محمد سعيد العشماوي
محمد سعيد العشماوي بما أن المفكرين يأتون في مؤخرة اهتمامات المصريين وإعلامهم، لا لشيء إلا لأننا نفكر من مؤخراتنا ، فقد علمت متأخراً بخبر وفاة المفكر الكبير المستشار /محمد سعيد العشماوي نوفمبر 2013. حيث لم تأت بالخبر أي جريدة ولا تداولته التويتات ولا وجدنا باسمه (رست ان بيس) على الفيس بوك. فمحمد سعيد العشماوي ليس نجماً سينمائياً أنكر زواجه من نجمة أخرى شفهياً، وليس من نجوم التوك شو ولا من إعلاميي السلطة ولا من مطربي تسلم الأيادي . حتى أنه لم يكن بشهرة مفكرين آخرين مثل فرج فودة أو نصر حامد أبو زيد لأن حظه خدمه دون أن يُغتال رغم وجوده على قائمة الاغتيال منذ الثمانينيات ، ولم تسحقه قضية عبثية مثلما حدث لنصر حامد أبو زيد. لذا لم يصبح من شهداء الرأي الذين يتاجر الليبراليون بدمائهم وهم من لم يتورعوا عن التعبير عن سعادتهم لما سالت دماء الطرف الآخر. كان اغتياله من نوع آخر بتهميشه تماماً إعلامياً على مدى سنوات حتى ظهر في برنامجين للميس الحديدي ووائل الإبراشي في شهوره الأخيرة لاستغلاله إعلامياً في الحرب التي شنها الإعلام على الإخوان. ولكن للأسف كان وجوده مهيناً لشخص مثله إذ لم يعتد على الظهور الإعلامي فما بالك أن يكون أول ظهوره في الثانية والثمانين من عمره.
طرق العشماوي باب عقلي للمرة الأولى في المراهقة. حيث كان منبره الوحيد هو مجلة روز اليوسف في التسعينيات حيث فوجئت بمقال يعلن من عنوانه أن: شعر المرأة ليس عورة. يومها سببت العشماوي وقفلت باب عقلي دون أن أتكلف عناء القراءة، ولم أقرأ ما كتبه فعلاً إلا بعد سنوات وأنا في بداية العشرينات عندما فكرت في هل الحجاب فريضة فعلاً. وهل النصوص التي فرضت الحجاب صالحة حتى الآن؟ لم أجد ما يروي حيرتي إلا أن أشتري كتابه الذي كانت المقال جزء منه : حقيقة الحجاب وحجية الحديث. كانت صدمتي أن تفسيره للآيات القرآنية التي يُستدل منها على فرضية الحجاب أنها لا علاقة لها بالحجاب. وأن الحجاب – غطاء الرأس- ما هو إلا عادة اجتماعية قد تظهر وتختفي حسب اتجاه المجتمع. ثم ناقش حجية الحديث وصحة التشريع به من عدمه. لم يكن الكتاب أفضل كتبه و إن كان أكثرها إثارة للجدل. اكتشفت بعدها أنه أول من قال تعبير الإسلام السياسي وله فيها كتاب كامل ، وأنه فند فكر الخلافة في كتابه الخلافة الإسلامية ،بتفنيد ما يطلق عليه الخلافة الإسلامية حتى وصل لأنه لا يوجد ما يسمى حقاً بالخلافة الإسلامية وإن هي إلا ملكية صبغت نفسها بالإسلام كما تصبغ نفسها بألوان أخرى في أماكن أخرى: الصليب- القومية- يهوه-...
كان للعشماوي حروبه الكثيرة سواء من على منصة القضاء حين حاربته السلطة بشدة أيام السادات عندما برأ أحد التنظيمات الماركسية لعدم وجود أدلة، وأيام مبارك عندما برأ أحد التنظيمات الإسلامية لنفس السبب. كان غريباً على السلطة أن يحكم قاضي بالقانون و الأدلة لا بمجرد الانتماء. كما كانت له حروبه ضد التيارات الإسلامية بكتابه عن الربا الذي أوضح أن فوائد البنوك ليست هي الربا الذي أتى في القرآن. وكان ذلك في عصر شركات توظيف الأموال وتوظيف الشيوخ الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً أن فوائد البنوك ربا حتى يترك الناس البنوك ويأتوا لشركات التوظيف. وطبعاً حروبه بسبب كتبه عن الحجاب والحديث والخلافة والإسلام السياسي و أصول الشريعة. أصنام بناها المسلمون من بعد العصر الأموي وظلت مقدسة حتى الآن.لن أدعي أن العشماوي حالفه التوفيق في كل ما كتبه، فليس هناك من لا يخطئ ولا من يحيد عن الهوى. فكتاباته فيها شوائب وتناقضات وإبراز لما يعزز رأيه وتورية لما يخالفه. لكن الفكرة هل يتحمل المجتمع المصري النقاش لكي نفند ما يقوله؟ ولو فندناه فهل نحتمل أن نفند السنة والفقه والتفاسير؟
قابلت العشماوي مرة واحدة في زيارة له للإسكندرية. كان يعيش وحده وسط تحفه وكتبه. كانت الأنا عنده تتعاظم من شدة تجاهله. فكان يرى أنه أهم المفكرين وأن الجميع يأخذ من كتاباته ويشتهر بإثارة الجدل بينما هو في الظل. وبينما كانت بعض الجامعات العالمية تحتفي به و بكتبه كان لا أحد يعرفه هنا. و بينما كان يصادقه توفيق الحكيم ومحمد عبد الوهاب منذ سنوات. صار الآن لا صديق له إلا بعض المعجبين الذي لم يخلوا من غرض ولم يأمن خيانة أحدهم عندما تسبب في غضب مبارك عليه عندما أخبره بأنه قال في محاضرة بالخارج أن مصر لا يوجد بها نظام سياسي فإذا بالصحفي يكتب تقريره - ترأس روز اليوسف بعدها بفترة – مما تسبب في رفع الحراسة عنه لفترة فصار يعيش في رعب خوفاً من الاغتيال. كان العشماوي في لقائي القصير به يسب الجميع وهو أول من قال لي أن اليسار المصري مريض بنفس أمراض السلطة وأمراض اليمين: الشللية والانحياز للرأي ورفض الرأي الآخر . وهو ما اكتشفته بعد ذلك بنفسي وما زلت أكتشف فظاعاته حتى الآن . رشح لي بعض كتبه ومنحها لي كهدية وكان فيهم أهم كتاب له على الإطلاق: العقل في الإسلام. وقد قرأت مرة من يقول أنه لو لم يأت نيوتن إلا بالتفاضل والتكامل لكفاه. وهكذا قلت للعشماوي عن كتابه العقل في الإسلام. لو لم يؤلف غيره لكفاه.أدهش شيء في العشماوي- وربما هذا ما يميزه بالنسبة لي- أنه لم يناد يوماً بالعلمانية ولم ير فيها حلاً كما فعل بقية المفكرين. بل أنه عاب على المفكرين أنهم لم يدركوا أن العالمانية – كما كتبها- هي لفظة تختص بحدث تاريخي خاص بالكنيسة ولا علاقة لها بالإسلام. وأن أتاتورك استخدمها كمرادف للإلحاد فكان يجب البعد عنها عند الحديث عن الإصلاح فمن يتمسك باللفظ ويترك المعنى لا يجدر به أن يكون مصلحاً. وكان يرى أن الإصلاح يعني الاستنارة ، فالاستنارة هي اتجاه الدين وأهم أهدافه. والاستنارة التي عاش حياته في سبيلها هي ما يعبر عنها الإسلام بجملة :الخروج من الظلمات إلى النور . لذلك فكانت كل كتاباته لتوضيح ذلك الالتباس الذي يحدث في الإسلام منذ العهد الأموي لترسيخ حاكم أو تكفير معارض أو نهب ثروات أو استعباد أمم.العشماوي كان ينطلق من التربة المصرية ومن الحضارة المصرية ومن القرآن ، و لم يكتب كأكاديمي لا يفهم إلا للصفوة، ولا فعل مثل بعض الآخرين بأن اكتفى بالإتيان بعورات التاريخ الإسلامي لينزع قدسية ما عن الأشخاص. وأنا مؤمن أنه في يوم ما في زمن ما بعد سنة أو بعد مئتي سنة سيأتي من يعيد للعشماوي اعتباره كواحد من أهم المستنيرين والمفكرين وفقهاء الإسلام في القرن العشرين. وليس لدي الآن لكي أنتصر له غير أن أعيد قراءة أعماله جميعاً. ما قراته منها من قبل وما لم أقرأ. وأطلب من الله أن يأتي ذلك اليوم الذي تدرس كتبه في المدارس والجامعات المصرية ليتحقق له ما انتظره و استحقه في حياته بعد أن صار بين يدي الله لا يهمه شيئاً غير طلب الرحمة.
طرق العشماوي باب عقلي للمرة الأولى في المراهقة. حيث كان منبره الوحيد هو مجلة روز اليوسف في التسعينيات حيث فوجئت بمقال يعلن من عنوانه أن: شعر المرأة ليس عورة. يومها سببت العشماوي وقفلت باب عقلي دون أن أتكلف عناء القراءة، ولم أقرأ ما كتبه فعلاً إلا بعد سنوات وأنا في بداية العشرينات عندما فكرت في هل الحجاب فريضة فعلاً. وهل النصوص التي فرضت الحجاب صالحة حتى الآن؟ لم أجد ما يروي حيرتي إلا أن أشتري كتابه الذي كانت المقال جزء منه : حقيقة الحجاب وحجية الحديث. كانت صدمتي أن تفسيره للآيات القرآنية التي يُستدل منها على فرضية الحجاب أنها لا علاقة لها بالحجاب. وأن الحجاب – غطاء الرأس- ما هو إلا عادة اجتماعية قد تظهر وتختفي حسب اتجاه المجتمع. ثم ناقش حجية الحديث وصحة التشريع به من عدمه. لم يكن الكتاب أفضل كتبه و إن كان أكثرها إثارة للجدل. اكتشفت بعدها أنه أول من قال تعبير الإسلام السياسي وله فيها كتاب كامل ، وأنه فند فكر الخلافة في كتابه الخلافة الإسلامية ،بتفنيد ما يطلق عليه الخلافة الإسلامية حتى وصل لأنه لا يوجد ما يسمى حقاً بالخلافة الإسلامية وإن هي إلا ملكية صبغت نفسها بالإسلام كما تصبغ نفسها بألوان أخرى في أماكن أخرى: الصليب- القومية- يهوه-...
كان للعشماوي حروبه الكثيرة سواء من على منصة القضاء حين حاربته السلطة بشدة أيام السادات عندما برأ أحد التنظيمات الماركسية لعدم وجود أدلة، وأيام مبارك عندما برأ أحد التنظيمات الإسلامية لنفس السبب. كان غريباً على السلطة أن يحكم قاضي بالقانون و الأدلة لا بمجرد الانتماء. كما كانت له حروبه ضد التيارات الإسلامية بكتابه عن الربا الذي أوضح أن فوائد البنوك ليست هي الربا الذي أتى في القرآن. وكان ذلك في عصر شركات توظيف الأموال وتوظيف الشيوخ الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً أن فوائد البنوك ربا حتى يترك الناس البنوك ويأتوا لشركات التوظيف. وطبعاً حروبه بسبب كتبه عن الحجاب والحديث والخلافة والإسلام السياسي و أصول الشريعة. أصنام بناها المسلمون من بعد العصر الأموي وظلت مقدسة حتى الآن.لن أدعي أن العشماوي حالفه التوفيق في كل ما كتبه، فليس هناك من لا يخطئ ولا من يحيد عن الهوى. فكتاباته فيها شوائب وتناقضات وإبراز لما يعزز رأيه وتورية لما يخالفه. لكن الفكرة هل يتحمل المجتمع المصري النقاش لكي نفند ما يقوله؟ ولو فندناه فهل نحتمل أن نفند السنة والفقه والتفاسير؟
قابلت العشماوي مرة واحدة في زيارة له للإسكندرية. كان يعيش وحده وسط تحفه وكتبه. كانت الأنا عنده تتعاظم من شدة تجاهله. فكان يرى أنه أهم المفكرين وأن الجميع يأخذ من كتاباته ويشتهر بإثارة الجدل بينما هو في الظل. وبينما كانت بعض الجامعات العالمية تحتفي به و بكتبه كان لا أحد يعرفه هنا. و بينما كان يصادقه توفيق الحكيم ومحمد عبد الوهاب منذ سنوات. صار الآن لا صديق له إلا بعض المعجبين الذي لم يخلوا من غرض ولم يأمن خيانة أحدهم عندما تسبب في غضب مبارك عليه عندما أخبره بأنه قال في محاضرة بالخارج أن مصر لا يوجد بها نظام سياسي فإذا بالصحفي يكتب تقريره - ترأس روز اليوسف بعدها بفترة – مما تسبب في رفع الحراسة عنه لفترة فصار يعيش في رعب خوفاً من الاغتيال. كان العشماوي في لقائي القصير به يسب الجميع وهو أول من قال لي أن اليسار المصري مريض بنفس أمراض السلطة وأمراض اليمين: الشللية والانحياز للرأي ورفض الرأي الآخر . وهو ما اكتشفته بعد ذلك بنفسي وما زلت أكتشف فظاعاته حتى الآن . رشح لي بعض كتبه ومنحها لي كهدية وكان فيهم أهم كتاب له على الإطلاق: العقل في الإسلام. وقد قرأت مرة من يقول أنه لو لم يأت نيوتن إلا بالتفاضل والتكامل لكفاه. وهكذا قلت للعشماوي عن كتابه العقل في الإسلام. لو لم يؤلف غيره لكفاه.أدهش شيء في العشماوي- وربما هذا ما يميزه بالنسبة لي- أنه لم يناد يوماً بالعلمانية ولم ير فيها حلاً كما فعل بقية المفكرين. بل أنه عاب على المفكرين أنهم لم يدركوا أن العالمانية – كما كتبها- هي لفظة تختص بحدث تاريخي خاص بالكنيسة ولا علاقة لها بالإسلام. وأن أتاتورك استخدمها كمرادف للإلحاد فكان يجب البعد عنها عند الحديث عن الإصلاح فمن يتمسك باللفظ ويترك المعنى لا يجدر به أن يكون مصلحاً. وكان يرى أن الإصلاح يعني الاستنارة ، فالاستنارة هي اتجاه الدين وأهم أهدافه. والاستنارة التي عاش حياته في سبيلها هي ما يعبر عنها الإسلام بجملة :الخروج من الظلمات إلى النور . لذلك فكانت كل كتاباته لتوضيح ذلك الالتباس الذي يحدث في الإسلام منذ العهد الأموي لترسيخ حاكم أو تكفير معارض أو نهب ثروات أو استعباد أمم.العشماوي كان ينطلق من التربة المصرية ومن الحضارة المصرية ومن القرآن ، و لم يكتب كأكاديمي لا يفهم إلا للصفوة، ولا فعل مثل بعض الآخرين بأن اكتفى بالإتيان بعورات التاريخ الإسلامي لينزع قدسية ما عن الأشخاص. وأنا مؤمن أنه في يوم ما في زمن ما بعد سنة أو بعد مئتي سنة سيأتي من يعيد للعشماوي اعتباره كواحد من أهم المستنيرين والمفكرين وفقهاء الإسلام في القرن العشرين. وليس لدي الآن لكي أنتصر له غير أن أعيد قراءة أعماله جميعاً. ما قراته منها من قبل وما لم أقرأ. وأطلب من الله أن يأتي ذلك اليوم الذي تدرس كتبه في المدارس والجامعات المصرية ليتحقق له ما انتظره و استحقه في حياته بعد أن صار بين يدي الله لا يهمه شيئاً غير طلب الرحمة.
Published on June 04, 2014 05:56
No comments have been added yet.