أرشيفي الصحفي .. مصطفى إسماعيل.. مصر تسمع تسبيح الملائكة

لم يكن اهتزاز القطار فى الطريق من طنطا إلى القاهرة ذلك اليوم فى منتصف القرن الماضى ناتجاً عن القضبان الحديدية، بل كان يهتز طرباً لحدث ينتظر هذا الشيخ الشاب، الذى أخذ يرتل الآيات القرآنية فى سره متابعاً قطرات المطر، التى غسلت زجاج العربة ليبدو كل ما خارجها واضحاً نقياً أمام الشيخ.
وصل قبل موعد بدء الاحتفال بمسجد الإمام الحسين إلى حفل الإذاعة الذى دعاه إليه الشيخ محمد الصيفى، أحد أساتذته، واستعد ليسمع ويتعلم من قراءة الشيخ عبدالفتاح الشعشاعى، الذى غاب بعد أن أصابه الشتاء وتقلبه بالمرض، ليصر شيخه على أن يتقدم مصطفى إسماعيل ليتصدر الحفل بآيات الذكر الحكيم، ليقرأ صاحب الصوت الملائكى سورة التحريم لمدة نصف ساعة بدأت من الساعة الثامنة حتى الثامنة والنصف وسط استجابة الجمهور، وما إن انتهى من قراءته، حتى أقبل عليه الجمهور يقبله ويعانقه ويستمع الملك فاروق إلى تلاوة الشاب، التى يحسبها السامع تسابيح الملائكة، فيأمر بتعيينه قارئاً للقصر الملكى قبل أن يتم اعتماده قارئاً بالإذاعة فى سابقة لم ولن تحدث فى تاريخ مصر.
فى نفس هذا التوقيت كان أحد المعتقلين السياسيين حريصاً على تقليد قراءة الشيخ مصطفى إسماعيل فى المعتقل، حيث اعتبر القراءة سلوته وحريته، التى يعبر بها جدران السجن، وبعد سنين من هذا الاعتقال كان محمد أنور السادات قد صار رئيساً لمصر، حين توفى الشيخ الجليل الذى كان صاحب نَفَس طويل فى القراءة التجويدية، فكان صاحب مدرسة جديدة فى أسلوب التلاوة والتجويد، وسجَّل بصوته القرآن الكريم كاملاً مرتلاً، وترك وراءه العديد من التسجيلات المجوَّدة، وكان رحيله كما أراد وقابل وجه ربه يوم الجمعة 22 ديسمبر 1978، وهو يقرأ القرآن الذى مازال يتردد بصوته فيهز أفئدة المسلمين من شرق الدينا لغربها.
Published on November 30, 2013 01:03
No comments have been added yet.