مقاله علاء الأسواني فى جريدة المصرى اليوم : ..ماذا تنتظر مصر ..؟!..
مقاله علاء الأسواني فى جريدة المصرى اليوم
7 اغسطس 2012
..ماذا تنتظر مصر ..؟!..
هل يجوز أن تهاجم انسانا وهو يؤدى فريضة دينية ؟! .. هل يجوز أن تهاجم انسانا وهو يصلى سواء كان مسلما أومسيحيا أو يهوديا أو يعتنق أي دين آخر..؟!. هل يجوز أن تهاجم انسانا ص…ائما وهو يستعد للافطار والصلاة ..؟! .هذه جريمة حقيرة ودنيئة في كل الأعراف والقوانين .
بعض الجماعات الارهابية المنتسبة للدين كذبا هاجمت الجنود والضباط المصريين في رفح وهم صائمون يستعدون للافطار . أطلقت النار عليهم وهم يقومون بواجبهم في حماية حدود بلادهم .
أسفر الهجوم الاجرامي عن استشهاد 16 ضابطا وجنديا مصريا واصابة العديد من زملائهم ثم استولى الارهابيون على مدرعتين مصريتين وهجموا بهما على الحدود الاسرائيلية حيث تعامل معهم الجيش الاسرائيلي وقصف المدرعتين ثم أذاع أنه أحرق مدرعة ولم يشر الى مصير المدرعة الأخرى .. الحادث مريب وخطير فعلا ويثير أسئلة عديدة ويفرض علينا رؤية مختلفة للمشهد في مصر . ..
أولا : منذ أن نجحت الثورة في خلع مبارك ، تولى المجلس العسكري سلطة رئيس الجمهورية لحين كتابة الدستور وانتخاب رئيس جديد وقد طالبت القوى الثورية أكثر من مرة بتشكيل مجلس رئاسي مدنى من شخصيات وطنية مستقلة مع وجود ممثل للجيش بحيث يؤدي هذا المجلس الرئاسي مهام رئيس الجمهورية خلال الفترة الانتقالية .
اقتراح المجلس الرئاسي المدنى كان يستند الى حقيقيتين : أولا أن القادة العسكريين مع خبرتهم العسكرية الكبيرة ليس لديهم أدنى خبرة بادارة الدولة مما سيؤدي الى أزمات ومشكلات حدثت بالفعل ولازلنا نعاني منها جميعا
وثانيا : أن مهمة القادة العسكريين في العالم كله أن يتفرغوا لمهمتهم الأساسية في الدفاع عن الوطن بعيدا عن شئون الحكم والصراعات السياسية لكن المجلس العسكري رفض هذا الاقتراح وأصر على أن يتولى بنفسه الشئون السياسية وغرق اللواءات أعضاؤه في تفاصيل كتابة الدستور واجراء الانتخابات وحل مجلس الشعب وللأسف فان استغراق قيادات الجيش في الشئون السياسية قد ترك أثره بالتأكيد على تركيزهم في أداء دورهم العسكري .ان هذا الحادث الارهابي ينم عن تقصير مؤسف من بعض الأجهزة في القوات المسلحة .
لقد تنبأت اسرائيل وأعلنت عن وقوع عملية ارهابية في سيناء بل وحذرت المواطنين الاسرائيليين من زيارة جنوب سيناء . اذا كان هذا الهجوم الارهابي متوقعا ومعلنا بهذا الشكل قبل حدوثه بأيام فلماذا لم يتخذ القادة العسكريون في مصر الاحتياطات اللازمة لاحباط هذا الهجوم وحماية جنودنا الذين استشهدوا ..؟! ..
لماذا لم تصدر تعليمات برفع درجة الاستعداد تحسبا لهجوم أكدت اسرائيل أنه سيحدث في سيناء ..؟! ان هذا التقصير الذى أدى الى سقوط 16 شهيدا مصريا يجب أن يكون محل تحقيق فوري موسع وحازم داخل القوات المسلحة حتى لا يتكرر ..
ثانيا : منذ اليوم الأول للثورة المصرية وقفت اسرائيل بوضوح وقوة في صف حسني مبارك الذي وصفه مسئولون اسرائيليون بأنه كنز استراتيجي للدولة العبرية . ولأول مرة في تاريخ اسرئيل يعقد رئيس وزرائها ثلاثة مؤتمرات صحفية في أقل من ثلاثة أسابيع من أجل هدف واحد ..
تدعيم نظام مبارك ضد الثورة بل ان اسرائيل مارست ضغوطا غير مسبوقة على الادارة الأمريكية حتى تمنع سقوط مبارك لكن الثورة انتصرت وخلعت مبارك .
من السذاجة اذن أن نتصور ان اسرائيل سيسعدها نجاح الثورة أو أنها ستقف مكتوفة الأيدي حتى يتم التحول الديمقراطي في مصر . اسرائيل تعرف جيدا حجم مصر وتأثيرها في العالم العربي وتعلم أيضا أن مصر تملك امكانات كبرى وأنها لو أتمت التحول الديمقراطي فسوف ستتحول في سنوات قليلة الى دولة كبرى وتستعيد دورها في قيادة الوطن العربي . اسرائيل تعلم أن الثورة في مصر لو نجحت فان العالم العربي كله سوف يحقق النهضة وهي ستبذل كل جهدها لمنع هذه النهضة . ..
من ناحية أخرى فان اسرائيل تتحرك وفقا لعقيدة صهيونية تعتبر حدود اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات وبالتالي فان كل المعاهدات التى توقعها اسرائيل تعتبرها خطوات تكتيكية تستطيع أن تتنصل منها في أى وقت لتنفذ خطتها النهائية في السيطرة على العالم العربي . هذه العملية الارهابية لا تفيد أحدا الا اسرائيل بل ان شكوكا قوية تحيط بدور اسرائيل في هذا الهجوم . لماذا وكيف تنبأت اسرائيل بالعملية الارهابية قبل حدوثها بأيام…؟ مالذى يدفع الارهابيين الى دخول اسرائيل بمدرعتين ؟!.. هل من المعقول أن يتصوروا أنهم سينفذون أية عملية داخل اسرائيل باستعمال مدرعتين فقط ..؟!.
ألم يعلم الارهابيون يقينا أن القوات الاسرائيلية تراقبهم وسوف تقصفهم فور اقترابهم من الحدود ..؟! ان دخول الارهابيين الى اسرائيل يزيد من الشكوك حول دور اسرائيل في الهجوم .. أضف الى ذلك أن الهجوم الاسرائيلي على المدرعتين داخل اسرائيل يقضى على كل أمل لمصر في معرفة شخصيات الارهابيين ومن يقف وراءهم ..ان هذا الهجوم يحقق أهدافا محددة لاسرائيل التى أعدت الرأى العام في العالم من أجل هذه اللحظة . .
اسرائيل منذ فترة تملأ الدنيا ضجيجا في الصحافة الغربية عن خطورة الفراغ الأمنى في سيناء ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون حذرت أكثر من مرة من عمليات ارهابية قد تنطلق من سيناء ضد اسرائيل وقد أطلق وزير الدفاع الاسرائيلي تصريحا يلوم فيه الجيش المصري لأنه قصر في حماية الحدود ويلوح باستدعاء قوات دولية لحماية أمن اسرائيل .كل هذا في رأيي يبدو مدبرا ومخططا . .
سوابق اسرائيل تؤكد أنها لاتترك أى حدث في مصر أو المنطقة بغير أن تستعمله من أجل تحقيق المزيد من التوسع والعدوان وهي تستهدف من هذا العمل الارهابي تحقيق أحد الهدفين : اما التدويل لقطاع من سيناء ووضعه تحت اشراف دولي واما الدفع بقوات اسرائيلية لاحتلال قطاعا من سيناء بزعم حماية نفسها من الاعتداءات .
ثالثا : نرجو ألا يستغل هذا الحادث الارهابي من أجل تشويه صورة اخوتنا الفلسطينيين في غزة واستعادة الحصار ضدهم .. لقد ارتكب نظام مبارك جريمة بشعة ضد الفلسطينيين عندما شارك اسرائيل في حصارهم وتجويعهم . نرجو من أعضاءالمجلس العسكري والرئيس مرسي ألا ينساقوا الى ماتريده اسرائيل ويستأنفون حصار اهلنا في غزة .. ان محنة الفلسطينيين في غزة لم تعد شأنا عربيا وانما قضية انسانية .ان منع المياه والكهرباء والغذاء عن سكان مدنيين جريمة ضد الانسانية بعض النظر عن مرتكبها وضحيتها . القوافل التى جاءت مرة تلو الأخرى لفك الحصار عن غزة كان معظم أعضائها من الاجانب المسيحيين واليهود الذين اعتبروا مايحدث في غزة جريمة ضد الانسانية يحتم عليهم التزامهم الاخلاقي مقاومتها و منعها
رابعا : قام المجلس العسكري بمهام رئيس الجمهورية أثناء الفترة الانتقالية وكنا ولازلنا نعتقد أن المجلس العسكري ارتكب أخطاء جسيمة أدت بنا الى الورطة نحن فيها .. لقد حافظ المجلس العسكري على نظام مبارك الذى تسبب في كل المشكلات التى أعقبت الثورة بدءا من الانفلات الامنى والأزمة الاقتصادية الى نشر الفوضى من أجل استعادة النظام القديم بأى ثمن ..
المجلس العسكري مسئول سياسيا عن مذابح راح ضحيتها العشرات من الشهداء والمصابين بالاضافة الى مئات المدنيين الذين حكوموا عسكريا وألقى بهم الى السجن الحربي .. كنا ولازلت ننتقد تصرفات المجلس العسكري وفي كل مرة كنا نحرص على التأكيد أن النقد الذى نوجهه لسياسات المجلس العسكري لا ينسحب أبدا على الجيش المصري الذى هو جيش الشعب المصري .
لايوجد بيت في مصر لايضم مجندا أو ضابطا في القوات المسلحة . كنا نؤكد دائما اعتزازنا بالجيش وان كنا نعترض على سياسات المجلس العسكري ونرفض اقحام الجيش في السياسة الأمر الذى بدأنا ندفع ثمنه جميعا .. بالرغم من نقدنا للمجلس العسكري واعتراضنا على سياساته ففي هذه اللحظات الحرجة ، نجد من واجبنا أن ندعمه بكل قوتنا من أجل قيادة هذه المعركة دفاعا عن الوطن ..
المجلس العسكري الذى طالمنا اختصمناه ونددنا بسياساته يجب أن يتحول في نظرنا الآن الى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يجب أن ندعمه بكل قوتنا ليقوم بمهمته من أجل الدفاع عن الوطن . آن الأوان أن تراجع مصر معاهدة كامب دافيد التى تمنحها حق مراجعة بنودها كل فترة ، ان القوات المصرية الموجودة في سيناء غير كافية لتأمين الحدود المصرية. آن الآوان أن يرد الجيش المصري الصاع صاعين لكل من يهاجم جنديا مصريا .
لانريد من المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يتصرف بنفس الطريقة التى اتبعها عندما اقتحمت القوات الاسرائيلية الحدود المصرية وقتلت 6 جنود مصريين في العام الماضى واكتفت السلطات المصرية آنذاك بما يشبه الاعتذار من اسرائيل ..
في الداخل يجب القضاء على الانفلات الأمنى فورا وتماما . .
ان الانفلات الأمنى المتعمد من نظام مبارك جريمة في حق مصر لكنه اذا استمر في هذا الظرف الخطير يكون بمثابة خيانة عظمى للوطن . عندما تتعرض مصر للخطر فيجب أن نكون كلنا على مستوى المسئولية . الواجب علينا الآن ألا نتصرف من منطلق صفتنا السياسية وانما بدافع انتمائنا الوطني .
في هذه اللحظة لانكون سلفيين أو اخوانا أوليبراليين أو يساريين وانما نكون فقط مصريين واجبهم أن يدعموا القيادة العسكرية للجيش المصرى بكل قوتهم مهما كانوا مختلفين مع أدائها السياسي .واجبنا جميعا الآن أن نتوحد ونرتفع الى مستوى المسئولية ونضع كل طاقاتنا في خدمة الوطن .
لا يعنى ذلك بالطبع أن ننسحب ونوقف التحول الديمقراطي فان مصر يعاد تشكيلها الآن بعد الثورة ولابد أن نشارك بآرائنا ومجهودنا لكن علينا أن نعي أن الوطن يمر بلحظة خطرة تسمح بالخلاف في الرأى لكنها لاتسمح أبدا بالصراعات مهما تكن أسبابها ..
نتمنى أن يستجيب المجلس الأعلى للقوات المسلحة الى مطالبنا ويعود الى عمله الأصلى في الدفاع عن الوطن ويترك الشئون السياسية للرئيس المنتخب ووزارته . مهما كان اختلافنا مع الرئيس مرسي ومهما يكن رأينا سلبيا في الوزارة التى شكلها فان مصلحة مصر ، كما تفرض علينا الوقوف خلف قيادة القوات المسلحة ،
تفرض علينا أيضا أن نساعد الرئيس المنتخب على تأمين بلادنا وحل أزماتها لأننا قد نتعرض في أية لحظة الى هجوم آخر من اسرائيل التى تملك الآن ذريعة للتدخل العسكري في سيناء … .مصر تنتظر منا جميعا أن نرتفع جميعا عن خلافاتنا ونقدم مصلحة الوطن على أى اعتبار آخر .. حفظ الله مصر ورحم الله الشهداء . .
الديمقراطية هي الحل
العنوان الإليكتروني
Dralaa57@yahoo.com
Alaa Al Aswany's Blog
- Alaa Al Aswany's profile
- 1814 followers
