الإنسان موقف!

يوم 10 يناير 2009 توفى الأستاذ والمناضل الكبير والنبيل محمود أمين العالم وكنت مع مجموعة من الأصدقاء المختلفين نتردد على مكتبه وهو نفسه مقر "قضايا فكرية" في شارع القصر العيني. لا يمكن أن أنسى أبدا تاريخ أول مقابلة بيننا وكانت يوم 9/3/2000 ؛وذلك بسبب إهداءه لنا عددا من كتبه القيمة، وأعداد من إصدار قضايا فكرية وتوقيعه بالتاريخ. وكتبت عن المقابلة دي وعن دوافعها ونتائجها.. بس في الأول عايز أذكر إني لما طلبت من الأستاذ محمود إنه يكتبلي إهداء على عدد "قضايا فكرية" -وهو رئيس تحريرها- كان عنده حرج من إنه يكتب إهداء بتوقيعه على عمل جماعي بالأساس وأمام إصراري الطفولي (وقتها) وافق إنه يكتب إهداء جماعي برضه لي ولأصدقائي .
الموقف التاني كان في نهاية المقابلة دي واحنا قايمين (كنا مجموعة طلبة جامعة لا رحنا ولا جينا) وأصر بتواضع لا حد له (ودي من الحاجات اللي الواحد اتعلمها وبيتعلمها من الناس العظيمة والبسيطة في نفس الوقت) إنه يوصلنا لحد باب الأسانسير. كنت بتكلم مع أحمد حسان مرة عن إنسانية ونبل محمود العالم وذكرت له الواقعة دي وغيرها.. فقالي وهو في باريس كانوا الطلبة يبقوا شايطين ومختلفين مع مواقف محمود العالم السياسية ومع ذلك كانوا بيبلموا وينزل عليهم سهم الله لما يلاقوه بتواضع شديد نازل ياكل معاهم مش مع الأساتذة فوق.
برضه فاكر وأنا شغال في دار ميريت فتحنا أنا وأستاذ محمد هاشم الباب لقينا الأستاذ العالم في وشنا وفرحنا جدا جدا بالفرصة السعيدة دي. كان جاي ساعتها يسأل عن كتاب الأستاذ خليل عبد الكريم "فترة التكوين في حياة الصادق الأمين" وأخد كتاب تاني معاه وأصر بشدة إنه يدفع ودفع فعلا ثمن الكتب على الرغم من إن الأستاذ محمد هاشم رفض باصرار برضه إنه ياخد أي فلوس. وسألت الأستاذ محمود مرة عن إصراره ده فقالي بابتسامة كده: ما أخذ بسيف الحياء يا عزيزي..
من الكتب البسيطة والمهمة في نفس الوقت لمحمود العالم هو كتاب "الإنسان موقف" و الذي يرى فيه عن حق: أن الإنسان في جوهره موقف، وأن حياتنا الإنسانية يصنعها الفرد الذي يحمل عبقرية الجماعة ، ويحسن الإنصات إلى نبضاتها.. ومن هؤلاء من يبرز ويتميز، ومنهم من يظل بين الناس مطمور الاسم، مجهول الفعل، رغم عظمته الإنسانية التي لا حد لها، وأن تاريخنا الإنساني، حافل بالكثير من الأسماء المتميزة اللامعة، ولكنه رغم هذا، لا يكاد يضم منها إلا باقة محدودة على كثرتها، فما أكثر الأبطال الذين لم يدون اسمهم على مسلة، أو على ورقة بردي، أو على أثر من الآثار التاريخية الباقية، لعل بعض هؤلاء قد جعل من حياته عند مدخل باب صغير لأسرة صغيرة دفاعا عن أغاني أطفالها، ولعل بعضهم قد أضاء ليلة سعيدة في كوخ بائس، أو فجر أغنية في قلوب دون أن يترك توقيعه عليها.. هؤلاء هم الذين يحتفظون بشموخ القامة الإنسانية في وجه العواصف والمحن، وينسجون الدفء والطمأنينة والاستمرار المضيء في تاريخ الإنسان، بتواضعهم ونزيفهم الصامت هؤلاء هم صناع الحياة بحق، بهم يتحرك المجتمع متطلعا إلى العدالة والسعادة والمحبة والحرية والسلام. وهو نفس ما يمكن أن أقوله على الأستاذ محمود نفسه، الاسم اللامع المتميز والمتواضع على ذلك..
تحية محبة وتقدير ومودة بلا حد إلى ذكرى الإنسان والمناضل النبيل محمود أمين العالم.
https://www.goodreads.com/review/show...
3 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 11, 2015 06:21
No comments have been added yet.