الموت على طريقة محمد عساف

نائما مستلقي على ظهره، رأسه مائلة لأسفل ومغمورة بالدماء التي تغطي ملامحه، وبالتدقيق فيه وجدته هو، محمد عساف، الفلسطيني مشترك برنامج Arab Idol.
تساءلت: ما الذي يجعل عساف يظهر في أحلامي بهذه الصورة البشعة؟ لأنه فلسطيني. لقد اعتدت منذ وقت طويل أن أتجنب نشرات الأخبار المحملة بأرقام قتلى وجرحي وتصريحات مسئولين، تعودت أيضا أن أرى مشاهد الدماء في التليفزيون تروي أرض فلسطين يوميا، ودائما ما أتخيل أن هناك عدد أكبر من القتلى والجرحي لا تدركه عدسات الكاميرا.
محمد عساف كشاب فلسطيني كان من الممكن أن يكون شهيد، وأتخيل أنه تربّى على المقاومة بالحجارة في مواجهة دبابات المحتل الضخمة، والحصار النفسي قبل حصار غزة. "ما الذي يفعله؟ هل يترك المقاومة ويذهب للغناء؟ يا للعار !" أسمع هذا التساؤل من الكثيرين، كما سمعته عن السورية فرح يوسف والمصري أحمد جمال. وكأنه من المفترض كوننا عرب أن نعيش فقط وحلمنا أن نموت، وأي حلم آخر فهو عار !
عساف الذي قال أن أقصى طموحه أن يحصل على وظيفة، تخيلّ ! طموحه وليس حقوقه كأغلب الشباب العربي. ما الذي فكر فيه عندما تقدم للبرنامج؟ سيغني؟ لا بالتأكيد. لو رأيته في أول طلّة بالبرنامج لفهمت ما أعنيه. شاب عادي "غزّاوي" يحمل ملصق "مصر" على صدره. عندما سألت صديقتي قالت ربما بسبب مشكلات المعبر والحدود أو بلد التقديم للمسابقة، قلت "وهل يلغي الهوية؟!".
شاب يبحث عن متنفس لموهبته بعيدا عن صوت القصف والدبابات ورائحة الغاز ومناظر أطفال الحجارة والأشلاء. يتملكه الحلم ويقتله الروتين، يأتي من غزة لمصر ويتأخر بسبب المواصلات فيقفز أسوار الفندق ويتقدم للمسابقة ولا يحصل على رقم !.
طلته الأولى في البرنامج لم تكن عادية.. فلسطيني يغني لعبد الحليم حافظ "صافيني مرة.. وجافيني مرة.. ومتنسانيش كده بالمرة" وكأن فلسطين تغني للعرب المشغولين بأمور أخرى. يُلام على اختياره للغناء وتركه للمقاومة، لكنه اختار المقاومة بالغناء. مَنْ مِن السياسيين العرب حقق ما حققه عساف من حب الجمهور؟ صفر. على الرغم من استخدامهم لكل الحيل والأساليب المشروعة وغير المشروعة، بدءا من الكلمة وانتهاء بالقنابل، إلا أنه لم يستخدم كل ذلك. كان لديه صوته فقط وضحكته، وكأنه يعرف ما نحتاجه لنشوّش على الخراب والهزائم التي نحياها في بلادنا.
مصر، سوريا، وفلسطين.. لا أتخيل أبدا كاريكاتير هزلي ورائع أكثر من هذا. ممثلين عن الدول الثلاثة كلُ منهم يحاول أن يكون سفيرا لبلاده بصوته، يحاول أن يُظهر ولو جزء صغير من الوجه الجميل الخفي الذي أوشكنا على نسيانه. ويبقى عساف – من وجهة نظري – أفضلهم. ربما لأننا – مصر وسوريا – حديثي العهد بالنضال، أما فلسطين فقد أرضعته لأبنائها منذ زمن. غناء عساف متنوّع اللهجات يصرخ في العرب "انا أفهمكم وأحبكم جميعا؛ رغم نسيانكم لي".
ولأنه يحمل جينات عربية، فبمجرد إتاحة الفرصة له أخرج الكثير من جعبته. ولو نادى جميع شباب العرب لملايين السنين لرؤسائهم أنهم يريدون فرصة لتحسين بلادهم لما رد أحد، لكن عساف فعل ذلك ببساطة، وكأنه يقول "ها أنا ذا.. ومثلي كثيرين.. هل رأيتم ما سيحدث لو اختفت سياستكم؟".
وصول المشتركين الثلاثة في برنامج مسابقات شهير تدعمه أكبر شاشة عربية يطرح كثير من الأسئلة أبعد بكثير من محتوى البرنامج، أسئلة عن ما يوحد العرب، وما يميزهم. أسئلة عن السياسيين الفشلة والشباب ومواهبهم البرّاقة. أسئلة عن شعوب تتصادق وسياسات تتنافر. عن سوريا التي شوّهت الحرب جمالها، ومصر التي نحبها ونخشاها، وفلسطين التي تخسر دائما في مناقشات العرب، وتكسب القلوب وتربح – لأول مرة - في "محبوب العرب".
بسمة العوفي
Published on June 20, 2013 12:23
No comments have been added yet.