سلسلة آفاق جديدة في البحوث الإسلامية (13). مشكلة الارتباك المصطلحي في علوم الحديث.
سلسلة آفاق جديدة في البحوث الإسلامية (13).
مشكلة الارتباك المصطلحي في علوم الحديث:
إلياس بلكا تعني كلمة مصطلح الحديث: أصول الحديث، أو قواعد الحديث. وسمي بالمصطلح لأن أكثره يدور على ألفاظ معينة عليها مدار عمل المحدثين ويضبط لغتهم العلمية التي يتداولونها، فيجري تفسيرها والتمثيل لها. ومما يعاني منه علم الحديث عدم استقرار المصطلح، وغموض بعضه، والاختلاف الكثير فيه. مثل مسائل الإرسال، والحد بين المشهور والمستفيض والآحاد، وتعريف الحسن، وقول الترمذي: هذا حسن صحيح، وشروط قبول الرواية، وبعض قضايا الجرح والتعديل وألفاظهما ومراتبهما.. يقول الأستاذ فاروق حمادة: "إننا لا نزال نجد الجدل محتدما بين دارسي السنة حول عدد من المصطلحات، كالمجهول والمنكر مثلا، وهذا يدل على أن البحث العلمي في هذه القضايا لم يكتمل في تحديد المصطلحات ودلالتها، وهذا له آثار تبدأ في التصحيح والتضعيف، وتنتهي بناء عليه في التحليل والتحريم، ويستفيد من هذا كل متصيد في الماء العكر طعنا في السنة وتحللا من الدين." وحتى لا يكون هذا الكلام نظريا فقط أعرض مثالا من الحديث المرسل، فهو –كما قال السخاوي- "من أجل الأبواب، فإنه أحكام محضة، ويكثر استعماله، بخلاف غيره." لكن استعماله واسع جدا، فدخل فيه الخبر المنقطع، والمعضل، والمعلق، ودخل فيه التدليس وما سمي بالمنقطع الخفي، وبالإرسال الخفي.. وهذه في الواقع مصطلحات مختلفة.. ناهيك عن قضية حكم المرسل وحكم العمل به. فالدارقطني مثلا يقول في حديث عامر الشّعبي عن عمر بن الخطاب: "هذا مرسل، عامر لم يدرك عمر." كذلك العلائي الكيكلدي لم يلتزم في كتابه "جامع التحصيل بأحكام المراسيل" حدا معينا للمرسل، فبحث في الانقطاع والتدليس ونحوهما.. حتى قال ابن تيمية: "وكذلك ما يسقط من إسناده رجل، فمنهم من يخصه باسم المنقطع، ومنهم من يدرجه في اسم المرسل، كما أن فيهم من يسمي كل مرسل منقطعاً، وهذا كله سائغ في اللغة." وهذا التوسع في الاستعمال المصطلحي بدعوى سوغانه في اللغة، أو غير ذلك، انتهى بإضاعة المصطلح واستقراره، وهو غاية يسعى إليها كل علم، فينقل ألفاظا لغوية إلى دلالات اصطلاحية جديدة، أو ينحت لنفسه –إذا لزم الأمر- كلمات جديدة. وغني عن البيان أن عدم انضباط المصطلح ووضوحه يؤدي آليا إلى الخبط المنهجي واتساع شقة الخلاف، وبعضه ليس حقيقيا.. وأخيرا إلى الاضطراب في الحكم على الأحاديث النبوية.. فيظهر الأثر السلبي لذلك كله في النقاش العَقَدي والفقهي والأخلاقي.. أي يتجاوز ذلك إلى قضايا الدين بصفة عامة. وقد حاول بعض السابقين حل هذه المشكلة، فنجحوا في بعض ذلك كما فعل ابن الصلاح في المقدمة، لكنهم لم يوفقوا بالنسبة المرضية، كما ترى ذلك عند ابن حجر رحمه الله في نخبة الفكر، فهو استطاع ضبط بعض المصطلحات كاعتباره المرسل ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم مما سمعه من غيره. لكنه زاد في غموض بعض المصطلحات كحده للحديث المشهور وللفرد والغريب في الكتاب نفسه.. فأضاف إلى الارتباك المصطلحي ولم ينقص منه. ولا عذر لأهل العصر في استمرار هذه المشكلة، بعد أن أصبحت أكثر علوم الإسلام، ومنها الحديث، مستقرة، أو قابلة للاستقرار النهائي، وبعد أن تشكلت القواعد والمناهج، وصرنا نملك مكتبة حديثية ضخمة. لكن بعض المعاصرين –عوض أن يساهموا في حل هذه المشكلة- ارتكبوا أمورا زادت الطين بلة، والحق أنه يجب عدم الابتعاد كثيرا عن مناهج القدماء واصطلاحاتهم حتى لا تنقطع الصلة أو يتعقّد الفهم. وقد فهم قوم التجديد في اقتراح مصطلحات جديدة مكان القديمة، وهذا أمر مشوش، وقليل الفائدة.. بينما التجديد أوْلى أن يكون في أبواب أخرى.
مشكلة الارتباك المصطلحي في علوم الحديث:
إلياس بلكا تعني كلمة مصطلح الحديث: أصول الحديث، أو قواعد الحديث. وسمي بالمصطلح لأن أكثره يدور على ألفاظ معينة عليها مدار عمل المحدثين ويضبط لغتهم العلمية التي يتداولونها، فيجري تفسيرها والتمثيل لها. ومما يعاني منه علم الحديث عدم استقرار المصطلح، وغموض بعضه، والاختلاف الكثير فيه. مثل مسائل الإرسال، والحد بين المشهور والمستفيض والآحاد، وتعريف الحسن، وقول الترمذي: هذا حسن صحيح، وشروط قبول الرواية، وبعض قضايا الجرح والتعديل وألفاظهما ومراتبهما.. يقول الأستاذ فاروق حمادة: "إننا لا نزال نجد الجدل محتدما بين دارسي السنة حول عدد من المصطلحات، كالمجهول والمنكر مثلا، وهذا يدل على أن البحث العلمي في هذه القضايا لم يكتمل في تحديد المصطلحات ودلالتها، وهذا له آثار تبدأ في التصحيح والتضعيف، وتنتهي بناء عليه في التحليل والتحريم، ويستفيد من هذا كل متصيد في الماء العكر طعنا في السنة وتحللا من الدين." وحتى لا يكون هذا الكلام نظريا فقط أعرض مثالا من الحديث المرسل، فهو –كما قال السخاوي- "من أجل الأبواب، فإنه أحكام محضة، ويكثر استعماله، بخلاف غيره." لكن استعماله واسع جدا، فدخل فيه الخبر المنقطع، والمعضل، والمعلق، ودخل فيه التدليس وما سمي بالمنقطع الخفي، وبالإرسال الخفي.. وهذه في الواقع مصطلحات مختلفة.. ناهيك عن قضية حكم المرسل وحكم العمل به. فالدارقطني مثلا يقول في حديث عامر الشّعبي عن عمر بن الخطاب: "هذا مرسل، عامر لم يدرك عمر." كذلك العلائي الكيكلدي لم يلتزم في كتابه "جامع التحصيل بأحكام المراسيل" حدا معينا للمرسل، فبحث في الانقطاع والتدليس ونحوهما.. حتى قال ابن تيمية: "وكذلك ما يسقط من إسناده رجل، فمنهم من يخصه باسم المنقطع، ومنهم من يدرجه في اسم المرسل، كما أن فيهم من يسمي كل مرسل منقطعاً، وهذا كله سائغ في اللغة." وهذا التوسع في الاستعمال المصطلحي بدعوى سوغانه في اللغة، أو غير ذلك، انتهى بإضاعة المصطلح واستقراره، وهو غاية يسعى إليها كل علم، فينقل ألفاظا لغوية إلى دلالات اصطلاحية جديدة، أو ينحت لنفسه –إذا لزم الأمر- كلمات جديدة. وغني عن البيان أن عدم انضباط المصطلح ووضوحه يؤدي آليا إلى الخبط المنهجي واتساع شقة الخلاف، وبعضه ليس حقيقيا.. وأخيرا إلى الاضطراب في الحكم على الأحاديث النبوية.. فيظهر الأثر السلبي لذلك كله في النقاش العَقَدي والفقهي والأخلاقي.. أي يتجاوز ذلك إلى قضايا الدين بصفة عامة. وقد حاول بعض السابقين حل هذه المشكلة، فنجحوا في بعض ذلك كما فعل ابن الصلاح في المقدمة، لكنهم لم يوفقوا بالنسبة المرضية، كما ترى ذلك عند ابن حجر رحمه الله في نخبة الفكر، فهو استطاع ضبط بعض المصطلحات كاعتباره المرسل ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم مما سمعه من غيره. لكنه زاد في غموض بعض المصطلحات كحده للحديث المشهور وللفرد والغريب في الكتاب نفسه.. فأضاف إلى الارتباك المصطلحي ولم ينقص منه. ولا عذر لأهل العصر في استمرار هذه المشكلة، بعد أن أصبحت أكثر علوم الإسلام، ومنها الحديث، مستقرة، أو قابلة للاستقرار النهائي، وبعد أن تشكلت القواعد والمناهج، وصرنا نملك مكتبة حديثية ضخمة. لكن بعض المعاصرين –عوض أن يساهموا في حل هذه المشكلة- ارتكبوا أمورا زادت الطين بلة، والحق أنه يجب عدم الابتعاد كثيرا عن مناهج القدماء واصطلاحاتهم حتى لا تنقطع الصلة أو يتعقّد الفهم. وقد فهم قوم التجديد في اقتراح مصطلحات جديدة مكان القديمة، وهذا أمر مشوش، وقليل الفائدة.. بينما التجديد أوْلى أن يكون في أبواب أخرى.
Published on December 07, 2013 07:14
No comments have been added yet.
إلياس بلكا's Blog
- إلياس بلكا's profile
- 50 followers
إلياس بلكا isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

