اتفاق ايران والغرب: مواقف دول المنطقة من المنعطف الخطير
صدم الشركاء التاريخيون للولايات المتحدة والغرب بتوصل إيران لاتفاق بشأن ملفها النووي مع دول 5+1، لكن تلك الصدمة عكست بعينها سذاجة سياسية في فهم التحولات الدولية، وكشفت عجزاً لدى دول المنطقة في فهم أشياء كثيرة تغيرت في واقع السياسة الدولية، منذ صعود أوباما، وظهور الثورات، وتداعيات الانهيار الاقتصادي الأخير وأشياء أخرى لا نعلم عنها الكثير.
إن رأياً آخر يرى أن حلفاء الولايات المتحدة والغرب في المنطقة كانوا يدركون كل شيء، لكن أسقط في يد تلك الدول واقع التقارب الإيراني الغربي ووجب عليها اصطناع موقف الصدمة تخفيفا لحدة استياء شعوبها المحتقنة، مع أن شيئاً من ذلك لم يكن مستبعداً من حساباتها. وبفرض أن ذلك حقيقي، فإن المعطيات تقول أن افتعال بعض الدول –كالسعودية مثلا- لموقف مناهض للاتفاق الإيراني لا يبدو أنه يحقق أي تأثير على عزم الغرب المضي في خطته لتعيين إيران حليفا استراتيجيا أكبر له في المنطقة المتخمة بالقلق. وتضع أمريكا في حسبانها واقع أن كثيرا من حلفائها التاريخيين في الشرق الأوسط مستعدون دائماً لقبول التنازلات وعدم خلق استراتيجيات رد صارمة تجاه تخلي أمريكا عنها في أي لحظة، وأن إضرارها بمصالح هؤلاء وقتما شاءت بات كالعنف الأسري الذي تقبله الزوجة من زوجها النزق ضعفا وحاجة. كما أنها ترى فيما يبدو أن أنظمة حلفاءها التاريخيين تواجه خطرأ وشيكا من الداخل، وهو ما لا تراه في النظام الإيراني، على الرغم من كل التوتر الداخلي الذي يواجهه.
لا شك أن الغرب بحاجة لقوة إيران وعنادها السياسي وعنجهيتها الدبلوماسية لخدمة مصالحه وضمان استقرارها، ليس فقط لأنها تشكل آخر القوى العسكرية والاستراتيجية في الشرق الأوسط، بل لأنها تتمتع بالشكلية السياسية الديمقراطية التي لا تتمتع بها دول الخليج والأنظمة السياسية القائمة في المنطقة، وهو ما يجعل التعامل الغربي مع إيران يبدو أكثر منطقية، وأقل ميكافيلية. ومن البديهي التشكيك في حقيقة امتعاض إسرائيل حليف الغرب الأكبر في المنطقة من حدوث الاتفاق أو احتمال أنها لم تبارك هذا الاتفاق من تحت الطاولة، لأن المراقب للمواقف الإسرائيلية الراهنة على قضايا الشرق الأوسط يلاحظ أنها تظهر غير ما تبطن، لإدراكها أنها لن تخدم أي قضية بإعلانها عن تأييدها لها، بل أنها باتت تلعب على إظهار رفضها لأي قضية، لتدعم موقف تلك القضية معنوياً وسياسيا. هذا عدا عن أن عودة إيران إلى صف الأسرة الدولية لا يبدو أنه يضر المصالح الإسرائيلية بأي شكل من الأشكال، بل على العكس من ذلك، يتبين أنه يخدمها على المدى البعيد.
لقد زالت كثير من الذرائع التي كانت تحتم على الولايات المتحدة التغاضي عن المشكلات التي تعاني منها دول المنطقة في هيكليتها السياسية والاقتصادية وتزايد عزلتها عن التحولات نحو الديمقراطية التي تسير فيها معظم دول العالم الأخرى، كما أن أمريكا في طريقها إلى ضمان الاستغناء عن اعتمادها على واردات النفط العربي. وهي وحلفائها في حلف الأطلسي وبحسب تقارير لم يسمع بها العرب كثيراً، ماضية في الاتجاه نحو غاز البلقان بديلاً للطاقة، وتدفع بكل قوتها لإبرام مشروع “نابوكو” لمد أنابيب الغاز في دول البلقان حتى وهي تواجه عرقلة شديدة الصرامة من قبل روسيا التي تعتبر هذا المشروع مهدداً لمصالحها، ما أدى إلى انعدام المصادر التي يمكنها تمرير الغاز الخام عبر تلك الأنابيب. البعض يربط مشروع “نابوكو” هذا، وما يمثله من إحلال لغاز البلقان بديلا للنفط العربي بكل المواقف السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك الموقف الروسي الداعم لنظام الأسد في سورية، كما يبرر تقبل الغرب للمواقف التركية المشوبة بالحدة تجاه نظام العسكر في مصر، لأن أراضي تركيا ستحتضن الكم الأكبر من تلك الأنابيب. بل أن محللين رأوا أن هذا المشروع كان السبب الأول لإسقاط نظام برلسكوني في إيطاليا، بعد بيعه نصف حصة إيطاليا من شركة إيني البترولية لروسيا.
يستثنى من الانفلات وعدم النضوج في المواقف المناهضة لاتفاق إيران والغرب قلة من دول المنطقة، وأبرزها سلطنة عمان، فقد كانت الوسيط الأكبر لإبرام هذا الاتفاق، عدا عن مواقفها الحذرة تجاه الثورات العربية وما تفرزه من تداعيات داخلية وخارجية، لكن ذلك أيضا يكشف شرخا في المواقف السياسية لدول مجلس التعاون الخليجي، وعمان جزء من الدول المنتمية إليه. بينما كان الموقف الإماراتي المبارك علناً لإبرام هذا الاتفاق خبطة سياسية موفقة، تعكس إدراكاً حقيقياً لمعطيات الواقع الدولي، وعدم اكتراثه لمواقف دول المنطقة مما يبدو أنه تحصيل حاصل في أجندة الخارطة السياسية الجديدة للشرق الأوسط، ومما يظهر أنها تدرك أن أي موقف معارض لن يحد من الغزل الدولي مع إيران حالياً.
يبقى أخيراً أفق ما يمكن لدول المنطقة فعله للحد من الخسائر المترتبة على التقارب الإيراني مع الغرب، وستشهد المنطقة دون شك تحركات خفية وأخرى معلنة، قد تفضي إلى إعادة رسم التحالفات لموازنة الكفة وحماية دول المنطقة من تداعيات الجفاء الأمريكي لها، وهو ما تعول عليه إسرائيل كثيراً، فهي ترى الآن أكثر من أي وقت مضى أن توجس الأنظمة السنية العربية من النظام الشيعي في إيران يمثل جوهرة يمكن صقلها لخلق مصالح استراتيجية مشتركة بينها وبين تلك الدول. ومن المرجح أنه لم يبق أمام الدول الممانعة للدور الإيراني في المنطقة عزاءً سوى التحالف مع إسرائيل، أو القبول بإيران “زوجة أب”، وهذا الخيار الأخير لا يبدو أن دول المنطقة ستقبله بسهولة.
*مقال منشور في صحيفة القدس العربي اللندنية بتاريخ ٢٧-١١-٢٠١٣
http://www.alquds.co.uk/?p=107807
تدوينة جديدة: اتفاق ايران والغرب: مواقف دول المنطقة من المنعطف الخطير ظهرت على موقع موج بلا شاطئ - مدونة محمد الهاشمي موج بلا شاطئ.


