سلسلة: آفاق جديدة في البحوث الإسلامية (8). الإسلام والروس.
سلسلة: آفاق جديدة في البحوث الإسلامية (8).
الإسلام والروس: تأليف: إلياس بلكاكنت أرى ولا أزال أننا بحاجة شديدة إلى الانفتاح على العوالم الأخرى غير الغرب ،بشقيه الأوربي والأمريكي .. فنولي اهتماما خاصا لدول الصين واليابان وروسيا وشرق آسيا وإفريقيا السوداء والهند والبرازيل.. ذلك أن مركز الثقل السياسي والاقتصادي في العالم قد بدأ منذ زمان يتحول شيئا فشيئا إلى آسيا بالخصوص.. وعلى الفكر العربي الإسلامي أن يواكب هذا التحول وأن يتعرف بعمق على مجتمعاته الرائدة .. وهذا يقتضي أول ما يقتضي: إتقان لغات هذه الحضارات. ثم من شروط تحقيق التواصل مع هذه الشعوب أن ندرك كيف تنظر إلينا وإلى حضارتنا ، وما هي صورتنا عندهم..وأنت تجد اليوم أن كثيرا من البلاد العربية والإسلامية أعرضت عن أكثر العالم، فبعضها ولى شطره صوب أمريكا، وبعضه صوب أوربا، بل إن بعض البلاد –ومنها المغرب- لا يعرف من أوربا سوى بلدا أو بلدين، والباقي كأنه لا يوجد في خريطة العالم.سنتعرف اليوم على العالم الروسي. ومما لا يعرفه كثير من الناس أن روسيا عرفت الإسلام قبل المسيحية، وذلك حين فتحت بلاد الداغستان في القوقاز في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. ثم استمر الإسلام ينتشر شيئا فشيئا بهذه المناطق بفضل جهود الدعاة والتجار والمتصوفة. وترجع الصلات التجارية بين العرب والروس إلى العهد العباسي الأول. وأول وصف عربي لشعوب الروس والخزر والبلغار كتبه أحمد بن فضلان في رحلته سنة309 هـ.ومازال الإسلام منذ ذلك الحين إلى اليوم عنصرا مؤثرا في السياستين الداخلية والخارجية لروسيا .والروسيون القدامى هم أهم فروع مجموعة بشرية كبيرة هي: السلافيون، والذين تنقسم لغاتهم إلى ثلاثة فصائل كبيرة . وقد دفعت الظروف الحياتية والمناخية الصعبة هذا الشعب إلى التوسع فكان مقر دولته كييف. ثم ما لبث الأمراء الروس أن اختاروا الديانة المسيحية في شكلها الأورثذكسي البيزنطي، لأسباب سياسية عملية.. وهو الاختيار الذي كانت له عواقب كثيرة ،أهمها انعزال روسيا عن سائر أوربا الكاثوليكية من جهة وعن آسيا المسلمة من جهة أخرى .لكن تطورا خطيرا حدث وغير كل شئ في المنطقة، وذلك هو الغزو المغولي- التتري الذي هزم الروس سنة 1233ميلادية ، واحتل أراضيهم لما يزيد على قرنين. وحين غدا الإسلام الدين الرسمي للدولة المغولية التترية عام1312.. ازداد حقد الروس على الغزاة واقتنعوا بأن بلادهم قلعة مسيحية ضد الإسلام. ولهذا اشتد الكفاح الروسي ضد التتار، واستطاعت الدولة الروسية احتلال أهم مدنهم: قازان، فأبادت جل سكانها سنة 1552، وقضت على دولة سيبيريا المسلمة عام 1598.هذه باختصار الأصول التاريخية للتمدد الروسي ولاستراتيجيته التي تشكلت منذ هذه الفترة، وبعض عناصرها استمر إلى القرن العشرين ومنهـا :أولا:التوسع على حساب أراضى المسلمين . ثانيا: ترويس الأمم المغولية وتنصيرها وإلا إبادتها.لكن هذه الاستراتيجية اصطدمت بأكبر عقبة، وهي شعوب القوقاز التي تزعمتها الطريقة النقشبندية طيلة القرن التاسع عشر. وكانت أعنف مقاومة هي تلك التي قادها الإمام شامل بداغستان، والذي وضع إصلاحات مدنية ومالية وعسكرية، فالتفتْ حوله بلاد القوقاز، واستطاع أن يحقق انتصارات كبيرة على الروس، قبل أن يستسلم سنة 1859. ولذلك عرفت العلاقات الروسية - التترية توترا شبه دائم. إذ لم يكتف الروس بالسيطرة السياسية ، بل سلكوا سبيل الاستيطان و تذويب من بقي من التتار بين المحتلين. وتأرجحت الإمبراطورية طويلا بين محاولات التنصير وطمس الهوية، وبين الاعتراف بالحقوق الدينية والثقافية للتتار، وذلك بحسب التصور المهيمن في كل مرحلة بين رجالات الدولة.وقد نشأت بين التتار في نهاية القرن التاسع عشر حركة إسلامية تجديدية واسعة النطاق، من أبرز روادها الشيخ شهاب الدين المرجاني. ويرى الأستاذ العطاوي أن هذه الحركات التي حملت لواء التجديد والاجتهاد سبقت نظيراتها في العالم العربي بعشرات السنين.لكن رغم الصراعات التاريخية لشعوب المنطقة فقد سـادت بينهــا أيضا فترات ســلام وتواصل. وأهم الأساليب التي تعرف الروس عبرها على الحضارة الإسلامية هي: العلاقات التجارية، والرحلات، خاصة زيارة الأماكن المقدسة المسيحية بفلسطين، والبعثات الدبلوماسية، والاستشراق العلمي، والترجمات، والصحافة…..ويوجد مصدر رئيس اعتمده الروس في التعرف على الإسلام، وهو ما كتبه اليونان والبيزنطيون ـ أو ترجموه ـ في الموضوع مما بدأ يظهر في روسيا منذ القرن الحادي عشر. لكن هذه الكتابات التي كانت في أكثرها غير موضوعية أفسدت صورة الإسلام والمسلمين في المخيال الروسي، وأثرت سلبا على مستقبل الاستشراق.. وإن ظهر في القرن السادس عشر مفكرون روس نزهاء خففوا من هذه الصورة ، مثل أندري كوربكسي.والملاحظ أن الأثر العربي في الروس كان في الغالب غير مباشر، أي بطريق شعوب القوقاز المسلمة، فاستعارت اللغة الروسية كلمات كثيرة من العربية، وترجم الكثير من الأدب العربي إلى الروسية عن طريق لغات أخرى كاليونانية. ويعتبر القرن التاسع عشر القرن الذي تجلى فيه بوضوح تأثير القرآن الكريم والآداب العربية في الأدب الروسي.. ومثال بوشكين واضح.هذا بعض ما استفدته من الكتاب القيم للأستاذ عبد الرحيم العطاوي: الاستشراق الروسي. (مدخـل إلى تاريخ الدراسات العربية والإسلامية في روسيا).إن العالم الروسي مهم، وذلك لأسباب كثيرة، ليس منها فقط موقفها الأخير من الثورة السورية، وهو موقف مرفوض جملة وتفصيلا، ولا عذر لروسيا فيه ألبتة... لكن أساسا لأن روسيا دولة محورية على الصعيد الدولي وفي التاريخ الحديث، فهي أكبر بلد في العالم من حيث المساحة، وعدد سكانها حوالي 140 مليون نسمة. وهي دولة لها بعض الصناعات المتطورة كالطيران، وغنية بالموارد الطبيعية بما فيها النفط والغاز. كما أن روسيا على المستوى السياسي دولة غير غربية، بمعنى أنها يمكن أن تحدث بعض التوازن في العلاقات الدولية. والأهم من هذا كله أن عدد المسلمين الذين يعيشون في روسيا يقدر بعشرين مليون نسمة، وأن الحدود الروسية متاخمة لبعض البلدان الإسلامية. وسنرى في العدد القادم بعض نتائج هذه المعلومات.
يتبع..
الإسلام والروس: تأليف: إلياس بلكاكنت أرى ولا أزال أننا بحاجة شديدة إلى الانفتاح على العوالم الأخرى غير الغرب ،بشقيه الأوربي والأمريكي .. فنولي اهتماما خاصا لدول الصين واليابان وروسيا وشرق آسيا وإفريقيا السوداء والهند والبرازيل.. ذلك أن مركز الثقل السياسي والاقتصادي في العالم قد بدأ منذ زمان يتحول شيئا فشيئا إلى آسيا بالخصوص.. وعلى الفكر العربي الإسلامي أن يواكب هذا التحول وأن يتعرف بعمق على مجتمعاته الرائدة .. وهذا يقتضي أول ما يقتضي: إتقان لغات هذه الحضارات. ثم من شروط تحقيق التواصل مع هذه الشعوب أن ندرك كيف تنظر إلينا وإلى حضارتنا ، وما هي صورتنا عندهم..وأنت تجد اليوم أن كثيرا من البلاد العربية والإسلامية أعرضت عن أكثر العالم، فبعضها ولى شطره صوب أمريكا، وبعضه صوب أوربا، بل إن بعض البلاد –ومنها المغرب- لا يعرف من أوربا سوى بلدا أو بلدين، والباقي كأنه لا يوجد في خريطة العالم.سنتعرف اليوم على العالم الروسي. ومما لا يعرفه كثير من الناس أن روسيا عرفت الإسلام قبل المسيحية، وذلك حين فتحت بلاد الداغستان في القوقاز في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. ثم استمر الإسلام ينتشر شيئا فشيئا بهذه المناطق بفضل جهود الدعاة والتجار والمتصوفة. وترجع الصلات التجارية بين العرب والروس إلى العهد العباسي الأول. وأول وصف عربي لشعوب الروس والخزر والبلغار كتبه أحمد بن فضلان في رحلته سنة309 هـ.ومازال الإسلام منذ ذلك الحين إلى اليوم عنصرا مؤثرا في السياستين الداخلية والخارجية لروسيا .والروسيون القدامى هم أهم فروع مجموعة بشرية كبيرة هي: السلافيون، والذين تنقسم لغاتهم إلى ثلاثة فصائل كبيرة . وقد دفعت الظروف الحياتية والمناخية الصعبة هذا الشعب إلى التوسع فكان مقر دولته كييف. ثم ما لبث الأمراء الروس أن اختاروا الديانة المسيحية في شكلها الأورثذكسي البيزنطي، لأسباب سياسية عملية.. وهو الاختيار الذي كانت له عواقب كثيرة ،أهمها انعزال روسيا عن سائر أوربا الكاثوليكية من جهة وعن آسيا المسلمة من جهة أخرى .لكن تطورا خطيرا حدث وغير كل شئ في المنطقة، وذلك هو الغزو المغولي- التتري الذي هزم الروس سنة 1233ميلادية ، واحتل أراضيهم لما يزيد على قرنين. وحين غدا الإسلام الدين الرسمي للدولة المغولية التترية عام1312.. ازداد حقد الروس على الغزاة واقتنعوا بأن بلادهم قلعة مسيحية ضد الإسلام. ولهذا اشتد الكفاح الروسي ضد التتار، واستطاعت الدولة الروسية احتلال أهم مدنهم: قازان، فأبادت جل سكانها سنة 1552، وقضت على دولة سيبيريا المسلمة عام 1598.هذه باختصار الأصول التاريخية للتمدد الروسي ولاستراتيجيته التي تشكلت منذ هذه الفترة، وبعض عناصرها استمر إلى القرن العشرين ومنهـا :أولا:التوسع على حساب أراضى المسلمين . ثانيا: ترويس الأمم المغولية وتنصيرها وإلا إبادتها.لكن هذه الاستراتيجية اصطدمت بأكبر عقبة، وهي شعوب القوقاز التي تزعمتها الطريقة النقشبندية طيلة القرن التاسع عشر. وكانت أعنف مقاومة هي تلك التي قادها الإمام شامل بداغستان، والذي وضع إصلاحات مدنية ومالية وعسكرية، فالتفتْ حوله بلاد القوقاز، واستطاع أن يحقق انتصارات كبيرة على الروس، قبل أن يستسلم سنة 1859. ولذلك عرفت العلاقات الروسية - التترية توترا شبه دائم. إذ لم يكتف الروس بالسيطرة السياسية ، بل سلكوا سبيل الاستيطان و تذويب من بقي من التتار بين المحتلين. وتأرجحت الإمبراطورية طويلا بين محاولات التنصير وطمس الهوية، وبين الاعتراف بالحقوق الدينية والثقافية للتتار، وذلك بحسب التصور المهيمن في كل مرحلة بين رجالات الدولة.وقد نشأت بين التتار في نهاية القرن التاسع عشر حركة إسلامية تجديدية واسعة النطاق، من أبرز روادها الشيخ شهاب الدين المرجاني. ويرى الأستاذ العطاوي أن هذه الحركات التي حملت لواء التجديد والاجتهاد سبقت نظيراتها في العالم العربي بعشرات السنين.لكن رغم الصراعات التاريخية لشعوب المنطقة فقد سـادت بينهــا أيضا فترات ســلام وتواصل. وأهم الأساليب التي تعرف الروس عبرها على الحضارة الإسلامية هي: العلاقات التجارية، والرحلات، خاصة زيارة الأماكن المقدسة المسيحية بفلسطين، والبعثات الدبلوماسية، والاستشراق العلمي، والترجمات، والصحافة…..ويوجد مصدر رئيس اعتمده الروس في التعرف على الإسلام، وهو ما كتبه اليونان والبيزنطيون ـ أو ترجموه ـ في الموضوع مما بدأ يظهر في روسيا منذ القرن الحادي عشر. لكن هذه الكتابات التي كانت في أكثرها غير موضوعية أفسدت صورة الإسلام والمسلمين في المخيال الروسي، وأثرت سلبا على مستقبل الاستشراق.. وإن ظهر في القرن السادس عشر مفكرون روس نزهاء خففوا من هذه الصورة ، مثل أندري كوربكسي.والملاحظ أن الأثر العربي في الروس كان في الغالب غير مباشر، أي بطريق شعوب القوقاز المسلمة، فاستعارت اللغة الروسية كلمات كثيرة من العربية، وترجم الكثير من الأدب العربي إلى الروسية عن طريق لغات أخرى كاليونانية. ويعتبر القرن التاسع عشر القرن الذي تجلى فيه بوضوح تأثير القرآن الكريم والآداب العربية في الأدب الروسي.. ومثال بوشكين واضح.هذا بعض ما استفدته من الكتاب القيم للأستاذ عبد الرحيم العطاوي: الاستشراق الروسي. (مدخـل إلى تاريخ الدراسات العربية والإسلامية في روسيا).إن العالم الروسي مهم، وذلك لأسباب كثيرة، ليس منها فقط موقفها الأخير من الثورة السورية، وهو موقف مرفوض جملة وتفصيلا، ولا عذر لروسيا فيه ألبتة... لكن أساسا لأن روسيا دولة محورية على الصعيد الدولي وفي التاريخ الحديث، فهي أكبر بلد في العالم من حيث المساحة، وعدد سكانها حوالي 140 مليون نسمة. وهي دولة لها بعض الصناعات المتطورة كالطيران، وغنية بالموارد الطبيعية بما فيها النفط والغاز. كما أن روسيا على المستوى السياسي دولة غير غربية، بمعنى أنها يمكن أن تحدث بعض التوازن في العلاقات الدولية. والأهم من هذا كله أن عدد المسلمين الذين يعيشون في روسيا يقدر بعشرين مليون نسمة، وأن الحدود الروسية متاخمة لبعض البلدان الإسلامية. وسنرى في العدد القادم بعض نتائج هذه المعلومات.
يتبع..
Published on December 17, 2013 11:24
No comments have been added yet.
إلياس بلكا's Blog
- إلياس بلكا's profile
- 50 followers
إلياس بلكا isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

