التسجيل المغلوط (الاستعمار البرتغالي)

حين تريد أن تكتشف مقاومة الشعوب في منطقة الخليج والجزيرة العربية للاستعمار البرتغالي فلا تعثر على  مواد مهمة، بل هي نتفٌ صغيرة ضائعة متناثرة.

في حين إن البرتغاليين سجلوا الكثير جداً من الواقع لكن من خلال رؤيتهم الخاصة، باعتبار أن ما يقومون به هو إبادة لجنسٍ متخلف (بربري) هو جنس المسلمين، ولهذا فإنهم في كتبهم يسجلون المذابح التي تجري ضد هذا الجنس الذي يستحق الإبادة!

وحين تقرأ السجل الضخم لــ(أفونسو دلبوكيرك) باجزائه الأربعة والصادر عن المجمع الثقافي بأبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وعبر ترجمة عظيمة للمترجم الدكتور عبدالرحمن عبدالله الشيخ، فتذهل كيف يقومون بتسجيل كل شيء في هذه الرحلات الدموية، لكن لأعمالهم ولدورهم الحضاري، دون أي مواد للشعوب المهاجَّمة، فلا تعرف أية مدن وقرى جرى إزالتها من على الخريطة!

ومع ذلك فهي موادٌ من الممكن استفادة الباحثين منها لتاريخ المنطقة المجدبة بدرس تطورها العمراني البشري العام.

وتوضح هذه الموسوعة التاريخية المكرسة لهذا القبطان الجزار، التناقضات السياسية التي حدثت في تلك الأزمنة ومواقف الدول الكبيرة: فارس والدولة العثمانية الزاحفة لالتهام المشرق ونضالات شعوب الخليج في ذلك الحين، وهي نضالات بطولية غير مسجلة لا تاريخياً ولا أدبياً.

ونظراً للقوة الهائلة للبرتغاليين قياساً بدول المنطقة المفككة والمتخلفة والدمار الهائل حسب المذكرات المسجلة عن القبطان سيء الذكر والذي سببوه في المدن، فإن مملكة فارس في ذلك الوقت لم تجد سوى التقارب مع البرتغاليين على ما فيه من فداحة دينية وتاريخية.

فقد كان الأتراك يزحفون من جهة ثانية على العراق وفارس نفسها، مسببين مجازر أخرى، ففي مدينة إيرانية قتل خمسون ألف إنسان.

وهذا قد فجر الصراع الطائفي بين الإيرانيين والأتراك على أوسع أبوابه، بدلاً من اختيار التعاون والتصدي المشترك لعدو واحد!

ومع هذا الزحف الهائل العثماني من تركيا إلى كل البلدان العربية، فإن مقاومتهم للبرتغاليين كانت محدودة جداً، وقد جرت بالنيابة عبر المماليك في مصر أو من خلال تأييد العرب في الخليج، لكن هذه الأمبراطورية العثمانية الشاسعة لم تشكل صراعاً جدياً مع الاستعمار الاستيطاني البرتغالي المتخلف.

هذه هي الظروف للتعاون الفارسي البرتغالي في ذلك الحين، ولترك دولة إيران حينذاك للبرتغاليين إمكانية التوسع في الخليج واحتلال القطيف والبحرين، وقاومت الشعوب الصغيرة بضراوة هذا التمدد المسلح، رغم إن مملكة هرمز وقتذاك وهي المطلة على بوابة الخليج قامت بقيادة ثورة عارمة ضد البرتغاليين.

وقد قام ممثلو السكان وبمختلف طوائفهم بالتوجه لقادة الدولة العثمانية لمساعدتهم ضد هذا الزحف، والتقوا بهم في بغداد خاصة، لكن المساعدات كانت ضئيلة، ولكن هذا كان تعبيراً عن وحدات وطنية فذة ضد أول استعمار، وترى كيف توجه ممثلو البحرين والقطيف بوفودهم للدولة العثمانية من أجل مساعدتهم في التصدي لذلك الاقتحام الشرس.

لكن الدولة التركية بقيت مستولية على البر ولم تطور نفسها للتصدي لموجات الاستعمار المتزايدة والمتطورة أكثر فأكثر.

في هذه الحقبة التاريخية تم اعتماد تسمية البحرين لجزر أوال، وغدت مناطق شرق الجزيرة كالقطيف والأحساء ذات أسماء خاصة، وهو أمر يشير إلى التوسع السكاني لهذه المناطق وتفكك وحدتها السابقة.

عموماً فإن تزوير التاريخ صار عادياً وكثيراً ما يبقى في حين لا تقدم القوى النضالية العقلانية رؤيتها في الأحداث تاركة الأمر لقوى التدخل الأجنبي وللمزورين من كل لون.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 20, 2023 18:49
No comments have been added yet.