غليــانُ المياه : قصة ــ عبـــــــدالله خلــــــــيفة
مستنقعٌ هائلٌ يحيطُ بالأرض. تخرج كائناتٌ مشوهة، بشر بذيول، نسوةٌ مجنحات يطرن ويسقطن، ضفادع تتكلم..
ثم يخرج رجلٌ هائل يمسك النجوم كالمصابيح، تهجم عليه الكائنات، تصير جزءً من وحله ورماده وحلمه.
أخيراً مات عبدالإله. طال عمرهُ المتحد مع عمر الشجر العجوز وقواقع البحر وهضاب المدينة التي تحيطُ بها مثل القوس المعد للانطلاق.
الرجل الكهل الذي لا أحد يعرف كيف جاء وأسس المدينة مع الأشباح وجنيات البحر وحكايات البدو الرحل الهاربين من الثأر وضجيج الرمل الذي لم يكن له سلف كأنه نيزك سقط من السماء على الأرض، وبعده ظهرت السحالي والثعابينُ والبشر ثم تكاثر نسله حتى لم توجد بينهم صلات إلا الثأر والعداوات.
مات ببطء في زمن عاقر ممل فاجر، عروقه تخرج من نوافذ غرفته لتصل الزروع والبط والخرائب والهوام.
مات ميتة (طبيعية) ومع ذلك أْتهم علاء بقتله. لم يجدوا سماً أو لقاحاً مضراً أو حتى تميمة سحرية. كانت زيارات علاء نادرة لا تتعدى بعض الكشوفات على أخاديد الجلد وتهويمات ليلية في غبش الذاكرة وأحياناً معارك سباب ورفع الأقلام مثل الخناجر.
جمهور الحي ثم بالتدريج جمهور المدينة لم يصدق ذلك، كان يستبطن حياة خلاقة لـ عبدالإله يعتبره مثل الماء والهواء والزواحف والتمائم، كان عبدالإله هو المسؤول في ظنهم لتدفق أول ينبوع مائي ثم لسلسلة من الأنابيب الصدئة لدائرة إسالة المياه، وهو أول من ختن وعرس وتشاجر وقتل وسرق، فلم يكن علاء سوى صبي صغير تعلم في إحدى كتاتيبه وإحدى مدارسه بعد ذلك وفجر معمل الكيمياء ولجأ للجبال.
وجدوا صلة بين تمرده وسوائله الغريبة وعودته للطاعة ونشره للبخور حول عبدالإله ثم موت هذا الأخير دون أن يُعرف له نسل أو مواريث لكن موته صار حياة كذلك.
كانت في حياة علاء قصة حب تمنعه من قتل أحد.
إلهام صبية جميلة لم تعرف سيرتها الرملية بل ظهرت فجأة كجنية، كعاصفة من السحر، وبدت جزءً من الشواطئ الذهبية، وفي أول رقصة لها تحرك عبدالإله على جثمانه الأرضي السماوي الواسع، وحين أسست محلها كاد أن ينهض لكنها مضت لـ علاء ووظفته في معملها، وهذا الشاب الفقير، وليد الحارات القذرة ذات الشجارات والمعارك المستمرة ذُهل من هذا الاهتمام لكنه ظل عاملاً في سرب المعدمين.
ازدادت انتفاخات عروق عبدالإله صارت مثل لحاء الشجر المسوس المريض، وراحت تنتشر وتخنق النبتات الصغيرة الكثيفة في الأحواش والممرات.
حب علاء المتفجر بقى حلماً، تنهيدات في مقهى، تجديف في قارب، صيد سمك دائماً هارب.
المرأة التي صنعت بيتاً آخاذاً حولته لما يشبه الجزيرة الخضراء عند البحر، تتراقص عندها أسراب السمك دون أن يصطادها أحد!
مجالسها خلوات شعرية، حكي سحري يفند ألف ليلة ويجعل الحرفيين يصنعون الطائرات، والنسوة يحبسن ألف شهريار.
جثوم عبدالإله صار عواصف، ظهر كرسيه في الآفاق وفي معيته زوابع الغبار وهجرات القبائل، كلما تحركت سيقان إلهام انتشر الجراد والغبار.
وحين انفجر العرس في الحارة الكئيبة قـُلعتْ غابات وترنحت معامل الحرفيين البسطاء ولاذوا بالفرار واعتبروا المزيج الغريب المكون من إلهام وعلاء خطراً.
لكن الحبيبين اختليا ببعضهما ونثرا الورد في الأسرة والعبق في الأزقة، وحلقا حتى السماء العاشرة بين قناديل النجوم وفوانيس علاء الدين المليئة بالسحرة والأطفال.
تحولت عروقُ عبدالإله لأفاعٍ كبرى هجمت على محلات الحلوى وصارت غرباناً ملأت الأزقة بالنحيب، والنعل المقطوعة الهاربة للصحارى.
وتعالت زفةُ العرس والسرير السماوي ذو الشموس الأربع وتعلق الزوجان من شعريهما في سقف حتى سقطا كل في جهة قصية من الأرض.
في البرية القاحلة وجد نفسه، وضواري الأعشاب تلتهمه وهو يتجدد شجراً وأغان.
من البدو الرحل، والإبل الجائع، والطرق المفتوحة العيون غدا جمعه السائر بين الكثبان والضواري والممالك والركبان.
إلهام وجدت نفسها جارية في زجاجة ضوئية علاجاً للعشق والعمى والأسى.
راح الأمير يمشط شعرها بأظافره، ويقذف جسدها بين أسرته وماعزه فيجدها تتوارى وتصير غيمة ويطعنها فتغدو نجمة.
يمشي علاء في الصحراء وصحبه، يرعون الغنم، يصطادون، يصادقون القرويين الذين يمدونهم بالخضار والفواكه.
يرى علاء عابدي الأصنام يقيدون ويضربون فيفك أسرهم ويطلقهم.
ثمة جموع تـُؤخذ لانتزاع أضحية منها، يعلو صراخ الضحية ويكاد يُحذف بين التماسيح فينجو.
القرويون يغضبون ويقذفون الحجارة على جند المملكة الذي ينتزع الصبايا ويسلب البساتين.
البدو يساعدونهم فيتدخل علاء، ويصرخ عبدالإله:
ـــ هؤلاء عبيدي فكيف يقاومون ويهزمون ويطردون من الأرض الخضراء التي أعطيتهم إياها؟!
تتفجر الزوابع في السماء وتنزل بروق وسيوف لامعة من الضوء والنار، تلتهب بيوت تتشرد نساء وأطفال ويلجأ الرجال للجبال.
يُحبس علاء في كهف، يقول عبدالإله:
ـــ لا أريد لهذا الصبي أن يخرج للبرية، للناس، لقد أسقطته من عل للطاعة لا للتمرد.
كان يصادق الحراس والسحرة والباعة فأنفك أسره وحلم عبدالإله به وهو يجيء ليقتله فأسقطه فوق حجارة مسنونة فرح وهو يسمع صرخاته الأخيرة!
لم يعد فراشه عرشه مريحاً، حلق في السماء، تمدد في الزرقة، حول النجوم لقناديل، لكن ضجيجها كان يزعجه والقمر يدور متقلباً بمزاج سيء.
ينزل للحارات. مزدحمة، ملأى بالدخان والغبار والرماد والإشاعات والنيران والقار المشتعل.
البيوت صغيرة ضيقة متراكمة فوق بعضها البعض، مزدحمة، نساؤها متغطيات لا تظهر سوى عيونهن، والرجال مختنقين في ثيابهم الضيقة.
يبتسم بفرح حتى تختنق ابتسامته وهو يرى صبياً وصبية يمشيان معاً.
ـــ لا بد إنكما أخ وأخت؟
ـــ بل صديق وصديقته!
يغضب، يخط أسميهما، ياسمين ووليد.
يا للمنكر!
تهب العواصف الغبارية من الصحارى وبلداتها، تضج صرخات البدو، وتشخب خناجرهم وبنادقهم بالدماء، يجلس على مقعده الرفيع الواسع الوحيد تحيط به برك الدماء.
تنهال الطائرات على صحب علاء بالقنابل، يسرعون نحو الجبال والكهوف، تتقطع أجسامهم، تغدو وجبات دسمة للذئاب.
يتطلع بضراوة لياسمين ووليد الجالسين في مقهى يتجاذبان أطراف رواية.
طاولة وسخة وذباب كثيف وحب غامض.
يقول وليد بغضب:
ـــ أي حارات ! أي بؤس؟
ـــ لنصبر وننشر كلمات النور لا بد أن ثمة حياة أخرى في نهاية الممر.
قال بحماس:
ـــ بالتأكيد! لدي جماعة في العمارات مسلحة بوعي صارم!
ـــ لكن أغلبهم من خارج الديرة.
ـــ هم بسطاء شجعان مستعدون لمعارك ضارية!
ـــ يا وليد لا تبالغ.. لقد قلت أشياء ثمينة عن صديقك إسماعيل الشملان.. وأنظر ماذا صار؟ بعد أن أفتتح شركته صارت كلماته غريبة غامضة.
ـــ لا يزال فيها نفس.
ـــ إنه يحلق بعيداً، والحارات المخنوقة والزحام والنار والقار كلها بعيدة عنه!
رجع وليد لفيضانه، تحلق حوله الشباب، يلتهبون لصوته، يرجع لشقته الضيقة متأففاً.
والدته العجوز تختنق. تتكاثر عليه الرؤى، الورق الأبيض يظل مصقولا، لا يعرف لماذا أصابعه لا تطاوعه؟
يقول له إسماعيل:
ـــ مضت عليك سبعة شهور لم تكتب قصة واحدة!
ـــ تغسلني رؤى كثيفة، لم أعد قادراً على هذا القالب الصغير، تهفو نفسي لعمل كبير . سوف أزيح هذا الظلام في الحارات، ستساقط القيود التي صنعها هذا المسخ المسمى عبدالإله…
ـــ خفضْ صوتك!
ـــ لدي أساطير غريبة، وكيف أن هذا المسخ يظهر من مستنقع ويصعد للسماء!
يتوارى عن ياسمين، يتزوج بدوية لم يمسسها أحد، نقية من البراري.
يأخذها في زفة مع حشد البسطاء، تحيط بها الجدران والصمت وأواني المطبخ.
يذهب للوزارة تعباً، حتى جاءته الترقية الغريبة المفاجئة.
مكتب كبير، سجادات لامعة تقود لموظفين كبار.
يقول إسماعيل:
ـــ قرأت الرواية بل هذا العمل الضبابي، أنسه!
ـــ أنت تحسدني على إنجازي.
تضخم مكتبه وراتبه وأسكنته الوزارة في بيت فخم. وظل على بعض صخبه، أخذت كلماته تبرد، ازداد نفوره من إسماعيل وكتابته.
كوابيس تلاحقه وعبدالإله يسحب عشتروت على الأرصفة الدامية.
يحال أن يكتب، كلمات تتناثر، صراخ الزوجة في المطبخ والسرير، يركض للسوق والمقهى والدخان.
عبدالإله يضحك مسروراً. راح يتمشى في الحارات وينثر الكراسي.
الرثاث في كل مكان. باعة كهول تلتصق أخاديد جلودهم والمعلبات. مشترون مثقبة أرواحهم وتسقط ذائبة قطعُ النقد الصغيرة. زوجات حوامل يضعن أشباحاً في كل الدروب.
يقف عبدالإله مرعوباً وهو يرى الشاب الغريب ذا النظارات السحرية. كلما قرأ عينيه رأى أدغالاً ومتاهات، يحاول أن يقبض على شيء فتلسعه حشرات.
أصطاده مع ثلة تهرج وتكسر طبقة السماء الأولى فتتساقط على الناس نظريات وخرافات وحشرجات.
بكوا طويلاً، كتبوا قصاصات ورق ملأتهم بالحشرات، ظهروا على هيئة وزغ وحيات
حميد ظهر وكله ورق مليء بالكلمات وخرائط الكنوز والمناجم. يجثم مع صحبه فلا يعرفهم. يحيطون بطاولة تتأوه من بقاياهم ولعابهم وأظافرهم.
حميد العجمي ذو شعر كثيف ولحية ونظارة يؤكد على مقولات الدين الأولى، الحصى المقذوف على أصحاب اللذة المحرمة، الأيدي المقطوعة لمسك قطعة نقد ساقطة، يضحك ويهتف:
ـــ هذا هو دينكم فأرجعوا للنصوص يا منافقين!
يصرخون عليه:
ـــ ألست أنت الذي لا تحضر صلاةً وتسخر من الملائكة والجن وعذاب القبور؟
يقرأ من ذاكرة ملآى آيات وأحاديث وهو يضحك، يكتسح زجاجة الفودكا:
ـــ ليس ثمة سوى هذه البقايا فلا تدّعون جدةً وإضاءة!
يصرخ رضي:
ـــ ما لك وهذا الحقد على هذه الديانة؟
ـــ أنت تقول ذلك؟ ألست ملحداً؟!
الثلاثة الباقون يثرثرون وكأنهم لا يسمعون، رضي يصرخ ولعابه يتطاير:
ـــ كل ما تقوله هراء، أنت مزدوج بين عبادة الأصنام وكسرها!
يغمغم سعيد:
ـــ أنا لا أعرف من أنت؟ تسخر من الدين وتجلب أقدم النصوص وترفعها لمقام سامٍ!
يرد حميد:
ـــ هذه قراءتك الرديئة!
يكمل بحزن:
ـــ أرسلت بحثاً مبتكراً للجريدة فلم يقولوا كلمة واحدة!
برد رضي:
ـــ تشتم الناس وتريد أن يفتحوا الباب؟
يقف وحيد غاضباً:
ـــ سوف أدمر هذه الحارات الرثة، وأنسف عبدالإله، لدي من الوسائل التقنية المبتكرة ما يصنع حضارة جديدة!
يمشي نحو شركة الصرافة الوحيدة التي يملكها عبدالإله. تتراقص أعضاؤه كأن ريحاً تضربها.
يتجاوز الطابور الرصيف، ويصل حتى فندق الأمير ويعبر المقبرة وقلعة الرشيد وسور جلجامش حتى يصل لأكبر محل فلافل.
لا زال حميد يتراقص في الريح، يضع المتفجرة في معطفه، كأنه أضاع محل الصرافة ودخل فندقاً، حشد متدفق من العاهرات يختلط به ويضج حوله ويدغدغه.
تنفجر العبوة، تطيح ببراميل القمامة التي لم يرها، تتشرد العصافير في السماء بلا شجرتهم الوحيدة، إحدى الراقصات تـُرفع كأشلاء.
يصرخ عبدالإله:
ـــ الكلب عدو الله شرد زبائني! لماذا هؤلاء لا يكفون عن صنع المحن؟ هذا النسل الذي لا يتوقف عن… الخراب! في التاريخ الملعون عند الله ورسوله قاموا بموبقات لم يعرفها الناس من قبل
ها هم يقطعون الأرض الزراعية والبساتين ويخربون الزراعة وهم يبعثرونها ويحرقونها على أهل الفلح الأغبياء!
ها هم يخرجون في عصابات مسلحة نحو بيت الله العظيم! يسكرون وينادمون الكواكب والنجوم ويغنون. يهجمون على المصلين والركع السجود ويخطفون الحجر الأسود!
يقول أحدهم واسمه مجيد:
ـــ سوف نبيض هذا الحجر الأسود من أعمالكم ونعيده!
يقول حميد:
ـــ سوف يجهز كتابي في بضعة أشهر قليلة.
كان عبدالإله يغمغم:
ـــ ماذا يفعل بي هذا المعتوه؟
يصرخ حميد:
ـــ من أين جاء هذا؟ إذا عرفنا من أين جاء بطل سحره!
أستغرق في البحث.
عرف إنه قاطع طرق، أستوطن خرابة مع مجموعة من أتباعه ثم كون قصراً فوق السحاب.
أندس لأهل الحارات وحول لنفسه لمعبود!
حين جهز الكتاب وضعه في المكتبة، لكن لا أحد يشتري.
تبين العنفوان منذ يهوه ذاك الذي يصرخ: أنا الموجود الأوحد!
منذ مردوخ. جاءت رياح بابل ساخنة وعواصف نبوخذ نصر .
( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. قال إني أعلم ما لا تعلمون)
أنا رب الأرباب فاعبدوني!
أنزل عليكم من السماء غضبي فاتقوني، وأجعلكم بين الأمم أمة فريدة!
أنظروا صواعقي شردت الأمم الغازية ولكنكم الآن في الأسر لأنكم خنتم الميثاق ونسيتم إلهكم!
حميد يمشي في الحارات ويتطاير عطره، يملأ الورق الذي يدس تحت عتبات البيوت، السماء الأولى تتكسر، يشعر عبدالإله بالدوار، الزوجات المسلسلات يخرجن من الحظائر ومسلسلات الشهد والدموع والنوم.
صرخ عبدالإله:
ـــ سترون ما أنا فاعلٌ بكم؟
تتصاعد ألسنة النيران وسط الحارات، تعجز وسائل الإطفاء عن الدخول بين الأزقة الضيقة، تشوى أجسادٌ كثيرة، يشعر الصاخبون بضحكات عبدالإله المجلجلة، يرون السماء حمراء، والجثث تسير أكثر من النجوم والشهب.
الجنازات ترفع اسم الإله، الحشود تعود للأكل في اليوم الثالث.
تتصاعد صيحات لا إله إلا الله، تظهر جنازات طويلة عارمة في الحارات الضيقة، تكتظ وتضيق وترتفع الصلوات فتجيء ريح قوية، تقلقل النعوش ثم تحركها وتطيرها فوق رؤوس وأكتاف البشر حتى لا يرونها ويعتقدون أنها سقطت في المقبرة فلا يجدونها فترتفع أصواتهم بالحمد والشكر!
الأبصار شاخصة للسماء.
يحاول أناسٌ آخرون الانتحار لكن جنازاتهم تكون رتيبة غير خفيفة.
مرة أخرى يذهب حميد للجريدة، لم يقابل مدير التحرير بل رئيس التحرير هذه المرة. أحتفى به الرجل:
لم لا ننشر الكثير عن هذا الكتاب!
استرخى حميد في موقعه، أخذه أحمد صالح رئيس التحرير لبستان وبركة وجماعة تعزف وتغني وورق الشجر والعمر والأيام يتساقط.
كلما أراد أن ينشر فكرة أو فقرة وجد أصابع أحمد تتغلغل في يده. منظره الأنثوي يدعوه للداخل، لغرفة تبديل الملابس والأشياء والوجوه.
تأنق حميد وجلس خلف مكتب فخم، قلمه الضخم يضرب فقرات الكتاب ويطي بها، يجد فيها حشرات كثيرة للحرية ونشر السموم.
يكتب، يصرخ:
ـــ سوف تقرأ الملايين هذه الكتب، الآن هي تزدحم في المطبخ وفي الغرف لكنها سوف تنتشر، ستتعلم أجيال منها.
يضع الغوري على النار، يدبج رسائل لجهات متعددة في الأرض، ساعات وهو يطعن عبدالإله الذي يصرخ متأوها.
يشم رائحة غريبة في الشقة، ثمة دخان يتغلغل في القاعة، الغوري حرق ورق الكتب المكدسة تحت طاولة المبطخ، النار تلتهم المكان!
يضطرب، يتعثر، السنة النار تحيط به، وتفرح بكم الورق الكثيف المنتشر في كل مكان!
كوارتين الكتب المنتفخة النائمة تحت طاولات المطبخ، المنتشرة في الصالة تطلق ألسنة النار الواسعة، تشتعل الشقة وتمتد النيران للخارج، للعمارة الراقدة، للشقق التي تضج بصراخ الأطفال والنساء.
يقوم إسماعيل بانقلاب، العسكر يحتلون الشوارع ويسيطرون على الحارات وتعطى الجماهير أكياس الأرز والخبز فتخرج ثائرة على عبدالإله وخدمه.
ينتزع مكانه الاسطوري شبيه القصر شبيه الحلم يقذف بالحصى والغلمان يصرخون يبحثون عنه.
يدور عبدالإله حول نفسه لا يجد أجزاءه.
كرسيه في الأعالي يهتز.
(2014 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
❖ إنهم يهزون الأرض! «قصص» دار نينوى للدراسات والنشر 2017.
«القصص: رسالةٌ من بـينِ الأظافر – الأسود – عاليةٌ – جلسةٌ سادسةٌ للألمِ – غيابٌ – عودةٌ للمهاجرِ – دائرةُ السعفِ – الضمير – المحارب الذي لم يحارب – الموتُ حُبـَأً – إنهم يهزون الأرض! – حـُلمٌ في الغسق – رحلة الرماد – أعلامٌ على الماء – قبقب الخليج الأخير – المنتمي إلى جبريل – البق – رغيفُ العسلِ والجمر – عوليس أو إدريس – المفازة – قضايا هاشم المختار – أنشودة الصقر – غليانُ المياه».


