أغلى دموع

 
[image error]

صارت رحلة الأطقال إلى صالون حلاقة أشبه بنزهة بفضل دموع ابن السيدة جوانا، التي افتتحت صوالين خاصة مزدحمة بالألعاب والدمى

اصطحبت جوانا ميسليس ابنها الصغير، بين (3 سنوات) إلى صالون حلاقة؛ لتقص شعره لأول مرة. لكن رفض أكثر من صالون استقباله بحجة ازدحامه تارة وبحجة عدم استقباله للأطفال تارة أخرى. بعد عدة رحلات مكوكية وجدت الصالون المناسب. استقبلتها موظفة الاستقبال ورحبت بها وبابنها. طلبت السيدة من جوانا أن تنتظر قليلا إثر انشغال المقعد المخصص للأطفال حاليا. بعد نحو ساعة عادت إليها السيدة ودعتها لاصطحاب ابنها إلى المقعد المنشود. استقبلهما هناك حلاق منهك. شرع بقص شعر الطفل دون أن يسكب ابتسامة أو كلمة من شفاهه. اختلطت دموع الطفل بشعره دون أن يحرك الحلاق ساكنا.

أخرجت جوانا من حقيبتها كاميرتها الشخصية والتقطت صورتين لابنها والمقص يتنزه في شعره لأول مرة. فرغ الحلاق من مهمته كما بدأها ببرود وصمت كبيرين. دفعت جوانا الحساب وعادت إلى المنزل برفقة طفلها ودموعه. في المنزل روت لزوجها ما حدث. وقبل أن تكمل الرواية، قالت: “ما رأيك أن نفتتح صالونا للأطفال فقط؟ صالونا يشبه ملاهي الأطفال يزدحم بالألعاب والبالونات والابتسامات؟”. قاطعها قائلا: “فكرة عظيمة”.

لم ينته ذلك اليوم حتى اختمرت الفكرة في رأس جوانا وبدأت في الشروع في كتابة جدوى اقتصادية للمشروع. استعانت بصديقتها ووالدها. بعد 3 أسابيع خاطبت معهدا للتدريب على الحلاقة للظفر بحلاقين يفضلان العمل مع الأطفال. رشح لها المعهد أربعة حلاقين واعدين. أجرت مقابلة شخصية معهم جميعا واختارت اثنين ووعدتهما بأجر سخي. في غضون 6 أشهر حصلت على الحلاقين والمحل وانتهت من الإجراءات الإدارية. افتتحت صالون Snip-Its وسط تفاؤل كبير. ملأته بالدمى والألعاب وتلفزيون يعرض مسلسلات كارتونية متواصلة. لكن لم يحظ بإقبال يتناسب مع تطلعاتها. وزعت تذاكر مجانية على مدرسين ومدرسات في المدارس المجاورة. وزع زوجها هو الآخر تذاكر مجانية مع مطويات دعائية على زملائه في العمل. أخذ المحل في الانتشار والتوسع شيئا فشيئا. فبعد أن كان يحتوي على مقعدين أصبح يحتوي على ستة فعشرة.

أصبح المحل لا يقبل الزبائن الصغار إلا بموعد مسبق يصل إلى أسبوع. بعد نحو عامين افتتحت فرعا آخر في مدينتها. وفي العام الذي يليه انتقلت جوانا لافتتاح فروع جديدة في ولايات أمريكية أخرى. اليوم تمتلك جوانا أكثر من 63 فرعا والرقم في اطراد والسبب صالون حلاقة لم يعجبها.

دائما تضايقنا أشياء كثيرة حولنا، لكن هل سألنا أنفسنا ماذا فعلنا إزاءها؟ إننا لا ندرك في أحيان عديدة أن الضيق قد يكون مصدرا لسعادتنا لو تعاطينا معه بذكاء. فجوانا التي تضايقت من أسلوب تعامل صوالين الحلاقة مع طفلها (قبل نحو 17 عاما) بادرت بافتتاح صالون بمواصفات تشتهيها فأجهزت على الضيق ونالت النجاح والسعادة معا. حولت دموع ابنها إلى مصدر ثراء.

 جاسون توز ودستون كوبال لديهما قصة تشبه إلى حد كبير قصة جوانا. فقد عانيا من تفاوت أسعار الوقود في المحطات. ووجدا صعوبة بالغة في العثور على أنسب الأسعار في موقع إلكتروني واحد. فالشركات عديدة وعروضها مختلفة ومشتتة. انزعاجهما من عدم وجود الخيارات في موقع واحد جعلهما يقومان ببرمجة موقع يوفر للمستهلك في معظم أنحاء العالم فرصة لاستطلاع كل الأسعار في مدينته وغيرها بضغطة زر في موقع باسم (غاز بودي). الموقع حقق نجاحا كبيرا في فترة قياسية حيث بات هدفا للمعلنين الكبار والصغار. تحول الموقع إلى شركة كبيرة يعمل بها عشرات الموظفين ويحقق أرباحا عالية ويتلقى عروضا بالملايين للاستحواذ عليه.

حاجاتنا واحتجاجاتنا قد تقودنا إلى سعادة لم نلمسها أو نتذوقها من قبل. ألم يقل الأوائل: الحاجة أم الاختراع. إن ضيقنا ينبغي أن يكون البوصلة التي تهدينا إلى الطريق الحافل بالضوء والأمل. إحدى مشاكلنا الرئيسية أننا نتعامل مع الضيق كأنه نهاية الطريق رغم أنه الخارطة التي ستمدنا بالبهجة.

عبدالله المغلوث