ربتي الصغرى

تكتم أمي شهقتها، لتخفي حلما راودها قبل ميلادي بأيام، عن شهاب يخرج من بطنها، فينير الدنيا، وما يلبث أن ينطفأ.
حدثتكم من قبل عن ثلاثة http://monnam.blogspot.com/2012/03/3.....
واليوم نتكلم على الرابعة :
لم أكتب عنها من قبل، ربما لأنها في لوحي المحفوظ منذ الميلاد، أو لأننا ارتبطنا قبل 25 عاماً، حين كان شاربي مازال مخضراً يحاول إثبات رجولتي بالظهور على وجهي، بينما كانت هي تبذل مجهوداً للحصول على الشهادة الإعدادية.
وخلال تلك الرحلة الطويلة لم يتحملني إنساناً كما تحملت هي مني ما لا يطاق، طفولتي، ونزقي، وجنوني، وإنكساراتي، وأحلامي غير المكتملة وأوجاعها، كانت هنا دائماً بنفس تلك النظرة العاشقة في عينيها والإبتسامة اللامبالية وكأنها تقول : لا شيء مهم فمازلنا سوياً.
تلك المرأة الوطن الذي يعرف أنني عاشق، ومهما اغتربت لابد وإنني عائد..ربما لا تجيد الكلام، ولا التعبير عن مشاعرها، ككل الأوطان، لكنها تماماً ككل العاشقات الأمهات يتكلم حضنها وترسم لمستها أبلغ المشاعر.
شيرين رفيقة رحلة الحياة المرهقة، صاحبة ذلك الرصيد اللانهائي من الأمان، التي اكتسبت من وطنها الأم - فلسطين - تلك الروح المقاومة التي لا تنكسر، تلك القدرة المتجددة على إعادة الحياة لمسارها الأصلي.
ربما يعاني الرجال من المقارنة بين الأم والزوجة، لكنها حرمتني من تلك المعاناة، زوجة هي وأم، عاشقة من طراز مختلف لم يعد موجوداً على تلك الأرض ولا سكانها من البشر، نخلة أصيلة ما زادتها الريح إلا ثمراً، وهبتني أغلى ثلاث ثمرات في حياتي.
ولأن قوانيني الخاصة تقول أن الإعتياد هو سناج الحياة اللعين، ولأنني أحمق أخطو في تلك الدنيا بوعي طفل لاه مبهور بالحياة، كنت أنت المصباح الذي يقاوم هذا السناج، كنت المرسى والميناء، يد الأم التي توجه الطفل إلى الطريق الصحيح، كنت أحيانا الإعتياد ذاته حتى عشقته.
هل تعلمين عزيزتي أننا ماعدنا نذكر تاريخ زواجنا، فقط نحتفل بتلك الليلة في بدايات خريف عام 88 حين ألقيت إليكي بتلك الورقة الصغيرة التي تحوي كلمة "أحبك"، لم تهمنا أبداً تلك المظاهر الشكلية، كنا دائماً وكأننا عاشقين على متن قطار، تنتهي علاقتهما بمجرد الوصول، ولكن قطارنا بطول العمر.
ربتي الصغرى غافرة الذنب شديدة الهوى، لا أتمنى إلا شيئين...أن يمد الله في عمري كي أسبح بحبك، وأن أراكي يوماً وقد تغضن وجهك وابيض شعرك حتى أتغزل في قمراً شاب وأتصفح بيدي تجاعيدك لعلي أجد بعض ذكرياتنا التائهات هنا أو هناك.
Published on April 03, 2013 06:05
No comments have been added yet.