بالمزاح تشتفي الأرواح!صيغة المزاح هي التعبير الأقوى عن الحزن الجارف والألم العميق والضيق الجاثم على الصدر؛ لولا صيغة المزاح لجاء التعبير عن الأوجاع مغرقا في الميلودرامية المنفرة العاجزة عن الاحتجاج المؤثر والرؤية الموضحة للعذاب. تتشكل صيغة المزاح أساسا من الإفصاح بهدوء عن خوالج لا تقال عادة، وعلاقات لا تسمى بأسمائها ولا بصفاتها الحقيقية، ويبدو قائلها، لحظة قولها، بريئا أو مسامرا بينما هي حين تقع على أذن سامعها أو عين قارئها، من غير توقع، تأخذه بالمفاجأة ويباغت بدقتها وصدقها فيتولد فورا ذلك "الضحك"، ذلك "الابتسام" الذي نعرف أنه قد إلتقط عمقا خفيا يدلل على مشاركة في فهم أمور وأحوال كنا نتصور أننا نكتمها سرا في قلوبنا؛ هذا الاكتشاف بـ "المشاركة" هو منبع الالتذاذ بفن "المزاح" الباعث على الضحك جدا والجاد جدا بذات الوقت، وهذا تماما مايلخصه المثل، الذي كانت أمي تردده دائما على مسامعنا، القائل: "بالمزاح تشتفي الأرواح"!من أعلام فن المزاح لدينا هنا في مصرنا المحروســة الراحلين، رحمة الله عليهم أجمعين، بالإضافة إلى محمد عفيفي صاحب الرواية الخلابة "ترانيم في ظل تمارا" وجلال عامر صاحب أعقل "تخاريف"، هو مؤلف كتاب "ودخلت الخيل الأزهر" محمد جلال كشك، الذي أذكر له صرخته المدوّية تعليقا على من يقتحم لغة "المزاح" مطبشا عكرا منزوع الموهبة: "واحد دمّه تقيل بينكّت ليييييييييه"!أي والله ليييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييه؟
Published on August 03, 2012 14:42