الخرافات الرئيسية عن نيتشه 

السعيد عبدالغني 

الكتابة أقرب لي من صوتي المنخفض أو العالي. جربت أمر الفيديوهات، لكني لا أستطيع قول ما أريده، بشكل يرضيني. كما أنه يحتاج وقت طويل جدا في الإعداد خارج المادة المعرفية. صوتي أو منطوقي الجوفي أصدق في الكتابة من صوتي الذي يحمل الترددات الفيزيائية، ولا يساويه إلا صرختي التي بها كل صوتي ولا لغة فيها. 

بسبب القيود والأحكام التي تحكم المنصات فوجدت هذه السعة في عمل موقع أكتب عليه بدون قيود.

لا أعرف لم يقترن الصدق بالعزلة عن المجتمعات، في كافة الرؤى حتى التي أكرهها! وأيا كان أنواعها؟ وتقترن الرؤية المختلفة شعريا أو معرفيا، أيا كان أنا معها أم لا، بالعزلة؟ وتختلف أي طبيعة إنتاج فكري أو أدبي بين مُنتِجه ومريديه؟ بين القاريء والمروِج، وبين المروَج عنه وحقيقته.  

هذا أول درافت أو مقال، إن صح التعبير، كون  النصوص درافت إلى الأبد لقارئ قادم أو نار تأكلها.

فلسفة الفن للفن والخير للخير، يتم ذمها رغم استفادة الآخرين منها كحدث في الانبثاق الأول الذي لا يقوَى عليه سوى متطرف، وفي حالتنا نيتشه المنعزل والبعيد. 

لماذا تتم القراءة الفلسفية لتراث ما؟

نحاول في القراءات دوما أو في الحياة عموما تخريج عناصر أساسية تضم فروع لكي يسهُل الفهم، إنها طريقة في تعيين الفوضى لتكوين المعنى بشكل ممتد ومستمر، ليس بشكل شذري. الشذري مُنفِر لأنه يشد معناه في لولبية داخلية، تُصعِب تقشيره، وتكثر فيه المفاهيم بالقرب من بعضها  فتُعطل الفهم السريع والمباشر.

الشجيرية والسيولة 

الشجيرية تمنحنا طمأنينة مهما كانت للاستيعاب، حتى لو كانت شجرة سائلة، بعد اكتشاف الجذر السائل في النسبية. نحن أبناء هذا العصر السائل نتوق لأي تكوين أو تشكيل. 

هذه القراءات دوما ما تكون مُختزِلة أو مضخِمة، وفي أي الأحوال، القراءة تعني وجود قيمة سلفا، أيا كانت عند قارئها، علة لوجوده عند عتبة القراءة أو الكتابة، يصل منها لنوازع معروفة أو غير معروفة له ولغيره.

فلسفة نيتشه 

لذلك سأحاول تلخيص فلسفة نيتشه في عناصر وكل ما يوجد لا يعبر إلا عني فترتيب الأفكار حتى لنفس الفيلسوف يُنتج قراءة مختلفة.

أنا مع النصوص المفتوحة التي تُقرَأ بغض النظر عن كاتبها، ومِن خلاله وبشتى الطرق مهما كانت متطرفة نظريا. 

نيتشه كناقد وخلاّق 

نيتشه فيلسوف فارق في التايم لاين للفلسفة أجمع، ليس لنقده التنوير فقط، بل لقوة هذا النقد وتفرعات المعارف التي خرجت من نصوصه. ما أقصده هو متانة هذا النقد والقدرة على زراعة شجرة أخرى مجاورة، ليس التفرع البعيد من الشجرة التنويرية. 

ليس نقدا فقط بل يتبعه خلقا، هذه القدرة خاصة عند بعض الفلاسفة القلائل. كون النقد يحتاج وقت كثير جدا لفعله، وقبله للهضم الكامل، والخلق كذلك، والإدراك الشديد والمضغوط في كل الأحوال مضني. الهضم الذي يستطيع العصّر ولا يُحدِث تخمة أو موت.

نيتشه الميت ونيتشه الحي

أقصد هنا نيتشه الذي يحيا إلى الآن وليس فقط نيتشه الذي توفى في ١٩٠٠.

المجازات هي التي تَمُد حياته، وجسده اللغوي أكبر مِن ما تبقى من جثته. المجاز أقرب للحقيقة وللتعبير حتى عن هوية الأشياء. ليس الأمر عنوة معنائية بل هو تبرير منطقي بعناصر شخصية ككل أنواع النظرات التي أقرأها ويَعتبِر أصحابها انتمائها للمنطق، فسلسلة الأدلة هنا مجازات.

ما أقصده بنيتشه يتعدى نيتشه الرسمي في شخصه. 

طريقة تفكير نيتشه

عناصر أعتقدها أساسية في طريقة تفكير نيتشه:

١.دراسته الفيلولوجيا وقربه من اللغة التي تجعل شكه فيها قريب، تقييمه الأكبر للشكل الشعري أي اللغة الفنية. اللغة الفنية حتى في عصره مرتبطة بالأدب والشعر، ليس الفلسفة. ولعه بالميثولوجيا اليونانية، والميثولوجيا عامة تخلق نوع من المجاز، هذا وحيها الأول.

٢. دراسته للأكاديمي الذي يقوي الضغط عليه ووجوده في الجامعة كأستاذ فيلولوجيا. من خلال الأسلوب القائم في تبني التنوير وليس فقط في طبيعة التنوير، بل في طبيعة التدريس غير الحر معرفيا، ولا أقصد أمر التدين فقط، بل الايدلوجية، والنَظم نفسه في تركيب المعياري للبحث أيا كان، والآلية المعتمدة التي صارت بداهة مثلها مثل الأعراف التي في المجتمعات لكنها في مجتمع آخر(منتِج للمعرفة)

٣.القدرة على قبول المعرفة بلا خوف إن كانت سببا للألم فما يفرقه عن الرواقيين هو عدم تسخير المعرفة للحياة الأفضل، الفرق هنا هو الشرط الذي يُحدد الوجهة والمسافة المقطوعة. بينما لا يحدده نيتشه فينفتِح أكثر على الاحتمالات. 

الخرافات الرئيسية عن نيتشه: 

 لا يُرجَى من ذكر كلمة “الخرافات” الدفاع عن نيتشه بشكل غير منطقي مدفوع بمشاعر أو حب شخصي، ولكن لرؤية منطقية عنه. ليس الدفاع أو الإدانة في حد ذاتهما نوع من المدح للمحبة والذم للكره، لا تغذي تلك الصفات الطريقة التي أفكر بها، فلا أعتقد  بأهمية المشاعر الشخصية في المعادلة المعرفية.

١. الإله قد مات 

ما هو مشهور عن نيتشه في غالبيته لا علاقة له به، من جمل مقطوعة من سياقها ومقطوعة من مشروعه لتخدم ذوات خارج الجزء المعرفي.

“الإله قد مات ” المفهوم في حقيقة الأمر لا يمثل قيمة وحده مثل ضده. بل الأمر ما هي فلسفتك وراء هذه الجملة أو وراء ضدها وبعدها وما بعدها؟ قولها أو اعتناقها ليس في حد ذاته قيمة وكذلك ضده.

التسويق التجاري للغرابة والاختلاف ما يُنتج هذه السياقات التي تعطي تقييم سطحي، تستفيد منه السُلطة الأكثر قدرة على الترويج.

لا تختلف السلطة القادرة على الترويج باختلاف الزمن سوى بالأداة، مفهوم التبشير مثلا، أو القوة الدينية أيا كان الدين، هو هو، دعم حملة إعلانية على فيس بوك.

أعتقد في دوام تلك الأهمية طوال التاريخ للتسويق لكن الأمر في هذا العصر ودخولها في طبيعة ما يتم تسويقه. نحن ندرك الآن فقط بكثرة النسبة التي عليها مقابل النسبة الأخرى للمعرفي. 

استغلال المعرفي في الايدلوجي موجود دوما من كل الأطراف. لا يمنع ذلك البحث للتقصي الكامل عن كافة ما هو مطروح والشك في كل المَقول. الذي يخرج من هذا الاستغلال، ويختار رأيه بدون انضمام رأيه بالكامل لقالب فكري، يُكوِن تجربة ذاتية مع المفاهيم، فلا يكون لديه أتباع ولن يكون.

2. العدمية 

هناك اختلاف بين طبيعة الأخلاق والقيم اليونانية والمسيحية والقيم، اختلاف جذري، ليس فقط بسبب التوحيد الثلاثي، بل بسبب التمثلات للقيم المختلفة التي انحصرت في كائن آخر واحد مذموم في المسيحية، الشيطان، و كائن مطلق الخير في المسيح. 

يعود نيتشه إلى الميثولوجيا اليونانية وتُعتبَر تلك العودة مركزية  في فلسفته وفي تفسير العالم. 

من جراء ذلك نبذ التصور الثنائي الذي يقوم عليه الدين من خير وشر، وأنواع مختلفة من التضادات.

بينما الميثولوجيا اليونانية التي تروَج بخبث للذم أكثر، بالشِرك والوثنية، أو الأديان التي لا يوجد فيها إله واحد، تحتوي على توزيع لمفهوم المطلق أكثر حرية في هذا البانتيون الإلهي وحتى في التصور عند نزوله في القيم اجتماعيا.

ليس فقط من خلال ديونيسوس إله الخمر و أبوللو إله النظام والعقل. فالإيمان المسيحي يوفر بيئة العدمية، بالاستسلام، متشابها مع شوبنهاور الذي اختلف معه متأخرا بسبب ذلك.

فليس فراغ المعنى الذي تشترك في إنتاجه المسيحية”العدمية”، هو الذي يؤسس نيتشه فلسفته عليه، بل طريقة التعامل معه.

الخرافة تلك هي التي تم وصمه ليس لها أساس من الصحة، والوصم هنا ليس في العدمية نفسها، بل في التدليس.

3. دعمه النازية ومعاداة السامية و إليزابيث فورستر-نيتشه

يتم توجيه هذه الاتهامات لنيتشه بترويج من أخته التي أعلنت تعاطفها مع الفاشية بل “شاركت في تأسيس مستعمرة آرية في باراجواي في ثمانينيات القرن التاسع عشر”. لا يقتصرالحديث على ذلك، بل تزييف وتحرير مخطوطات نيتشه الأخيرة في كتاب إرادة القوة مع حذف وإضافة الكثير من الأفكار، كونها الوصية على تركة أخيها. 

بالفعل تم إثبات حذفها وتعديلها لأجزاء من إرادة القوة، لكن لم يتم إثبات أن يكون هدف ذلك الحذف أو الإضافة تحويل نيتشه لداعم للفاشية أو مقاوم لها.

فما هو موجود في كتبه التي نشرها في حياته نقده للقومية والألمان نقد صريح في كتابه “إنسانية إلى أقصى حد” “ليست مصلحة الكثرة — أي الشعوب — هي التي تملك تلك الروح القومية، كما يُقال في كثير من الأحيان، وإنما قبل كل شيء مصالح الأُسَر الحاكمة المحددة، وكذلك مصالح طبقات تجارية واجتماعية معيَّنة.”

لا يعني اقتباس النازية بعض التصورات من نيتشه، أن يكون سببا في ذلك. ففكرة الأفضلية التي تم ترويجها هي فكرة توجد بدرجات مختلفة عند جميع الشعوب لكن ليس بتلك الدرجة والدلالة الواقعية التي تحفِز العمل الحربي كما عند هتلر. 

السبب الثاني هو أن الشمولية لا تحتاج تنظير معين للتبني، هي حالة إقصائية، تقسم العالم لأنا/ ألمانيا وآخر/ العالم كله.

السبب الثالث عدم منطقية الأمر لأن نيتشه نقد كل المقدسات حوله نقد لاذع، فما الذي يعطله عن دعم الفاشية؟

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 10, 2024 03:41
No comments have been added yet.