ضعف اليسار وانتشار الانتهازية

تعبر المعركة الانتخابية البحرينية الواعدة عن دخول اليمين المذهبي بقوة شديدة، مع ضعف فصائل اليسار المختلفة.
وهاتان السمتان تمثلان وجهي العملة، فقوة اليمين المذهبي تستندُ إلى ضعف اليسار وضعف اليسار يقود إلى قوة اليمين الطائفي بفصائله المختلفة.
والفئاتُ الوسطى المرتكزة على هذا الوعي اليميني المنتشر تقود بالضرورة إلى التهاون في قضايا العمال والموظفين عموماً، فالوعي المذهبي السياسي غير ملتزم بأي برنامج لمصلحة الشغيلة، وهو عبر هذا الغموض الاجتماعي يصَّعدُ بعض افراده لحيازة المكاسب.
إن الوعي المذهبي السياسي كوعي انتهازي عميق يحتاج إلى مثل هذا الغموض لعدم الارتباط بالقوى الشعبية وتغيير أوضاعها الاجتماعية، ولبقائها في خدمته.
ويجرى هنا استغلال الإسلام لخلق مثل هذا الدخان الاجتماعي لتصعيد الانتهازيين.
وبالتأكيد يجرى ذلك عبر الطائفية وليس عبر التوحيد الإسلامي.
فنحن نتمنى أن يسيروا على درب عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب في مكافحة الاستغلال، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داود؟
والطائفية بحد ذاتها إعلان عن توسع تمزيق الشعب وتوسيع هذا التمزيق إلى مستويات سياسية عليا.
وضعف اليسار هو الوجه الآخر لقوة اليمين، فاليسار بذيليته لقوى الطائفية، قام بتمزيق صفوفه، لعدم قدرته على الارتقاء إلى مهمات الإسلام التوحيدية، والوطنية، والإنسانية، وتبعيته للطائفيين.
وتمزيق صفوفه تشكل لملاحقته الشعبية السطحية لهذه القوى، وبدغدغة عواطف الجمهور الجاهل بمصالحه، الذي يقود نفسه للكوارث، كما تشكل ذلك بالضعف التنظيمي الداخلي والصراعات الذاتية، التي شكلها أفرادٌ مرضى معقدون منفصمون عن معارك الناس، ومهووسون بذواتهم الفارغة المريضة. إن طرد هؤلاء من صفوف اليسار صار مهمة ملحة للقواعد بأسرع وقت ممكن.
ومن هنا فالوعي الوطني الذي علامته البارزة هو اليسار في هذه المرحلة والمرحلة السابقة، لم يجد ممثلين بارزين له. ومن هنا ستتواصل اللعبة الذاتية في استخدام قضايا الناس لتعبئة الجيوب.
كما يتضح ذلك في ضخامة أعداد المستقلين، الذين لم يحسموا الخيار التاريخي بالصراع الوطني ضد الطائفيين وضد الاستغلال على أغلبية الناس والعاملين؛ والذين يتمسحون بأذيال الطائفيين لتصعيدهم إلى الكراسي، وليس في نضالهم من أجل مصالح الجمهور، التي تترابط مع النضال الوطني ومع قيادة اليسار في هذه المرحلة من التاريخ.
وأقول اليسار لأن الفئات الغنية العليا صمتت عن الكفاح خلال العقود السابقة، ومن يحمل خطها الآن في المعركة، لم يثبت موقفه بشكل ملموس ومتجذر في الأرض.
ومن الواضح أن قوى التضحية تضعف مع ضخامة الجهل الشعبي، ولهذا فمن الصعوبة في هذه المرحلة هزيمة القوى الطائفية، لكن يجب عدم الاعتماد عليها حتى في هذه المرحلة؛ وبضرورة عدم خداع الناس بأن هؤلاء سيفعلون أشياء مهمة؛ والخوف أن يفجروا معارك مجانية داخل البرلمان، فنرجو أن يواصلوا التعقل الذي بدأوه مؤخراً بالركون للوحدة الوطنية والنضال السلمي الداخلي المتأني. وتتضاعف المسئولية في الخليج مع طرح الملف النووي الإيراني وما سوف يحدثه من كوارث على المنطقة.
إن ظهور برلمان وطني توحيدي يكرس نفسه للولاء الوطني ولا يكون تابعاً لقوة سياسية خارجية يصعد الأزمات والصراعات تبعاً لريموت كنترولها، هو الخندق الأساسي الذي يجب أن نصطف فيه، مدافعين عن التطور الديمقراطي الداخلي في أي بلد، وبضرورة رفض التدخلات الأجنبية وإعطاء الشعوب حقوقها كذلك.
إن مهمات النضال الوطني التوحيدي ومعالجة المشكلات الكبيرة من تدني الأجور وسياسة سيادة العمالة الأجنبية وضخامة تلوث البيئة وعدم وجود تخطيط عمراني — اقتصادي متكامل الخ، ان كل هذه المهمات وغيرها يجب أن تكون بؤرة عمل البرلمانيين. لكن توجه المذهبيين السياسيين هو توجه طبقي بخدمة شرائح صغيرة في المجتمع.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 17, 2023 01:31
No comments have been added yet.