تغيير مسقط الرأس والمناطقية!
يتشكل وعينا بالمكان الذي ننتمي له منذ اللحظة التي يبدأ فيها إدراكنا للحياة، فتبدو مدينتنا أو قريتنا التي عشنا فيها طفولتنا قريبة من مشاعرنا وتذكرنا بمحيطنا العائلي الحميم، فنبدأ في سن مبكرة في الدفاع عن مسقط الرأس، كما ندافع عن نادينا الرياضي الذي نشجعه. بعدها تبدأ مراحل أخرى من النضج بالحياة ومجتمعنا الأوسع والعالم من حولنا، متزامنة مع وعينا بإشكاليات المجتمع والسياسة والوطن وتعقيدات الواقع. ويتيح لنا السؤال التقليدي المبكر»من وين الأخ؟» في مناسبات ولقاءات الحياة المتنوعة قراءة ردود أفعال الآخرين وأنماطها وتعليقاتهم لمعرفة رؤية وتقييم الآخرين لمسقط رأسك، وتنميطهم له ومواقفهم منه، وبالتالي تنميطهم لك، مهما كانت هذه الانطباعات محاطة بقدر كبير من المجاملة الشخصية والاحترام، حيث تكشف الكثير من النكات المتبادلة بعض ملامح هذه الانطباعات، مهما كانت سطحية وغبية في تصور الآخر من وطنك.
يتشكل وعينا بالمكان الذي ننتمي له منذ اللحظة التي يبدأ فيها إدراكنا للحياة، فتبدو مدينتنا أو قريتنا التي عشنا فيها طفولتنا قريبة من مشاعرنا وتذكرنا بمحيطنا العائلي الحميم، فنبدأ في سن مبكرة في الدفاع عن مسقط الرأس، كما ندافع عن نادينا الرياضي الذي نشجعه. بعدها تبدأ مراحل أخرى من النضج بالحياة ومجتمعنا الأوسع والعالم من حولنا، متزامنة مع وعينا بإشكاليات المجتمع والسياسة والوطن وتعقيدات الواقع. ويتيح لنا السؤال التقليدي المبكر»من وين الأخ؟» في مناسبات ولقاءات الحياة المتنوعة قراءة ردود أفعال الآخرين وأنماطها وتعليقاتهم لمعرفة رؤية وتقييم الآخرين لمسقط رأسك، وتنميطهم له ومواقفهم منه، وبالتالي تنميطهم لك، مهما كانت هذه الانطباعات محاطة بقدر كبير من المجاملة الشخصية والاحترام، حيث تكشف الكثير من النكات المتبادلة بعض ملامح هذه الانطباعات، مهما كانت سطحية وغبية في تصور الآخر من وطنك.
مع تطور الخبرة في الحياة وإشكاليات المجتمع لفتت نظري في سن مبكرة، وأثارت في وعيي الكثير من الأسئلة حالة وجود آباء لديهم حرص على أن يختاروا مسقط رأس لأولادهم، ليكون ميلاد أبنائهم في مدن ومناطق محددة مسبقا كجزء من التخطيط لمستقبلهم، غير المكان الذي ينتمي له أحدهم حقيقة. اختيار مكان الولادة في دول أجنبية وغربية متقدمة مفهوم له أسبابه المباشرة لأي فرد من العالم الثالث، لكن أن يختار من داخل الوطن مكان ميلاد آخر، كرؤية مستقبلية لمصلحة الأبناء بعد تراكم خبرتهم الاجتماعية والتجارية والوظيفية والسياسية، حيث يتجه بعضهم بهذا الاختيار إلى مدن كبرى تحييدا لأبنائهم عن أي تنميط يضر بمصلحتهم، ويضيع عليهم فرص يتوقع أنه سيفقدها بسبب أنه ليس من هنا أو هناك. وبعضهم قد يشعر بأن قريته ومنطقته لا تزوده ببرستيج اجتماعي كاف فيريد أن يجنب أبناءه هذه المشكلة في تصوره الشخصي.
لكل من التفكير المناطقي أو الطائفي أو القبلي إشكالياته الخاصة عندما يأخذ مسارا متطرفا، لكنها جميعا تشترك في أنها رؤى وانطباعات محكومة بمؤثرات يصعب السيطرة عليها، بمجرد تقدم أوامر ونصائح وعظية، فهي تظهر بحالاتها المرضية تلقائيا بسبب وجود خلل ما. هناك جوانب كثيرة في المناطقية ذات حساسية عند أي مصارحة حولها لتفسير قضية تفسيرا واقعيا من خلال رؤية اجتماعية تاريخية لها، ولهذا يصعب التشخيص العلمي والعقلاني لها، مع وجود خلل في تصور المجتمع وتشكله التاريخي ونوعية المصالح التي تؤثر عليه.
التفكير في المناطقية ومعالجتها لا يأتي من خلال الاستعراض المجرد لأرقام مباشرة، بدون قراءة وتحليل لكل مرحلة تاريخية وظروفها الاقتصادية والسياسية، وهذا أحد مظاهر الضعف في الدراسات الاجتماعية والثقافية للوعي بمدن وقرى بلادنا وشخصيتها التاريخية، وطبيعة أهلها، وقراءة تأثير النفط على مسارها التاريخي.
تبدو المناطقية في أكثر حالاتها حضورا بالوعي الشعبي المباشر في دوائر الوظيفة والعمل في القطاع العام والخاص، ولهذا تجد السؤال الأول المباشر في الأحاديث الجانبية بين الموظفين عن الرئيس فلان والمدير فلان: من أين؟ يسبق السؤال عما هو أهم، مؤهلاتهم وخبراتهم الوظيفية وسيرتهم الإدارية وكفاءتهم. هذا الاهتمام الشعبي التلقائي بسبب الحرص على المصالح الخاصة. وجزء من إشكال اجتماعي تاريخي، يتعلق بمفهوم الواسطة، والفزعة مع جماعته، وأهل ديرته، حيث تتداخل أخلاقيات العمل وصرامته ونزاهته المطلوبة مع أخلاقيات وواجبات مساعدة العشيرة والأهل، فيصعب التمييز بينهما، ولهذا فإشكالية الواسطة والمحسوبيات الجزء الأكبر منها مرتبط بهذا الجانب. التفكير بإشكالية المناطقية بصورتها السلبية بحاجة إلى عمق تاريخي واجتماعي، وإحساس وطني بالمسؤولية، للتمييز بين ما هو مناطقي مقبول وإيجابي في بث روح التنافس العلمي والعملي.. وبين ما هو ضار بحاضر الوطن ومستقبله.
عبد العزيز الخضر's Blog
- عبد العزيز الخضر's profile
- 44 followers
