«يمدحون جورج»

شاب في المراحل الجامعية الأولى من جيل الحاسوب والإنترنت، برع فيهما دون تعلم «أكاديمي»، بل إنه لم يجد مقعداً في هذا التخصص في جامعتنا الفتية، ذكر لي والده أن ابنه يكتشف كثيراً من الثغرات الاتصالية، آخرها اكتشافه ثغرة في وسيلة اتصال وتصفح على الإنترنت لواحدة من شركات الاتصالات السعودية، يمكن من خلالها لمن «يعرف الشغل» استغلال الثغرة والتجول أو الإبحار ما شاء من الساعات دون علم الشركة ودون كلفة.

الوالد أقنع ولده قائلاً: «خلينا نفيد ونستفيد»، فذهب به إلى إدارة الشركة، مخبراً إياهم عن قدرات الشاب من جهة، وعن ثغرة في سورهم الأمني تكلفهم خسائر لا يعلمون عنها، لكن كالعادة لم يجد آذاناً صاغية، بين غير مصدق وغير مهتم، أو الدوام انتهى وسنتصل بك. الأب سألني النصيحة، قلت له: ليس هناك سوى طريقة واحدة، ضع عدسات ملونة يُفضَّل أن تكون زرقاء على عيني ابنك، وألبسه بنطلون جينز، وغيّر اسمه إلى جورج، عندها سيحتفلون به ويحتضنونه كخبير نابغة، ويحصل على بدل «عبر البحار والمحيطات».

كان بعض الأصدقاء من العاملين في شركات القطاع الخاص في قطاعات مختلفة، يتحسّرون ويستغربون أن بعض هذه الشركات التي يعملون فيها يأتي بموظفين أجانب شباب، بعضهم من «الفرنجة» وبعض آخر من الآسيويين، يحصلون على رواتب ضخمة مقارنة بغيرهم من الموظفين المواطنين، في حين يقوم الموظف المواطن بتدريبهم على العمل حتى يصبحوا مدراء عليه! وكنت أقول لهم إن القصة تكمن في الشَّكل، حينما تظهر صور للموظفين، وبينهم أجانب من الجنسيات الغربية، يُعطي هذا انطباعاً مختلفاً لدى العامة، ويعزِّز الصورة الذهنية عن الشركة وقدراتها، حتى ولو كانوا أساساً سكرتارية، أو أنهم أبناء بعض كبار الموظفين الأجانب «معزومين» على حفلة نهاية خدمة. وقصّة الحرص على الشكل وإبرازه في مجتمعنا قصّة القصص، ترى أثرها ضارباً بجذوره في كل مناحي الحياة، فهي تطغى على المضمون الذي لا تمكن معرفته إلا بعد تجربة واختيار يحتاجان جهداً ووقتاً. لذلك يحرص الكل على شكله أولاً وأخيراً! ولذلك أيضاً، إذا غضب منك أحد في مجتمعنا لأي سبب، يقول لك «روح أنت وشكلك»!


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 03, 2012 15:09
No comments have been added yet.


عبدالعزيز السويد's Blog

عبدالعزيز السويد
عبدالعزيز السويد isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبدالعزيز السويد's blog with rss.