إيدا عبدالله خميس: الدولة العمانية والأسماء
إيدا عبدالله خميس البلوشي طفلة عمرها ستة أشهر لكنّها بلا اسم حتى الآن! الحق أن لها اسماً هو إيدا، وهو الاسم الذي اختاره والداها لها لكنّ الحكومة لم ترضَ بالاسم واعترضتِ السبيل، وإيدا الآن بلا شهادة ميلاد، وقد تلقّى والداها تحذيراً من أنها لن تُعطَ التطعيمات من المراكز الصحية أو المستشفيات ما لم يكن لها اسمٌ وشهادةُ ميلاد! وممثل الحكومة في الاعتراض على الاسم شرطةُ عمان السلطانية, أما وجه الاعتراض فلأن اسم إيدا غير موجود في القاموس!وقبل هذا بقليل قامتْ الحكومة مُمثلةً بوزارة الداخلية بإنشاء "لجنة تصحيح مسميات القبائل والألقاب والأسماء"، وحاولتْ هذه اللجنة أنْ تُغيِّر إسميْ قبيلتيْ آل توية وآل خليفين، والحجة التي أوردَها أحدُهم، ربما عن بينةٍ وربما بِنِيَّةِ التعليل، أن "آل" تخُصّ الأسرة الحاكمة وأنَّ وضع "آل" في اسم قبيلة أخرى قد يؤدي إلى اللبس! وقبل هذا قامت الحكومة بتغيير بعض أسماء المواقع، فتغيّرتْ مثلاً بلدة "وبال" إلى "منال"؛ لأن الأسماء يُتَيَمَّن بها.وربما نعرف جميعنا أن بعض المصطلحات والكلمات لا يجب أن تُستخدَم استخداما رسميا في الوزارات وخصوصا في وزارتيْ التربية والتعليم والإعلام، وأنه بين فترة وأخرى تصدر قائمة تسرد الأسماء والكلمات التي لا ينبغي بثها أو نشرها أو تداولها. وحين قال جلالة السلطان في كلمته للمواطنين في إحدى جولاته أنه يستهجن أن يُوصَف الشبابُ الباحثون عن عمل بكلمة "بطالة"، قامت وزارة الإعلام بتفسير مقولته على أنه لا يجب بتاتا تحت أي تعليل أن نقول "بطالة" أو "عاطل" بل يجب أن نقول "باحث عن عمل"، من غير أن تبحث هذه المرة في القاموس الاقتصادي عن معنى "الباحث عن عمل"، ومن غير أن يُذهَب إلى التفسير الأقرب، وهو أنه ما لم يكنْ كل العمل داخل البلاد في أيدي عمانية فإنّ البطالة كلمة خاطئة. ولم يكفِ وزارة الإعلام أن تصف الشباب العمانيين العاطلين بأنهم باحثون عن عمل بل شَرَعَتْ في التكلم عن البحث عن عمل في ألمانيا والولايات المتحدة، فكأنها صَدَّرَت المفهوم إلى الخارج ولكنْ من جهة واحدة فحسب إذ لم يستورده أحد حتى الآن. ورغم أن منجزاتنا الثقافية الحديثة قليلة، وهي ليست قليلة نسبيا، فإنه لدينا موسوعة السلطان قابوس للأسماء العربية، وموسوعة أرض عمان التي تقتفي أسماء المدن والبلدان والمواقع العمانية، ناهيك عن أننا أصبحنا مؤهلين أن تكون لنا "موسوعة الأسماء العمانية المُغيَّرة والمُبدَّلة والمُحوَّرة والمهجورة" نبتدئ بها بالانتفاضة التي أصبحت نهضة، والجيش العماني الذي أصبح الجيش السلطاني، وفادي الذي أصبح سالم، وبرج الحمراء الذي كان رمزا لولاية الحمراء والذي أصبح شاة، فلله الأمر من قبلُ ومن بعدُ. وهذا الولع بالأسماء ظاهرة جديرة بالدراسة والتأمل، وقد أسماها الكاتب سالم آل توية في مدونته "مراحين" في مقالته الرائعة: "تضامنوا مع الطفلة إيدا"، بأنها عقدة، وهي حقا عقدة وترقى أن تكون فانتازيا. وهي ظاهرة لأن لها تمظهرات عدة وليست وليدة صدف عمياء أو أخطاء عشوائية أو فردية بل إن ثمة خط وخطة ومنهج، وهي عقدة لأن الأمر أصبح يتعدّى تسمية ما لم يُسمَّ بتغيير ما سُمِّيَ ورفض ما سيُسمى، وهي فانتازيا لأنها تُذكِّرنا بالعقل السحري عند الإنسان البدائي الذي إذا لم يُحِب شيئا غَيَّر تسميته لكي يُحبَّه، والذي يتيمن ويتشاءم. وإذاً كيف نفسّر هذه الظاهرة؟ وما هو سر هذه العقدة؟ ومن أين تنبثق هذه الفانتازيا؟هل الأمر له علاقة بتلك العلة التي يمكن رؤيتها في بعض الثقافات الفرعية في وطننا من أننا نحب أنْ نُبرِز للغريب أننا جيدون مهما كانت الحقيقة؛ فالمجلس أو السبلة، وهو المكان الذي يدخل إليه الغرباء والضيوف يجب أن يكون أفضل مكان في البيت، و"الفوالة" المُقدَّمة للضيوف يجب أن تكون أفضل الموجود؟ ولأن الاسم يتقدم المكان والشخص ويدل عليه فلا بد أن يكون مُهندَسا بدقة، وله لجان خاصة.هل هو امتداد للعقلية السحرية المتيمنة والمتشائمة التي تنتشر في مجتمعنا؟ لقد كان الآباء إذا وُلِد لهم مولود وأُصيِب بمرض يسارعون في إبدال الاسم، بل إنهم يُغيِّرون الاسم أحيانا إلى اسم قبيح أو سيء حتى لا يتأثر بالعين والحسد والسحر. هل للأمر علاقة رمزية؟ فمن هو المُسمِّي أو مُعطِي الاسمَ إن لم يكن الأب؟ فهل ترى الدولة كيانها أبا للموطنين وللأماكن وبالتالي فهي ترى أن وضع الأسماء هو حق من حقوقها ؟ لا يجب أن نغفل هنا أن الظاهرة تحتاج إلى بحث واستقصاء ومحاولات تفسير، والعقدة تحتاج إلى تحليل في الزمن وسبر للأغوار لمعرفة نواتها وكيف تكومت وبماذا تمظهرت في السلوك الخارجي، والفانتازيا تستدعي الابتسام والتندر وتولد الروايات الفانتازية عن عالم يعيش بغرابة في نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وكل هذا حسن وجميل لو أن الأمر كان مجرد أمر أكاديمي، لكنّ القضية تتعدّى الأكاديمية والابتسام والتندر لأنها بدأت تمس حقوق الإنسان وأخذت منحى تعسفيا وقلّصت من حقوق الإنسان التي منحها له الرب والإنسانية والتجمعات الدولية. وقبل كل هذا الكلام العميق والعقيم والمضحك والمبكي في آن، تظل الطفلة إيدا بنت عبدالله بن خميس البلوشية بلا اسم رسمي ولا شهادة ميلاد منتظرةً أن تفهم شرطة عمان السلطانية ومن خلفها الحكومة العمانية أنّ من حق الإنسان العماني أن يخترع أسماء عربية لأنه عربيٌّ أيضا، وأن من حق الإنسان العماني أن يُسمِّي أولاده وبناته لأنه من أنجبهم، ومن حق البشر العمانيين أن يحتفظوا بأسماء قبائلهم وأماكنهم لأنهم يفعلون الفعل الأولي الذي فعله الحيوان الإنساني حين أصبحت له لغة وفعله آدم حين خلقه الرب.
Published on September 04, 2010 11:10
No comments have been added yet.
حسين العبري's Blog
- حسين العبري's profile
- 32 followers
حسين العبري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.
