قصة ومسرحية الأطفال عند خلف أحمد خلف : كتب ـ عبدالله خليفة

قصة ومسرحية الأطفال عند خلف احمد خلف:
تجسد قضايا كبيرة بثيمات فنية بسيطة وواضحة

تتنوع اعمال الكاتب خلف احمد خلف الموجهة الى الأطفال، وقد بدأت قصصا قصيرة مثل، «اللعبة»، و«اجمل من قوس قزح». وتطورت عبر أنواع أدبية أكثر اتساعاً كمسرحيات «العفريت» و«وطن الطائر». و«النحلة والأسد». وتتجه هذه الأعمال القصصية والمسرحية الى مناقشة وبلورة قضايا محورية كبيرة، بأسلوب تصويري درامي، يعتمد البساطة والسهولة، رغم تناوله مشكلات روحية وسياسية هامة.
في قصته المبكرتين «اللعبة»، و«اجمل من قوس قزح» سنة 1979، نجد صياغة أولية لقصة طفل مبكر، لم تقع بعد على موضوعاتها الهامة. لكن في قصته نجد الشخصية المحورية هو الطفل المشاكس سلمان الذي يتعلم فن الصداقة مع عصفور، وتتضح السمات الاساسية لفن قصة الطفل عند خلف حيث سلاسة اللغة وبساطتها، والموضوعات القريبة من الحياة اليومية للطفل.
وكمثال على ذلك، قصة «الرسالة العجيبة» – مجموعة قصصية للأطفال اصدار مشترك – نجد الشخصية المحورية هي طفل كذلك، اسمه محمد، يصيغ رسالة عجيبة الى والديه. والرسالة هي محور الحدث القصصي. فقد اتفق محمد مع والده على أن يقوم بجمع نصف ثمن أي شيء مفيد يريده من مصروفه اليومي، ليكمل والده النصف الآخر. وحين راى دراجة جميلة ذات ثمن مرتفع، وهو عاجز عن توفير نصف ثمنها من مصروفه، الذي يريد أن يلهو به أيضا، قرر أن يكتب الرسالة.
إن توجه الصبى ذي الاثنى عشر عاماً الى كتابة رسالة يذكر فيها أبويه بما انجزه من اعمال بسيطة في البيت، كحمل شقيقه الصغير، وشراء الخبز للبيت ومساعدة أمه في تنظيف المنزل، ويطالب ذويه بأجور محددة على اعماله، هو اقرب الى انفجار. فالرسالة الفكاهية تتحول شظية تصيب العائلة في الصميم. ويرد عليه أبوه برسالة اخرى يذكره فيها بأعمال الوالدين تجاهه، دون أن يطلب مالاً عليها. وهنا يحس الصبي بخطاه.
صياغة الحكاية – الحدث، بهذه الصورة، تستهدف التوغل إلى قضايا أخلاقية حاسمة. إنها تنمو فوق جسم الحدث اليرمي العادي، لكنها تتوجه الى اعماقه الدفينة. إن الصبي مدفوع بروح أنانية نفعية يكتب الرسالة العجيبة، متذكراً كل جهد قام به، حتى لو كان تنظيفاً للمنزل في إحدى ساعات الأسبوع، لقد تحولت مصلحته وأناه الى محور للبيت، وللعالم فيما بعد – إذا كبر – وغابت جهود أقرب الناس إليه، وفي سبيل هذه المصلحة الذاتية، يصيغ الرسالة المؤدبة، المهذبة، مستغلا معرفته بأساسيات الحساب، ناسيا أساسيات الأخلاق.
إن تحويل الحدث العادي الى حدث أخلاقي هام، لا يتم عبر الارشاد المباشر، بل من خلال جسد الحكاية المتنامي المشوق.
ويعتمد الكاتب على لغة سهلة، معبرة، تطور الحدث وترسم الشخصيات بلا تكلف. (فكر محمد كثيراً، ثم توصل إلى فكرة رائعة ، قام من فراشه في منتصف الليل، واخرج ورقة وقلما وبدا يكتب).
هذه اللغة السهلة، الدقيقة، تواكب وعي الطفل في هذه المرحلة، لكنها تنزع الى التوغل الى القضايا المتوترة الدرامية، لتعطى دلالاتها التربوية.
لقد أخذت هذه اللغة تتوسع درامياً في مسرحيات خلف المقدمة للأطفال. وفي …
[فراغ كبير لا يمكن ترميمه المحرر]
… العرب، دمشق، سنة 1983 – يعتمد المؤلف ذات البساطة، والاعتماد على الحكاية الواقعية، لكي يتجه إلى القضية الأساسية، الروحية – الفكرية، محور العمل الغني.
فالطفل صلاح كان مصابا بملل وسأم في إحدى الليالي، ويود أن يتسلى بأي شيء. إن وجوده من الناحية الفنية التشكيلية سيكون زائداً، فهو أشبه بمتفرج كبقية المتفرجين. أما الشخصية الطفلية المحورية فسوف يظهر لاحقاً.
كما أنه لا توجد صلة حدثية – مضمونية، بين الشخصيتين، سنرى ان الاولى هو المتفرج، والاخرى هي «البطل»..
كذلك تنبثق شخصيتان ثانويتان تلعبان دورين مختلفين. فالأول هو «الرجل – الطبل»، وهوعبارة عن طبل يدق ويغني طوال الوقت. يضع على عقله قفلا ولا يريد ان يفكر، والرجل الكتاب هو كتاب يمشي مفتوحاً على قصة مصباح علاء الدين.
هذه الثنائية بين البطل الأجوف الصائح ابداً، والكتاب المسلي الممتع المفكر، تتحول دراميا الى شخصيتين متصارعتين، إحداهما تظل ساخرة وتدق نفسها وتصيح في كل مقطع، معبرة عن الفراغ، ولكن تعطي العرض المسرحي فكاهة وتسلية. والشخصية الأخرى جادة ومفكرة وتعرض قصة علاء الدين ومصباحه.
وتنتزع شخصيتا البطل والكتاب وصراعهما، مهما كان طريفا في بعض المواقع، الحيز الذي كان لابد أن يتكرس لقصة علاء الدين. فتعدد الأبطال الثانويين، كان يزحم البطل المركزي وقضيته التي ستعرض لأشكالية فنية.
حين يظهر علاء الدين، نجده خلافاً لصلاح، ابن عائلة فقيرة معدمة يبحث عن حلم لتجاوز عالمه الضيق. لم يكن استمرارية «لصلاح» أو تطويراً ما لشخصيته. لكنه أيضا يثقل بتفاصيل أخرى. كوجوده في المدرسة مع التلاميذ الذين يتحاورون عن مصباح علاء الدين، وهل هو ممكن أم لا، ثم يسألون المدرس المتردد.. (الذي يعكس تردد المؤلف حول موضوع المصباح والعفريت).
إن علاء الدين يجد المصباح فعلا، ولكن في الحلم. ويظهر العفريت لكنه عفريت خائب غير قادر على تنفيذ أحلامه، فحين يحضر له ماندة طعام، لا يستقر طعامها في البطن ساعة واحدة، كما تذوب السيارة التي يحضرها بسبب اشعة الشمس المحرقة والساحر يصير قزماً في الحياة العصرية ذات الآلات والاختراعات.
هل كان الاتجاه الى موضوع العفريت ناجحاً أم أن الطريقة الواقعية التبسيطية حجعت وصغرت من الموضوع الفنتازي الجميل؟
إن بؤرة المسرحية الدرامية – حدث التقابل بين علاء والساحر- كانت مضغوطة ومخنوقة بكل التفاصيل الواقعية اليومية، ولم تعط حقها من التفجير الفني الإبداعي.
كما أن الثيمة الأساسية في الحكاية التراثية، وهي القوى الخارقة الممنوحة للفقير المضطهد، والتي ظهرت في التماعة سريعة في المسرحية، غابت تماماً، لتحل مكانها ثيمة اخرى هى فقدان اهمية السحر في العصر الحديث. وهي تقيم موضوعا مختلفاً عن الذي تشكلت الحكاية على أساسه.
إن تعدد الشخصيات الثانوية، وتأخر ظهور الشخصية المركزية، وتيه الموضوع الرئيسي، وعدم غربلة جوهر الحكاية التراثية. يجعل مسرحية «العفريت» تجربة اولى لصياغة مسرحية طفليه متبلورة.
وهذا ما حققه خلف أحمد خلف في تجارب مسرحية تالية، تماسك فيها البناء الفني بشخصياته وأحداثه ودلالاته.
وهذه الطريقة في التعبير والتجسيد سنجدها بوضوح في مسرحية «النحلة والأسد».
في توجيهات المسرحية المخصصة لمؤلف الأغنية المطلوبة في المشهد الأول يريد الكاتب من المؤلف أن تصاغ كلمات الأغنية:
[بأسلوب مرح، وببساطة في الصورة، قريبة من مقدرة الطفل حتى يتفاعلوا معها ويشاركوا في انشادها].
وهذا هو أسلوب الكاتب، بساطة في الأسلوب والصورة. والاقتراب من مدركات الأطفال. لكن هذه السهولة لا تعني التسطيح، فمؤلف المسرحية، كما هو خطه في عمله الإبداعي، يتجه الى القضايا الجوهرية الهامة في الحياة. كما لو أن الأطفال مسئولون، مثل الكبار، عن مصائر عالمهم وأمتهم. فخلف يختار هنا قضية شائكة هي مشكلة السلطة وأهمية العمل..
ركز المؤلف هنا بنية المسرحية وأطراف صراعها، حيث بدت مجسدة، واضحة، فاعلة، أمامنا. ليس هناك راو، وتعقيبات تخلخل وتوقف تدفق الحدث الصراعي المنهمر، والموقف واضح، والقاعة جزء من الخشبة.
الشخصية الرئيسية الأولى هي الأسد الكسول المسيطر على الغابة، وتبدو مهمته الاساسية هي الأكل والنوم واحتقار عمل الحيوانات.
إن الكوميديا جزء من لعبة المؤلف لأحداث التناغم في البنية الفنية. وقد رأينا هذا السياق عبر شخصية الرجل – الطبل في «العفريت». وفي مسرحية «النحلة والأسد» يحول شخصيتي الاسد – الثعلب، الى ثناني كوميدى طريف، عبر استغلال كسل وغباء الأسد، وذكاء وجبن الثعلب، ويشكل ارستقراطية حيوانية كسولة تلتف حول الأسد.
وحين يطلب الأسد من الحيوانات الصمت والكف عن الغناء المزعج والناقد لكسله وترفه، يصمت الجميع، ما عدا النحلة التي تبدأ المقاومة ضده.
والمسرحية تجسد، منذ البداية، الفريقين المتصارعين، الأسد وجماعته الخاملة من جهة، والنحلة وجماعتها العاملة المنتجة، من جهة أخرى .
ويتضح هدف المسرحية منذ بدء الصراع، عبر قول النحلة، إنها تريد الحيوانات:
[أن تكون حرة.. وهي التي تعمل وتنفع الناس.. بينما الأسد وجماعة الأشرار.. خاملون.. يعيشون على حساب الآخرين]..
وسرعان ما تنتقل النحلة الى المعركة، بلا تردد أو خوف، وتوجه النداءات الملتهبة الى الحيوانات برفض طاعة الأسد، وعدم الكف عن أغنيات العمل. لكن الحيوانات الخائفة تهاب الأسد العملاق، رغم الشكل الكوميدي الذي ظهر به. فلا تصاب النحلة بالإحباط، وتدعو الأسد لمبارزة ثنانية، فيقبل ضاحكاً مستهزئاً. وتتحول المبارزة إلى لعبة طفلية، يستغلها المؤلف لتحويل قاعة العرض الى مباراة مرحة ومشاركة من قبل أطفال الخشبة والقاعة، عبر حساب عدد الضربات الموجهة لكل طرف، وتأييد الطرف العادل.
وتدو جزئيات المسرحية الفنية متآلفة بشكل عضوي، بالشخصيات الرئيسية القليلة تتصارع في الحدث المضغوط الفكاهي – النقدي، وتنساب ببساطة اللغة وسهولة الصور الى عمق الفكرة، وتتوافق البهجة التي يخلقها العرض مع الأحداث الايجابية المطروحة.
وتتكشف، في هذه المسرحية، أكثر من غيرها المطالب الروحية التى برزت بشكل جنيني، في الأعمال الأولى، فالمشكلات الكلية راحت تزيح القضايا الجزئية الهامشية المحدودة، وصارت القضية المحورية هنا هي الحرية والعمل المنتج، فتركزت وتكثفت البنية الفنية التي كانت مفككة فى «العفريت»، وظهرت شخصيات فعالة مغيرة للواقع. لكن لم تزل الشخصيات منمطة، يغلب عليها العام، فتحوي في أعماقها المشكلات الاجتماعية دون خصوصية ذاتية.
إن الوعي التنويري يصل هنا الى مداه في أدب الأطفال البحريني، فتطرح القضايا الجوهرية للتطور، وتغدو هواجس المجتمع الأساسية مجسدة، فتنمو المفردات الفنية من حبكة ـ شخصيات ـ أحداث ـ لغة، عبر ذلك الاستيعاب للواقع، وفي إطار البساطة الواضحة.

وطن الطائر: نموذج معبر لأدب الطفل في البحرين

أدب الطفل في البحرين

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 05, 2024 11:22
No comments have been added yet.