين مكان لآخر,أستوقفه"بتجري ليه يابوحميد؟,ده اليوم يومك"
يجيب مازحاً.."مهو عشان كده" !


يقف في الجانب المقابل ,أنظر يميناً يفعل مثلي,وإن نظرت يساراً يتبعني,أضحك بسخريه وأردد بيني وبين نفسي"أنا ناقص ياخويا !",يرسل لي إبتسامه,أردد مره أخري"ده عبيط باين !"

أمي وأختي جالسين بين الحضور,كلما مررت بينهم ألتقي بصديقه لا تقول سوي"عقبالك" وأبتسم,والدتها تسعي بين الحضور كما يقولون"فاضيه ومشغوله"أحياناً تجلس في هدوء بين أقاربها وأحياناً تشارك إبنتها بالرقص حتي تدمع عينيها وتحتضنها ,تنتهز إحداهن الفرصه لتنزل إلي قلب الحلقه وتخطف الأنظار برقصها المثير غير المتلائم مع الحجاب الطويل الذي ترتديه..يصفق لها الجميع علي مهارتها..!

أخري تهبط إلي جوارها بعد قليل,ترتدي فستان مكشوف الصدر والكتفين,تبدو مثيره جداً ,تهمس لي أختي"دي كانت لابسه إسدال",أراها تنافسها في حركاتها,يحسم الأمر رجل يدخل بينهم..يرقص أفضل منهم !

تشير لي صديقتي إستفساراً عن سبب وقوفي وحدي ,"أنا شكلي بت نكد وأنا مش واخده بالي",أشاركها فرحتها فأقف جوارها ,أقوم بتصويرها كثيراً,ترقص هي بحركات إنسيابيه رقيقه تغطي بها علي تلك المستفزه التي ملّ الحضور من محاولتها لجذب أي شاب بحركات خليعه,وعلي رجال بالأسماء فقط .

سيدتان في جانب يقتربان من بعضهما,يتحدثان بصوت مرتفع عن تكاليف الفرح والمهر والشقه والشبكه وغيره,
إحداهما للأخري:متعرفيش جايبلها شبكه بكام؟
تستفزني ,أرد:وإنتوا مالكوا؟
ترد إحداهن:نعم؟
-إحم..وإنتوا مالكوا قاعدين مش مع المزيكا كده ليه؟هيصوا ,مش وقت رغي ,ده فرح !

سيده في عمر أمي,تهمس في أذني"ماتنزلي ترقصي !",خشيت إحراجها فإكتفيت بإشاره لحجابي ثم قلت"الجو حر", تمط شفتيها إستنكاراً كأنني لست في جمال هيفاء وهبي كي أرفض-أنا فعلاً أرفض أن أكون هيفاء لأنها "مصنوعه"- تنظر لي ثم تدير نظرها عني وتردد"حد طايل " !

في الجانب الآخر,أري حلقه من الشباب منعزلين عن العالم,هم في عالم آخر بالتأكيد بفعل هذا الكم الهائل من الشيشه المحيط بهم,يتوسطها أطباق بها لفافات تبغ وسجائر محشوه.يصيبني الذهول ويبدو أن أحدهم رآني,أدير وجهي بسرعه للجانب النسائي,تقول لي سيده يبدو أنها كانت تتابعني"أيوه ,حشيش,فرح بقي عقبال عندك ! "

أحدهم يعبر أمامي بأكواب من العصير البارد,تذكرته, إنه أخيها الأكبر,يبدو كما رأيته منذ سنوات,كما هو يدخن ويبحث عن عمل ويتطلع لوجهي طويلاً ثم يصمت !,يبتسم ويمد لي يديه بكوب من عصير البرتقال,يرفقها ب"عقبالك",أرد"في حياتك إن شاء الله !"

تمر أمامي سيده شابه ترتدي عباءه سوداء تحمل طفله,تعبر ثم تعود خطوه إلي الوراء ,تتطلع بوجهي ,تتيح للطفله الهروب من ذراعيها فتسقط أرضاً بسبب فستانها الطويل الذي يمنعها من الركض كباقي الأطفال,تعتدل وتنهض لتلعب مع باقي الصغيرات في الحفل ممن يرتدون فساتين طفوليه بريئه,أفيق من متابعه الطفله علي وابل من قبلات السيده التي لا أعرفها حتي تنتبه من ذهولي
-إنتي مش عارفاني ولا إيه؟أنا آيه ..صاحبتك
-معلش مش واخده بالي
-كنا مع بعض ف أولي ثانوي.أيام ما كنتي بترني جرس باب الفصل وتجري وتـ
-آيه حبيبه قلبي,وحشاني ,إيه فينك؟أختك دي مش كده؟
-"تضحك "دي بنتي
-إنتي إتجوزتي؟
-وخلّـفت كمان
أتأملها من أسفل لأعلي ,ملامحها تغيرت كثيراً,لي صديقات متزوجات لكن حالهم لم يتغير كذلك,قبل أن أسألها أجده خلفها يقول بصوت رجولي غير متناسق مع مظهره الضعيف اللائق بالجورنال والبطيخه"ياللا يا أم نسمه" فتستأذن وأشير لها مبتسمه..مع السلامه..يا أم نسمه !

أمي تلاحظ شرودي"بطلي تفكير وهيصي مع صاحبتك"
-صداع,الأغاني بيئه أوي
-فرح يعني..عقبال فرحك,يومها إبقي شغلي الأغاني اللي انتي عايزاها
-"أضحك"..يبقي محدش هييجي !


شيئان يصحباني دوماً في أي مكان,لا أحملهم ولكنهم يسبقوا خطواتي,عقلي وضميري,أحدهم يراها مهزله فيطرح سؤال مـُحيّر:
-تري ما الفرق بينهم الآن, أيهم الراقصه؟العروس أم صديقتها المحجبه أم الراقصه الحقيقيه التي لم تأت؟
-رفقاً,إنها رقصه فرح,,قلوبهم سعيده
-وما دخل أجسادهم بذلك؟
-الجسد مُعبّر عما يدور بداخلهم

يؤنبني ضميري علي مناقشاتي الجانبيه,الأمور لا تسير بالمسطره والمنطق, ردودي غريبه,أحاول الهرب من الحزن للتفكير لكن التفكير يقودني إليه مره أخري ,كلما حاولت التجاهل والإندماج في الفرحه يصفعني شيء جديد,وجدتني أجمع تركيزي وقواي وأتوجه لأسماء قبل ختام الحفل, أشد علي يديها وأقبلها قائله: إنتي أحلي حاجه ف الفرح..مبروك !
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 25, 2010 09:49
No comments have been added yet.