محمد جابر الانصاري في تحولاته الفكرية

الاضواء 1/7/1989

كتب: عبـــــــدالله خلـــــــيفة الاضواء 1/7/1989

لعب الاستاذ محمد جابر الانصاري دورا فكريا تنويريا كبيرا في حياتنا الثقافية، على امتداد ثلاثين عاما كان مثال الباحث الدؤوب المفتش في كل الاركان عن زوايا الضوء والابداع والنقد، محاولا دوما الكشف عن الجديد والمتميز، دون الانقطاع عن التراث والجذور.
وفي كتابه، واطروحته «تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي 1930 ــ 1970» يقوم الدكتور الانصاري بانعطافه غريبة في فكره، ويطرح اجتهادات مثيرة للتساؤل والبحث. وفي هذا الكتاب يحاول المؤلف تقديم تفسير لتطور الوعي الحديث في المشرق العربي من منطلقات خاصة. ومهما كانت الاجتهادات فيظل الكتاب نظرة معينة لهذه التشابكات المعقدة في الوعي العربي المعاصر المتواجد في بنى اجتماعية وجدت نفسها ممزقة، ملحقة، تابعة للمراكز الاساسية في العالم الرأسمالي الحديث.
وسوف نطرح في حلقات متتالية وجهة نظر موسعة في هذا الكتاب في المقدمتين الثانية والاولى لطبعتي الكتاب، واللتين صدرتا تباعاً في الكويت ثم قبرص، يسوق المؤلف منهج دراسته باقتضاب شديدن وبأسلوب يشبه ايقاعات الصحافة السريعة، لا بأسلوب مقدمات البحوث المعتادة، حيث المعالجة الدقيقة للرؤى والاجتهادات السابقة، وتحليلها ونقدها بعمق، وتجاوزها عبر تقديم التفسير الذي توصل اليه المؤلف د. الانصاري يتجاوز ذلك كله ويدخل مباشرة في موضوعه.
وفي البدء علينا ان نفحص العنوان الذي اختاره، انه «تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي». فالفكر هنا بلا تحديد، ليس هو الوعي بتياراته المتعددة، بل هو ذلك الفكر المجرد المطلق العام. ووضع «الفكر» هكذا بلا تحديد اجتماعي أو أيدلوجي له، ليس مصادفة، بل جزء من المنهج. حيث سيلعب الفكر الدور المطلق، وما الظروف التي يلبسها، أو تلبسه، سوى أردية مؤقتة وعارضة له. انه الساحر الذي سيطلع من المجهول ويقفز فوق المراحل والقرون محتفظا بهويته الخاصة، بجوهره الذي لا يتغير.
انه فكر «عربي ــ اسلامي»، حيث سيكون تمازج هذين العنصرين أساس ما يسميه أحيانا «المزاج الحضاري العام»، انه فكر عربي، انه نحن، هويتنا. وهو لأنه عربي، لأنه شرقي، لأنه الداخل الحضاري الخاص بنا، المجهول من قبل الغريب، الآخر، وخاصة: الغرب، الذي لن يستطيع ان يفهمه، أو يعرفه، لانه ليس من «جوهره».
فهذا الفكر، جوهر خاص، له عالمه المستقل، ليس هو علاقات موضوعية تعكس بناء اجتماعيا ضمن تشكيلة اقتصادية، اجتماعية، وليس هو تيارات متصارعة ضمن هذه التشكيلة، لا انه ليس كذلك، بل هو جوهر مفارق، خميرة خاصة سحرية وجدت فينا، ولا يستطيع احد أن يعرفها غيرنا، لن يعريفها الا اذا عرفها ضمن معرفتها الخاصة. اي لن يفهمها الا بأدواتها الناتجة من جوهرها الخاص المختلف عن جواهر البشر الآخرين.
يقول في المقدمة الثانية:
[تم اخضاع الفكر العربي والاسلامي الحديث ــ ومعه كثير من ظواهر الحياة العربية المعاصرة ــ لمعايير ومقاييس ومناهج خارجية . . ليبرالية امبريقية وضعية . . أو . . ماركسية ديالكتيكية «يقصد: مادية جدلية!»، الأمر الذي أدى الى فهم تلك الظواهر الفكرية والاجتماعية، والحكم عليها من منظور له انحيازات أيدلوجية وقيمية معينة مستمدة من مركزية حضارية أخرى هي مركزية الحضارة الاوربية الغربية بشقيها الليبرالي والماركسي، وبجذورها الاغريقية ــ الرومانية ــ المسيحية] ص 5، الطبعة الثانية.
ومن الواضح ان المقدمة نفسها لم تفلت من طريقة التفكير الوضعية الغربية، وما الرسالة كلها وطريقة البحث الا شكل من أشكال البحث «الغربية» وحتى الاسلوب لا ينتمي الى البلاغة العربية القديمة فلماذا لم يكتب بأسلوب الجاحظ مثلا كي يكون عربيا خالصا وبشكل جوهري؟!
هذا مجرد تذكير بالشكل، لكن لنتوغل الى الفكرة الخطرة: فقد اعتبر ان مسيرة «الفكر» العربي الحديث، ولنستخدم مصطلحاته مؤقتا، قد تمت بأدوات انتجت من عالم آخر، هو عالم الغرب. وهذا خطأ «جوهري» في رأيه. فجوهرها الخاص السحري المستقل لا يفهم من خلال «علم» الغير، والغير هو عالم الغرب بكافة تياراته من فكرة الديمقراطي الى الثوري، فأولك البشر، مختلفون عن «بشريتنا نحن».
الحضارة الغربية تمثل مركزية مناقضة لمركزيتنا، لجوهرنا الغامض، وهاتان المركزيتان، الجوهران المتفارقان، لن يلتقيا، على صعيد القسمات الخاصة. قد يلتقيان في صراع حضاري الا أنهما سيفترقان، كعنصرين غير قابلين لتركيبة جديدة.
نحن الأنا الشرقي العربي، في مواجهة الآخر، الغرب، ولن يستطيع هذا الآخر مهما كان فكره ان يفهمنا، فنحن لن نفهم الا بأدوات خاصة ننتجها بشكل خاص. (هنا نجد الاطاحة الكاملة بالعلوم!).
والآخر، الغرب، سيظل مفارقا لنا، مختلفا عنا، ليس في حضارته الحديثة، بل في كل تاريخه، ويمتد ذلك من أيام الاغريق قبل آلاف السنين ويصعد حتى الحضارة الرومانية، ويتواصل في الحضارة المسيحية (والتي نتجت في الشرق ذاته!). ويستمر الى انتهاء الزمن.
ان الجوهرين مطلقا التناقض، انهما ليسا منطقتين في عالم واحد تتفاعلان حسب التطور العام للأنسانية، وتباين الانظمة والطبقات والتيارات الخاصة بكل مرحلة، بل هما كوكبان اثنان، كل منهما يدور في فلكه، وان حدث التداخل والاصطدام فهو مؤقت، وبعدئذ يعود كل منهما الى فلكه!
هكذا جرى سابقا عندما تصادم «الجوهران» في عصر الدولتين الاغريقية والرومانية، وافترقا، ذهب الاغريق والرومان الى كوكبهم وبقينا في كوكبنا، والتحما ثانية في عصر المأمون التحاماً «علمياً» ثم افترقا على أحسن ما يكون كما يقول ثم التحما ثالثة ورابعة دون ان يمتزجا.
يقول:
[واذا شئنا النظر الى التاريخ في استمراريته قلنا ان التوفيقية الحديثة هي لقاء آخر متجدد بين تراث الشرق الادني والعقل الاوربي (منذ نشأته الاغريقية). وان ما حدث هو مواجهة لموجة «هيلنية» جديدة قادمة هذه المرة من أوربا الغربية بثوب عصري] ص 18.
ولنلاحظ هنا كيف ان «الجوهر» ــ العقل، يقفز فوق المراحل التاريخية والمناطق، فالفكر الاوربي هو هو ذاته، سواء كان في عصر الاغريق عندما كان وثنياً عبودياً، وديمقراطياً، أو في عصر الرومان عندما كان عبوديا وارستقراطيا وثنيا كذلك، وهو ايضا ذاته، عندما صار مسيحيا اقطاعيا معاديا للعقل، أو معاديا لذاته، وهو نفسه عندما صار أمبرياليا مسئوليا على العالم، وهو ايضا نفسه عندما صار اشتراكيا معاديا للرأسمالية، أما الحروب والصراعات الضارية وآلاف السنين من المعاناة والخبرة والارتداد والصعود فكلها زبد!!
ان الفكر الغربي هو هو!
ولعلنا هنا يمكن ان نتساءل: لماذا اذن أحرق البابوات المفكرين الاحرار ولماذا حدثت الثورة الفرنسية واعدمت الاقطاعيين والرهبان اذا كان كل شيء واحدا؟!
هكذا اذن يتحول الوجود الاجتماعي الذي شكل الوعي الى بخار، ويغدو الفكر مستقلا كليا، متوحدا في ذاته، لا مصدر له، لا تناقض فيه، يعبر عن جوهر غامض لا ندري من أين يأتي.
ولكن أحيانا. سيضطر المنهج الى معانقة عابرة للظروف والمشكلات الاجتماعية، لا كشفا لهذا الفكر عن مصدره الحياتي، بل طيرانا فوق الأرض البعيدة التي لم تستوعبه.
فالجوهر الشرقي سيظل في سرمديته، وسيظل الفكر مفارقا لجذوره، متعاليا فوق الظروف والاقطار، ولهذا يقول في ص 166 ــ 167 بعد بحث كبير في البنية الاقتصادية وصراعها الاجتماعي.
[وهكذا يصح القول ــ أخيرا ــ انه اذا كانت الاردية «الليبرالية» في الفترة السابقة قشورا على جسم قديم، فان الاردية «الراديكالية» الاشتراكية الوحدوية لم تكن اكثر انسجاما وتجذرا على الجسم القديم ذاته. هذا الجسم الذي لم يتضح بعد ماذا سيكون وكيف سيحيا. ان «الثابت» فيه هو مكاناته القديمة الموروثة التي «تتوافق» في كل مرحلة مع مكونات أو «متحولات» جديدة وافدة ــ تفرضها الظروف أو طبيعة المرحلة ــ ثم تنفك عنها وتسقطها لتعود وتتوافق ــ بعد فترة ضياع وبحث ــ مع مكونات جديدة اخرى ــ انسب وقتيا وهكذا . . دون اندماج عضوي ودون تلقيح خلاق. ويبقى القديم على قدمه، ولا يترسخ الجديد، بل يسقط قشرة بعد قشرة، ومرحلة اثر مرحلة.] ص 166 ــ 167.
اذن فان الجوهر ، حسب هذا الفكر الميتافيزيقي، سيبقى شيئا خارج الظروف، وداخلها ايضا، ان الاشياء الاخرى تفرض وجودها عليه، لكنه ينفصل عنها، فجوهرنا التصقت به أوشاب وأردية كالقومية والليبرالية والاشتراكية ولكنه نفضها عنه، لانها ليست جزءا من طبيعته وجوهره. وهكذا فان الجوهر العربي سينأى بنفسه عن الجوهر الاوربي. أي الى ان يكون هو هو، أي ان يصير الجوهر ما في حقيقته، دون أي تلاقح مع العالم الآخر، ان يصبح هو نفسه بلا مؤثرات حضارية من حضارات أخرى.
سوف نتابع في هذه الحلقة، مناقشة كتاب «تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي» مركزين على نقطة جديدة في الموضوع، وهي بحث صفات الجوهرين المختلفين، «الشرق» و«الغرب». واللذان لا يلتقيان، واذا التقيا فالى حين.
وقد كان على المؤلف من وجهة النظر المنهجية ان يركز على هذه النقطة، محللا هذه الفكرة المركزية المحورية، حتى يتسنى لنا من بعد اكتشاف تجسيداتها عبر الفصول.
ولكنه بدلا من ذلك راح يبثها هنا وهناك، بعبارات قليلة محدودة، مما جعلها فكرة غامضة سحرية لا تقبل التحليل المجهري، ولعل هذه الطريقة هي بعض بوادر «منهجنا الشرقي الخاص». الذي بدأ المؤلف يكتشفه، ومعه جملة من الكتاب في المنطقة العربية، بعد الحقبة النفطية. رغم ان اصول البحث وطريقته تمت بالشكل «الاوربي» ايضا!
هناك اسرار غامضة تتعلق بهذا الجوهر الشرقي الخالد، الذي نظل نبحث عن صفاته حتى نتعب، هو وحده الذي يتجلى عبر المراحل، فنعرف بعضه ونجهل اشياء كثيرة.
كيف كان الماضي؟ المؤلف لا يبحث ذلك بل يلمح الى ذلك تلميحا. وكيف هو في الوقت الراهن؟ انه يتشكل ويظهر هنا وهناك لكنه يعود للأختفاء.
هذا الطلسم الشرقي سيظل لغزا، وقابلا لكل تفسير جديد، أو هو خاضع للمعادلات الحياتية المتناقضة للمؤلف.
وعلينا ان نبحث ــ بجهدنا ــ عن صفات الجوهرين المتناقضين المتقابلين: «الغرب والشرق»، عبر تلك النتف الصغيرة وفلتات اللسان، علنا نعرف سر هذين الجوهرين الغامضين؟
وفي البدء، ماهي صفات الجوهر الآخر: الغرب؟
الغرب كما قلنا جوهر شامل كامل خاص مغلق له توليفته المستقلة كليا، ويبدأ من الحضارة الاغريقية والرومانية مرورا بالمسيحية الى العصر الراهن ونقيضة الاشتراكي كذلك. والاشتراكية رغم انها تقع في «الشرق» الا انها ضمن مواصفات الحضارة الغربية، فنحن ولله الحمد، ابرياء من من دنس الرأسمالية والاشتراكية معا!
يقول في هامش ص 157:
«يجب أن نتذكر دائما ان الاتحاد السوفيتي واوربا الشرقية جزء من الغرب حضاريا وفكريا وصناعيا، والتحول من الغرب الليبرالي الى الغرب الماركسي هو انتقال من كفة الى أخرى في ميزان واحد، رغم خطورة مغزاه سياسيا» (؟!).
ولا نعلم هنا اين يضع الصين الشعبية وفيتنام وغيرها من الدول الاشتراكية في العالم النامي، لعله يضعهما ــ كما أخبرنا في دراسة سابقة ــ انها تنتمي الى «الظاهرة الصفراء» وليس الى الغرب الاشتراكي!
وعموما فقد ادركنا هنا ان تعبير الغرب يضم هنا القيم العقلانية والحداثة والصناعة.
فما هي ميزات الحضارة الاغريقية غير الاهتمام بالبحث العقلي والديمقراطية والعلم والصناعة؟ وما هي ميزات الحضارة الرأسمالية غير البحوث والعلم والانظمة البرلمانية؟ وما هي ميزات الاشتراكية غير التطور الصناعي والحداثة «الجماعية»؟
اذن نستشف هنا بعض الميزات المخصصة أساسا وكليا لذلك الجوهر المختلف، والتي شاءت له ظروفه الخاصة وكيانه، ان يتحلى بالديمقراطية والصناعة والحداثة والاشتراكية.
نحن اذن لا نصلح لليبرالية والعلمانية والعلمية والديمقراطية وأمثالها من القسمات المخصصة أساسا للغرب، ولا نعرف من الذي قسم هذه القسمة الضيزى غير هذا «الفكر».
يقول في هامش آخر:
«لاحظ كثير من الباحثين ان اثر «الليبرالية ــ العلمانية» والاصلاحية الغربية عموما انحسر فجأة بأنحسار السيطرة السياسية، الأمر الذي يدل على انها لم تتجذر ورحلت برحيل اصحابها» ص 113.
أي حسب وعي هذا الفكر، فإن قسمات هذه الحداثة ليست من جوهرنا. بل فرضت علينا فرضا، لقد حاول الغرب اصلاحنا وتحديثنا ولكن مع انحسار سيطرته السياسية انحسرت هذه المحاولة التحديثية، لماذا؟ لانها تختلف عن جوهرنا، انها من جوهر عالم آخر.
خذوا مثال «الديمقراطية»، أي الحكم البرلماني والانتخابات وما الى ذلك من قسمات، انها ليست صفات انسانية شائعة للبشر جميعا، بل هي مخصصة لقوم محددين على هذا الكوكب، واي محاولة لتوسيع رقعة هذه الديمقراطية ستؤدي الى انهيار التجربة!
يقول المؤلف:
«ولم يكن اخفاق الديمقراطية الليبرالية قصرا على الشرق والغرب، اذا سرعان ما اثبت سير التجربة داخل القارة الاوربية ذاتها، وبعد سنوات قليلة، ان غرس هذه الفكرة في غير موطنها الاصلي (!) بغرب اوربا وشمال امريكا (الاقليم الاطلنطي الشمالي) ــ وان اتصف بالحماسة الرسولية ــ يفتقر الى الأسس الواقعية. فلقد أخذت النظم الديمقراطية المستحدثة في شرق اوربا ووسطها تتساقط بسرعة واحدا بعد الأخر» ص 84.
أرأيت التحديد الدقيق والعلم الشرقي المضبوط الذي يعرف اين تقع حدود الديمقراطية. انها تبدأ فقط من غرب أروبا. ثم انظر إلى تلك العبارة الجزلة في تحديد امريكا التي تنتهي لديها الديمقراطية: «الاقليم الاطلنطي الشمالي» حتى لا يتوهمن أحد أن الديمقراطية يمكن ان تتسلل الى جنوب الاطلنطي أو ان تفكر تلك الشعوب المقهورة ان الديمقراطية تصلح لادارتها، عوضا عن انظمتها العسكرية الديكتاتورية، أو ان مظاهراتها يمكن ان تجلب لها تلك الديمقرطية المقصورة فقط على غرب اوربا لا وسطها ولا جنوبها ولا شرقها ولا ابعد من ذلك! (ونستغرب كيف الغى ــ دون ان يدري ــ بلاد الاغريق اصل الديمقراطية!).
فلا تتعبوا انفسكم ايها المستعبدون فقد اكتشف «العلم الشرقي السحري» ان الديمقراطية لم تخلق لكم!
ثم تأخذ الأمور مجالا ابعد واكثر حدة، فبعد ان استقرت كل تلك الفضائل والايجابيات في كفة الغرب، لم يكتف المؤلف بذلك، بل اهداها الحضارة الحديثة بكل ميزاتها.
يقول المؤلف وهو يستعرض وجهة النظر الغربية حول الشرق «قد يكون الحكم التالي الذي يطلقه برنارد لويس مبالغا فيه ويحمل طابع التقليل(!) من الحركات التحديثية الا انه يمثل جانبا مهما من حقيقة الوضع: «الشيء الواضح الوحيد هو أن من بين جميع الحركات الكبرى التي هزت الشرق الاوسط في آخر قرن ونصف كانت الحركات الاسلامية وحدها اصيلة (؟) في تمثيلها لمطامح أهل هذه المنطقة فالليبرالية والفاشية والوطنية والقومية والشيوعية والاشتراكية كلها اوربية الاصل مهما اقلمها اتباعها.. وبالرغم من ان كل الحركات الاسلامية قد هزمت . . غير انها لم تقل كلمتها بعد!» ص 114.
المدح الذي يسوقه المستشرق البرجوازي برنارد لويس للحركات الاسلامية ليس خاليا من المنطق الاستعماري: «فرق . . تسد»، ولكن لا نريد ان نناقش هذا الآن، علينا ان نرى ان الحكم الذي اصدره برنارد لويس تطابق مع حكم المؤلف الانصاري.
فعبارة «قد يكون الحكم.. ويحمل طابع التقليل» التي ساقها في البداية وكأنه يخفف من وقع احكامها، عاد ونقضها بعبارة «الا انه يمثل جانبا مهما». وهنا نرى الطابع «الصحفي» الخفيف لمثل هذا البحث، فمثل هذه الخفة لا يسوقها اي دارس يقوم بتحليل تيارات وعي أمة في عصر كامل، فكيف تكون هذه العبارة مبالغا فيها «قليلا»، وهي قد ألغت كل التاريخ العربي الحديث وكل المعارك والعروبة والقومية التحررية وكل الانجازات التي يفتخر بها العرب في شتى الحقول؟ كيف تكون العبارة مبالغا فيها «قليلا» وهي قد ازالت عرابي وسعد زغلول ومصطفى كامل ومحمد فريد وحسين مروة وجمال عبدالناصر وجورج حبش ونجيب محفوظ وحنا مينا والسياب الخ . . أي كل تلك الحركات الوطنية والابداعية العظيمة، فكلها فقاعات لا تنتمي الى تاريخنا «الحقيقي»؟!!
لماذا؟ لأنها أصلا كانت من التاريخ الاوربي والتصقت بنا، ليبرالية سعد زغلول وتحررية عبدالناصر واشتراكية خالد محي الدين والتحديث في دول الخليج كله زيف وباطل، لأن هذه القيم خلقت أصلا للغرب واستلها هؤلاء ووضعوها في غير مكانها ضد ارادة الامة ذات «الجسد الاسطوري» الذي لا يعرف اسراره سوى المستشرق برنارد لويس..!
واذا رأينا ان كل تلك الصفات هي صفات غريبة، وهي التي اعطته الكيان العقلاني المستنير والصناعي والديمقراطي، فماذا سيبقى للجوهر الآخر، الشرق، أو العرب؟
ماذا بقى للجوهر الآخر، الذي لابد ان يتميز عنه، لانه لو تطابقت الصفات ما كان جوهرا مختلفا!؟
المؤلف لا يفصح عن صفات «جوهرنا» ولكن مسار العرض يقود اليها بشكل حتمي. فما هي؟
يقول متحدثا عن أجيال من المفكرين الاصلاحيين أمثال الطهطاوي ومحمد عبده ولطفي السيد وقاسم أمين هؤلاء الذين أسسوا النهضة الولى الليبرالية ولم يتخلوا أيضا عن الاسلام:
«غير ان هذه الموجة الغربية من القيم والافكار والنظم لم تنغرس في التربة العربية الاسلامية ولم تتجذر فيها بقوة، بل ظلت طافية على السطح ومنحصرة في افراد ومجموعات صغيرة من المثقفين ولم تتحد مع الاسلام (!) في اندماج عضوي» ص 83.
لنلاحظ أولا انه يقول موجة غريبة بلا تحديد اجتماعي وايدلوجي كجزء من المنهج الذي يلغى جذور الفكر، في حين انها تمثل موجة برجوازية بشكل محدد. ثم يختزل نشاط التحديث البرجوازي الليبرالي في مصر بخفة شديدة عبر القول ان القيم والنظم (البرجوازية) ظلت طافية على السطح ومنحصرة، اي انها كانت بعيدة عن «الجوهر»، حيث ظل ذلك الجوهر الاسطوري بمنأى عن الحداثة.
علينا اذن ان ننشى كل منجزات الليبرالية والتحررية المصرية العظيمة التي تحولت هنا ايضا الى مجرد فقاعة. علينا ان ننسى كفاح عرابي الذي حاول المزاوجة بين القومية والاسلام مكافحا بشراسة الاستعمار الزاحف. وكذلك الكوجة الضخمة من الليبرالية والوطنية التي قادها حزب الوفد في نصف قرن من الكفاح والتي خلق فيها أجيالا من المتنورين والمبدعين والمؤسسات والتشريعات الحديثة، والتي لم يتخل فيها أيضا عن آرائه الدينية «الاسلامية والمسيحية معا»
. علينا ان ننسى نجيب محفوظ ونلقيه في البحر حيث أن أدبه كان تعبيرا حيا ودقيقا عن رؤية هذا الحرب!
علينا حقا كي نجاري هذه الفكرة ان ننتزع كل هذا التلاقح الذي أحدثته الموجة الليبرالية العربية في حياة الأمة مثل تشكيل المسرح الحديث والقصيدة الحديثة والقصة القصيرة والرواية والدراسة النقدية والاكاديمية والصحافة . . فكل هذه نتاج ذلك التلاقح (الذي ظل طافيا على السطح)!
علينا ان نلغي نتاج محمد تيمور ومحمود تيمور وطه حسين وتوفيق الحكيم وعبدالرحمن الشرقاوي وجماعة الديوان والصحف والمطابع والجسور وتخطيط المدن والعلوم الخ.. فكل هذا كان من ثمار التلاقح مع الغرب بين الموجة الغربية والتربية العربية!
«استخدمنا الاسماء المصرية تحديدا لأن الكتاب دار بشكل خاص على النهضة العربية في مصر».
اذن الجوهر العربي منطق هذا «الفكر» عاطفي غير عقلاني، زراعي، غير تحرري، غير ديمقراطي، غير ليبرالي، غير اشتراكي، غير رأسمالي الخ..!!
وبمعنى آخر فان أحد الجوهرين وهو الغربي سيكون هو المسيطر مادام يمتلك مفاتيح الصناعة والعلم والتقدم والحداثة والنهضة، وسيكون الجوهر الآخر الشرقي، هو المسيطر عليه، بحكم عدم تملكه الحداثة والصناعة، وانتاجه المواد الاولية فقط.
وهكذا يسوقنا المسار الفكري الى نتائجه الحتمية: فنحن في عالم واحد، في كوكب واحد، استطاع شق منه ان يمتلك مقومات الحداثة والتطور بحكم انها هي جوهره، في حين ان الشق الآخر، ليست له هذه المقومات، فهو عاجز عن امتلاك سمات الحداثة والعلم والديمقراطية . . لكن لابد من علاقة ما بين هذين الجوهرين، وهي علاقة سيحددها الشق الذي يمتلك الميزان الافضل. اذن سيكون هناك شق مسيطر وشق مسيطر عليه.
فالشق المتخلف الذي هو نحن لا يستطيع ان يكون رأسماليا حديثا، ولا يستطيع ان يكون اشتراكيا، وهما صيغتا التجاوز اللتان لا توجد صيغة اخرى غيرهما في عالم اليوم .. اذن يبقى الشق المتخلف متخلفا وتابعا الى الابد!
لكي يعالج الدكتور محمد جابر الانصاري صدام الذات والآخر، الشرق العربي والغرب، فلا بد أن يدخل تضاريس هذا الصدام، أي أن يكتب عن ظروفه الملموسة، وهنا لا بد أن يتوجه الى معرفة «البنية الاجتماعية» التي تشكلت فيها هذه الظاهرة.
ويأتي الكتاب الى مقصده الأساسي، نقد تجربة جمال عبدالناصر الوطنية، التي كانت لحظة هامة من لحظات التوفيقية بين الذات والآخر، بين الشرق والغرب، وهي لحظة ليست أصلية، لأنها واجهت الغرب بيد وتعاونت معه بيد أخرى . بمعنى انها حاربت الاستعمار الغربي ولكنها تعاونت مع الدول الاشتراكية، وتلك جريمة كبيرة بحق الذات.
أي أنها لا بد أن تكون أصولية، تعود الى الذات الماضية فحسب، تحارب الاشتراكية والرأسمالية معاً. ان عبدالناصر اذن هو تتويج لسلسلة خيانات هذه الذات من الامام محمد عبده الى سعد زغلول والنحاس !!
الذات الأصلية تتمثل في الاقطاع القديم، كما تشكل لدى بني أمية وبني العباس والسلاجقة والدولة العثمانية، وكل رجوع الى هذه الذات هو الأصالة وكل خروج عنها، وكل ذهاب للغرب، وخصوصا الغرب الاشتراكي، خيانة أو «توفيقية» بتعبير الكاتب!
سوف يركز الكتاب على التجربة الناصرية، التي هي في الواقع تتويج لعقود الثلاثينات والأربعينات، وما الرجوع الى بداية النهضة العربية الا محاولة استكشاف لكيفية مجيء هذا النبت الاجتماعي السياسي المتفجر عام 1952. أي سيجري البحث في مرتكزات «الطبقة المتوسطة الصغيرة» التي قادت المرحلة وكان على رأسها عبدالناصر. هذه الطبقة التي تعددت فيها الاتجاهات من الاتجاه العلمي اليساري، وهو اتجاه غربي مرفوض لدى المؤلف وان كان يستعيد بعض منهجيته، وهناك اتجاه توفيقي وسطي حاول أن يدمج بين «الذات والآخر» «الشرق والغرب»، عبر لويس عوض ونجيب محفوظ وغيرهما وستكون الثورة الناصرية هي مسايرة عسكرية لهذا الاتجاه التوفيقي «التلفيقي» بمعنى آخرز
ان المؤلف لم يقل ذلك بهذه الصراحة والجراة ولكن هذا ما يحدده المنطق!
في البدء، سوف يطرح معلومات متعددة عن فترة ما بعد 1930. سوف يستعين ببعض الباحثين الاقتصاديين، فهناك الباحث شارل عيساوي ومعلوماته حول الاقتصاد المصري الحديث حيث يكتب بمنهجية علمية عن الاصلاحات البريطانية التي حدثت في الفترة بين 1898 ــ 1920. ان هذه الاصلاحات أقيمت باعتبارها [جزءا تابعا للاقتصاد الرأسمالي الحديث يمده بالمواد الخام الضرورية للصناعة الغربية، ثم باعتبارها سوقا استهلاكية مضمونة لاستراد تلك الضمانات] ص 147.
اذن تم اخراج مصر من سيطرة الاقتصاد الاقطاعي والتبعية لتركيا، وادخالها ضمن بنية التبعية للاقتصاد البريطاني الاستعماري. ولا شك ان هذا الالحاق له بنيته الخاصة، فما هي قوانين التبعية الجديدة؟
ولنلاحظ قبل ذلك ان الانصاري يعتبر تبعية مصر الفلاحين لتركيا الاقطاعية شيئا غير مستنكر،وكأنها لا تمثل عملية اضطهاد خاصة واستغلال يقوم به الباشوات الاتراك والشركس للفلاحين المصريين، فهذه تجري ضمن قوانين الذات الشرقية المنسجمة!!
ثم لا يحاول الكاتب ان يستفيد من الاستشهاد المأخوذ من عيساوي بل ينسفه عبر هذا الاستنتاج: [وبرغم هذه التبعية الجديدة، فأن التحول من الاقتصاد التقليدي الى الاقتصاد العصري أدى الى زيادة الثروة العامة] ص 147.
ان الحديث عن اقتصاد تقليدي، ثم اقتصاد عصري أمر يلغي المنهجية العلمية. فقد سحب مسئولية النهب الاقطاعي التركي لمصر عبر كلمة «تقليدي»! ثم غيب مسئولية التهب البريطاني عبر كلمة «عصري»!
ثم كان الاستنتاج بائسا «زيادة الثروة العامة»! لقد قامت بريطانيا بتطوير زراعة القطن فقط ثم خنقت زراعة معظم المواد الزراعية ومنعت الصناعة المصرية. [راجع لوتسكي، تاريخ الاقطار العربية ص 280 ــ 284 دار الفارابي].
هذه طريقة المؤلف في الاستفادة من المراجع خفة وسرعة واستنتاجات كبيرة بدون صبر علمي.
عبر الحديث عن «اقتصاد عصري» ألغى عملية البحث في تطور علاقات الانتاج وبنية التبعية. فهو ليس اقتصادا عصريا بل بناء متخلف شبه اقطاعي ــ شبه رأسمالي، تابع.
عبر هذه الخفة لم يتم التوغل في كشف الطبقات المسيطرة وحجم ثرواتها واسلوب حصولها على الثروة، كما لا نجد كشفا للطبقات الأخرى: الفلاحين العمال، البرجوازية الصغيرة، البرجوازية . . عبر التحليل الملموس، وليس بالتعبيرات الانشائية غير الدقيقة.
يتوجه الكاتب للكلمات العامة الفضفاضة والاستعانة بفقرات كبيرة جدا من كتب الرافعي زنجيب محفوظ ولويس عوض، بدلا من ان يقف بصبر لدراسة الخريطة الاجتماعية عبر سنوات 1930 ــ 1970. ثم يتابع نشوء التيارات وهي بشكل بذور، ثم يرى كيف تتفاعل مع تلك الخريطة.
انه لا يتتبع الهرم الاجتماعي بشكل ملموس، بل يقفز من موضوع الى آخر دون تحليل. فمثلا بعد ان يوضح ضخامة الفقر في مصر قبل سنوات الحرب يقفز الى انتشار التعليم حيث زاد عدد المتعلمين.
أي أن ضخامة الفقر وانتشار التعليم هي التي جعلت مصر تقترب من الثورة! وهذا كلام عام ولا علاقة له بالبحوث. فلا بد من دراسة تفصيلية عميقة للطبقات لكي نكتشف الأزمة على مختلف المستويات.
وبعد ذلك يقترب من تحديد بعض جوانب الهرم الاجتماعي المصري فيقول انه كانت ثلاث قوى جديدة هي: طبقة وسطى محلية من الوسطاء ومديري الأعمال والتجار، ونخبة من المثقفين وأصحاب المهن العالية، وطبقة عاملة مدنية. ويحدد بأن الطبقة المتوسطة الصغيرة «أي البرجوازية الصغيرة» باعتبارها القوة الاجتماعية الهامة التي سوف تتحرك في هذه الفترة دون ان نعرف الأسباب الاقتصادية ــ الاجتماعية التي أهلتها لذلك.
لقد شهدت حقبة ما بعد الحرب العالمية الاولى اقتراب الطبقة المتوسطة الصغيرة من الفقراء كما يقول بسبب الأزمة المتفاقمة.
ونجد المؤلف هنا يحاول ان يستعين بمنهجية غربية معروفة: [ولأن الطبقة المتوسطة المحلية الجديدة هي التي وعت الواقع(؟) بحكم موقعها الاقتصادي والثقافي قبل الفلاحين والعمال، الذين لم يتفتح وعيهم بعد، فانها هي التي تصدت للتغيير والقيادة، وأدركت مدى الهوة القائمة بين بؤس الأغلبية الساحقة وترف الأقلية الضئيلة، وكانت هي ذاتها مهددة ــ اقتصاديا ــ بالرجوع الى درك الطبقات الفقيرة كلما اشتدت وطأة الاستغلال وانعدمت عدالة التوزيع] ص 156.
ولكون البرجوازية الصغيرة قد تغلغلت في روافد التغيير الثلاثة: الجيش، الأحزاب، المؤسسة التعليمية، فقد حدثت ثوراتها المتتالية، ولم ينجح الأصوليون ممثلو «الذات»، وفشل التقدميون لأنهم لا يمثلون الذات، واستطاع التوفيقيون الجدد: عبدالناصر، البعث، في احداث توليفة توفيقية انتهازية جديدة لكنها وصلت الى الفشل لأنها توفيقية، أي حاولت ان تدمج بين الذات ولآخر، نحن العرب والغرب بشقيه، ونحن في انتظار شيء آخر غير توفيقي!!
ولنحاول فهم التاريخ المصري في هذا القرن عبر آلية أخرى. سنقول بشكل مقتضب جدا، ان التطورات الاقتصادية والاجتماعية في الثلث الأول من القرن قد أوضحت عجز الطبقات البرجوازية الكبيرة والارستقراطية عن حسم الصراع ضد الاستعمار البريطاني بطريقتها الخاصة، فبدأت الأشكال السياسية والايدلوجية التي أوجدتها تتعرض للتأكل والانهيار.
إن الأشكال السياسية مثل أحزاب الوفد والسعديين لم تستطع ان تستوعب قدرات الشعب وتقوده للقضاء على السيطرة البريطانية، كما ان الايدلوجية التي اعتمدت عليها في صنع النهضة عبر الأشكال البرلمانية والاصلاحية السلمية المتدرجة لم تلب حاجات الجماهير الملحة وتجسدها ضد الانكليز. من هنا راحت الطبقة البرجوازية الصغيرة تتقدم لاحتلال مسرح الأحداث.
ولا يعني ذلك ان صراع البرجوازية [الوفد] ضد الاستعمار كان بلا جدوى، بل على العكس كان حلقة ضرورية ومهمة، وهي التي مهدت للحلقة التالية. فذلك الصراع دفع القوى الأخرى للصعود وخلق الشروط الاجتماعية والفكرية لصراع البرجوازية الصغيرة ضد الاستعمار. وبدون اجراءات الوفد في المجال التعليمي والسياسي لم يكن بامكان عبدالناصر أن يدخل الكلية الحربية وبالتالي أن يصل للسلطة.
اذن كان صعود عبدالناصر حلقة جديدة مكن حلقات تطور الصراع الوطني، أي ان أزمة نظام التبعية الذي صنعته بريطانيا راحت تتعمق، لتنكسر مع قيام السلطة الناصرية.
ليس مستغربا من نظام عبدالناصر الوطني الذي تربعت فوق قيادته البرجوازية الصغيرة، الطبقة المتناقضة، ان يكون مليئا بالتناقضت، وان يجمع بين القطاع العام وتوسع الملكية الصغيرة، بين اليسار واليمين، بين الشرق والغرب، فهذه هي خصائص الطبقة، ومع ذللك فالمؤلف يستغرب من جمعها بين هذه المتناضات وهذا دليل على توفيقيتها!
ان هذا النظام قام باحداث نقلة هائلة في الحياة، تنمية واسعة، تحقيق الاستقلال، تنمية ثقافية، بعث حركة تحرر وطني عاصفة الخ..! ولقد أدت تناقضاتها الداخلية المتفاقمة للتمهيد لعودة الرأسمالية الكبيرة والارتباط مجددا بالسوق الرأسمالي.
أذن الوسطية الناصرية، أو هذه الحلقة المهمة في الصراع ضد التبعية، ليست نتاج ذات غامضة، فأنت ذاتها، بل نتاج طبقة متناقضة، عملت الكثير ثم عجزت.
إن المؤلف بدلا من ان يصل الى هذا الاستنتاج الموضوعي، يعود الى أصوليته وفكرته الاسطورية عن «الذات» الموهومة.
فيقول: [.. أي ان هذه البرجوازية الصغيرة ستتصدى لمهام مرحلة التحرر من الاستعمار الغربي، ثم ستتجه نحو محاولة اقامة الدولة القومية «الحديثة» وسيكون قدرها الصعب أن تدفع الغرب بيد لتأخذ حضارته وعونه بيد أخرى. وهو قدر لا يحتمل تناقضه ولا تحتمل مأساويته الا من خلال صيغة توفيقية، قد لا تكون عضوية ولا أصلية، ولكنها مرنة، وضرورية نفسيا وعمليا، تقفز فوق النقائض لتوفق بين «الأصيل» و«الوافد» ــ بين الذات والآخر ــ مبقية في الوقت ذاته على الفارق الكياني بينهما] ص 157.
هنا سنجد ثورة عبدالناصر تخون «الذات» لأنها اتجهت الى أخذ المساعدة من العالم الاشتراكي «الغرب» فهي حاربت الغرب الاستعماري ولكنها اتجهت للغرب الاشتراكي باليد الأخرى.
وكان ينبغي الرجوع الى الأصول، الى مثال الدولة العثمانية، حتى لا يخون عبدالناصر هذه الذات!
ان الانفتاح على الغرب الاشتراكي، والجماعات الديمقراطية والتقدمية في الغرب الرأسمالي كذلك، لم يكن قدرا صعبا، ولا مأساويا، ولا يتناقض مع أصالة المصريين، لكنه كان (قدرا) مأساويا على الاقطاعيين وكبار الرأسماليين اذا أردنا الدقة في التعبير!!
وكانت آراء عبدالناصر وموقفه استمرارا لخط الوطنية المتصاعد وتعبيرا عن معاناة ملايين العرب ومطالبهم في الحرية والتقدم!
هناك فكرة مركزية خاطئة تهيمن على فكر الأنصاري في كتابه «تحولات الفكر والسياسة» تتمثل في كون التاريخ البشري ليس عملية عالمية واحدة متداخلة، بل هو تاريخ عناصر ومجموعات مستقلة كليا.
وفي هذه الفكرة يكمن أساس الوعي الأصولي الخاطئ. فالحضارات البشرية متفاعلة، متداخلة، وتمثل كلها نمو قدرة الانسان على هذا الكواكب. فلا يمكن حقيقة تحديد أية أنواع عنصرية أو قبلية أسست تاريخ الانسان الأساسي والطويل في العصرين الحجريين القديم والحديث الذي بلغ مئات الآلاف من السنين، وما قبلهما أيضا، حيث وضعت تلك العصور أسس الحضارة الانسانية من زراعة وصناعة أدوات وتأسيس مجتمعات وثقافة.
(راجع بهذا الصدد كتاب: إنتصار الحضارة لجيمس هنري برستد، مكتبة الأنجلو المصرية حول العصور القديمة، ويمكن إكتشاف جذور الحضارة العربية الموغلة في القدم عبر كتابات العلامة جواد علي في «المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام، عشر مجلدات».
ولكن لا يعني هذا التداخل العميق لحضارات الانسان، عدم وجود بُنى إجتماعية مستقلة نسبيا، تنمو عبر صراعاتها وتفاعلها مع الخارج.
إن لكل عصر مستوى معينا من تطور الانتاج، ويشكل هذا بُنى إجتماعية متعددة على الأرض، حسب الظروف الملموسة لكل شعب، وعموما لا توجد خصائص «جوهرية» لشعب من الشعوب، فالخصائص المحددة خاضعة لظروف محددة. ولا توجد سمات سحرية خارج الزمان والمكان. بل ان الشعب ذاته يتنوع بحصائصه، حسب الطبقات والمستويات الاجتماعية المتباينة.
ومن الواضح أن تاريخ البشرية هو نتاج هذا النمو المتباين للمجموعات والشعوب والأمم، وصراعاتها، وتفاعلها، في شروط محددة.
وقد واجه العرب بعد خروجهم من الجزيرة العربية لنشر الاسلام والفتوح، معضلة الحضارات الأخرى (التي تفاعلوا معها سابقا بشكل محدود)، وقد كانت تلك الدول العبودية القديمة قد وصلت الى نزف حاد للقوى المنتجة البشرية والمادية ودخلت مرحلة أزمة عميقة. وكان دور العرب هو إحداث قفزة تطورية في المنطقة، والاستفادة من نتاج الشعوب الأخرى سواء عبر تنظيمات ريها أو زراعتها أو علومها ودفع هذا النتاج الى الامام، وقد حدثت قفزات معرفية ضخمة سواء في العلوم أو الآداب أو الفلسفة، عبر الأخذ والاستيعاب تبعا للحاجات الداخلية.
وهذا التطور لم يحدث ــ بطبيعة الحال ــ بدون صراعات.
فقد فسرت القوى الاجتماعية المتعددة «الاسلام» حسب أوضاعها، فقد وقف الخوارج، وغيرهم، طويلا ضد الأمويين، وحين طرح الأولون مفهوما تشاورياً وعادلا ً وعامياً، يعتقدون أنه هو النابع من الدين، طرح الآخرون مفهوماً أرستقراطياً يجعل الثروة والحكم من نصيبهم فحسب، واعتقدوا أن مفهومهم نابع هو أيضاً من الدين!
ولقد كان لنشوء طبقة تجارية صناعية في عصر الدولة العباسية أثر مهم في توسيع طابع الاستنارة والاجتهاد، فحدث انفتاح واسع على آثار الأمم الآخرى بدون انغلاق، وتم إستيعاب فلسفات متعددة كفلسفة أرسطو وأفلاطون وغيرهما، وأستوعبت آداب الأمم الأخرى وكان من نتاجها حكايات كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة، وهكذا غدت الحضارة العربية ــ الاسلامية منارة معرفية ثقافية، لاستيعابها تجارب البشر وخبراتهم المضيئة تبعاً لمصالحها وأهدافها هي.
(راجع: النزاعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية لحسين مروة و«نحن والتراث» لمحمد عابد الجابري وغيرهما)..
وبعد إنكسار الطبقة البرجوازية الوليدة ــ وكانت هزيمة المعتزلة تعبيراً فكرياً عنها ــ وحدوث التفتت الاقطاعي، برز الاقطاع العسكري السلجوقي والتركي وفرض تصوراته المتخلفة، فكان الانغلاق واغلاق الاجتهاد والغاء العقلانية الاسلامية المستنيرة وفرض أئمة النصوص.
يقول المفكر الاسلامي د. محمد عمارة:
(فلما حدث الانقلاب التركي والمملوكي وتعسكرت الدولة. «. . .» غدت فيه مقولات التيار العقلاني فكراً محرماً ومجرماً يلاحقه الاضطهاد.. وغدا فيه أئمة هذه العقلانية موضع التنديد وأسرى للملاحقة والسجن والاضطهاد.) اخبار الخليج، العقلانية الاسلامية، 18/7/1989.
ومن هنا فإن نهوض الأمة العربية مجدداً في العصر الحديث، ومحاولاتها استيعاب المنجزات البشرية المتقدمة، سواء في العلوم أو الفنون أو التطبيقات الاجتماعية هو أمر ضروري ولابد منه، لمصلحة بقاء وتطور الأمة، فليس لديها مخزون سحري داخلي كامن في أعماقها تتوجه اليه لتطلع منه الحضارة كما يقول السحرة المعاصرون، بل لابد لها من أن تتعلم من الآخرين وتستفيد من إنجازاتهم، لكون ذلك هو قانون تطور البشرية: قانون الاستيعاب المتبادل للخبرات والمنجزات المفيدة في التطور الداخلي لكل منها.
واستيعاب الحضارة له تاريخيته وشروطه. فمصر عندما بدأت تستوعب الحضارة الغربية الحديثة كان على رأس السلطة فيها طبقة اقطاعية هي أسرة محمد علي. لقد ساهمت هذه الأسرة في البداية بإحداث أول حلقة من حلقات الاتصال الحضاري وأنجزت بعض الأشياء الا أن أسلوبها في العيش الباذخ قد كسر تطور الحلقة. وبدأت طبقة أخرى في إستيعاب الحضارة الغربية ونقل منتجاتها الى الحياة المحلية مع تكييفها للمصلحة الداخلية. وكان لهذه الحلقة البرجوازية انجازات كبيرة غير أنها راحت تتآكل كما أوضحنا سابقاً.
ثم بدأت القوى الاجتماعية الدنيا في مواصلة عمليات تحويل المجتمع والاستفادة من إنجازات الحضارة الغربية والشرقية ولكن هذه أيضا وصلت الى الأنهيار بفعل التناقضات الداخلية في نظام عبدالناصر. ثم عادت الطبقة البرجوازية الى التأثير في المنطقة العربية، أثناء مرحلة النفط، وتفجر الصراع بين جناحها الأصولي، الذي يطرح أسلوباً فاشياً دينياً، وجناحها الحديث المعتدل.
ويساهم كتاب الأنصاري هذا في ترجيح كفة الجناح الأول. عموماً لقد فشلت البرجوازية بأجنحتها عن أحداث التحول الحضاري الجذري الشامل، بينما لم تجرب الطبقات الشعبية الفرصة بعد.
إن هذا التعدد في الحلقات لا يدل على وجود نزعة متأصلة الى التوفيقية كما يرى الأنصاري، بل هي مجرد حلقات في تطور طبقات محددة. وعدم قيامة بربط هذه النزعات بتكوينها الاجتماعي المحدد هو الذي يجعله يعتبرها نزعة أصلية خارقة صوفية.
يقول: [إن ما حاولنا البرهان عليه في هذا البحث هو حقيقة كون هذه الروح التوفيقية نافذة الى صميم التكونات التاريخية المجتمعية الحضارية وانعكاساتها العقلية والشعورية في هذه المرحلة من التاريخ العربي.] ص 212.
أي أنه في الخاتمة وصل الى أن التوفيقية هي جزء من «جوهر» الذات العربية «الآن!» لقد كان قوله سابقاً أن الذات العربية هي من جوهر خاص غير قابل للذوبان في «الجوهر الآخر» الغرب، لكن هذا الجوهر يتحول الآن، ويغدو مفارقاً لذاته، ويصير من جوهره أن يفقد جوهره!
أي أن العرب الذين كانوا محتفظين بهويتهم الخاصة المستقلة عن البشر تماماً، صارت هويتهم الخاصة أن يمزجوا بينها وبين هوية مناقضة لهم!
كنا نتصور أن المؤلف وقد تتبع الأصيل والوافد، وصراعهما، أن يضع خطوطاً حمراء عازلة، نستعيد عبرها الذات العربية الضائعة، في دنس التغريب، في الحضارة العالمية الشاملة الآن، أن يعيدها الى دائرتها الخاصة، نقية، عذراء غير مدنسة بحضارة الغرب «الكافرة»!، ولكنه يفاجئنا أخيراً بعد كل رحلة العذاب هذه بأن هذه التوفيقية هي جزء أصيل من تكوين الذات العربية الذي لا نستطيع له تغييراً!!
ويجد سر ذلك في عامل جديد، لم يُطرح ابداً، وكالساحر يستخرجه من قبعته ويقول: انها الجغرافيا!
يقول: [اما الانتقاد الموجه الى «التوفيقية» من الجانبين السلفي والعلماني فليس غير اشارة الى طبيعة الجدلية القائمة بين التوفيقية ونقيضها (السلفي والعلماني)، وغير تعبير عن نوع (الديالكتيك) الخاص بطبيعة الفكر والمجتمع المعاصر في هذا الشرق العربي «الأوسط» ليس جغرافياً فحسب، وإنما على الأرجح فكرياً وحضارياً!] ص 215.
هنا ينسف الكاتب كل مقولاته السابقة ويجعلها في مهب الريح، فالتوفيقية لا تغدو نزعة انتقائية معادية للذات الأصلية، بل تكوينا لابد منه، فرضته ظروف الجغرافيا، ولو كان العرب في استراليا مثلا ما كانوا توفيقيين!
ولعل في هذه الفقرة شيئاً من التراجع عن الأصولية المتزمتة، وفتح الأبواب لتعدد التيارات، رغم كونه مبنيا على أساس غير مبدئي، لأنه أقيم فقط فوق أساس جغرافي. في حين أن الوعي العربي الطليعي في مختلف مراحلة التاريخية كان يقيم جدلية عميقة مع العالم تبعاً للمصالح العربية وتطور المجتمع.
وأيضا سرعان ما يتراجع عن هذا الانفتاح وفي السطر التالي مباشرة: [وفي التحليل النهائي فإن الأهمية البالغة للأيدولوجية التوفيقية تنبع من حقيقة كونها تعبيراً عن واقع اللاحسم في الحياة العربية المعاصرة] ص 215.
هنا تغدو التوفيقية (أقرأها: الوعي البرجوازي الديمقراطي بتياراته) راجعة لأسباب تاريخية محددة وموقوتة بأسبابها، أي ليست قدراً جغرافياً. أي أمامنا فقط النزعة الأصولية (أقرأها: الوعي البرجوازي الفاشي ذو الواجهة الدينية) وهي الوحيدة الممثلة للذات العربية. في حين تمثل التيارات الديمقراطية والاشتراكية الغرب!
إن الفقرتين اللتين عرضناهما للمؤلف سابقاً تمثلان انتقائية خاصة به، فهو يضع رجلاً في التيار البرجوازي الليبرالي، ورجلاً أخرى في التيار الأصولي، منتظراً إنتصار احدهما ليضع قميه كلتيهما عنده!
إنه يقف بين الخطين المتصارعين في ذات الطبقة ليقول حينئذ.. كلمته!!
وهذه أسوأ أنواع التوفيقية!!!


【من الليبرالية الى الأصولية!】

في كتابة المثير للجدل «تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي 1930 ــ 1970» حاول د. محمد جابر الأنصاري ــ بدون جدوى ــ ان يبرهن على فشل كافة النزعات التنويرية والتحررية في المنطقة العربية ابتداء من الاسلام المستنير لدى محمد عبده الى ليبرالية سعد زغلول وقومية ميشيل عفلق وتحررية جمال عبدالناصر، لكن قوة فكرتة واحدة لم يتحدث عن فشلها، أو توفيقيتها حسب وعيه، كما انها تتطابق مع الجوهر العربي، تلك هي «الأصولية»!
وانتقال الكاتب الليبرالي من تحرريته الى النزعة الأصولية، ليس ظاهرة غريبة بعد الامكانيات المادية والمعنوبة التي اكتسبتها تلك الأصولية، لكنها خسارة فادحة للفكر التنويري في المنطقة حيث يشكل الفكر الأصولي تهديدا جديدا وتقسيما للحياة العربية الممزقة أصلا.
وحتى لا نستبق النتائج سنحاول المسير في كتابه الثاني الجديد «العالم والعرب سنة 2000» الصادر عن دار الآداب، لنتعرف على الوعي الأصولي، وهو يناقش المستقبل هذه المرة، لا الماضي، كما في الكتاب السابق.
فإذا كان التصور الأصولي في الكتاب السابق قد اتجه لتفنيد الحركات الليبرالية والاسلامية المستنيرة والقومية والاشتراكية في العالم العربي، عبر كشف مايسميه بـ«التوفيقية» في مبادئها، بمعنى أنها تخلت عن «الأصول»، عبر الجوهر الخاص بنا، وحاولت أن توفق بينه وبين الوافد، الفكر الغربي الديمقراطي والمستنير، دون أن تملك الحق في التوفيق، إذا كان هذا التصور الأصولي هناك قد بين عدم «أصولية» تلك الحركات وغربتها عن «الجسم» العربي، الخاص بنا.
فإن التصور الأصولي هنا، في هذا الكتاب «العالم والعرب»، سوف يوضح الطريق الذي يجب أن يسلكه هذا الجسم العربي الى المستقبل. واذا كان «توضيح» ان كل تلك الحركات هي ضد «جوهرنا»، أو أصولنا، فأين سيتجه جوهرنا هذا؟
ما هي قدراته على تحديد مشكلات العرب وانقاذهم بعد أن أباد معرفيا جميع الحركات النهضوية والفاعلة على الساحة العربية من الشرق الى الغرب؟
ما هي الامكانيات العلمية والثقافية لهذا التصور ليكتشف العالم القادم، وليحلل القرن الحادي والعشرين ويمتلك المصير العربي؟!
لعل هذا التصور لديه شيء هام يستبصر به المستقبل، ويمتلك «وصفة» للجسد الذي أعيته العلل وأعجز «الأطباء»!
لهذا لا بد من المرافقة والتأني في الكشف عن هذا البرنامج لاصلاح ما «عجزت» عنه، حسب المصدر السابق، كل تيارات العرب الساعية الى النهضة والتقدم. لعلنا نجد كلمة مضيئة في هذا الليل المعتم!
والكاتب، خلافا لما يفعل الأصوليون الواضحون الصريحون، يعبر عن أصوليته بطريقة غير مباشرة، التفافية، فيدع تصوره مطاطيا قابلا لايحاءات متعددة، فهذا أصولي غير متجهم الوجه، ولكننا سوف ندقق في كشف هذه الأصولية غير الصريحة، ونبين التناقضات التي تحتدم في وعيها.
والكتاب الحالي، خلافا للكتاب السابق ذي الوحدة الموضوعية، هو عبارة عن مجموعة من المقالات، اختصت فيها الظاهرة اليابانية ــ الصفراء ــ بالثقل الكمي والنوعي. من هنا جاءت المقدمة كأنها تلخيص واعطاء نظرة عامة على الكتاب ككل، لكنها في الحقيقة لم تكن تلخيصا محضا، فقد أضافت شيئا جديدا، وحاولت أن تخفف من انطباع يتولد لدى قارئ الكتاب بعد أن ينهيه.
لا بد من مطالعة هذه الفكرة المهيمنة، ولماذا تم التخفيف منها؟ وهل يمكن ذلك حقا؟
يقول في المقدمة عن موضوعات الكتاب:
«ثم اختص «الفصل الثاني» من الكتاب بظاهرة عميقة متجددة من ظواهر التحجول في عصرنا، وهي ظاهرة الإحياء الروحي والانبعاث الإيماني والتحرر من النظرة المادية الضيقة التي خنقت الروح في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين». ص 7 .
ثم يضيف بعد ذلك:
«وظاهرة الاحياء الايماني في الغرب ــ إذا وازيناها بظاهرة الصحوة الاسلامية في عالمنا العربي وبظاهرة «لاهوت التحرير» في بلدان امريكا اللاتينية ــ تشير الى ان العالم، وهو يقترب من القرن المقبل ويستعد لخوض غماره، قد أوشك أن يسترجع قيمة أساسية جدا من قيم الوجود». ص 7.
وعلى الرغم هنا من اتجاهه للغرب، أي صار الجوهر الغربي مقبولا في جانب، وه

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 28, 2025 18:26
No comments have been added yet.