- ايام في فزان
Posted on August 18, 2013
في قرية نائية بالجنوب الليبي .. صحراء فزان .. اسمها ” الزيغن ” .. تفتحت عيني على الكون والحياة .. الزيغن حيث ولدت .. واحة الجدور.. في الصباح نذهب الى المدرسة ، وفي المساء عادة ما نكلف برعي الماشية .. الغنم .. هناك بالمزرعة القزمية طرف الواحة .. وفي البراح حيث تتوافر عشبة العقول الصحراوية . مدرسة ابتدائية مكونة من خمس فصول ، هي المؤسسة التعليمية الوحيدة .. بالاضافة الى المحضرة .. وتختص بتحفيظ القرآن عن ظهر قلب .. ودون البحث في شروحات او أي تفسيرات .. موعد التدريس يبدأ من بعد صلاة الظهر .. الى وقت صلاة العصر .. وفي الصيف بالذات ، الشمس حارقة .. وشيء من عصبية مزاج المعلم ” الفقيه ” .. والعقاب الجماعي .. و” الفلقة : حبل قصير في شكل نصف دائرة ، طرفيه مشدودة الى العصا .. “.. اثنان من زملائك يطلب اليهم شد ارجلك بالحبل ، وتدوير العصا بقوة .. عضة القبضة تلزمك على فرد ارجلك بثبات .. وتتهيأ افضل لاستقبال ضربات عصا الفقيه .. تتألم ما يكفي ، وتتعود .. كنت اتلكأ في الذهاب .الطوب الرملي لبنة البناء ، منازل القرية ، احياءها ، شوارعها ، تكاد تتشابه في التفاصيل ، الطوب مادة البناء ، جدوع النخيل تقوم بديلا للاعمدة العلوية والساندة ، اغصان النخيل ضفيرة السقف ، سعف النخيل نشارة لصم الفتحات الصغيرة ، ثم طبقة من الطين المجون الخطوة الاخيرة لانجاز السقف . ترتفع جدران البناء بوضع اللبنة تلو الاخرى في عمل دؤوب يستغرق وقتا ، الطوب المستخدم والمسمى ” قالب ” عبارة عن طين معجون كبس في قوالب ، وترك حتى يجف .. وقليل هم من يتخدوا من الاحجار بديلا عنه ، لصعوبة التعامل معها في اعمال البناء ، وما يحتاج تجهيزها من اعمال تهشيم وتصغير لحجمها ، وعمليات نقلها الى المكان ، ففي العادة لها مقاطع واراضي تتوافر بها ، اى محاجر ، بعيدة بعض الشيء على حدود امتداد القرية . الجري هو الرياضة المفضلة لدينا ، ولا معرفة لنا بكرة القدم ولا الطائرة إلا من خلال ساحة ارض جوار المدرسة ، تبرع بها مواطن لتكون ساحة لعب لكرة القدم ، نصبت بها علامات المرمى لوحتين في الجري حيث نتسابق ، حديث في المأتور عن فائدة دم ديدان الابل ” القراد ” في زيادة المهارة .. نقول عنها ” دلم ” و ” ذمل ” وذمامل .. الابل على مقربة منا في اطراف الواحة .. نذهب هانك الى مراتعها ، ونقوم بتخليصها من تلك الديدان ، كنا اطفال صغار ، تألفنا معها حتى بات قدومنا مرحب به ، فنحن الاصدقاء الذين قدموا لتخليصها مما يزعج وحدتها وسكونها ، حشرة القراد ، الصغيرة الحجم ، المؤدية ، والقادرة على التكور ليتضاعف حجمها اكثر من عشرة اضعاف حجمها الاصلي ، بفعل كمية الدم التي امتصتها من الناقة او الجمل .. كتلة من الدماء ، مجرد قمع رأسها على باطن الرجل ، تنفجر دما اسود قاني .. نلطخ قاع ارجلنا به ، ونجرب من جديد ، هل حقا زادت سرعة عدونا .. وبقية الزملاء يقدرون . الجري حفاة .. والارض طينية حجرية .. في معتزل قلب الصحراء .. لا معرفة لنا بالكهرباء والاسلاك .. ولا الهاتف .. عدة ابار مبعثرة وسط القرية وفي شوارعها ، كافية لسد حاجة القرية من المياه العذبة ، عمق البئر من 3 الى 5 امتار في العادة .. وفي مواطن من الواحة ، بالغابة ، يمكنك ان تبحث بيدك لمسافة دراع لترتوي ، قليلة هي المواضع ، وفي العادة يكون الذئب هو المكتشف ومن قام بمهمة الحفر ، تقف لترى الماء يتفجر في بقعة صغيرة وسط الرمال ، ويمد اليك بيسر ، وسط براح قاحل لم تقوى على معاندة ظروفه المناخية وارضه العطشى سوى اشجار الطلح والنخيل .
إن السفر من خلالك شر لا يقطعه إلا السير .. هكذا المثل الذي يردده أهل الصحراء في مناجاتهم لها .الزيغن … إحدى واحات فزان تتموقع في أحضان الصحراء بالطرف الشمالي لوادي البوانيس الذي يشمل أيضا مناطق : سبها ، وسمنو ، وتمنهنت إلى الجنوب.
مثلت في الماضي نقطة التقاء القوافل العابرة للصحراء والقادمة من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال . إذ تتوسط المسافة بين وديان الشاطي ومرزق . تفصلها عن زويلة وتمسة اللتان تمثلان الطرف الشمالي لوادي مرزق 130 كلم . وعن مناطق اشكده وقيره وبراك الطرف الشرقي لوادي الشاطي 50 كلم . كما إنها على مسافة 75 كلم عن مدينة سبها حاضرة الإقليم إلى الجنوب . وفي الشمال حيث واحة الجفرة على بعد 300 كلم . والفقها شمال شرق بمسافة 130 كلم . وقد منحتها حالة التواصل مع كل هذه المناطق المترامية أشبه ما يكون ببوابة الصحراء أو بداية الطريق إلى الجنوب حيث فزان وبلاد السودان ( أفريقيا السمراء ) .
في واحة الزيغن… القرية تتوسط غابات النخيل التي تنتشر في مساحات شاسعة وممتدة إلى مئات السنين حيث شكل التمر إلى جانب الحبوب الغداء الرئيسي والطابع المميز للنشاط الاقتصادي . إضافة إلى الرعي الذي تيسر مهمته توافر الكلأ من عشب العقول والضمران التي تغطي هي الأخرى مساحات مناسبة للرعي وإن لم تكن تثنى الأهالي عن التوجه شمالا نحو مناطق سرت والهاروج في حالات الندرة ، لنفس المهمة ولهمة المقايضة بمنتجات تلك المناطق .
بين الصخور والكثل الجبلية ذات اللون الأسود الغالب والتي تهدي لك بين الحين والأخر تحفة من المتحجرات النباتية أو الحيوانية ، وبين الكثبان الرملية التي هي أشبه بالأمواج وقد توقفت في بحر الرمال ، ترى همسا يؤيد الفرضية القائلة بان رمل الصحراء من إنتاج البحر .. ومهما كان أكيدا أن الماء قد اوجد الكثبان في الصحراء ، فانه أكيد أيضا أن الرياح هي التي منحتها شكلها الخارجي ومنحتها لقبها ــ عرق ــ سيف ــ خشم .
بين هذا وذاك .. وحيث لا يبقى لك إلا الصوت البعيد للأشياء غير المحدودة .. تقف شجرة النخيل .. الوصفة هبة الطبيعة للحياة في الصحراء .. تصارع قسوة الطبيعة لترسم دورة التناغم بين الحياة والموت ، في لوحة ربانية رائعة الجمال ، يملؤها الوفاق والتنافر ، فاللون الأخضر لون الأمل والحياة في طلع النخيل يداعب كثبان الرمال و قفر الماء .
عام 1964 لا تزال ماثلة تلك الأكوام الصغيرة من الصخور التي رسمتها جحافل غرستياني على صدر صحراء فزان وهي تقتفي المسالك في اثر خفاف الجمال … ولا تزال الصحراء تردد بكائيته الشهيرة ” إن لك سحر الأشياء الخفية التي إن قبضت لا ترحم ” … ولا تزال الصحراء تبعث برسالاتها إلى أولئك الذين تتملكهم الرغبة لان ينعموا من الصحراء بتلك الخلوة التي تحرر الذاكرة من ضغط الشعور بأشياء العالم … فلا شيء أكثر وقعا في النفس من ذلك الصمت الذي يغلف الصحراء … حقا إذا كانت الدهشة أول المعرفة فالصحراء الدهشة بعينها . في المدرسة نصطف صباحا لتحية العلم ، والنشيد الوطني : يا بلادي بجهادي وجلادي ادفعي كيد الأعادي، والعواديواسلمياسلمي طول المدى إننا نحن الفداءليبيا ليبيا ليبيايا بلادي أنت ميراث الجدود لارعى الله يداً تمتد لكفاسلمي،إنا -على الدهر- جنود لا نبالي إن سلمت من هلكوخذي منا وثيقات العهود إننا يا ليبيا لن نخذلكلن نعود للقيودقد تحررنا وحررنا الوطنليبيا ليبيا ليبياجرد الأجداد عزماً مرهفاً يوم ناداهم منادٍ للكفاحثم ساروا يحملون المصحفا باليد الأولى، وبالأخرى السلاحفإذا في الكون دين وصفا وإذا العالم خير وصلاحفالخلود للجدودإنهم قد شرفوا هذا الوطنليبيا ليبيا ليبياحيّ إدريس سليل الفاتحين إنه في ليبيا رمز الجهادحمل الراية فينا باليمين وتبعناه لتحرير البلادفانثنى بالملك والفتح المبين وركزنا فوق هامات النجادرايةً حرّةًظللت بالعز أرجاء الوطنليبيا ليبيا ليبيايا ابن ليبيا، يا ابن آساد الشرى إننا للمجد والمجدُ لنامذ سرونا حمد القوم السرى بارك الله لنا استقلالنافابتغوا العلياء شأواً في الورى واستعدوا للوغى أشبالناللغلاب يا شبابإنما الدنيا كفاح للوطنليبيا ليبيا ليبيا ج -2 ” ام العبيد “.. على بعد 20 كم شمالا .. ، طريق ترابي ، خلوة متوارية ، عين ماء ارتوازية ، بنى الى جوارها الفرنسين اعلى التبة حامية صغيرة .. لا تزال باقية على هيئتها الاولى ، الحقت بها اسيجة واسوار ممتدة .. جف النبع .. وسمي المكان ” ام الاحرار ” .. لتدريب العناصر التشادية المناهضة لحكم الرئيس التشادي حسين حبري .. هجرت فيما بعد ، وهي اليوم ما تبقى من اطلال السور ، ومبنى الحامية .
Published on August 19, 2013 02:16
No comments have been added yet.
عبد القادر الفيتوري's Blog
- عبد القادر الفيتوري's profile
- 11 followers
عبد القادر الفيتوري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

