كلمة السر


 مجتمعاتنا تقسو على المبدع كثيرا وتضخم أخطاءه فتجعله يكف عن المحاولة ليخسر ونخسر.


أتيحت لي قبل عدة أسابيع فرصة مشاهدة مباراة كرة سلة بين فريقين جامعيين في بريطانيا. لفت انتباهي خلال المباراة إصرار أحد اللاعبين على رمي الكرة في الشبكة من بعيد لإحراز النقاط الثلاث. حاول اللاعب أكثر من مرة ولم ينجح. كان العرق يتصبب من جبينه بغزارة والقلق يبدو على وجهه. كنت في كل مرة أشاهده يمسك الكرة أعتقد أنه سيناولها إلى زميله في الفريق حتى لا يهدر المزيد من النقاط. لكنه كان يخذلني ويصوبها باتجاه الشبكة من مسافة بعيدة وسط تشجيع زملائه الذين لم يتوقفوا عن إهدائه الكرة رغم رمياته المبكرة غير الناجحة. كرر المحاولة أكثر من ست مرات دون أن يحقق ما يبتغي. بيد أنه في المرة السابعة نجح، والثامنة كذلك، والتاسعة أيضا. بعد أن أحرز 9 نقاط متتالية من رميات ناجحة بدا لاعبا مختلفا. صار أكثر دقة وارتياحا. أكثر تألقا وتعاونا وإبداعا. انعكس مستواه على أداء فريقه، الذي انتصر في تلك المباراة.

فور أن انتهت المباراة استعدت شريطها في رأسي. وتحديدا ردة فعل زملائه اللاعبين الذين لم يتخلوا عن إيمانهم بموهبة زميلهم وواصلوا إمداده بالكرة رغم رمياته الأولى غير الناجحة. هؤلاء اللاعبون هم من منح زميلهم الثقة فمنحهم بدوره الفوز. لو تخلوا عن زميلهم ربما تخلى عنهم النصر. إن أكثر ما نحتاجه في مجتمعاتنا هو التشجيع الذي حظي به هذا اللاعب البريطاني من زملائه. فالفوز لا يتأتى إلا بعد محاولات عديدة.

من عيوب مجتمعاتنا التخلي عن الواعدين بعد خطأ أو خطأين، في حين أن المبدع لن يصبح مبدعا إلا بعد أن يخطئ أكثر من مرة.

أعرف زملاء وأصدقاء واعدين خسروا مستقبلهم الوظيفي ووضعوا في لوائح (التجميد) بسبب أخطاء عفوية وبسيطة. صاروا مصدرا للمشاكل والشكاية بعد أن كانوا مصدرا للتفاؤل والعطاء.

إن البداية في أي شيء هي الأصعب على الإطلاق. فمتى ما منحنا الآخرين أجواءً إيجابية في بداياتهم سيمنحوننا نتائج إيجابية في نهاياتهم. ما أزال أتذكر ملامح أحد زملاء الدراسة قبيل تقديمه لعرض أمامنا، كان قلقا ومتوترا ومرتبكا، لكن حل التألق محل القلق عندما عبر له أحد الزملاء عن إعجابه ببحثه والنتائج التي توصل إليها. كاد زميلنا، المتوتر سابقا، أن يطير من فرط الفرح وهو يقدم عرضه بعد الإمدادات المعنوية التي ظفر بها قبل لحظات من صعوده إلى منصة العرض. انعكس الدعم المعنوي الذي قدمه زميلنا على أداء زميلنا الآخر، فقدم أفضل ما يملك ونال الإعجاب والتقدير.

جرب أن تستهل حوارك مع زميلك أو صديقك أو أي شخص تلتقيه لأول مرة بالإشادة بما أعجبك فيه، ولاحظ ردة فعله وابتسامته التي لن تغيب عن محياه طوال الحوار. وتخيلوا لو كان هذا السلوك هو ديدننا في كل مناحي حياتنا في منازلنا وأعمالنا، مع زملائنا وأحبتنا. قطعا، سيشيع جو من المودة والوئام الذي سيظهر في جودة إنتاجنا ومستقبلنا. إن الغرب اكتشف مبكرا أن الأجواء الصحية والأعمال المشتركة والتعاون هي كلمة السر. لكننا للأسف لم نعِ ذلك. ما زلنا نكرس ثقافة العمل الفردي وسياسة الإقصاء والتقشف في منح الفرص.

[image error]

الدكتور أحمد زويل، مستلما جائزة نوبل في الكيمياء



يقول الدكتور أحمد زويل، الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999: “العرب ليسوا أغبياء، والغرب ليسوا عباقرة. نحن نحارب الناجح حتى يفشل، وهم يدعمون الفاشل حتى ينجح”. زويل نفسه لو لم يهاجر إلى أميركا لربما لم يحقق ما حققه. إن البيئة تسهم كثيرا في صقل الإبداع والمبدعين.

مجتمعاتنا تقسو على المبدع كثيرا وتضخم أخطاءه فتجعله يكف عن المحاولة ليخسر ونخسر.

أحزن كثيرا عندما أرى اليوم زملاء دراسة سابقين خالين من الإبداع بعد أن كانوا يتدفقون موهبة وحماسة وطموحا.

أدرك تماما أن مواصلة العمل هي مسؤولية الفرد، لكن ينبغي أن نؤمن بأهمية عمل المؤسسات وبيئاتها للنهوض بالعمل وتجويده وتنميته. تظل إمكانات الفرد محدودة. فلا يوجد أفراد خارقون بوسعهم أن يحققوا نجاحات هائلة وحدهم دون أن يظفروا بتشجيع ودعم ولو صغيرا. علينا أن نمنح أحبتنا ومن حولنا ما يستحقون من دعم وتشجيع وثناء ليواصلوا العمل والأمل والبناء.
عبدالله المغلوث
8 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 12, 2012 14:09
No comments have been added yet.