فطست من الضحك

أصابتني حالة سأم حادة من المقالات الجادة والمواضيع الثقيلة، فقررت أن أكتب مقالا ساخرا، لكن الوضع العام على محيط الكرة الأرضية لا يساعد، فما العمل؟

أتتني الإشارة من الدكتور عبدالله الغذامي، حين قال لي على تويتر: «الجو العام هو المحتاج لمقالات ساخرة، السخرية أخطر الأجوبة على الأزمات الخانقة»، وأضاف: «انظري حولك».

فنظرت حولي..

نظرت إلى مسيرة باريس الحاشدة لمناصرة حرية الشعوب ورفض الإرهاب، نظرت إلى وجه نتانياهو أحد أكبر مجرمي التاريخ، ثم نظرت إلى وجوه بعض زعمائنا العرب، وهم يتباكون على ضحايا الإرهاب، وعلى قمع حرية الكلمة.. وفطست من الضحك.

تمعنت في دولة داعش، وكيف ولماذا قامت، وحجم انتشارها وقوتها وعتادها وأسلحتها، ثم تأملت مجمل أحكامها التي تجز وتقص وتقطع وتقتلع وتسبي وتبيع وتشتري بشرا.. ثم فكرت بمن يناصرها ويدافع عن أفعالها ويبررها.. ففطست من الضحك.

نظرت فوجدت «داعية» يُخلى سبيله، ويناصح ويطالب بدفع دية، بعد أن أقدم على اغتصاب ابنته ذات السنوات الخمس، ثم قتلها ضربا وحرقا، وتلفت فوجدت كاتباً يسجن ويجلد أمام الملأ بتهمة التعبير عن الرأي.. ففطست من الضحك.

ورغم تردد أنباء عن إطعام الفقراء به، إلا أنه تبين أن فائض الطعام عن مهرجان أم رقيبة للإبل يعادل 11980 كيلوغراماً من الرز، و16110 كيلوغرامات من اللحم.

تساءلت هل ينبغي على الفقراء انتظار فتات المهرجانات لكي يشبعوا، أو الأطفال اللاجئين يموتون جوعا وبردا.. ففطست من الضحك.

وهناك من لديه وقت ومزاج لإصدار فتوى تحرم تماثيل الثلج، ولا يصدر فتوى تحرم ترك الأطفال يموتون من الثلج.

نظرت في التهم الموجهة لبعض رجالات الدولة، وكيفية القبض عليهم وزجهم في السجون، ففطست من الضحك.

تأملت، فوجدت وزيرا واقفا بطوله وعرضه يقص شريط افتتاح تحويلة في شارع، ثم نظرت فوجدت الشيخ محمد بن راشد يفتتح الترام، والقرية الإلكترونية، وقرية الأيتام، وتوسعة المطار، إلى ما هنالك من المشاريع المستقبلية في تلك الدولة المجاورة، ففطست من الضحك.

نظرت في توقيت مهرجان هلا فبراير الذي ركب فوق مهرجان القرين، وكيف أن عروقنا تنشف طوال السنة من دون فعاليات، من دون حفلات، من دون نغمة، وفي شهر واحد (يحشرون) كل الفعاليات بعضها فوق بعض.. ففطست من الضحك.

سرحت في معلمنا الحضاري ورمز بلدنا (أبراج الكويت)، وكيف أنها مغلقة منذ سنوات، وستظل مغلقة ربما لسنوات، لأنهم يقومون بأعمال الصيانة. وتذكرت أن الأبراج بنيت خلال أربع سنوات، لكن مشروع التصليحات ربما يستغرق عقداً من الزمان.. ففطست من الضحك.

نظرت فوجدت رواية كويتية وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر للرواية العربية، ثم تذكرت أن الرواية إياها ممنوعة من التداول في الكويت.. ففطست من الضحك.

ضحكت قهراً، ضحكت ألماً، ضحكت عجزاً.. فبعض الضحك ليس سوى بكاء.

دلع المفتي
نشر في 15/01/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 14, 2015 12:47
No comments have been added yet.


لكلٍ هويته

دلع المفتي
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
Follow دلع المفتي's blog with rss.