- في مئوية محفوظ -
"رُبّ روح طاهرة، تنقذ أمة كاملة" نجيب محفوظ
بالتأكيد لا يمكن قياس الواقع إلا بمقارنته بالماضي، والوقوف على أزمة المثقف الليبرالي في مجتمعه العربي في مقابل رجال العصور الحجرية وبروزهم على الساحة بجلاء، ما يجعل قضية تكفير المثقف الليبرالي ورميه بألقاب كالعمالة والزندقة والكفر والإلحاد كصكوك جاهزة لمقابلة المسمى مثار اهتمام دائم.
المثقف مرآة المستقبل لمجتمعه، كونه صاحب الرؤية الأشمل.
والعقل الواعي هو القادر على احترام الفكرة حتى لو لم يؤمن بها كما يقول محفوظ، والذي صاحبته هذه الألقاب بناء على موقفه المؤيد لكامب ديفيد، ومع التأويلات الدينية لشخصية الجبلاوي وما صاحبها من شخصيات رواية في أولاد حارتنا، وهو ما أوصله إلى محاولة قطع عنقه في قارعة الطريق، بحجة أنه كافر وخارج من الملة والذي عَقّبَ بأنه غير حاقد على من حاول قتله. هؤلاء كانوا على النقيض مع من عارضه من المثقفين، الذي استمروا حتى اللحظة الراهنة باحترام الفكر وعدم القول بالتكفير حتى بعد كل هذه المعارك. ومن نافلة القول هنا أن هذا ليس دفاعاً عن أحد. شخصياً لست ليبرالي، ولا أحب أن أغرق نفسي في زخم المسميات، يكفيني كوني إنساناً، ولم أسمع محفوظ يتشدق بمنهجية فكرية معينة.
لا يمكن إغفال النظرة المجتمعية الراهنة إلى المثقف الليبرالي وتنوعها وتدرج الآراء مابين العامة والنخبة والمواجهات المستمرة بينها، ولَيّ النصوص الأدبية، وعدم القبول بإمكانية أن يكون الآخر على صواب في دعواه التي أساسا كانت الحرية، والخروج من سجن الأفكار، وهو ما ظهر تراجعه نسبياً مع الحالات الثورية القائمة على دعوى الحرية. تلاحم الجميع في الميدان، بل وصلوا معاً.
آخر ما يريده المثقف هو الاصطدام مع المجتمع والخوض في المسميات بدلا من التفرغ للإصلاح الحرية هي التاج الذي نلبسه على رؤوسنا كي نكون بشراً كما كان يقول، وندفع المحيط إلى الحرية لا العودة إلى جاهلية الفكر كما قال شاكر النابلسي " نجيب محفوظ عاش ومات في الجاهلية ". وهو ما واجه آخرين كنزار ودرويش ومن قبلهم ابن المقفع والحلاج، الذي أعدم بتهمة الزندقة التي لا موقع لها من الأحكام الشرعية!
أذكر موقفاً حدث مع أحد أصدقائي، وهو طبيب من تيار التشدد قاطعني بسبب قصيدة تناولت فيها قصص الأنبياء الكرام وهو ما حاولت أن أوضح له وجهة نظري وأن اختلافنا الفكري لا يعني أن أحدنا هو المصيب وارتأى أن أصحاب النبي لو فرأوها لما وافقوا عليها ومضى! و بنفس المنطق تم عومل أنيس منصور بعد كتابه حول العالم في 200 يوم بسبب سرده لقصة عن السحر.
تبعية رجل الشارع في تحول بطيء إلى أفاق المعرفة بعد التحول الثوري، وهذا يضفي على الموقف أملاً يلعب فيه المثقف دورا بالغ الأهمية بوعيه الذي ينشره في مداه، دون أن يلتفت إلى أصداء الرجعية إلا بغرض الدراسة والتحليل.
محمد رضا
لمجلة الثقافة الجديدة
ديسمبر- 2011
Published on September 21, 2012 02:38