إن لم تكنْ ثورةً فماذا تكون؟

كتب : عبـــــــدالله خلـــــــيفة
2013/12/2

«يـا سـيـد عبدالله خليفة، عادة أنا من المتابعين لكتابتك، نظرا لدقة صياغتها، ورونق صحتها الفكرية والصياغية. ولكن هذه المرة، لم أفهم كلياً ماذا تريد.. وأظن أنك أنت بدأت الطريق، دون أن تعرف إلى أين تؤدي. وأنا أيضاً وقعت بهذا الفخ المعقد عدة مرات الذي يحمل اسم المشكلة السورية، والتي تسميها ويسميها البعض خطأ الثورة السورية، والتي لا تستحق ولو جزئياً هذه التسمية»، غسان صابور: أنظرْ الرابط:


https://ahewar.net/m/s.asp?aid=387683&r=900&cid=0&u=&i=5204&q=

يا أخي إذا كانت هذه الملايين السورية التي خرجتْ خلال عامين وأكثر في مواجهة الدبابات والصواريخ والقنابل الكيميائية لا تصنعُ ثورةً فماذا يُسمى هذا الزخمُ الملحمي لشعبٍ أعزل راح يتسلح بصعوباتٍ هائلةٍ وتصل أرقامُ ضحاياه إلى عشرات الألوف؟!
أتراه يخوضُ لعبةً أم أن ضمائرَنا وأرواحَنا ودولنا وجماهيرنا العربية تجمدتْ ولم تعد تفرقُ بين البطولةِ والخيانة، بين الوردةِ والمقبرة، بين الشهامةِ والانحطاط؟
نعيشُ في عالم يزعمون أنه افتراضي ولكنه عالمٌ صناعي غسلوا فيه أدمغَتنا ومسحوا فيه مشاعرَنا وسحقوا فيه عروبتنا، ولم نعد سوى دمى تتحركُ على مسرحِ رقصة الموت، تنزفُ لحظاتٍ ثم تُسحقُ وتغور في غار أو عار!
تعاونت الدولُ الشمولية العسكرية وصنائعها من القوى الدينية الطائفية الفاشية لهزيمةِ الثورة السورية، وكلٌ منها لم يهتم بتقديم تبريراته السياسية بل توجه لقتل البشر، واختفى الخيطُ الرقيقُ بين أعضاء الحكومات والتنظيمات والغابة الهتلرية، التي لا تعرف سوى الكراهية وتحويل الملايين عظاماً لرصف الطرق وملء المقابر.
هذه الدول والجماعات التي سلختْ حياةَ السوريين لم يعد يربطها بالبشر شيء، وسوف تشهد آثاراً رهيبةً قادمة. إن دولَ الجماجم وشركات الذبح الكيميائي هذه تعجلُ بسحقِها من قبل الشعوب.
حين توغلت هذه الموادُ السامة في المشاهدين التلفزيونيين المطاطيين العرب تخثرتْ الجلودُ فلم تعد تشعر، ولم تعد تفرقُ بين أمطارِ الدماء وسوائل الخراف المذبوحة في الشوارع النهمة إلى اللحم.
إذا لم تكن هذه ثورة شعب فهل هي رقصةُ شعبٍ مذبوحٍ تجري كل يوم للحصول على خيامٍ رثةٍ على الحدود وغازات سامة في كل بيت؟
هل هي مسرحية ألفها مؤلفٌ مجنونٌ وينفذها شعبٌ أعزلٌ مشردٌ مسحوقٌ لتسلية الشباب العربي في أوروبا الذي ملّ الصراع السلمي هناك؟!
كيف لإنسانٍ أن يسحقَ مشاعره أمام المذابح ويتثلج ولا يفرق بين السفاح والضحية؟
ألم نقل خلال ثلاثين عاماً إن الإقطاعَ الإيراني الذي خطفَ الثورة الشعبيةَ الإيرانية العظيمة وسحق القوى العلمانية والديمقراطية فيها وكرَّس حكماً طائفياً وراح يتغلغلُ في البلدان العربية لفرضِ نموذجه وكرس ذلك في مذبحةٍ مروعة في سوريا، هو طرفٌ رئيسي مسئولٌ عن هذه الجريمة التاريخية؟
وهل يمكن في نفي ذلك أن نؤيدَ قوى طائفية سنية دموية تقومُ بعملٍ مماثل؟!
فأي تفريغٍ إيديولوجي للتاريخ هذا؟ وأي ترك للجلادين لأن يستمروا في الذبح!
لماذا لا نرجمُ هذه الاستخدامات الغبيةَ التكتيكية للأنظمة العربية وهي فجأة تتحولُ من كونها في حالةِ ثورةٍ وتُعلي من الثورة السورية شقيقتها في الدم والمصاب ثم تعرضها للبيع وتساومُ القتلةَ وتدعوهم إلى الساحات التي قُتل فيها البشر، وتطارد اللاجئين السوريين وتلاحقهم بدلاً من مطاردةِ الوفودِ الفاشية الأجنبية المغذيةِ للمذابح والقادمة لمزيد من التخريب في الدول العربية؟!
أليس هؤلاء الطائفيون العنفيون هم أدوات لهزيمة الثورة في الداخل وتقوية النظام ومنع تخلخله البشري، وتخويف وإرعاب ذوي المشاعر الخفيفة والأفكار المتراقصة على حبال المواقف؟
أليس جهادُ النكاحِ والخرافةِ مواد لتشويه الثورة من قبل نظام داركولي تساعدهُ أنظمةٌ عسكريةٌ شمولية لم تسحب سواطيرها بعدُ من رقابِ المواطنين العرب؟
ألا ترى في كأسك المائي اليومي دماءً؟
هل ننام جيداً من دون هذه الكوابيس التي تهاجمنا كل ليلة؟
مهما فعلَ الفاشيون في سوريا من جرائم، لكنهم لن يستطيعوا وقف هذه القفزة الشجاعة لكائن اسطوري بطولي يتمزق وتتفجر أعضاؤه وهو يرتفع شامخاً عن مستنقع الذل والوحشية والبلادة الحجرية البشرية الراهنة!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 19, 2024 21:31
No comments have been added yet.