الالهام: خدعة عقلية، أم لغز معقد!

الإلهام، دعنا نرمز له بالشخص العبقري، فذلك الإنسان لديه قدرة غريبة على أن يخلق أفكارًا ذات إبداع غير آدمي، كأنها جاءت من حالة نشوة سَماوية دخل إليها عقلك عن غير قصد منك، أم أنك فعلت شيئًا ما أجبرت قوة خارقة على منح عقلك تلك الفكرة.

إجابة السؤال قد اختلفت على مرّ الأجيال، فعلى سبيل المثال في قديم الأزل، كان الشعراء يعتبرون الإلهام قوة خارقة، ومن هو مميز في عالم الشعر وذو موهبة فذّة، فلديه مصدر إلهام شديد للغاية، ومع القليل من قواعد الشعر يصبح شاعرًا محترفًا، ولكن الأمر لم يكن كذلك دائمًا.

على سبيل المثال، سلفادور دالي، الرسام السريالي الإسباني الشهير، كان يستعمل تقنية معينة لكي ينال أكبر قدر من عبقرية عقله حينما يذهب للنوم. فهناك لحظة بين اليقظة والنوم تخترق كل مدارك عقلك لتصل بك إلى حالة صفاء كاملة، تُخلق منها أفكار فذّة لا مثيل لها. فكان حينما تتوقف أفكاره، يذهب للنوم، ويضع طبقًا بداخله مفتاحًا أعلى صدره، وحينما ينام يسقط الطبق على الأرض، فيستيقظ فجأة، ويدوّن ما خطر بباله.

تلك هي إحدى التقنيات التي كان يستعملها ذلك الرسام، ومكّنته من رسم لوحات فنية أحدثت له شهرة ضخمة في جيله. ودعني أخبرك أن ماركيز، الصحفي الذي عشق الرواية، وألّف العديد من الروايات ذائعة الصيت، لم يستطع أن يعرف مصدر هذا الإلهام. ولكن دعنا نتساءل سؤالًا آخر، وهو الذي يجب الإجابة عنه في الأصل؛ فخطوات حل المشكلة تبدأ بمعرفة المشكلة وتحديدها، والمشكلة هي: ما هو الإلهام؟

لم يستطع أحد الإجابة على ذلك السؤال، ولكن آخر ما تمكّنّا من الوصول إليه هو مراحل تكوّن ذلك الإلهام. ولكن ما هو مصدرها؟ لا توجد إجابة.

يتكون الإلهام من ثلاث مراحل، والمرحلة الأولى هي مرحلة المصباح: تلك المرحلة التي تتصافح فيها الفكرة مع عقلك وتنير وعيك، وهي ما يتم التعبير عنها في صورة مصباح يضيء أعلى رأس الشخص. وهكذا تكون الفكرة قد أتت إلى عقلك ودخلت وعيك. وهنا تنتهي المرحلة الأولى وتبدأ المرحلة الثانية.

مرحلة الاستغراق، وهي مرحلة الاندماج والانعزال عن البشر، والتوجّه إلى محيط فكرتك وفكرك فقط. وتكاد تلك المرحلة لا تستغرق سوى ثوانٍ معدودة، لكنها تمنحك الحافز لتبدأ بتنفيذ الفكرة التي تطرأ فجأة على عقلك وتكاد تكون عبقرية. ولكن السؤال: هل ستستغلها أم لا؟

وتلك هي وظيفة المرحلة الثالثة، وهي تنفيذ الفكرة. فهل ستتمكن من تنفيذها وتحويلها إلى عمل إبداعي لا مثيل له، أم أنها سوف تتلاشى مثلها مثل غيرها من الأفكار؟ تلك المرحلة هي الوحيدة في عملية الإلهام التي تعتمد على الاختيار، ففي تلك اللحظة بإمكانك تحقيق الفوز أو الخسارة.

في نهاية الأمر، لقد ابتكر المبدعون العديد من التقنيات للتحكّم في الإلهام، ولكن لم يستطع أحد السيطرة عليه تمامًا. ومنهم من اعتاد ميعادًا محددًا للإلهام مثل نجيب محفوظ، الأديب الحائز على جائزة نوبل في الأدب. ولكن، ما هو الإلهام؟ لم يتمكّن أحد من الإجابة على ذلك السؤال.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 02, 2025 03:49 Tags: الإلهام
No comments have been added yet.