رب يسر وأعن
من الآراء الطريفة التى يذكرها الأستاذ محمود السعدني فى كتابه "ألحان السماء" أن الشيخ محمد سلامة كان لا يخفى استنكاره للطريقة التى يقرأ بها الشيخ مصطفي إسماعيل والشيخ عبد الباسط عبد الصمد، باعتبار أن قراءة القرآن تحتاج إلى صوت قوى ووقور، أما الصوت "الجميل" فليس مستحباً! وكان قد جاء فى تاريخ الخلفاء للسيوطى، أن أبا نعيم أخرج في الحلية عن أبي صالح قال: لما قدم أهل اليمن زمان أبي بكر وسمعوا القرآن جعلوا يبكون فقال أبو بكر: هكذا كنا ثم قست قلوبنا. يشرح الغزالى فى كتاب آداب "السماع والوجد" من "إحياء علوم الدين"، أن الغناء أشد تهييجا من القرآن من سبعة أوجه على ما ذكر.
ومنها ما يشرح لنا لماذا لم يبك أبا بكر، ففى أحد الأوجه: أن القرآن إذا كان محفوظا ومتكررا فلن يحرك ساكنا ولن تنزل دموع أبى بكر وذلك "لما حصل له من الأنس بكثرة استماعه".
وفي ظنى، وليس كل الظن إثم، أن أبا بكر الصديق لو سمع القرآن من الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، أو الشيخ مصطفى إسماعيل، أو الشيخ محمد رفعت؛ لرق قلبه ولان.
من يدخل مسجد السيدة زينب سوف يجد على المقصورة عبارة منقوشة تقول: يا سيدة زينب يا بنت فاطمة الزهراء مددك. وكان المدد فى انتظار الشيخ عبد الباسط، الذى جاء إلى القاهرة فى عام 1950 بغرض زيارة السيدة زينب فى ذكرى يوم مولدها.
كان يحيى هذه الليلة وهى الأخيرة فى أيام الإحتفال أكابر القراء فى هذا الوقت، كان هناك الشيخ الشعشاعى ومصطفى إسماعيل وعبد العظيم زاهر وأبو العينين شعيشع وغيرهم. وفى أثناء إحدى الاستراحات تقدم قريب الشيخ عبد الباسط إلى إمام المسجد -وقتها- على سبيع، ليطلب الإذن لقريبه ليقرأ ما تيسر له من آى الذكر الحكيم.
جلس الشيخ عبد الباسط يومها مكان كبار المشايخ وانساب بقوله تعالى: "إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما". وظل جمهور المستمعين بما فيهم المشايخ، يطلبون المزيد، فقد كان صوته بردا وسلاما على القلوب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. ومع أن الشيخ كان مشهورا فى قريته وفى القرى المجاورة قبل هذا اليوم، إلا أن تلك الليلة كانت بمثابة الفتح المبين.
ليس هناك ذكر لليوم أو الشهر الذى ولد فيه الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، فقط العام 1927 وهو الموافق لعام 1346هـ. بقرية المراعزة بمدينة أرمنت، محافظة قنا. التحق بالكتاب وهو فى السادسة من عمره، وأتم حفظ القرآن كاملا وهو دون العاشرة على يد الشيخ محمد الأمير. ويذكر، رحمه الله، فى مذكراته أنه أتم حفظ القرآن الذى كان يتدفق على لسانه كالنهر الجارى. "وكان والدى موظفا بوزارة المواصلات، وكان جدى من العلماء، فطلبت منهما أن أتعلم القراءات، فأشارا على أن أذهب إلى طنطا بالوجه البحرى لأتلقى علوم القرآن والقراءات." وقد راجع القرآن وحفظ الشاطبية، وهى: متن "حرز الأمانى ووجه التهاني فى القراءات السبع"، المعروف عند الناس بـ "متن الشاطبية" للإمام أبى القاسم الشاطبى الأندلسي، على يد الشيخ المتقن محمد سليم حمادة. وانهالت الدعوات من كل مدن وقرى محافظة قنا بمساعدة شيخه محمد سليم الذى زكاه فى كل منزل ينزله وشهادته كانت محل ثقة الناس.
كانت الاحتفالات فى الصعيد تماما كما فى القاهرة بالموالد والليالى والتى تكون ميدانا للقراء يتبارون فيه. وكان للصعيد قراؤه ومنهم: الشيخ صديق المنشاوي وهو والد الشيخين محمد ومحمود صديق المنشاوي. وغيره من القراء أصحاب الصيت. بدأ الشيخ عبد الباسط فى عام 1940 إحتراف قراءة القرآن. يذكر الأستاذ محمود السعدنى أن أولى لياليه كانت فى قريته، وفى مأتم أحد أقاربه، قرأ عشرة ساعات كاملة بعشرة قروش فضية.
مع نهاية عام 1951 طلب الشيخ نور الدين علي محمد حسن الملقب بالضباع، شيخ عموم المقارئ المصرية، من الشيخ عبد الباسط أن يتقدم لإختبارات الإذاعة المصرية. غير أن الشيخ عبد الباسط أراد أن يرجئ الأمر لحين إنهاء إرتباطاته وترتيب أموره وأهله للإقامة بالقاهرة. إلا أن الشيخ الضباع كان قد حصل على تسجيل الليلة الزينبية التى سبق وذكرناها، فكان يومها أحد الحاضرين. وقدمه للجنة الإستماع بالإذاعة وكانت تضم الشيخ الضباع نفسه، والشيخ محمود شلتوت، قبل أن يتولى إمامة الجامع الأزهر، والشيخ محمد البنا. إنبهرت اللجنة بالأداء الجميل والمحكم وتم اعتماده ليكون أحد النجوم النيرة للإذاعة المصرية. مما جعل الشيخ، وفى خلال بضعة أشهر من إلتحاقه بالإذاعة، يأتى وأسرته للإقامة الدائمة بالقاهرة، من أرمنت إلى مصر المحروسة، وعلى وجه التحديد إلى حى السيدة زينب بنت فاطمة الزهراء، صاحبة المدد.
هناك العديد من الطرائف الواردة فى سيرة الشيخ عبد الباسط، فهناك أحياناً إشارة لدى من يكتب عن سيرته يقارنه بالشيخ محمود الطبلاوي. فعبد الباسط قُبل فى الإذاعة دون أن يحضر الاختبار، حين أن الشيخ الطبلاوي تقدم إلى الاختبار تسعة مرات ولم ينجح إلا فى المرة العاشرة. ومن الحكايات الطريفة، أيضا، أن صوت عبد الباسط كان أحد أسباب إنتشار ورواج الراديو فى مصر. فالناس كانت تنتظر تلاوته مساء يوم السبت من كل أسبوع. وقد سجل القرآن برواية حفص عن عاصم للإذاعة مع الأربعة الكبار: الشيخ محمود خليل الحصري، والشيخ مصطفي إسماعيل والشيخ محمود علي البنا والشيخ محمد صديق المنشاوي. ومازالت هذه التسجيلات تذاع إلى الآن على إذاعة القرآن الكريم. وشخصيا فقد تربيت على هذه الأصوات السليمة، وفى صغرى كنت أتدرب على صوت عبد الباسط لأنه صوت قريب من صوت الأطفال، ثم اخترت أن أكمل الطريق مع صوت الشيخ مصطفى إسماعيل. وكل من يدرس أحكام التلاوة وعلم القرءات يعرف فضل المصحف المرتل لهؤلاء الخمسة، وفضل المصحف المعلم الذى سجله الشيخ الحصري، فى ضبط أحكام التلاوة.
وكان الشيخ عبد الباسط يحب صوت الشيخ محمد رفعت والشيخ مصطفي إسماعيل، وكان يسير عشرات الكيلو مترات يومى الثلاثاء والجمعة ليستمع للصوت الشجى للشيخ رفعت فى الراديو، كانت أجهزة الراديو في ذلك الوقت قليلة ولا يملكها الكثير من الناس.
فى عام 1952 تم تعيين الشيخ عبد الباسط قارئاً للسورة بمسجد الإمام الشافعي، ثم قارئاً لمسجد الحسين عام 1985 خلفا للشيخ محمود على البنا. وأصبح أول نقيب للقراء عام 1984 وظل حتى وافته المنية فى 30 نوفمبر 1988 والموافق لعشر بقين من ربيع الآخر 1409هـ.
طاف الشيخ عبد الباسط معظم بلاد المسلمين وغيرها، ورتل القرآن فى مكة والمدينة، وفى المسجد الأموي الكبير. كما قرأ القرآن بأكبر مساجد إندونيسيا. وإفتتح مسجد "كتشاوا" بالجزائر وقرأ بساحة الشهداء. وذهب إلى العراق والمغرب وليبيا وفلسطين وماليزيا والهند وباكستان وبورما وجنوب أفريقيا وكينيا ومعظم الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وفرنسا التي إرتدى فيها لأول وآخر مرة فى حياته البدلة وهو يمشى فى شوارع باريس..
كان يقول، رحمه الله: إن القارئ للقرآن لا يملك آلة موسيقية ولا تخت، اللهم صوته وأحكام التجويد والقراءة. ذلك الصوت الساحر الذى أسر الناس فى كل تلك البلاد. ويمكن بعبارات بسيطة وصف صوت الشيخ عبد الباسط بأنه كان صوتا ذهبيا صادحا ونقيا. وكانت مساحة صوته واسعة فيعتمد فى أدائه على الركزات فى الجوابات العالية، دون أن يعصيه صوته أو "يخس" منه مرة واحدة. ويظهر هذا فى المصحف المجود. وكان يملك نفسا طويلا يستطيع أن يؤدى به أكثر من آية. والتسجيلات الأخيرة له تظهر صوته أرفع من صوته المعتاد، لكن، مع ذلك، كان صوته يلمع أكثر فأكثر وكأنه يذهب ليكتشف منطقة ومساحة جديدة فيه. وكان المستمعون وكأنهم يرقصون طربا فى الحرم على رنة صوت الشيخ. وكان طول النفس يجعله يتحرك بطلاقة لا بين المقامات، ولكن بين القراءات فيقول من سورة يوسف، مرة: هيت لك، ومرة: هئت لك، ومرة: هيْت لك. وتلك هى أوجه القراءات السبع المتواترة كاملة لهذه الكلمة. وفى كل مرة يطلب المستمع الإعادة، وفى كل مرة يأتيه من حيث لا يحتسب. فهو يحكى قصة سيدنا يوسف ويصورها بصوته. فكان، مثل الشيخ رفعت، لديه موهبة فطرية على تطويع صوته حسب المشاهد القرآنية.
كان الشيخ يحب صوت محمد عبد الوهاب خاصة حين ينشد: فى الليل لما خلي. وكان يرى أن أم كلثوم معجزة، مثل الشيخ رفعت، لن تتكرر. وكذلك كان الشيخ عبد الباسط نفسه معجزة لن تتكرر وتلك سنة الله فى خلقه.
ومنها ما يشرح لنا لماذا لم يبك أبا بكر، ففى أحد الأوجه: أن القرآن إذا كان محفوظا ومتكررا فلن يحرك ساكنا ولن تنزل دموع أبى بكر وذلك "لما حصل له من الأنس بكثرة استماعه".
وفي ظنى، وليس كل الظن إثم، أن أبا بكر الصديق لو سمع القرآن من الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، أو الشيخ مصطفى إسماعيل، أو الشيخ محمد رفعت؛ لرق قلبه ولان.
من يدخل مسجد السيدة زينب سوف يجد على المقصورة عبارة منقوشة تقول: يا سيدة زينب يا بنت فاطمة الزهراء مددك. وكان المدد فى انتظار الشيخ عبد الباسط، الذى جاء إلى القاهرة فى عام 1950 بغرض زيارة السيدة زينب فى ذكرى يوم مولدها.
كان يحيى هذه الليلة وهى الأخيرة فى أيام الإحتفال أكابر القراء فى هذا الوقت، كان هناك الشيخ الشعشاعى ومصطفى إسماعيل وعبد العظيم زاهر وأبو العينين شعيشع وغيرهم. وفى أثناء إحدى الاستراحات تقدم قريب الشيخ عبد الباسط إلى إمام المسجد -وقتها- على سبيع، ليطلب الإذن لقريبه ليقرأ ما تيسر له من آى الذكر الحكيم.
جلس الشيخ عبد الباسط يومها مكان كبار المشايخ وانساب بقوله تعالى: "إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما". وظل جمهور المستمعين بما فيهم المشايخ، يطلبون المزيد، فقد كان صوته بردا وسلاما على القلوب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. ومع أن الشيخ كان مشهورا فى قريته وفى القرى المجاورة قبل هذا اليوم، إلا أن تلك الليلة كانت بمثابة الفتح المبين.
ليس هناك ذكر لليوم أو الشهر الذى ولد فيه الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، فقط العام 1927 وهو الموافق لعام 1346هـ. بقرية المراعزة بمدينة أرمنت، محافظة قنا. التحق بالكتاب وهو فى السادسة من عمره، وأتم حفظ القرآن كاملا وهو دون العاشرة على يد الشيخ محمد الأمير. ويذكر، رحمه الله، فى مذكراته أنه أتم حفظ القرآن الذى كان يتدفق على لسانه كالنهر الجارى. "وكان والدى موظفا بوزارة المواصلات، وكان جدى من العلماء، فطلبت منهما أن أتعلم القراءات، فأشارا على أن أذهب إلى طنطا بالوجه البحرى لأتلقى علوم القرآن والقراءات." وقد راجع القرآن وحفظ الشاطبية، وهى: متن "حرز الأمانى ووجه التهاني فى القراءات السبع"، المعروف عند الناس بـ "متن الشاطبية" للإمام أبى القاسم الشاطبى الأندلسي، على يد الشيخ المتقن محمد سليم حمادة. وانهالت الدعوات من كل مدن وقرى محافظة قنا بمساعدة شيخه محمد سليم الذى زكاه فى كل منزل ينزله وشهادته كانت محل ثقة الناس.
كانت الاحتفالات فى الصعيد تماما كما فى القاهرة بالموالد والليالى والتى تكون ميدانا للقراء يتبارون فيه. وكان للصعيد قراؤه ومنهم: الشيخ صديق المنشاوي وهو والد الشيخين محمد ومحمود صديق المنشاوي. وغيره من القراء أصحاب الصيت. بدأ الشيخ عبد الباسط فى عام 1940 إحتراف قراءة القرآن. يذكر الأستاذ محمود السعدنى أن أولى لياليه كانت فى قريته، وفى مأتم أحد أقاربه، قرأ عشرة ساعات كاملة بعشرة قروش فضية.
مع نهاية عام 1951 طلب الشيخ نور الدين علي محمد حسن الملقب بالضباع، شيخ عموم المقارئ المصرية، من الشيخ عبد الباسط أن يتقدم لإختبارات الإذاعة المصرية. غير أن الشيخ عبد الباسط أراد أن يرجئ الأمر لحين إنهاء إرتباطاته وترتيب أموره وأهله للإقامة بالقاهرة. إلا أن الشيخ الضباع كان قد حصل على تسجيل الليلة الزينبية التى سبق وذكرناها، فكان يومها أحد الحاضرين. وقدمه للجنة الإستماع بالإذاعة وكانت تضم الشيخ الضباع نفسه، والشيخ محمود شلتوت، قبل أن يتولى إمامة الجامع الأزهر، والشيخ محمد البنا. إنبهرت اللجنة بالأداء الجميل والمحكم وتم اعتماده ليكون أحد النجوم النيرة للإذاعة المصرية. مما جعل الشيخ، وفى خلال بضعة أشهر من إلتحاقه بالإذاعة، يأتى وأسرته للإقامة الدائمة بالقاهرة، من أرمنت إلى مصر المحروسة، وعلى وجه التحديد إلى حى السيدة زينب بنت فاطمة الزهراء، صاحبة المدد.
هناك العديد من الطرائف الواردة فى سيرة الشيخ عبد الباسط، فهناك أحياناً إشارة لدى من يكتب عن سيرته يقارنه بالشيخ محمود الطبلاوي. فعبد الباسط قُبل فى الإذاعة دون أن يحضر الاختبار، حين أن الشيخ الطبلاوي تقدم إلى الاختبار تسعة مرات ولم ينجح إلا فى المرة العاشرة. ومن الحكايات الطريفة، أيضا، أن صوت عبد الباسط كان أحد أسباب إنتشار ورواج الراديو فى مصر. فالناس كانت تنتظر تلاوته مساء يوم السبت من كل أسبوع. وقد سجل القرآن برواية حفص عن عاصم للإذاعة مع الأربعة الكبار: الشيخ محمود خليل الحصري، والشيخ مصطفي إسماعيل والشيخ محمود علي البنا والشيخ محمد صديق المنشاوي. ومازالت هذه التسجيلات تذاع إلى الآن على إذاعة القرآن الكريم. وشخصيا فقد تربيت على هذه الأصوات السليمة، وفى صغرى كنت أتدرب على صوت عبد الباسط لأنه صوت قريب من صوت الأطفال، ثم اخترت أن أكمل الطريق مع صوت الشيخ مصطفى إسماعيل. وكل من يدرس أحكام التلاوة وعلم القرءات يعرف فضل المصحف المرتل لهؤلاء الخمسة، وفضل المصحف المعلم الذى سجله الشيخ الحصري، فى ضبط أحكام التلاوة.
وكان الشيخ عبد الباسط يحب صوت الشيخ محمد رفعت والشيخ مصطفي إسماعيل، وكان يسير عشرات الكيلو مترات يومى الثلاثاء والجمعة ليستمع للصوت الشجى للشيخ رفعت فى الراديو، كانت أجهزة الراديو في ذلك الوقت قليلة ولا يملكها الكثير من الناس.
فى عام 1952 تم تعيين الشيخ عبد الباسط قارئاً للسورة بمسجد الإمام الشافعي، ثم قارئاً لمسجد الحسين عام 1985 خلفا للشيخ محمود على البنا. وأصبح أول نقيب للقراء عام 1984 وظل حتى وافته المنية فى 30 نوفمبر 1988 والموافق لعشر بقين من ربيع الآخر 1409هـ.
طاف الشيخ عبد الباسط معظم بلاد المسلمين وغيرها، ورتل القرآن فى مكة والمدينة، وفى المسجد الأموي الكبير. كما قرأ القرآن بأكبر مساجد إندونيسيا. وإفتتح مسجد "كتشاوا" بالجزائر وقرأ بساحة الشهداء. وذهب إلى العراق والمغرب وليبيا وفلسطين وماليزيا والهند وباكستان وبورما وجنوب أفريقيا وكينيا ومعظم الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وفرنسا التي إرتدى فيها لأول وآخر مرة فى حياته البدلة وهو يمشى فى شوارع باريس..
كان يقول، رحمه الله: إن القارئ للقرآن لا يملك آلة موسيقية ولا تخت، اللهم صوته وأحكام التجويد والقراءة. ذلك الصوت الساحر الذى أسر الناس فى كل تلك البلاد. ويمكن بعبارات بسيطة وصف صوت الشيخ عبد الباسط بأنه كان صوتا ذهبيا صادحا ونقيا. وكانت مساحة صوته واسعة فيعتمد فى أدائه على الركزات فى الجوابات العالية، دون أن يعصيه صوته أو "يخس" منه مرة واحدة. ويظهر هذا فى المصحف المجود. وكان يملك نفسا طويلا يستطيع أن يؤدى به أكثر من آية. والتسجيلات الأخيرة له تظهر صوته أرفع من صوته المعتاد، لكن، مع ذلك، كان صوته يلمع أكثر فأكثر وكأنه يذهب ليكتشف منطقة ومساحة جديدة فيه. وكان المستمعون وكأنهم يرقصون طربا فى الحرم على رنة صوت الشيخ. وكان طول النفس يجعله يتحرك بطلاقة لا بين المقامات، ولكن بين القراءات فيقول من سورة يوسف، مرة: هيت لك، ومرة: هئت لك، ومرة: هيْت لك. وتلك هى أوجه القراءات السبع المتواترة كاملة لهذه الكلمة. وفى كل مرة يطلب المستمع الإعادة، وفى كل مرة يأتيه من حيث لا يحتسب. فهو يحكى قصة سيدنا يوسف ويصورها بصوته. فكان، مثل الشيخ رفعت، لديه موهبة فطرية على تطويع صوته حسب المشاهد القرآنية.
كان الشيخ يحب صوت محمد عبد الوهاب خاصة حين ينشد: فى الليل لما خلي. وكان يرى أن أم كلثوم معجزة، مثل الشيخ رفعت، لن تتكرر. وكذلك كان الشيخ عبد الباسط نفسه معجزة لن تتكرر وتلك سنة الله فى خلقه.
Published on January 15, 2014 02:35
No comments have been added yet.


