محاكمة فرنسا ( الحلقة الاولى )
محاكمة فرنسا ( القضية – 1 ) ظل ارشيف المرحلة الاستعمارية الفرنسية لشمال افريقيا طي الكتمان ولا زال ، ولم تتوقف المطالب بالكشف عن الارشيف وبالذات فيما يتعلق بالجرائم ذات الاثر البالغ والممتد اثر ضرره لاجيال واجيال ، وعلى رأس الاولوية الاسرار المتعلقة بالتجارب النووية الفرنسية بصحراء الجزائر .ورغم ان الابحاث اشارت الى ان ما حدث يعد رعونة نووية خرجت عن السيطرة وتسببت في تلوث بيئي يستمر لعهود طويلة مقبلة ، ولا يقف عند حدود دولة الجزائر بل يتجاوزها الى دول الجوار ، ومن بينها ليبيا ، كما ان حركة الرمال والرياح وكون حبة الرمل الواحدة تحتفظ بالاشعاع لمدة تقدر بـ 24 الف سنة . إلا ان التعنت الفرنسي الجم الاصوات الحقوقية المطالبة بالكشف عن الارشيف وتحميل فرنسا المسؤولية التاريخية عن تلك الجرائم المرعبة . وذهبت كل المطالب سدى ، ما تعلق منها بواجب تطهير المنطقة وتعويض شعب الصحراء ، الى تكفل فرنسا بعلاج الحالات المرضية الملحوظة كالسرطانات والتشوهات الخلقية وغيرها .
الجمعة 14 فبراير 2014 م ، وفي مناسبة الذكرى 53 للتجارب ، كشفت صحيفة “لوباريزيان” الفرنسية عن اولى التسريبات التي تؤكد على خروج التفجيرات عن السيطرة وتضرر منطقة شمال افريقيا وجنوب الصحراء بالكامل ، من واقع خريطة وضعت بالتزامن مع التجارب لتحديد مدى الانتشار الاشعاعي ، تعود إلى سنة 1960م . ولتكون أول خريطة عسكرية رفع عنها طابع السرية. وقد أكدت الصحيفة : ” أن تداعيات التجارب النووية التي قامت بها فرنسا في الصحراء الجزائرية امتدت إشعاعاتها النووية إلى غاية إفريقيا الغربية والجنوب الشرقي لإفريقيا الوسطى” ، وظهر جليا بالخريطة وقوع منطقة الجنوب الليبي فزان بوجه خاص تحت طائلة التأثر البالغ . وهي الامتداد الطبيعي الصحراوي لمناطق التفجيرات حيث امتدت تداعياتها لتصل الى انجمينا عاصمة دولة تشاد الشقيقة مرورا بصحراء فزان خلال 13 يوما بعد التفجير .
واوضحت الصحيفة ان ” بعض أفراد الجيش الفرنسي اعترفوا بفقدان التجارب للمعايير الأمنية آنذاك ما تسبب في تلوث المياه والتربة وتفشي امراض غريبة ومزمنة وعاهات وتشوهات ، اذ ان المواد الضارة التي قذفتها التفجيرات بالهواء الجوي مثل اليود 131 والسيزيوم 137 والتي يستنشقها السكان، تبقى تاثيراتها جد ضارة مع مرور الوقت . بالرغم من تخفيف حدتها وتبعثرها بالغلاف الجوي . ونقلت الصحيفة عن الخبير الفرنسي برونو بيرلو المختص بالتجارب النووية ، قوله ” لا يمكن لأي أحد أن ينكر اليوم أن هذه المواد المشعة الضارة هي السبب الرئيسي للعديد من الأمراض السرطانية وأمراض القلب والشرايين بالمنطقة “.
الجدير بالذكر ان الكشف عن الخريطة المصنفة ” سري دفاع ” لم يأتي استجابة لمطالب اهل الصحراء المتضرر الاول ، ولا نزولا عند مطالب المنظمات الحقوقية الراعية ببلدانهم ، بل في اطار التحقيق الجنائي استجابة لمطالب قدامى المحاربين الفرنسيين المتضررين .
لعل الايام او السنين القادمة تسمح بوضع الملف على الطاولة ، وباعادة النظر وقياس مستوى الاشعاع بالجنوب وحصر الامراض المستوطنة وانواعها ؟ .. وما اذا كان من حق اهل فزان السؤال والمطالبة بالكشف عن الارشيف الفرنسي المؤرخ لفترة احتلال فرنسا لفزان ؟ ومن غير المستبعد طمر نفايات نووية او كيماوية بالمكان ، فقد اضحت الحاجة ملحة اليوم لفتح الارشيف المتعلق بفترة احتلال فرنسا لاقليم فزان وتحرى ما حدث تحت طائلة سياسات الاغلاق والترهيب التي انتهجتها آن ذاك . عام 2009 م كتبت مقالا حول الموضوع بعنوان ” احتلال فرنسا اقليم فزان وتعويض ليبيا ” .. كان ذلك الاهتمام حينها بواعز شخصي الى حد ما ، ففي عام الغبار او الرمد المتزامن مع التفجيرات 1960م ، فقد والدي رحمه الله بصره كما غيره كثيرون من من اهل الواحة ، واحة الزيغن بالجنوب الليبي .. وكما غيرها من واحات فزان لم يكن الساكنة على معرفة بما يجري بالمحيط ، وحجم الكارثة . لم اعهد والدي مبصرا ، ولم تكتحل عيني برؤيته سوى متحسرا راضيا بالقضاء والقدر ، كان احد اعضاء فزان بجمعية الستين الوطنية التأسيسية ، واختار الركون بالمنزل اثر محنته ، وقد قضى بقية حياته متألما صابرا ما حملتني الكثير من الاعباء المرهقة مساندة لوالدتي في سن طفولة مبكرة جدا . لقد قاست اسرتي الكثير والكثير من المعاناة ، وكم لحق بنا من الم وعوز اثر تلك المحنة لسنوات طوال .. ان ذلك الالم المضني لا يزال اثره ينخر ذاكرتي وفكري .. يعيش معي كما لا يزال يعيش مع العديد من اسر اهل صحراء فزان الى اليوم . لقد ذهبت المناشدات العديدة للحكومة الليبية بالامس ادراج الرياح ، بسبب تعانق مصالح الساسة في البلدين .. فرنسا وليبيا .. ولم اجد حينها من سبيل سوى فتح صفحة على شبكة المعلومات هي اليوم الاكثر ثراء بمتابعة مستجدات ملف التجارب النووية وتعويض شعب الصحراء ، تحت اسم ” صرخة الصحراء ” . ( بلغ عدد مرات مشاهدة الصفحة : 111653 – وعدد المشاركات من مقالات وتحليلات 832 مشاركة .. حتى تاريخه ) الآن اصبح من الممكن التحدث بصوت جهوري ، بل واصبحت الحاجة ملحة للملمة المستندات ، والتوجه الى اروقة المحاكم ، في ليبيا والجزائر وفرنسا وغيرها ، وحيثما يمكن القبول .. وعلى فرنسا ان تعتذر عن تلك الرعونة النووية والجريمة المقيتة في حق الابرياء ، وان تواجه التزاماتها الانسانية بتطهير المنطقة وتعويض شعب الصحراء .
محاكمة فرنسا .( القضية – 2 ) الان اصبحنا ندرك الكثير مما حدث ، ودور شركة Amesys الفرنسية في كل ما لحق بنا من الآم وما كابدنا من معاناة السجون .. لقد تجسست على ايميلاتنا وقدمتنا على طبق لجلادنا .. ألا يتنافى هذا ومبادئ الحرية التي نظرت لها الثورة الفرنسية .. بعد تحرير طرابلس تم العثور على عدة وثائق في مركز قيادة الوحدة الالكترونية تؤكد ضلوع الشركة الفرنسية في الجريمة . والشركة نفسها اعترفت ببيع معدات تجسس على الانترنت الى النظام الليبي ، وخلال عام 2008 شحنت نظام تجسس “ Eagle ” الي ليبيا وارسلت مهندسيها لمهام التركيب والتدريب ، بينما الحقيقة للتشغيل واعمال الرقابة . غير انها بررت موقفها بسند مشاركة ليبيا في الحملة على الارهاب آن ذاك . وان النظام الليبي استثمر الاجهزة في غير الوجهة التي اريد لها .. عند هذا الحد رفضت دعوى السجناء الليبيين بالمحاكم الفرنسية . الفرنسي ساركوزي نفسه يقول في تصريح له في ديسمبر 2007 م ” أستطيع أن أشهد على التعاون بين الأجهزة الفرنسية والأجهزة الليبية خلال السنوات الأربع التي كنت فيها وزيراً للداخلية ” .. اما عندما اصبح الرئيس فقد وقعت عينه منذ البداية على طريدة سمينة يتقوّت عليها الاقتصاد الفرنسي في سنواته العجاف ، بتعبير ” جوزيف كيروز ” . الذي يؤكد على هذا المعنى في مقالة له بعنوان : ( ساركوزي – القذافي : الصيّاد والطريدة ) بتاريخ 2011/10/ 10 . وفي الديباجة يبين غرضه .. محاولة إضاءة بعض الزوايا المعتمة في العلاقات الملتبسة بين الرئيسين ، علاقات بدأت ” حميمية ” وانتهت دموية بسقوط النظام الليبي . انها قصة اربع عمليات جراحية منشور منها على صفحتي .. وتحول الاصابة الى ورم سرطاني .. وعلاج بالاشعاع .. واكثر من سنتين على الفراش .. وكم .. وكم .. انها قصة معاناة طويلة بدأت منذ امد .. تخللتها وسبقتها محطات مؤلمة . هذا الملف طمر الان .. ولا ادري لما ‼ وفي شيء منه ، انشغال المهتم او المتابع الاول بمهام ارهقت كاهله ، فهو الان وزيرا للثقافة ومثقل باعباء وزارات اخرى .. الاستاذ الحبيب الامين .. كنت انتظر ما قد نحرز من تقدم .. وتفعيل القضاء .. كما انتظر وصول كتابي الى ارفف المكتبات العامة بعدما طال احتجابه بين طبع وسراديب مخازن وزارة الثقافة .. وهو الان متوفر منذ اسبوع مضى .. اصبح الامر الان اكثر مناسبة فيما يبدو لرفع قضية شخصية اولا .. واعتقد ان بقية الزملاء سينضمون فيما بعد .. لم اسجل اسمي ضمن اية قوائم للسجناء ، لا جمعيات ، ولا تعويضات ، ولم انتظر مكافأة غير التي تحققت .. عودة وطن .. ، واعتقد اذا كان للمقاومة مقابل كأي شيء اخر فستفقد قدسيتها وتنزع عنها هالة النور .. كما انني ادرك جيدا ان فرنسا هي التي سجنتني ، وليس القذافي واجهزته . هذه بداية حديث عن موضوع قد يجد طريقه الى المحاكم قريبا .. اعتقد ان القضاء الليبي بدأ يحبو على اقل تقدير .. وسنرى .. احتاج مؤازرتكم .. كل الاصدقاء .. ابناء بلدي الحبيب الذين تشرفت برفقتهم على صفحتي . متابعاتكم .. اراءكم .. زاد لنا .
محاكمة فرنسا .( القضية – 3 ) عندما احكمت فرنسا سلطتها على اقليم فزان بعد اجتياحه عام 1943م . انتهجت سياسة الاغلاق والترهيب وفصل الاقليم عن اقليمي طرابلس وبرقة . والحاقه اداريا بولاية قسنطينة بالجزائر الفرنسية . وفي مقابل عنجهية الاجنبي واشتداد الحنق الشعبي ، بدأت اصوات الرفض تعلو ، بل واختار الشيخ المجاهد عبدالقادر بن مسعود الفجيجي قيادة فرقة من رفاقه ومريديه والقيام بهجوم مباغث على مركز الادارة العسكرية الفرنسية لفزان ، بمقر قلعة قاهرة بمدينة سبها . يروي الوزير محمد عثمان الصيد في كتابه ” محطات ” تلك الحادثة كمعاصر نكب على اثرها . يقول : ” في اواسط شهر يوليو 1948 م هجموا على مركز قيادة القوات الفرنسية مستعملين السيوف ، وبعض البنادق ، واستطاعوا قتل حراس المعسكر عند مدخل القلعة واقتحموها ورفعوا فوقها علما اسود تتوسطه نجمة وهلال .. للوهلة الاولى اعتقد قادة القوات الفرنسية ان القلعة تعرضت لهجوم كبير ، فتسلقوا نوافذها وخرجوا الى المعسكر المجاور لها ، وتجمعوا بعد ذلك ، وطوقوا القلعة حتى مطلع النهار ، واغلقوا الطرق المؤدية الى سبها ، وهاجموا ابن مسعود ومن معه وكانوا في حدود خمسين رجلا ، وابادوهم عن آخرهم ثم سكبوا على جثثهم البنزين واحرقوها ” . ان يبلغ الحقد مداه ويحرق الاجساد بعد الموت ، تلك جريمة بشعة بكل المقاييس ، تقشعر لها الابدان ، ومخالفة صريحة لكل اعراف الحرب والسلام .. ان يتم سكب البنزين على من جاء مدافعا عن ارضه واهله ، ثم اشعال النار في اجسادهم . وستظل وخز كريه في جسد المستعمر الفرنسي وتاريخ جيش فرنسا ، بل والمرحلة الكولونيالية برمتها وان اقترفت جرائم اخرى توازيها بشاعة ، وانه لمن باب الانصاف ان تعتذر فرنسا لاسر هؤلاء ولاهل الصحراء عموما بقدر ما قاسوا من ويلات وبطش طوال فترة احتلالها لاقليم فزان بذريعة المنقد من احتلال لم يكن اقل منها جسارة في بطشه وتنكيله بالسكان الاصليين للمكان . ومهما تقادم الزمن فإن مطلب الاعتذار يشكل انصافا ليس فقط لاهل الصحراء وضحايا الحادثة ، بل وانتصار للقيم الانسانية وعبرة كي لا تتكرر الهولوكست الفرنسي ثانية في اي بقعة اخرى ، فللحرب اخلاقها ايضا ، ناهيك ان الجيش الفرنسي دخيل على ارض الغير . ولابد من تكثيف الجهود لاعادة الملف الى ردهات المحاكم ، والزام فرنسا بالاعتذار عن فعلتها مهما طال الزمن .
محاكمة فرنسا : ( القضية – 4 ) سياسة الارهاب والتعذيب والقمع والرعب التي عاشها اسلافنا في فزان تحت وطأة وجبروت سلطات الجيش الفرنسي .. يروي لنا الوزير الصيد في مذكراته ” محطات ” جانبا من تلك المعاناة التي لحقت به اثر كلمة نطق بها امام اللجنة الرباعية الدولية يطلب الاستقلال عن فرنسا كنموذج لتلك المعاملة المقيتة . يقول : ” زارت اللجنة جميع انحاء الاقليم وكان آخر اجتماع لها في 26 ابريل 1948م في قريتنا التي تعرف باسم قرية الزوية . واتذكر كان يوم جمعة ، لذلك استطعنا ان نحشد له الآف الناس رجالا ونساء من جميع القرى المجاورة ، جاؤوا بخيولهم وابلهم وحميرهم ، .. ترأس الاجتماع رئيس الوفد الروسي ،.. تناولت الكلمة خلال الاجتماع وقلت ان مطالبنا تتلخص في استقلال ليبيا ووحدتها .. وتحدث اخرون وعبروا عن الموقف نفسه .. هنا سألني المندوب الفرنسي ، لما تكره فرنسا ؟ اجبت انا اطالب باستقلال بلدي ولا اكره فرنسا ، وسألته لماذا قاوم الفرنسيون المانيا حين احتلت بلادهم ، وقلت : نحن لا نريد قتالكم لانه لا قدرة لنا على ذلك وانتم جئتم لتسألوننا ماذا نريد .. تحدث المندوب الفرنسي مجددا مشيرا الى ان فرنسا تقدم المواد التموينية للسكان وستطور الاقليم ، .. وادى حديث المندوب الفرنسي الى استفزاز الحاضرين وشرعوا في الهتاف باستقلال ليبيا ووحدتها ، وصرخ المرابط سيدي بن عليوه على رئيس الوفد الفرنسي ، قائلا له : انا رجل كنت ذا مال ، ولدي قطعان من الماشية ، فاخذت مني القوات العسكرية الفرنسية كل ما املك وتركتني عريانا حافيا ، فهل هذا هو تطوير فرنسا لفزان ؟ … في الليل وكنت اصلي في المسجد مع بعض الاخوة ، هجمت علينا مجموعة بقيادة متصرف جديد جاء لتوه الى المنطقة يدعى ديبا وهو من اشرس من عرفت من الضباط الفرنسيين . واخذوني الى المنزل الذي كان قد طوق بجنودهم من جميع جهاته ومن اعلاه ايضا ، وقاموا بتفتيشه ، وشرعوا في جمع الرسائل فقط . كانت هناك مكتبة لوالدي لم يأخذوا منها اي كتاب لكنهم بعثروا الكتب بحثا عن اية رسالة بداخلها .. ووضعوا في يدي الحديد واقتادوني الى القلعة العسكرية في براك ، وهناك عشت اياما لا توصف . بقيت معتقلا لمدة ثلاثة ايام دون اكل او شرب ، .. وبعدها قدموا لي ماء ساخنا بالملح وقليلا من التمر المسوس . اثناء ذلك القوا القبض على عدد كبير من اعضاء جمعيتنا ” الجمعية الوطنية السرية بفزان ” .. وبعد مضي خمسة عشر يوما من الاعتقال ، شرع في التحقيق معي . كان التحقيق يبدأ في الساعة العاشرة صباحا وينتهي في الساعة الثانية عشرة ، ثم يستأنف في الساعة الرابعة بعد الظهر ليستمر حتى الساعة السادسة مساء .. طلب مني المحققون التوقيع على بعض الاوراق مقابل اطلاق سراحي .. رفضت التوقيع ونفيت جميع التهم الموجهة لي . هنا احتد احدهم قائلا : انت ستعدم سواء وقعت او لم توقع .. سحب مسدسه ووضعه على صدري .. ثم انهالوا علي بالضرب . كان ضربا مبرحا واستمرت عملية الضرب والتعذيب لفترة اسبوعين ، وكانت تتم يوميا . وتحول جسمي الى ندوب وجروح تسيل منها الدماء . وبعد ان ازدادت حدة التعذيب ، تعفنت الجروح وتقيحت .. احضروا طبيب فرنسي وكان من القساوسة وحين زارني سألني لماذا اكره فرنسا ، فاجبته بأنني لا اكرهها . قال : اذن لماذا تكلمت مع اللجنة الرباعية واضاف : لانك قمت بذلك لن اعالجك . . استمر وضعي على هذا الحال داخل المعتقل عدة شهور ، سمح لي بالاختلاط ، مجرمين وغيرهم . واصبحت اعمل معهم في الاشغال الشاقة .. ثم امر بنقلي الى منطقة نائية اسمها الدويسه ، كانت السلطات العسكرية الفرنسية انشأت بها حقول تجارب زراعية ، وهكذا شرعت اعمل في تلك الحقول وقد كانت بعض اراضيها صخرية فطلب مني تكسير الصخر بالفاس ، كان هذا العمل عملا شاقا ومرهقا .. اثناء وجودي بالمعتقل رحل كثير من رجالنا الى طرابلس سرا .. ونشرت في الاوساط السياسية اخبار الاعتقالات والتعذيب والقتل الحاصل في اقليم فزان .. شدة الخوف الرهيب الذي كان سائدا آنداك ، لم يكن يوجد راديو في فزان اللهم إلا اذا كان لدى السلطات الحاكمة ، وممنوع دخول اية صحيفة او اي منشور ) . هذه صورة موجزة تلقي الضوء على زاوية مما كان يجري في فزان آنداك، ناحية قرية نائية اسمها الزوية بوادي الشاطي قدر لاحد شبابها ” الوزير الصيد ” ان ينقل ما عاصر وعانى ، وما تحمله الثقافة الشفهية مما لم يدون ولم يجد من يجمعه ويؤرخ له يعج بفضائع يصعب سردها كما اقتفاءها احيانا .. تقادم الزمن .. ولا تزال تلك المأساة ماثلة في النفوس ، وسوم تجاعيد وجوه من لا يزالوا على قيد الحياة .. تحكي حسرة قبل ان تنطق ، وكثيرا منهم لا يفضل مجرد تذكر تلك السنين العجاف .. لما يلحقه سردها من حرقة وحزن .. والم دفين بعمر كل العصور .. ألا يستوجب هذا مطالبة فرنسا الاعتذار لتلك الجرائم .. ألا يستوجب مقاضاتها واعادة ملف التعذيب وسياط الموت البطيء الى الطاولة وردهات المحاكم .. كي لا تتكرر المجازر .. وكي تكون عبرة للتاريخ وللانسانية ولذاكرة وطن تألم كثيرا ولا زال .
محاكمة فرنسا .( القضية – 5 ) تعد روائع الاثار والتحف التاريخية ثروة نفيسة ، ومرآة على تاريخ الانسان والمكان ، وعلاقة الحاكم بالمحكوم عبر ازمنة مختلفة ، وحقب تاريخية مرت بها البلاد . وبالنظر لتلك الاهمية تحرص الدول على المحافظة على مقتنياتها والسعي الى استرجاع ما نهب منها وان بعد حين . وكانت مصر – على سبيل المثال – قد تمكنت مؤخرا من استعادة 122 قطعة اثرية ترجع الى حقب العصور الفرعونية واليونانية والرومانية . كما نجح الايطاليون عبر التقاضى امام محاكم امريكية فى استعادة نحو مائة تحفة واثر تاريخى سرقت من بلادهم . وبالمثل تعرضت ليبيا عبر تاريخها الطويل الى نهب الكثير من النفائس الاثرية التي تعود الى حقب تاريخية موغلة في القدم ، منها ما يحمل بصمات الامبراطورية الرومانية ، والعثمانية ، وصولا الى اللحظة الراهنة . فقد اوضحت تقارير صحفية مؤخرا الى عمليات نهب حدثت ابآن ثورة فبراير . منها ثمانية الاف قطعة اثرية سرقت من قبو احد البنوك فى مدينة بنغازى ووصفت بعض هذه القطع بأنها ” لاتقدر بثمن “. وعملية اخرى استهدفت قبو اسفل “البهو العثمانى” لمبنى المصرف التجارى الليبى يحوي مجموعة من التماثيل النادرة والمجوهرات والعملات القديمة . ناهيك عن ما نهبه الاستعمار الايطالي وموسيليني . في مذكرات شقيقة القنصل الانجليزي ” ريتشارد توللي ” تحت عنوان “عشر سنوات في بلاط طرابلس ” ابان عهد على باشا القرهمالي ، كتبت بتاريخ يوم 3 يوليو 1783 م . تؤرخ لسرقة فرنسا اثار لبدة الكبرى . تقول : ” ما اروع النصب الرومانية التي تم العثور عليها في لبدة ، حتى ان سبعة اعمدة غرانيتية ضخمة الحجم قد نقلت الى فرنسا لجمالها ، واستعملت في تزيين قصر لويس الرابع عشر ” . هذه الاثار والنفائس رغم تقادم الزمن فإن حق المطالبة باستعادتها يبقى قائما وحيا ، يستدعي اتخاد كل ما يلزم لوضع الملف على الطاولة ، ومقاضاة فرنسا عبر اروقة المحاكم . مهمة واجبة الانجاز اليوم او غدا .
محاكمة فرنسا ( القضية – 6 ) كما في الصورة اعلاه وهي من تصوير الفريق الاعلامي المصاحب لجيش فرنسا الكولينالي . جانب من اعمال السخرة لسكان اقليم فزان وتعبيد طريق بسعف لشق الرمال وبدون اجر . ولك ان تتأمل ما يلزم لانجاز عمل من هذا النوع ، من قطع جريد النخيل مورد الغداء الرئيسي ، واعمال النقل والتصفيف ، ويظهر المشرف الفرنسي مزهوا يراقب ، والسوط دائما حاضر في كل المهام احد صنوف العقاب لمن يتهاون او يتكاسل في اداء المهمة .. الروايات الشفهية زاخرة بحفلات التعذيب في الساحات العامة .
عابد 2014
Published on March 17, 2014 19:22
No comments have been added yet.
عبد القادر الفيتوري's Blog
- عبد القادر الفيتوري's profile
- 11 followers
عبد القادر الفيتوري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

