فيرجسون.. وقصة أكبر وهم جهادي


مع نهاية الثمانينات وإعلان الاتحاد السوفيتي انسحابه رسميا عام 1989 من أفغانستان.. أخذ الخطاب الديني في قمة عصر الكاسيت يتكلم عن هزيمة المجاهدين الأفغان




مع نهاية الثمانينات وإعلان الاتحاد السوفيتي انسحابه رسميا عام 1989 من أفغانستان.. أخذ الخطاب الديني في قمة عصر الكاسيت يتكلم عن هزيمة المجاهدين الأفغان لقوى عظمى، تضخمت الفكرة واختزلت ودفنت معها كل التفاصيل السياسية للمرحلة، فتحولت إلى وهم يكبر، في وعي مراهقي السياسة والحروب، وأصبح للعائدين من هناك ترميز خاص، يتحدثون بفخر وخيلاء عن إنجازهم، حتى وإن لم يذهب هناك إلا أسبوعا للتمشية في معسكرات آمنة.

وقبل أن يتم محاصرة هذا الفكرة لتوضع في إطارها الحقيقي بدون تهويل، أعلن عن تفكك الاتحاد السوفيتي رسميا بعد أكثر من عامين في نهاية عام 1991. أخذ الوهم يكبر.. وينفخ فيه الخطاب الديني الحماسي، فربط بين تفكك المعسكر الاشتراكي وبين المجاهدين الأفغان. أخذت الأسطورة عند هذا الخطاب مسارا تصاعديا.. وقد كانت على موعد آخر في المشهد الصومالي، لينقلها إلى مستوى آخر. أسقطت طائرتا هيلوكوبتر عام 1993، وسحل جندي أمريكي، وأعلن كلنتون انسحاب القوات الأمريكية. هنا بدأ هذا الوهم في قمة تضخمه وبدأ يشعر ويفكر بأنه يمكنه إسقاط زعيمة المعكسر الغربي أمريكا. تبدو الفكرة صبيانية الآن، لكن في ذلك الوقت كان لها جاذبية وسحر خاص. ظلت تكبر في وعي أسامة بن لادن وقيادات أخرى، وتلمسها في ثنايا كل خطاب جهادي من مرحلة المنشورات إلى عصر النت.. منذ أكثر من ربع قرن. للبحث عن الزر الذي سيضغط لتدمير أمريكا، وهي التي أدت إلى استمرار الخط الجهادي، واستقلاله عن الخطابات الأخرى.. إلى أن أصبح تيارا مكتفيا بذاته، مع سكوت أطراف أخرى عنه، وعدم نقده في حينه. بعد الحدث الصومالي أصبح الحديث عن سقوط إمبراطورية الشر..

قبل أيام انفجرت أحداث شغب ومظاهرات فيرجسون، بسبب تبرئة الشرطي الأبيض الذي قتل مراهقا أسود، وتزامنت مع استقالة وزير الدفاع الأمريكي، وظهرت معها ملامح هذا الوهم القديم، وفرحة المعرفات الداعشية، في عدة هاشتقات عن الربيع الأمريكي، وأمريكا تنهار، وأمريكا تشتعل مع هاشتاق الدولة الإسلامية. وأعدت مقاطع يوتيوب مشحونة بالأناشيد وفقرات من خطب «وأبشري يا أمة الإسلام فإن أمريكا طاغوت العصر وأذنابها باتت تتهاوى تحت ضربات المجاهدين».

من المؤكد أنها ليست بنفس زخم الماضي، لكنها مؤثرة، خاصة أن هذا الوهم لا يتم نقده.. ويغذى من عدة خطابات تستمتع بهجاء أمريكا والغرب وديمقراطيتهم. وظهرت بعدة مسارات فكرية وثقافية في عالمنا العربي منذ الخمسينات. يكتب جهاد الخازن قبل يومين بمناسبة هذا الحدث في جريدة الحياة مقالا بعنوان «ديمقراطيتهم قشرة زائفة»، ويقول «بأن الحضارة الغربية قشرة تخفي ما تحتها من زيف»، هذا العبارة ليست لمنظر ديني يقيم الأمر من ناحية أخروية، فيبدو مقبولا وفق رؤيته التي يقدمها.

نقد أمريكا والغرب وديمقراطيتهم من حق أي كاتب، وليس من شروطها أن تكون من دولة ديمقراطية أو متقدمة، النقد السياسي والمعرفي له أدواته التي يستطيع أي فرد تحصيلها، والواقع أن كثيرا من هذا الطرح مجرد تجميع لإحصائيات ومقولات بدون ربط منهجي وتصورات كلية لمسار التحولات التاريخية سياسيا واقتصاديا، وإنما لتوظيفه في استغباء القارئ، وتبرير واقع وسلوكيات أخرى، لجعل السيئ والأقل سوءا في نفس الدرجة من هذا العالم.

والأوهام في حقيقتها تتضخم من خلال كل حدث.. ولو عدت لصحافة 1993 وقرأت التعليقات والمقالات العربية في حينها على سحل الجندي الأمريكي، وانسحاب القوات الأمريكية، لوجدت أن المسافة بين خطاب واعظ جهادي مبتدئ.. ليست بعيدة كثيرا عن تنظيرات بعض النخب العربية!

      

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 29, 2014 11:05
No comments have been added yet.


عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.