[الغرباء]

 قصـــــــةٌ قصـــــــــيرةٌ  

✺✺✺✺

صحوت من نومي على أثر رفسات في بطني. شاهدت ثلاثة أشخاص في المنزل. رجلان وامرأة. الرجل الكبير السن ضخم، متين البنية. راح يتكلم لغة أجهلها تماماً. أعتقدت في بادئ الأمر إنه مجرد حلم. فما أكثر الأحلام التي أرى.

    جرني الرجلان من السرير.. (أنا ضعيف البنية).

    – سريري! بيتي! ماذا تفعلان!؟

    راح الرجل الضخم يتكلم مع المرأة التي يبدو أنها زوجته. كانت منفعلة قليلاً، يظهر أنها كانت تشاركني جزءاً يسيراً من عاطفتي الملتهبة.

    أجلسني الرجل على الكرسي. وقف الشاب ورائي. الرجل الكبير تناول ورقة صفرا كبيرة، انطلق يقرأ ويقرأ. لم أفهم شيئاً.

    فقلت:

    – لا أفهم هذه اللغة أيها السادة، وهذا بيتي.

    لم يهتم الرجل باحتجاجي. واصل القراءة.

    – ماذا تريدون مني بصراحة؟!

    فرغ من القراءة. ناولني الورقة. الورقة سميكة، مخططة، فيها كتابات وصور غريبة. صور بحر وسفن وبنوك وشركات.

    – أهو فيلم أيها السادة أم مسرحية مرتجلة ما تقومون به؟

    المرأة تصرخ. إنها متشنجة. لا شك أنها تدافع عني. لم يهتم الرجل بصراخها. ألقى الورقة. فجأة راح الرجل يرقص أمامي. (لا تقلد زوربا أيها الحقير) أشار في حركاته إلى بيتي. وإلى بلاد بعيدة، هذا البيت، يقول بالإشارة، بيتي. إنه لنا. أنت، لي أنا، أجنبي.

    وقفت محتجاً:

    – إنه منزلي، وأنتم الغرباء المحتلون!

    مضى في رقصه، أشار إلى أنهم أقوياء، يملكون البر والبحر والجو، وأنه لا يحق لنا العيش هنا. الحيوانات الضعيفة لا مكان لها بين الوحوش القوية.

    هدأ الرجل. كان العرق يتصبب منه. ثم أحسست بضربة عنيفة على صدغي من الخلف. أمسكني الرجلان بعنف أخرجاً حبلاً وربطاني بالكرسي.

    – ما الذي تفعلانه؟! أيها الناس.. يا أهل الحي!

    انطلقت في هتاف وصراخ عنيفين. وضع الشاب منديلاً قذراً في فمي.

    هنا قامت المرأة ضاحكة. فتحت الباب ومضت. بعد لحظات كان عدة أطفال صغار يتدافعون إلى منزلي، أقصد المنزل. وقفوا أمامي. بدت الدهشة على وجوههم. كأنهم يشاهدون هندياً أحمر. اقترب أحدهم مني. يبدو أنّه متأثر. هتف به والده. ابتعد. ثم انطلق الصغار في أنحاء البيت يضحكون.

    لا قدرة لي على الكلام. لا قدرة لي على التفسير. لا قدرة لي على الاحتجاج.

    جاءت الأم مرة أخرى. معها الآن شابة نحيفة. رائعة الجمال. هل أنا وحش أيتها السيدة المحترمة جداً؟

    أحضر الشاب العديد من كتب مكتبتي. ألقاها في الفناء. هتف للصغار بلغته الغريبة. فأسرع هؤلاء إلى الكتب يحملونها إلى الخارج.

    إنها كتب عظيمة أيها السادة تحتوي أراء قيمة لمفكرين كبار خدموا البشرية. ألقوا ثيابي، أحرقوها، أما هذه فلا!

    سمعت طرقات على الباب. مضى الوالد. بعد لحظة دخل مع ضابط المركز في حينا. فرحت كثيراً بمجيئه. كأنه على موعد مع هذا الكابوس. أنه أحمد، أحمد زميلي القديم في الدراسة، الذي كان يعتمد علي كثيراً أيام الامتحانات.

    اقترب مني. نزع المنديل. هتفت:

   – من هؤلاء؟ من هؤلاء الغجر؟

   – …………..

    – لقد حطموا أعصابي. أنقذني منهم. كدت أعتقد أنه حلم رهيب لن ينتهي.

    – أصبر لحظة حتى نحقق في الموضوع.

    – إنه بيتي يا أحمد. دخلوا علي، واحتلوا منزلي بكل قوة وعنف وبشكل لا أخلاقي.

     ـ انتظر لحظة حتى أسمع أقوال السيد .

    – تسمع أقواله…؟ ألا ترى وضعي الموضوعي..!

    ثم منذ متى تعرف أنت لغة أجنبية؟؟

    – إذا لم تسكت سأضع المنديل في فمك القذر.

    كانت ضربة قاسية. ثم راح يستمع إلى حديث الرجل الضخم.

    بعد لحظة نادى العديد من رجاله. أحاطوا بي. هتفت:

    – ما هذا يا أحمد؟ سرقوا منزلي وأنت تساعدهم؟!

    – أحمد الله على سلامتك. غيرك حدث له أسوأ مما حدث لك.

    ـ آه يوجد غيري أيضاً! يا لها من لعبة قذرة!

    – خذوه إلى السجن، حذار أن يفلت منكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ツ لحن الشتاء (قصص)، دار الغد، المنامة/ البحرين، 1975 .

(القصص: الغرباء  ـــ الملك ـــ هكذا تكلم عبدالمولى ـــ الكلاب ـــ اغتيال ـــ حامل البرق ـــ الملاذ ـــ السندباد ـــ لحن الشتاء ـــ الوحل ـــ نجمة الخليج ـــ الطائر ـــ القبر الكبير ـــ الصدى ـــ العين)    

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 31, 2023 23:12
No comments have been added yet.