الهوية الشخصية
الهوية الشخصيةعبدالله المطيري سؤال الهوية الشخصية هو أحد أهم أسئلة الفلسفة على مدار قرون طويلة. هذا السؤال أصبح أكثر إثارة وحيوية مع التقدم العلمي الحديث الذي جعل من قدرة الانسان على التعرف على خصائص الأشياء أكثر دقة ووضوح. سؤال الهوية الشخصية يعني التساؤل حول مالذي يجعل الشيء نفسه رغم حالات التغيّر التي تمرّ به. إحدى صياغات هذه المشكلة يمكن عرضها كالتالي: الأشياء تحمل أحيانا صفات متناقضة ونحن نعلم أن المتناقضات لا تجتمع في ذات الوقت. مثلا نعلم أن الانسان يكون أحيانا واقف وأحيانا جالس وفي ذات الوقت نعلم أن الوقوف والجلوس متناقضة بمعنى أنه لا يمكن أن يكون الشيء واقفا وجالسا في ذات الوقت. مالذي يجعل الشيء يظهر في مظهرين متناقضين ونطلق عليه في ذات الوقت أنه ذات الشيء؟ الجواب الأقرب للحس المباشر والذي يمكن أن يحل هذه المشكلة هو جواب الزمن. بمعنى أن الشيء يظهر في حالات متناقضة في فترات مختلفة بمعنى أنّه يتغيّر مع الوقت. هذه الإجابة تحلّ إشكال مؤقت ولكنها تعيدنا إلى ذات المشكلة، مشكلة الهوية، وهي أنه مالذي يجعل الشيء يبقى نفسه رغم ظهوره في حالات مختلفة وأحيانا متناقضة؟ مالذي يمسك بهذا الشيء ويجعلنا نطلق عليه ذات الشيء رغم تحولاته وتغيّراته؟ إذا خصّصنا السؤال على الإنسان فإن السؤال هو مالذي يجعل فلانة من الناس هي هي على مدار سنين طويلة من العمر رغم التغيّرات الهائلة التي تمرّ بها؟ هذا السؤال ربما يبدو غير ملحّا في سياقات كثيرة ولكنه ملحّ كثيرا خصوصا اليوم مع تقدم التقنية العلاجية وإمكان نقل الأعضاء بين البشر. اليوم يمكن نقل قلب إنسان لإنسان آخر وربما قريبا يتم نقل مخّ إنسان لإنسان آخر وذات الكلام ينطبق على باقي الأعضاء. هل نقل الأعضاء يعطينا شخص جديد أم أن الشخص القديم يمكن أن يبقى هو هو رغم تغيّر أعضاءه الجوهرية كالمخّ مثلا؟ هذا السؤال حيوي جدا من وجهة نظر قانونية أيضا لأن محاسبة الناس على جرائم ارتكبوها في الماضي ينطلق من مفهوم محدد للهوية الشخصية يعطينا المبرر للقول أن هذا الانسان الذي ارتكب الجريمة في الماضي هو ذاته الإنسان الماثل أمام المحكمة. الإجابات على سؤال الهوية الشخصية للإنسان متعددة ومختلفة منها من يقول بأن الروح الشخصية لكل فرد هي من يحفظ هويته على مرور الزمن لأن هذه الروح مفارقة للمادة ومتعالية على التغيّر. هناك من يقول أن سيكولوجيا الانسان أي مجموعة أفكاره وذكرياته ومشاعره النفسية هي من يحدد هويّة الفرد. هناك أيضا من يقول أن الجسد هو من يحفظ الهوية الشخصية تتغير أفكار الانسان ومشاعره ولكنه يبقى هو هو لأن جسده أو تركيبته البيولوجية هي الثابت. كل محاولة من هذه المحاولات تواجه صعوبات حقيقية في الإجابة على سؤال الهوية. الجواب الأول يحيل إلى معنى أو صفة لا يمكن التحقق منها أو التأكد من وجودها وبالتالي هو لا يقدم حل علمي أو فلسفي للمشكلة. الجواب السيكولوجي يواجه مشكلة التغيير الحاد في الأفكار والمشاعر عند الأفراد والذي لا يترتب عليه، بالمعنى الدقيق للكلمة، انتقالهم من هوية لهوية أخرى. الجواب البيولوجي يواجه مشكلة نقل الأعضاء ومشكلة انتقال جزء من الهوية مع كل عضو. لكي أجعل الإشكالية أكثر وضوحا سأضرب مثال يجعلنا أمام أسئلة حقيقية. لنفترض أن لدينا شخصين، لنقل (أ) و (ب)، أجريت لهما عملية نقل دماغ. بمعنى أن دماغ (أ) سينتقل لـ (ب) ودماغ (ب) سينتقل لـ (أ). لنفترض أيضا أن الدماغ هنا يحتوي الأفكار والمشاعر والذكريات. هذا يعني أن الأفكار والمشاعر والذكريات الموجودة في دماغ (أ) سنتنقل إلى جسد (ب) والعكس صحيح. السؤال هنا حول هوية الأشخاص الاثنين بعد عملية النقل هذه. من هم؟ دعونا أولا نسأل من منظور الأشخاص أنفسهم. بمعنى دعونا نتسائل عن الشخص (جسد أ ودماغ ب) حين يستيقظ من العملية ماذا سيقول أو كيف سيعرّف نفسه. هل سيقول ما هذا الجسد الغريب؟ بمعنى أنه سيفكر كـ (ب) في جسد (أ) أي أن هويته انتقلت تبعا للدماغ. أم أنه سيقول تبدو أفكاري غريبة جدا بمعنى أنه لا يزال ينطلق من ثبات الجسد وسيلاحظ تغيير في الأفكار والمشاعر. في المقابل يمكن أن ننظر للمشهد من الخارج بمعنى من منظور أهل (أ) وأهل (ب) حين يزورونهم في المستشفى. هل سيلتزمون بالسحنة الجسدية على أساس أنها هي الثابت أو أن حديث هذين الشخصين بعد العملية وتغيّر أفكارهم سيقنع الأهل بأن تغييرا في الهوية قد حدث. المشهد السابق يجعلنا أمام خيارات كثيرة تبدو كلها مثيرة للتساؤل. من هذه الخيارات أن (أ) سيبقى هو (أ) حتى بعد نقل ذكريات وأفكار ومشاعر ب له. هذه الإجابة مشكلة لأنه سيجعل من (أ) عاجز عن إدراك نفسه السابقة وهو لا يمتلك معلومات عنها. الخيار الثاني أن (أ) سيصبح (ب) ومشكلة هذا الخيار أنه يترتب عليه أن الفرد يتحول إلى شخص آخر مع تغيير أفكاره ومشاعره. هذا يخالف الحس المباشر وتجارب الناس التي تشير إلى بقاء هوياتهم الأساسية رغم تغيّر أفكارهم. الخيار الثالث أننا أمام أشخاص جدد وهذا يجعلنا في أمام مشكلة موت (أ) و(ب) أو اختفائهم رغم أننا لا نزال نملك كل ما كان يكوّنهم. كل هذه أسئلة وإن كانت مبنية على تجربة ذهنية إلا أنها لم تعد بعيدة عن التجربة الواقعية الإنسانية مع تقدّم تقنية نقل الأعضاء. هل الإشكالية تعود لتذكّرنا بإشكال سؤال الهوية حتى على مستواه الفردي مما يجعلنا نفكّر كثيرا في افتراض معاني ثابتة لهويات معّينة يراد تشغيلها لأغراض قد لا تبدو واضحة من الوهلة الأولى.http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=19549
Published on January 01, 2014 06:15
No comments have been added yet.
عبد الله المطيري's Blog
- عبد الله المطيري's profile
- 15 followers
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

