الشعبُ والمصيرُ: كتب ـ عبدالله خليفة
تتحدد قيمة التنظيم السياسي والهياكل السياسية عامة بمدى مقاربتها للشعب.
القيمة الأيديولوجية للتنظيم نسبية وتتحدد في قدرتها على فهم الشعب وتحديد لحظات تطوره الحقيقية واتخاذ الوسائل السياسية المناسبة لإبراز هذا المضمون الغائر وتجسيده.
وكثيراً ما يتوهم التنظيم أن هذه الأيديولوجية وذلك الوعي الذي تشكل به هو الأهم والباقي التاريخي ويحدث تأليه وعبادة لهذا الفهم فينفصل عن الواقع ويتقدس ويتحول منتجو الفكرة إلى أصنام معبودة وكائنات لم يصنعها التاريخ النسبي المؤقت بل التاريخ المطلق.
إن التنظيم في هذه اللحظات لم ينفصل عن تنويرية الفكرة الأولى بل وانفصل عن الشعب ودخل في تناقض مع تطوره، ولم يعد يفهم تعقيدات لحظته التاريخية الجديدة وتناقضاتها.
ليست الشعوب كائنات لا تاريخية مفارقة للتطور ولحيثيات الظروف وملابسات التحولات السياسية، بل هي على العكس كائنات اجتماعية تصيبها الظروفُ الموضوعية بتدهور في جوانب من الوعي، وتتوجه فئاتٌ منها ربما للتناقض مع مصلحة الشعب التاريخية العامة، وتتوجه مثل هذه الفئات لأشكال وعي قديمة متخلفة ظهرت في زمن سابق فتقوم بإعلائها وحشرها في التطور الجديد.
وانسياق التنظيم أو جزء منه وراء هذا الوعي القديم المتناقض مع أدوات تحليله المنهجية يعبر عن تدهور الحقبة السياسية الفكرية وعدم وجود الانفتاح الاجتماعي الكافي وعن تدهور في شروط العيش والمعرفة.
لكن الشعب في جريانه التاريخي مع تلقيه مؤثرات فكرية وسياسية مضيئة جديدة يبدأ في التأثر والتحول، وهو أمر يتكون في بعض الفئات المتنورة وبعض الشخصيات ذات التضحية في العيش والتي لديها بذور تفكير موضوعي، فلا يهمها مصلحتها العابرة بل مصلحة الناس عامة.
وتكون الفئات العائدة لأشكال وعي قديمة قد حصلت على مواقع نفوذ كبيرة مؤثرة، لكن تلك الأشكال الفكرية الدينية غالباً لم تعد قادرة على توحيد الشعب، بل هي تركز على جوانب من المعاناة الشعبية والسلبيات الاجتماعية دون تحليلها في تاريخ الشعب ككل، بل تربطها بمذهب أو جهة جغرافية أو جماعة قومية خاصة.
وتتحول المعاناة الشعبية المرفوعة في هذه الشعارات إلى أشكال سياسية ممزقةٍ للوحدة وتكتيكات سياسية عنيفة مضرة لكونها لم تنضج على نار شعبية هادئة توحيدية ولم تتشربها مختلف الفئات الغنية والفقيرة، المختلفة المتباعدة، ولم تتغذ بتجمعات الناس البسيطة ونقدها ومعالجاتها الطويلة، ولهذا فإن هذه التكتيكات تتحول إلى مغامرات مضرة بتطور الشعب.
لهذا نجد الكثير من أعمال الجماعات السياسية العربية والإسلامية تتسم بالعنف والعصبية والتفجر في مناطق صحراوية وريفية وجبلية، هي حواضن للعنف وليست حواضن للحرية والحوار والتراكم الثقافي.


