في سؤال حرية الإرادة
في سؤال حرية الإرادةعبدالله المطيري قضية حرية الإرادة من القضايا التي أشغلت الفلاسفة والمفكرين على طول التاريخ البشري ولا تزال حتى اليوم تتصدر المبحث الفلسفي في أماكن كثيرة في العالم. هذه القضية جوهرية من عدة وجوه. أولا هي مهمة لفهم قضية المسئولية الأخلاقية. بمعنى أننا نعتقد أن الناس يتحملون تبعات قراراتهم لأنهم اختاروا القيام بتلك القرارات والأفعال. الشخص الذي نعلم يقينا أنه لم يختر لا نحمله مسئولية أخلاقية. مثلا الإنسان الذي جرفه السيل رغما عنه وأدى ذلك إلى تحطيم ممتلكات شخص آخر لا نعتبره مسئولا أخلاقيا عن فعله لأنه خارج إرادته ولم يكن في إمكانه فعل شيء آخر غير ذلك. كذلك الأطفال الصغار جدا والكبار الذين يعانون من قصور حاد في قدراتهم العقلية لا نحملهم مسئولية أفعالهم لأننا نعلم أنه ليس بأيديهم التحكم في تصرفاتهم. كل فرضيات المسئولية الاخلاقية تفترض القدرة على الاختيار والقدرة على الاختيار تفترض حرية الارادة وبالتالي فإن الجواب بلا على سؤال حرية الإرادة سيسبب إشكالا هائلا في فهمنا للمسئولية الأخلاقية وتبعاتها القانونية والاجتماعية. سبب آخر لأهمية مبحث حرية الإرادة هو السؤال الميتافيزيقي المرتبط بفهمنا للكون والإنسان. هل فعلا هناك حرية إرادة؟ هل حرية الإرادة ممكنة أصلا أم مستحيلة؟ وإذا كانت ممكنة يأتي السؤال الوجودي هل هي فعلا موجودة؟ بماذا يختلف الكون والتفكير تحت مقولتي القول بحرية الإرادة والقول بانعدام حرية الإرادة؟ هذا المبحث أيضا مهم من منظور ديني نجده في الدراسات اللاهوتية في كل الأديان تقريبا ويتعلق بالحساب الإلهي ومسئولية الإنسان عن أفعاله. بشكل عام قضية حرية الإرادة يمكن التعبير عنها كالتالي: إذا كان الكون محكوم بقوانين الفيزياء الصارمة والإنسان جزء من هذا الكون، فهل الإنسان محكوم أيضا بقوانين الطبيعة في كل تصرفاته؟ هل يملك الإنسان القدرة على الاختيار والقرار في عالم لا يستطيع تغيير قوانينه؟ هل توجد داخل هذه القوانين مساحة للإنسان بتغيير أو تحديد مجرى الأمور؟ هنا سؤال حرية الإرادة يواجه أطروحة الحتمية أي الأطروحة التي تقول أن الكون، والإنسان جزء منه، محكوم بقوانين صارمة بمعنى أننا لو عرفنا كامل القوانين والمعلومات عن الماضي والحاضر فإننا نستطيع أن نعرف بشكل واضح المستقبل. تجاه مقولة الحتمية هذه يمكن تقسيم التوجهات الفلسفية إلى قسمين أساسيين. القسم الأول يعتقدون أنه لا يمكن الجمع بين الحتمية وحرية الإرادة. بمعنى أنه إذا كانت مقولة الحتمية صحيحة فلا مجال لوجود حرية إرادة. ينقسم القائلون بهذا القول إلى فريقين متناقضين الأول هو فريق الحتميين الذين يقولون أن الحتمية صحيحة وحرية الإرادة وهم. الفريق الثاني هم المتحررون ويقولون بأن حرية الإرادة حقيقة وبالتالي فالحتمية باطلة. الجامع بين هذين الفريقين هو القول بعدم تلاؤم أو استحالة الجمع بين القول بحرية الإرادة والقول بالحتمية. القسم الثاني من المواقف تجاه فرضية الحتمية هو فريق التوفيقيين الذين يقولون بأنه يمكن الجمع بين حقيقة حرية الإرادة وحقيقة الحتمية. بمعنى أننا يمكن أن نمتلك حرية إرادة في عالم حتمي. سأخصص المقالات القادمة للحديث عن كل فريق لكني سأستثمر الجزء المتبقي من هذه المقالة للحديث عن عدد من المحفّزات التي تجعل من هذا السؤال حيويا هذه الأيام. على سبيل المثال في جامعة ولاية فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية هناك مشروع بميزانية أربعة ملايين دولار مخصص لسؤال حرية الإرادة. يشرف على هذا المشروع الفيلسوف الأمريكي إلفريد ميلي وهو أحد أبرز الباحثين في هذا المجال في الوقت الحالي. يهدف هذا المشروع لجمع الفلاسفة بالعلماء مما يعيد كما يحكي ميلي التواصل القديم بين الفلسفة والعلم في الفلسفة اليونانية. من أهم المشاركين في هذا المشروع متخصصين جدد نسبيا في العلم والفلسفة. علميا يحضر علماء الدماغ والأعصاب في المقدمة وفلسفيا المشتغلين بفلسفة العقل. خلف هذا كله فكرة أساسية وهي أن فهم الدماغ الإنساني قد يقدم لنا معلومات جوهرية متعلقة بمشكلة الإرادة. من المقبول علميا أن عمليات التفكير واتخاذ القرارات تتم في الدماغ وقد يؤدي فهم القوانين التي تتحكم بعمليات التفكير والقرارات إلى فهم إلى أي مدى توجد مساحة للاختيار الحر. في ستينات القرن الماضي فاجأ علم الأعصاب بينجامين ليبيت المجتمع المعرفي بتجربة تشير إلى أن القرارات يتم اتخاذها في المخ فبل وعي الانسان بها. التجربة كالتالي: يطلب ليبيت من المشاركين في التجربة اتخاذ قرار بتحريك أياديهم متى ما أرادوا. في ذات الوقت هناك أجهزة مربوطة بهؤلاء المشاركين تقرأ حركات الموجات العصبية في المنطقة المخصصة لحركة اليد في الدماغ. يطلب ليبيت من المشاركين تسجيل الوقت الذي قرروا فيه تحريك أياديهم. بالمقارنة بين الوقت الذي دونه المشاركون وقراءة حركة الموجات العصبية في الدماغ وجد ليبيت أن حركة استثنائية متعلقة بحركة اليد نشأت في الدماغ قبل الوقت الذي دونه الأفراد عن موعد اتخاذهم لقرار تحريك أياديهم. إذا كانت هذه النتائج دقيقة فهذا يعني أن القرارات يتم اتخاذها في اللاوعي وبالتالي فمن الصعب الحديث عن كون هذه القرارات تم اتخاذها بحرية. حرية الإرادة هنا ليس إلا وهما يعطي الانسان شعورا مهما بالمسئولية والفاعلية. طبعا هذه النتائج واجهت نقدا كبيرا واعتراضات هائلة ولكنها مناسبة لفهم طبيعة الجدل الحالي وعلاقة البحوث العلمية في علم الأعصاب والدماغ والأسئلة الفلسفية التي تنشأ نتيجة لها. لن يكون في هذه الأجواء أغرب من تجاهل هذه البحوث بالنسبة للفيلسوف. المنتج العلمي هنا هو مادة الفيلسوف التي تحفزة للتفكير في الواقع والحياة والإنسان. الفيلسوف هنا ناقد ليس فقط للنتائج بل أيضا للمنهجية العلمية ولكنه في كل الأحوال قريب من ومباشر لتلك الدراسات. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on April 22, 2014 17:17
No comments have been added yet.
عبد الله المطيري's Blog
- عبد الله المطيري's profile
- 15 followers
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

