كلام غلاف الاعمال الصحفية الغير كاملة لـ عبـــــــدالله خلـــــــيفة

 الأعمال الصحفية الغير كاملة

✍ كاتب نادر بين المثقفين

كان الأستاذ عبدالله خليفة من الكتاب القلائل أو ربما الوحيد الذي كان ينتمي إلى المدرسة الفكرية العقلانية، ولم يتغير ولم ينجرف مطلقا نتيجة المتغيرات الأيديولوجية والعقائدية، والتي تسببت في تغيير عقول وتفكير عدد من العقائديين السابقين.

بل نستطيع أن نقول إن الأستاذ عبدالله خليفة كانت له مدرسته الخاصة بحيث كان يقيم الصراعات الفكرية العربية والإسلامية من دون أي انحياز، وفوق هذا كله لم يكن له أي رغبة في تبوّء أي منصب أو كرسي. وهذا شيء نادر بين العقائديين والمثقفين. وبالنسبة إلينا في «أخبار الخليج» كان عبدالله خليفة قلما مفعماً بالفكر والثقافة العالية؛ حيث كان يفيد القارئ ليس فقط بالمعلومات والآراء الفكرية، بل كان يقوم بتشريح خبايا الأفكار التي تلاعبت بالمسرح السياسي في العالم العربي قديماً وحديثاً.

 أنور محمد عبدالرحمن

رئيس مجلس الادارة 

رئيس التحرير أخبارالخليج

✍ دور مشهود في معركة التنوير

رحم الله الكاتب الكبير والزميل العزيز الأستاذ عبدالله خليفة.. قدّم إسهامات هائلة إلى الثقافة البحرينية والعربية بأعماله الروائية وكتاباته النقدية المتميزة، وبدوره في العمل الوطني. لعب دورا مشهودا في معركة التنوير والتقدم الفكري والسياسي التي تخوضها البحرين والدول العربية. ستبقى أعماله وأفكاره واسهاماته الوطنية مرشدا لأجيال من الوطنيين البحرينيين الحالمين بغد أفضل ووطن أجمل.

السيد زهره

✍ عبدالله خليفة المثقف الوطني الملتزم

خسارتنا في أخبار الخليج، وخسارة الحياة الفكرية والثقافية في البحرين، برحيل الكاتب والأديب الكبير عبدالله خليفة، خسارة فادحة.

الخسارة فادحة لأن عبدالله خليفة كان مثقفا ليس مثله كثيرون.

كان طوال حياته، وطوال سنوات عطائه، وفي كل ما كتب، نموذجا للمثقف الوطني الملتزم، فكرا وممارسة بقضايا الوطن، وبالهموم الانسانية العامة.

لم يكن في يوم من الأيام من مثقفي الأبراج العاجية المنغلقين على انفسهم بعيدا عن الواقع وهمومه وقضاياه، والذين ينشغلون بأمور لا علاقة لها بالواقع.

أعماله الروائية لم تكن منفصلة عن الواقع، بل كانت لصيقة به، شخوصا وأحداثا، وتدفع باتجاه تطويره وتغييره.

ونفس الأمر ينطبق على كل كتاباته الصحفية واسهاماته الفكرية.

كان عبدالله خليفة من المؤمنين بقدرة الأفكار والمواقف الفكرية على تغيير الواقع، نحو الأفضل أو نحو الأسوأ. كان من المؤمنين بأن الأفكار قد تدفع الدول والمجتمعات إلى الأمام، وقد تكرس تخلفها.

والمتابع للأفكار والرؤى التي تبناها عبدالله خليفة ودافع عنها بقوة في كل أعماله وكتاباته سوف يجد انها تدور حول فكرتين جوهريتين، التقدم والتنوير. التقدم بمعناه التقدمي الانساني العام الذي جوهره العدل وإنصاف البسطاء. والتنوير بمعنى التجديد الفكري وتحدي الأفكار الجامدة الثابتة التي لا يمكن ان تصنع تقدما أو تعين عليه.

ولهذا، نجد انه في كل كتاباته تقريبا كان مهموما بالمراجعة النقدية للأفكار، سواء في ذلك الأفكار القديمة الراسخة، أو الحديثة الشائعة، وبتقديم رؤى وأفكار جديدة.

كان يفعل هذا، وفي ذهنه دوما وفي صلب قناعاته، إننا بحاجة إلى عصر جديد من التنوير الفكري والسياسي، القائم على ترسيخ الأفكار والرؤى التقدمية المتفتحة التي تمهد الطريق امام ما ننشده من تقدم وعدل اجتماعي ونهضة لدولنا ومجتمعاتنا.

ومثقف هذا شأنه، كان من الطبيعي ان تكون له مواقفه الوطنية الواضحة مما تشهده البلاد من تطورات وأحداث. في السنوات القليلة الماضية، وفي ظل الأوضاع الصعبة التي شهدتها البحرين، لم يتردد في رفض الطائفية، وفي نقد القوى الطائفية في الفكر وفي الممارسة. ولم يتردد في نفس الوقت في توجيه الانتقادات إلى ما اعتبره انحرافا في رؤية وممارسة بعض القوى التقدمية التي انتمى هو شخصيا اليها. كما لم يتردد في التنبيه إلى سلبيات وأوجه قصور عامة في الحياة السياسية وفي المجتمع والدعوة إلى إصلاحها.

هذا على مستوى الإسهام الفكري والأدبي.

أما على المستوى الإنساني، فقد كان عبدالله خليفة نموذجا إنسانيا فريدا.

كل من عرفه عن قرب، يعرف ما كان يتحلى به من تواضع جم، ومن بساطة وطيبة.

وقدم عبدالله خليفة نموذجا إنسانيا فريدا للدأب والإصرار والعمل الجاد المنتج المتواصل.

حياته كلها تقريبا كرسها في العمل والإنتاج. وكانت المحصلة هذا الإرث الكبير الذي خلفه من الأعمال الروائية والفكرية والكتابات النقدية.

لكل هذا الذي ذكرت، فإن خسارتنا فادحة حقا برحيل الكاتب الكبير عبدالله خليفة.

لكن العزاء ان الأفكار لا تموت، والرؤى الوطنية لا تموت، والإبداع لا يموت.

وما خلفه عبدالله خليفة من إرث أدبي وفكري، سوف يبقى دوما رصيدا تعتز به البحرين وتفتخر. وسوف يظل من دون شك مصدر الهام لأجيال جديدة في مجالات الأدب والفكر والكتابة.

ومسئولية الدولة والجهات المعنية هي ان تحفظ هذا الإرث، وان تعيد نشر إسهامات عبدالله خليفة، وان تنشر الكثير الذي خلفه ولم ينشر بعد.

رحم الله الكاتب الكبير وادخله فسيح جناته جزاء ما قدمه للوطن من حب وإخلاص وفكر وعمل وجهد.

السيد زهره

مدير تحريرأخبارالخليج

✍ كاتب مشغول برسالته

عبدالله خليفة فوق أنه كان صحفيا وأديبا وكاتبا مبدعا.. فقد كان دمث الخلق.. جم الأدب.. خفيض الصوت.. على مسافة واحدة من جميع الزملاء.. مشغول ومهموم برسالته.. لا وقت عنده لآفات العصر.. فلا نميمة.. ولا حقد أو ضغينة.. محبا ومحترما للجميع.. رحمه الله وطيب الله ثراه.

لطفي نصر

✍ عبدالله خليفة.. محققاً صحفياً

الزميل الأستاذ عبدالله خليفة يعدّ من الرواد الأوائل في تشكيل أسرة تحرير «أخبار الخليج» بعد بدء مسيرتها بسنوات قلائل.. والأمر الذي يؤكد انه كان على درجة عالية من الفطنة والذكاء.. انه قد جاء الى «أخبار الخليج» أديبا.. ولكنه فطن الى أن دخوله الى أسرة تحرير الجريدة من باب الأدب سيكون صعبا عليه.. أو قد يعرقل خطواته وطموحاته وأهدافه.. فقد كانت الجريدة في بداياتها تصدر في ثماني صفحات فقط.. وأبوابها وتقسيم صفحاتها تكون منحسرة.. 

فماذا فعل الأديب والروائي الراحل عبدالله خليفة؟

قرر على الفور.. ومن دون أدنى تفكير أن يدخل الى أسرة تحرير «أخبار الخليج» من باب «قسم التحقيقات الصحفية» حتى لا ينافس أحدا.. وحتى لا ينافسه أحد.

ومن حسن حظي أنا شخصيا أنني كنت أتولى الإشراف على قسم التحقيقات الصحفية.. وقد فوجئت بالمرحوم محمد العزب موسى مدير تحرير «أخبار الخليج» يأتي الى مكتبي بصالة التحرير في (بناية المردي) ليقدم لي شابا قائلا: «هذا الزميل الجديد الأستاذ عبدالله خليفة لديه الرغبة للعمل معكم في قسم التحقيقات الصحفية».. وبعد أن رحبت به تركنا الأستاذ محمد العزب ليجري بيننا حديث استغرق حوالي نصف ساعة.. استمعت خلالها الى رؤاه وأفكاره.. شعرت حينها أنني أمام شخصية طيبة.. خلوقة.. وعميقة وأنه يميل الى أن يكون أديبا أكثر منه صحفيا.. وشعرت أيضا أنني أمام شخص يلمّ إلماما شاملا بقضايا وظواهر ومشاكل البحرين.. وانني شخصيا سوف أستفيد منه أكثر مما يفيد هو قسم التحقيقات الصحفية.. وحيث أنني كنت لا أزال جديدا على البحرين.. وأحتاج الى وقت لسبر أغوارها.

قدم إليّ الزميل الراحل مجموعة من أفكاره للتحقيقات الصحفية.. ورحبت بها جميعا.. ووافقت على أن يبدأ العمل عليها.. فرادى.. وليس جملة واحدة.. وبدأ العمل فعلا.. فكان من المحررين الغزيري الانتاج الذي لا يضيع وقتا.

تأكد لي بعد ذلك.. بشكل تدريجي.. أننا أمام مكسب جديد لأسرة التحرير.. وصحفي تحقيقات غير عادي.. ينفرد بإجادة نوع من التحقيقات الصحفية درسته في قسم الصحافة بالجامعة.. ونطلق عليه: «التحقيق المقالي», وأن من يجيدون فن (التحقيق المقالي) في الصحافة العربية هم قلة قليلة.. ذلك لأن هذا النوع من التحقيقات يحتاج الى: أديب.. ومثقف.. وصحفي.. وكاتب.. ومُـلمّ إلماماً شاملا بكل ما يدور من حوله.. وصاحب أسلوب لا تنقصه الرشاقة والروعة الخ..

وخلال فترة عملناها معا.. أتحفنا الزميل الراحل بمجموعة هائلة من التحقيقات الصحفية أو المقالية.. التي كان كل تحقيق فيها يملأ مساحة صفحة كاملة مع الصور.

وكان الجميع يقبلون على تحقيقاته الصحفية من فرط حلاوة وروعة العرض والأسلوب.. وكان الزملاء يقبلون على قراءتها في مرحلة (البروفات) قبل أن تصل الى أيدي القراء الذين كانوا يطالبون بالمزيد منها.. ويشتكون اذا تأخرت.

كان عبدالله خليفة يعرض تحقيقاته في صورة (كتلة أدبية) كاملة, فيها من المعلومات والتفاصيل والخلفيات الكثير عن المشكلة أو الظاهرة التي يتناولها, وفيها الحلول لهذه المشكلة.. وفيها من الخيال.. وروعة الأسلوب والحبكة الأدبية والصحفية.. وكل ذلك من دون الاخلال بعناصر التحقيق الصحفي.. وكان أحيانا ينوب عن أصحاب المشكلة في تحرير شكاواهم ورؤاهم وأوضاعهم ومطالبهم من فرط إلمامه الكبير بجذور المشاكل التي يحقق فيها ومعرفته الفائقة بأبعادها بوصفه مثقفا بحرينيا ومعدودا على الساحة.

وفي مرة قلت للزميل الأستاذ عبدالله خليفة: هذا النوع من التحقيقات الصحفية (المؤدبة) الذي تجيده وتتفوق فيه على غيرك.. أنا أيضا أحبه.. وأجيده وتفوقت فيه في الجامعة.. وتمنيت لو تمكنت من ممارسته في حياتي العملية عندما بدأت العمل في الصحافة, ولكنه (رتم) العمل الصحفي.. وعنصر السرعة الذي يقتضي تقديم أكثر من تحقيق في الأسبوع الواحد.. كل ذلك جعلني أنهج الأسلوب التقليدي في اجراء التحقيقات الصحفية.. ثم أهجر التحقيقات كلها بعد ذلك لأتخصص صحفيا اخباريا!

والفرق بين الاستاذ عبدالله خليفة كمحقق صحفي في حياته الصحفية.. وبيني عندما كنت طالبا أدرس الصحافة.. هو أننا معا كنا ننحو نحو ما يسمى (التحقيق المقالي) ولكنه كان يتفوّق بالنزول الميداني الى أرض المشكلة أو الظاهرة.. وان كان النزول أقل لكون ما لديه من كمّ هائل من المعلومات وعلم وثقافة أكثر.. كل ذلك جعل تحقيقاته تتميز بروعة العرض وحلاوة الاسلوب والامساك بزمام المشكلة.. والقدرة على طرح الحلول, وهذا من خلال قلم أديب وكاتب صحفي موهوب.

رحمه الله رحمة واسعة.. وأفسح له من جناته بقدر ما تركه من ثروة أدبية وثقافية هائلة.. ستظل زادا للأجيال عبر الأجيال.

لطفي نصر

مدير تحرير صحيفة أخبار الخليج سابقا

✍ أحد رموز الفكر العقلاني

برحيل الزميل الأستاذ عبدالله خليفة فقدت الساحة الأدبية والفكرية في البحرين واحداً من الأقلام التقدمية التي غرست في تربة هذا الوطن على مدى عدة عقود بذور الفكر العقلاني الباحث دوما عن الحقيقة دون أن يتراجع أمام انفلات الظلامية فكان الراحل علما علمانيا سيبقى حاضرا.

عبدالله الأيوبي

✍ عبدالله خليفة يترجل شامخا

بكل المقاييس، فإن رحيل الزميل الأديب الكاتب عبدالله خليفة خسارة كبيرة، ليس لقراء «أخبار الخليج» فحسب الذين اعتادوا على قراءة عموده اليومي «أفق» الذي يعتبر بحق منارة فكرية تنويرية، وليس خسارة لليسار البحريني والتيار العلماني الذي فقد برحيله علما من أعلام النضال الوطني الملتزم والمؤمن بالعدالة الاجتماعية التي تشبعها من مبادئ المدرسة الفكرية التي آمن والتزم بها، وإنما هي خسارة للبحرين كلها إذ لم يكن عبدالله خليفة كاتبا صحفيا ولا مفكرا ماركسيا أو أبا للقصة البحرينية فحسب، وإنما كان صوتا بحرينيا جسد طوال نضاله وعمله الإبداعي روح التسامح والألفة والتآخي التي جبل عليها أبناء البحرين وتربى في كنفها الراحل والتي ميزت أعماله الأدبية والفكرية طوال سنوات الإبداع التي عاشها.

برحيل عبدالله خليفة، فقدت العقلانية البحرينية صوتا هي في أمس الحاجة إليه في هذه الظروف، حيث تتصاعد أصوات التطرف والانتهازية والوصولية التي كبدت المجتمع البحريني والنسيج الوطني خسائر كبيرة سيكون تعويضها مقابل أثمان باهظة جدا، ومن تابع كتابات عبدالله خليفة المتعلقة بهذه الخصوصية المجتمعية سوف يكتشف كم كان الراحل مناهضا عنيدا لأي شكل من أشكال التطرف وفي نفس الوقت وقف عنيدا في وجه القدسية الفكرية لتيار الإسلام السياسي الذي لعب دورا سلبيا في الساحة البحرينية من خلال ما أحدثه من استقطاب طائفي مقيت أحدث شرخا عميقا في الجسد الوطني.

لقد بقي عبدالله خليفة طوال سنوات الإبداع التي عاشها وخاصة في الظروف الصعبة التي مرت بها البحرين، واحدا من أصوات الاعتدال التي تنظر إلى القضايا والأمور بمنظار وطني ثاقب وحاد بعيدا عن التعصب العرقي أو الديني أو الحزبي، لكنه في كل هذه المواقف كان منحازا دائما إلى الوطن كشعب وأرض، فلم يغادر الموقع التي اختاره، فكريا وسياسيا، رغم كل الملاحظات والمواقف التي سجلها وتمسك بها ودافع عنها في مواجهة من اختلف معه في رؤيته وفي تشخيصه لأي من القضايا الوطنية، وتحديدا في الظروف الصعبة التي تحركت خلالها الرمال من تحت الأقدام، فانتقل البعض من موقع إلى آخر فيما تاه آخرون.

فالظروف التي تمر بها بلادنا في الوقت الحاضر مع اشتداد الاستقطاب الطائفي والسياسي غير المتزن وغير المتحضر، بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى أصوات الاعتدال ذات النزعة الوطنية المخلصة لقضايا الجماهير، حيث كان عبدالله خليفة واحدا من هذه الأصوات، فالاعتدال بالنسبة له ليس تخليا عن القضايا الوطنية ولا عن مصالح الأغلبية الساحقة من أبناء شعبه، فهذه المواقف بالنسبة إلى الراحل ليست محل مساومة ولم تغب يوما عن إبداعاته الفكرية والأدبية وكتاباته السياسية.

من الصفات التي ميزت الأديب والمفكر عبدالله خليفة عن غيره، صراحته شبه المطلقة في التعبير عما يؤمن به من مبادئ وأفكار، الأمر الذي مكنه من أن يجعل من الأداة الفكرية التي آمن بها وتربى في كنفها مشرطا لتشريح الواقع السياسي والاجتماعي والفكري الذي تعيشه الساحة البحرينية والتطورات التي طرأت على هذه الساحة خلال العقود الأربعة الماضية التي شهدت بروزا وصعودا كبيرين لتيار الإسلام السياسي الذي اعتبره عبدالله خليفة معيقا للتطور الطبيعي للمجتمع نظرا إلى تمسكه بالماضي وعدم قدرته على قراءة الحاضر ناهيك عن عدم إيمانه بالمستقبل.

من الصعب جدا إيفاء هذا العلم البحريني المميز أدبيا وفكريا، التقييم الذي يستحقه عبر هذه المساحة الصغيرة، فما خلفه عبدالله خليفة من إنتاج أدبي وفكري بحاجة إلى مساحات واسعة وأوقات طويلة للتوقف بعناية وأمانة أمام ما خلفه من إنتاج غزير، وهذه أكبر من أن تكون مسئولية رفاقه السياسيين والفكريين، وإنما هي مسئولية الجهات الرسمية المسئولة عن حفظ وصون الكنوز الوطنية البحرينية بكل أشكالها، وما تركه عبدالله خليفة من إنتاج إنما هو قيمة وطنية لا تخص عائلة الفقيد بقدر ما هي تخص الوطن الذي سكن قلبه على مدى السنوات التي مارس فيها إبداعه الفكري والسياسي.

مثل هذه الشخصية الوطنية وبغض النظر عن مواقفها السياسية والفكرية والعقدية يجب أن تأخذ موقعها في السجل الوطني للبحرين، فهذا حق لا يجب نكرانه أو التملص من القبول به، فهذه الشخصية بقيت أمينة لانتمائها الوطني واعتبرت قضايا الإنسان البحريني جزءا من حياتها اليومية، فهي لم تبدع ولم ترهق عقولها تفكيرا وتشخيصا لهذه القضية أو تلك، لمجرد أنها تريد ذلك أو لتسلية الذات، وإنما كون قضايا الإنسان هي جزء جوهري من حياتها، ما كانت لتحيد عنها تحت أي ظرف من الظروف، لهذا لم ينزل عبدالله خليفة، إلى وحل المغريات المادية والحياتية لأن ذلك باختصار يتناقض كليا مع ما يسكن جوف تفكيرها وعقلها من مبادئ وإيمان راسخ بها.

عبدالله الايوبي

أخبار الخليج

✍ كاتب ذو مبادئ

الزميل الراحل عبدالله خليفة مثقف واعٍ يتميز بفكر ثاقب ورؤية شاملة تجسدت بصور صادقة في كتاباته الرصينة الجادة وأعماله الأدبية. وعلى ذلك عاش وفيّاً لما يعتقده من مبادئ، مقدِّما مثالا نادرا للمثقف صاحب الموقف والمتصالح مع نفسه.

محمد خليل

أخبار الخليج

✍ رحيل مثقف مناضل

مُنيت الساحة الأدبية بخسارة كبيرة برحيل الكاتب والروائي عبدالله خليفة، الذي أغنى المكتبة، ليست البحرينية فقط، بل والعربية، بأعماله الأدبية الرائعة والمتميزة. وشارك بجدارة في تطور العمل الروائي إضافة إلى الدراسات المعمقة في الفكر والثقافة.

عاش الراحل حياة مليئة بالعمل والنضال، ووهب حياته للدفاع عن حقوق الفقراء والعمال والكادحين والذين وجدوا مساحة كبيرة فيما تركه من أثر أدبي كبير.

عرفت الراحل منكبّا دوما على تطوير إمكانياته وقدراته لخدمة القضايا التي وهب لها نفسه، كان قارئاً جيدا، كان لا يترك كتاباً من يده إلا ليغُنْي النقاش في مسألة ما، ويترك هذا ليشجع رفيقاً على تنمية موهبته الفنية.

رحل عبدالله في وقت نحن في أشد الحاجة إلى أمثاله.

الدكتور موسى سعيد

أخبار الخليج

✍ عبدالله خليفة.. كم أثرت في حياتي! 

 جمعني بهذا الإنسان المتواضع، قسم التدقيق اللغوي، بمبنى دار أخبار الخليج، حين بدأت أول مشواري العملي، كمدقق لغوي عام 2002، يتناوب على هذا القسم، الكتّاب الصحفيون، أو المحررون في الصحيفة. يبحثون عن مقالاتهم، أو تحقيقاتهم، هل خرجت من القسم؟ أو هل تم تدقيقها، أو ضبطها لغويا، وذلك بهدف التعجيل في نشرها، أو التأكد من انتهاء دورتها، بين أقسام الطباعة، والتدقيق، والإخراج.

يباغتك عبدالله خليفة، من دون استئذان. الباب يُفتح على مصارعه. يتجه مباشرة إلى (السِلال) التي تحوي ما نسميه (البروفات)، والتي نرقمها، إلى بروفة 1، وهي التي لم نقرأها بعد، وبروفة 2، وهي التي نتسلمها للمرة الثانية للتأكد من التزام من يتولى عملية الطباعة، بكل ملاحظاتنا، وتدقيقاتنا النحوية، وغيرها. ثم بروفة 3، أي النسخة النظيفة القابلة للنشر.

ومن دون كلام، يَفضُّ ما بين السلال. يبحث عن ضالته. أستاذ عبدالله. أناديه بشيء من التذمر، فينظر إلي بابتسامة بريئة، كمن فوجئ بوجودي. ها، خلصتون مادتي؟ طبعا يسألني مع زملائي، الذين تنتعش فيهم الحياة بغتة – لديه – من بعد أن كانوا أشباحًا. أمازحه: أستاذ، معور راسك بهالبحوث، وهالمواضيع. حرام تنزل في جريدة. المفروض تخصص لها كتبا كاملة.

نظر إليّ، وعلى شفتيه نصف ضحكة. لم يجب عن سؤالي. فقط. سأل مجددا: وين موضوعي؟ خلص؟ أجبناه، إننا في طريقنا لقراءته. كنت أنا وزميلتي نقرأ (البروفات) معا. ندققها. نعلق عليها. ونضحك. أو نثمن كثيرا المجهود وراءها، إنْ كانت تستحق. وكان عبدالله من الباحثين، الذين أدركنا جيدا، أنهم من الكبار.

لعبدالله، شخصية تذهلك. يجعلك تفكر فيها، وفي نفسك. حين يشاغبك بتعليق. أو حين يجيب عن سؤالك بإجابة، يبحث ~ هو ~ عنها. عقله مرتكز على هدفه. يمضي بك حيث يشاء هو. لا حيث تريد أنت. لم أذكر أنه أجابني إلى ما أريد بشكل مباشر. غير أنني أدركت أنه قيمة. كنت أفكر: لا بد أنه في طور كتابة رواية، أو بحث، أو تحقيق صحفي. هذا الرجل مشغول بالكتابة. اللغة تكتبه طويلا، وهو أسيرها. أليس لديه وقت لـ(سخافات) الحياة؟

جاءني على حين غرة، يوما، كعادته، مادّا يده إلي بكتاب، قائلا: هذا لك. نظرت إليه بسعادة. إنه يهديني روايته الأقلف. قال لي: أنت من أوائل من أهديهم روايتي. قرأت العنوان: الأقلف. قلت له ممازحة: عاد الأقلف على وزن الأصلع. وأردفتُ: إنْ ما كان فيه إهداء ما أبغيه. ضحك في وجهي، وخرج من دون سلام.

كنت أعي جيدا، أن إهداءه، أي خط يده، يهمني. إنه نفيس. فأنا أؤمن أن الكِتاب بما يحويه من فكر، أو فن، أو إبداع. ولكن، أؤمن أكثر، أن مِن الحماقة تضييع إهداء، من شخصية في طريقها للسطوع. كنجمة في السماء. في داخل نفسي: أعلم يقينا، أنني في يوم ما سأفخر، أو سأتباهى بمعرفة هذه النجوم. أعلم جازمة. أنهم سيبرقون حين تتلاشى أجسادهم.

أمسكت الرواية، حركتُ الغلاف، وقرأت الإهداء: العزيزة زهرة. الصبية اللطيفة المرحة.. تقطع اللغة بأناملها، وتصنع الكلمات الصحيحة الجميلة. مع خالص المحبة.

31/8/2002. 

عبدالله. 

شعرت بالامتنان في نفسي. إنه يدرك، أنني أقدره. يقرأ مشاكساتي على أنها إعجاب، واهتمام. فقدرني بإهدائه إلي روايته.

نعم يا عبدالله. إن لم أكن قلت لك مباشرة، ما سأقوله الآن، آمل أن تسمعني روحك: كنت أحب فيك انسجام روحك مع كل الأرواح، وأحب عطاءك. أحب نفسك الطويل حين تغيب في الكتابة، وأحب أن أقول لك: كم أثرت في حياتي.

الدكتورة زهرة حرم

أستاذة جامعية

✍ الرحمة لعبدالله خليفة  

لا أعرف عبدالله خليفة شخصيا, ولم أعرفه إلى من خلال قراءتي لموقع الحوار المتمدن, والذي منحني وغيري دون اتفاق مسبق, حق النشر دون أي مقابل أو شروط تذكر, كما هو معتاد من قبل المواقع الغير مستقلة, وبالصدفة علمت أن الموقع يُحجب في بعض البلدان, من خلال الحديث مع بعض الأصدقاء.

قرأت للكاتب والمثقف العضوي, عبدالله خليفة, عبر الحوار المتمدن, ونال استحساني الإدراك العميق لهذا الانسان, ولفهمه لصور الثقافات الانسانية, الفلسفات والقيم الدينية, وأدركت أن ذلك لم يأتي من فراغ, بل من عمق تجربة معرفية ونضالية طويلة المدى.

لم أتحصل على الفرصة والمقدرة لقراءة كل الكتابات التي كتبها الأستاذ عبدالله خليفة في الحوار المتمدن, ولكني أطلعت على عدد غير محدود من الدراسات والمقالات الطويلة والقصيرة التي كتبها في الحوار المتمدن, كان فعلا كاتبا متميزا ومفكرا قادر على العطاء المستمر, لا يكل عن تقديم مخزون المعرفة الذي تراكم لديه.

وعلمت بالصدفة أنه من عرب البحرين, وأنه كان قد أنضوا في حقل الحياة التنظيمية النضالية والبحث عن المعرفة منذ زمن بعيد, وتفهمت دوره وواقعه لكوني كنت قد أطلعت على التجربة الثقافية والفكرية ونضال اليسار في البحرين, منذ مرحلة مراهقتي بالصدفة, من خلال الصدفة وعبر مطبوعات ثقافية وسياسية تنظيمية كان يجمعها أخي الكبير وبمعنى أدق أبن عمي ومثلي الأعلى, وكانت تتحدث تلك المواد عن واقع البحرين والحركة الثقافية, النقابية ونضال اليسار فيه , منذ عقد الخمسينيات من القرن الماضي, والأستاذ عبدالله خليفة, كان جزء من ذلك الواقع في أرض البحرين.

ودون أي مجاملة ولاسيما لكوني من قوم ليسوا من أهل هذا السلوك, إلى فيما يحفظ الود, يمكنني القول أن الأستاذ عبدالله خليفة, كان يمثل بالنسبة لشخصي من أبرز الكتاب المثقفين, والذين كتبوا في الحوار المتمدن, كان صاحب مصداقية فكرية أستطاعت أن تضع أقدامها بقوة على واقع المجال الثقافي والفكري العربي.

وخلال الشهرين الأخيرين لفت إنتباهي أن الراحل لا زال يكتب بكم كبير وكيفية متميزة وقلت في نفسي أن مثل هذا الإلتزام الفكري ليس مرهق فحسب, بل هو قاتل بالضربة القاضية, أحببت أن أتواصل معه بأي طريقة هو وغيره ممن جذبوني بما قدموه على الحوار المتمدن, وبحكم ظروفي الخاصة, لم تتسنى لي تلك الرغبة في التحقق بعد.

وفجأة في 23 أكتوبر, وقعت عيناي على عدة مقالات لزملاء فهمت من محتواها, أن الأستاذ العزيز عبدالله خليفة, قد غادرنا جسدا, وكان ذلك بالنسبة لي تحديدا مفاجاة اسفرت عن رحيل إنسان تعودت على حضوره الثقافي والفكري المستمر, في موقع ثقافي, فكري إعلامي, أصبحت بجزء منه, ودون مبالغة سألت نفسي, هل يتحمل الحوار المتمدن غياب عبدالله خليفة؟! أعتقد أنه حاضر بيننا في ظل العطاء الفكري والمعرفي الذي تركه لنا.

خالد حسن يوسف

كاتب ومدون من الصومال

✍ الرفيق الراحل عبدالله خليفة

شهدت البحرين منذ مطلع القرن العشرين حراكاً شعبياً امتاز بالمد الثوري أحياناً، والجزر تارةً أخرى، ففي خمسينيات القرن الماضي كان مداً ثورياً طال معظم البلدان العربية، والبحرين واحدة من تلك البلدان. وما يدلّل على ذلك حركة هيئة الاتحاد الوطني بين العام 1954 و 1956.

وفي فترات المد الثوري والحراك الاجتماعي والسياسي المتصاعد، تتجذّر الجماهير أو قطاع كبير منها، فيخلق ذلك المد الثوري أرضية خصبة لأفكار اليسار الثوري، وكان بالفعل ما حدث آنذاك حيث نشأت جبهة التحرير الوطني ـ البحرين إلى جانب حركة القوميين العرب، فكان النشاط الثوري المتقد ليس حصراً على البناء التنظيمي فقط، بل وبتوعية الجماهير بمطالبها الشرعية والتنديد بالسياسة الاستعمارية البريطانية عبر الإضرابات العمالية والمظاهرات الطلابية والجماهيرية.

تلك الأجواء السياسية، بالإضافة إلى الفقر المدقع بين الأحياء السكنية، دفع الكثير من الجماهير المتعطشة للحرية والكرامة والعيش الرغيد، إلى الإحساس بالصراع الطبقي، وتشكّل الحس الوطني، وهذا ما ينطبق على حياة الرفيق المناضل والكاتب المبدع عبدالله خليفة، الذي تربّى في بيوت العمال، ونشأ في أوساطهم بفريق العمال «اللينات» المبنية من الطين وفشوت البحر بمنطقة القضيبية.

وفي أجواء مدرسية ذات حراك ثوري، كان تلميذاً ذكياً وشغوفاً بقراءة مختلف الكتب الروائية والسياسية، ما أهّله بمدرسة الحورة الاعدادية لقيادة المظاهرات الطلابية، وبالخصوص في العام 1965، أثناء انتفاضة مارس المجيدة. هذا النشاط الثوري العفوي قاده للالتصاق بمجموعة من رفاق الجبهة، وبالتالي سجّل انتماؤه للجبهة العام 1966، فكان رفيقاً نشيطاً وحريصاً على القراءة والاطلاع باستمرار، فكان يتابع كتابة القصة والرواية وسرد الحياة النضالية في مؤلفاته الأدبية بأسماء مستعارة، حفاظاً على التنظيم وإبعاد الأعين عنه.

فإن كان ثمة مناضلون يتنافسون في البذل والعطاء، كل حسب قدراته وإمكانياته وطاقاته، فإن بعضهم يواصل المشوار، في حين يتوقف البعض الآخر، وآخرون يكونون في وضع متذبذب، خصوصاً عندما تمر بهم الأزمات السياسية وطغيان حب الذات. أما الرفيق عبدالله خليفة فإنه سما على ذلك، فقد كان مناضلاً بارزاً ووفياً للطبقة العاملة والمستخدمين وللمبادئ الأممية.

وعلى الرغم من أن الرفيق عبدالله خليفة عاصر فترتي المد والجزر الثوري للحركة الوطنية البحرينية، إلا أنه ظل وفياً ومخلصاً لمبادئه ونهجه العلمي المستند على التحليل الماركسي، وهذا ما نشهده في أعماله الأدبية وتحليلاته السياسية، وكما قيل عنه بأنه يتسم يثلاث سمات أساسية:

الأولى أنه يمتاز بإلمامه بالتاريخ والثقافة العربية والإسلامية، ويتميّز في كتاباته بالدقة العلمية والنهج اليساري في تحليله لمختلف الظواهر الاجتماعية.

أما الثانية فهي الانتماء الوطني، وهي صفة جميلة يتحلى بها اليسار الوطني، فكان مخلصاً لوطنه وأهله وفكره المستند للتحليل العلمي والموضوعي؛ أما السمة الأخيرة التي يمتاز بها عبدالله خليفة فهي الشجاعة في الكتابة والتعبير عن الرأي، كما تجلى في رواياته عن عمر بن الخطاب وعن علي بن أبي طالب ومحمّد ثائراً غير طامع في المال والجاه، إلخ..

وأخيراً لم يتوقف قلم عبدالله خليفة البوفلاسة، وهذا اللقب لا يعترف به في كتاباته بسبب أن هذا اللقب يأخذ شهرة القبيلة وهو لم يكن يحب أن يكون من القبائل، فكان مصاحباً لنشاطه الأدبي ليس فقط في أخبار الخليج، بل أيضاً كان عضواً بارزاً في أسرة الأدباء والكتاب البحرينية. وقد شهد لنشاطه الأدبي العديد من الكتاب من مختلف الصحف المحلية والعربية وخصوصاً صحيفة «أخبار الخليج». 

رحلت يا عبدالله وتركت للأجيال القادمة إرثاً أدبياً ثرياً ونادراً في هذا الزمن الرديء والمرتد، حيث التراجع في مسار الحركة اليسارية في البحرين وفي الوطن العربي منذ التسعينيات من القرن الماضي، إذ أضحت الساحة السياسية مرتعاً للأنظمة العربية الرجعية المستبدة، ولأفكار الإسلام السياسي الظلامية الرامية إلى طمس معالم الحرية والديمقراطية والتقدم والسلام.

حسـن جاسم رضـي

عامل مطبعة ~ أخبار الخليج 

✍ رجل «الثقافة من أجل الإنسان والحرية»

رحل عبدالله خليفة.. هكذا دون مقدمات طويلة. قضى ~ رحمه الله~ قلماً شامخا ومناضلا شريفا، وكتابا مفتوحا لا ينتهي، سقط شهيدا، تشفع له لائحة الأماني وخارطة الأحلام التي نجح في حفرها في الأرض، من أجل الإنسان والوطن. مضى منفردا عطشاناً، لم ينه ما في جعبته، مقاطعا عالم الكتابة المليء بالدجل والتزوير والأكاذيب والتزلف والأمجاد المستعارة مضى دون أن يعثر على النبع الصافي. إلا أنه وجد «هجعته» الأخيرة في ثلاجة الموت القصية: أهكذا الرحيل، أهكذا تكون الغيبة يا عبدالله؟!!

طائرا مجروحا، في الليل يطلق الصرخات، يعذبه أن العيش حيث يستحيل الفكر محض تراب، إنه الموت الحقير، خلاص من عذاب الألم الذي لم يقعده عن الكتابة إلى آخر لحظة قبل أن يقضي واقفا. لم يحزنني الخبر، بل أصابني بالشلل ليوم كامل.. هذا الرجل الهارب كقبض الريح، بالأمس كان يحلم ويرسم آفاقا جديدة للبلد وللإنسان: يقاتل على جبهة الحرية والعدالة دون ادعاء أو تزييف للوعي، لم ينهزم أبدا في معركة المبادئ والحرية، ولكن هزمه الألم، فقضي في معركة الموت الجبانة..

كان يبحث عن بوابة البحر الأخيرة فلا يجدها، يركض، وبأظافره ينبش بحثاً عن لحظة إبداع نظيفة، يرجع كل ليلة خائباً يذكر بسيزيف الذي يحمل الصخرة قدراً، ولكنه لا يستسلم للعبة المحتومة، مثقل الجفون مضى، جسداً لم يستنفد شهوته الأخيرة، مغروسا في تراب البلد وناسه، يتأبط قدره المحتوم، ويبحث عن قبلة أوجاع أخيرة، مضى عقوداً من الخيبات العربية وخواتيم أحزان وآلام، يجري. يرميه الميناء إلى الميناء، والخيبة إلى الخيبة، لكنه لا يستسلم أبدا حتى أمام الألم والموت اللعينين، يقاتل ويستمر في كتابة مقاله اليومي وهو على فراش الموت (هكذا يكون القتال يا عبد الله)!

لقد علمتنا كيف نكون أو لا نكون، وكيف يكون الفقر غنى، والتعفف شرفا، والصدق مع النفس ومع الاخرين قاعدة الحياة الأولى والأخيرة! كنت ترسم بقلمك الجريء رؤى الأيام القادمة، لم تكن من الحالمين بهدأة مريحة، بمحطة أكثر هدوءا لأنك اخترت ان تقاتل، أن تظل الى آخر لحظة في جبهة مقاومة الكذب والتزييف والتجارة البائرة بالفكر، رفضت مهادنة التخلف والرجعية أو التحالف مع الطائفية، اخترت أن تكون مع الحرية ومع العدالة ومع إنسانية الانسان، «أجندتك» الأخيرة، لا تبحث عن أي نوع من المكاسب أو المطامع خارج فعل الكتابة الحرة. 

كمال الذيب

أخبار الخليج

✍ كاتب العمال وحكايا الغواصين يترجل

نعت رابطة الصحافة البحرينية الروائي والأديب والمفكر البحريني عبدالله خليفة، الذي وافته المنية صباح اليوم الثلثاء (21 أكتوبر/ تشرين الأول 2014) بعد مسيرة عطاء أدبية وفكرية حافلة، أثرى فيها الأدب البحريني والخليجي بالعديد من المؤلفات.

إن رحيل عبدالله خليفة يمثل خسارة كبيرة للحركة الثقافية والأدبية في البحرين والخليج؛ حيث أمدها بأكثر من 50 مؤلفاً ما بين القصة والرواية والفكر النقدي، إضافة إلى إسهاماته المنتظمة في الكتابة إلى الصحافة الورقية والإلكترونية كموقع «الحوار المتمدن»، وكذلك صحيفة «أخبار الخليج» التي أشرف على صفحتها الثقافية لغاية وفاته، كما واظب على كتابة عمود يومي فيها.

ولد في العام 1948 في القضيبية بالعاصمة المنامة، ودرس في مدرستها الابتدائية، بعدها درس في مدرسة الحورة وهناك برز خليفة كناشط طلابي مهتم بالقضايا الوطنية.

قاد في مارس/ آذار 1965 مع مجموعة من رفاقه انتفاضة مارس التي شقت طريقها نحو مدرسة المنامة الثانوية للبنين، وخرجت أمواج بشرية تندد بسياسات الاستعمار البريطاني في البحرين، قبل أن تعتدي عليهم قوات المرتزقة.

في العام 1966 تعرف خليفة على مجموعة في جبهة التحرير ~ البحرين، وانضم بعد نقاشات واسعة إلى خلايا تنتمي إلى منطقة القضيبية والحورة ورأس الرمان والفاضل والعوضية.

بدأت السلطات في العام نفسه وحتى العام 1968 أكبر هجمة أمنية على خلايا الجبهة وكوادرها، ومنها صعد إلى اللجنة القيادية لجبهة التحرير ~ البحرين وكان طالبا في الثانوية ثم في معهد المعلمين.

في العام 1974، وبعد سنوات من التحاقه بسلك التعليم كتب عبدالله خليفة في تحقيق لأحد الصحافيين عن مساوئ التعليم، وأطلق على التعليم في البحرين مصطلح «التعليم الاستعماري».

كانت الحكومة تفتعل المزيد من الأزمات السياسية والاجتماعية لحل البرلمان، فطلبت من خليفة ورفاقه الاعتذار عن ما جاء على لسانهم، الأمر الذي رفضوه ما دفعها لإقالتهم جميعا.

قبل أن يعرف بنفسه على مستوى الكتابة، نشر خليفة العديد من المقالات والقصص القصيرة بأسماء مستعارة، وفي ذات السنة (1974) التي تم فصله فيها من التدريس غادر إلى الجزائر للمشاركة في مؤتمر الأدباء والكتاب العرب.

اعتقلته السلطات بعد عودته من الجزائر، وبعد أن قامت بمداهمة منزله والعبث بمحتوياته عمدت إلى حرق مكتبته المكونة من نحو 3 آلاف كتاب أمام عينه، وتم سجنه لست سنوات قضاها بين عسكر وجو وجزيرة جدة.

على الرغم من موقفه المعارض لثورة 14 فبراير إلا أن خليفة احتفظ بانتقادتها الحادة، وقد منعته أخبار الخليج يونيو/ حزيران 2014 من الكتابة قبل أن يعاود بعد أسبوعين بسبب مقال تناقضاتُ الدولةِ الطائفية.

كما قامت جمعية «الأصالة» الإسلامية، التي تمثل التيار السلفي في البحرين، بتكفيره في أغسطس/ آب الماضي 2014 على إثر مقال له قدم فيه رؤية مغايرة لقصة النبي نوح.

أحمد البوسطة 

الوقت والايام 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 20, 2025 19:03
No comments have been added yet.