قصة أول مايو

كتب : عبـــــــدالله خلــــــــيفة

لم يكن ثمة من يعمل لتحويل أول مايو إلى احتفال بحريني، فهذا الاحتفال يشير إلى تكريم طبقة لم تحصل سوى على أشد أنواع العمل قسوة، وأقلها أجوراً..

ولهذا مرت جل سنوات الخمسينيات وأغلب سنوات الستينيات من دون اهتمام بعيد العمال العالمي, رغم بداية الحضور السياسي المكثف للعمال في الحركة الوطنية, حيث كانت الطبقة التي رفعت الزعماء الى اهدافهم, ومنذ الستينيات أخذت طلائع العمال بالتعبير عن الطبقة كطبقة مستقلة لها مصالحها المتميزة عن عموم الطبقات الوطنية.

وكنا كطلبة أو مثقفين في تنظيم عبر عن حركة العمال وهو جبهة التحرير الوطني, لم نكن ندخل في خصوصيات الطبقة وعالمها اليومي, وصنوف صراعها المعيشي على الأرض المتفجرة بالعرق, والدم, بين الآلات والدخان. أما الجيل القديم جيل الغوص الذي كان قاعدة الصناعة والأعمال اليدوية فكان بالكاد يعرف ماذا تعني نضالية الطبقة العاملة الحديثة!

وكان هذا من نصيب شباب العمال وقتذاك الذي أمتلك نصيباً من المعرفة, وزجت به ظروف الفقر والاستغلال تحت سيارات الشحن والنقل وفي (سالم الخطر) وعرف أفران الموت الصاهرة. خاصة شباب مدرسة بابكو الفنية التي ازدهر فيها الوعي التقدمي خلافاً لإرادة الشركة وطابع عمالها المسالم المسترخي في ظل امتيازات تفصله عن بقية العمال.

كانت الحورة كغيرها من الأحياء الشعبية تضج بحركة هذا الشباب, وكان العامل محمد أمين الذي عمل في بابكو طويلاً, من العمال الشباب المهتم منذ أواخر الستينيات من القرن الميلادي الماضي, بقضايا العمال المعيشية والعملية, وقد خطرت له هذه الفكرة البسيطة بأن يكرس جزءاً من وقته لتعريف العمال بقصة أول مايو, وأي مراجع لجريدتي الأضواء وصدى الأسبوع في تلك السنوات سيجد أسم محمد أمين أو أي أسم مستعار, يتعمد الكتابة قبيل شهر مايو عن حدث أول مايو وكيف ظهرت المناسبة بعد أحداث أمريكا والتعسف ضد العمال الذي جرى في نهاية القرن التاسع عشر. لكن هذه التعريفات والكتابة لم تحول المناسبة الى فعل احتفالي, ولهذا فقد تحول محمد أمين إلى التنظيم لكي ينتبه المثقفون والعمال للمناسبة ويجعلوها تسري بين العمال, ولهذا أقترح كتابة ملصقات صغيرة شعارية ورسومات تعلق في الشركات والمصانع عن المناسبة. هنا تحولت الفكرة من فكرة فردية إلى انخراط حشد من العمال الشباب والطلبة في الكتابة والرسم وتوزيع الملصقات والمنشورات عن اول مايو, ومن المجموعة الصغيرة إلى أن غدت الفكرة تضم عدداً كبيراً من العمال.

وبدلاً من شباب عمال بابكو المتميزين دخل عمال شركات المقاولات والشركات الصغيرة الذين كانوا رئة العمال في التحركات, حيث كانت الأجور الهابطة وعدم وجود عمل ثابت, تجعلهم يجمعون بين الإضرابات والدعاية النقابية وليدخل مطلب أول مايو أجازة محسوبة.

وتوجهت الملصقات إلى التعبير عن المشكلات الرئيسية للعمال كالعمل من أجل تحديد ساعات العمل أو المطلب التاريخي بتحديد الحد الأدنى للأجور الخ..

تم نقل الشعار الى احتفالات حقيقية فيما بعد, لكن يوم العمل ظل بلا إجازة فتجري الاحتفالات بشكل ليلي, ومن خلال تجمع حشود العمال, وتحولت الفكرة في التنظيم الى مطلب سياسي ضمن المطالب المدرجة عن الديمقراطية.

وهكذا حين تشكل أول مجلس منتخب رفعت كتلة الشعب مطلباً بضرورة تحويل أول مايو إلى يوم إجازة, أسوةٍ بمختلف بلدان العالم.

وتم الاعتراض على هذا المقترح من قبل كتلٍ متعددة بالقول أن أول مايو لا يندرج في اعياد المسلمين كعيد الحج والفطر, وحين احتج نواب كتلة الشعب بأن البلد تحتفل بعيد الاستقلال, وهو ليس عيداً دينيا, تحكم التصويت بإجهاض المقترح.

ورغم دخول البلد في عواصف الانقلاب على المجلس المنتخب وتوسع البناء الاقتصادي وانهمار العمالة الاجنبية فان المناسبة أفلتت من يد النخب الصغيرة وغدت مناسبة شعبية يتم الاحتفال بها بأشكال غير رسمية, رغم غياب النقابات وسرية المنظمات.

وفي السنوات القليلة الماضية لم يحتج البلد إلى صراعات ومناشدات لكي يتحول أول مايو إلى اجازة, بل غدا ذلك بعد أن ذاب الجليد, لكن لا يزال بعيداً أن يكون عيدا بهيجاً يحتفي به أغلب العمال ولهذا فانضمام أغلبية العمال ينتظر تحوله من يوم اجازة وتذكير سياسي إلى أن يكون عيداً احتفالياً سعيداً.

محمد امين محمدي

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 30, 2023 22:48
No comments have been added yet.