كيف تزيد سلامك النفسي؟
أصبح إيقاع الحياة هادرًا إلى درجة اللهاث خلف التزاماتنا وواجباتنا وأحلامنا، دون فرصة لالتقاط الأنفاس.. لذلك يلجأ الناس إلى تدريبات الاسترخاء والتنفس واليوغا، والرياضة والترفيه، وغيرها من الممارسات الشائعة التي ترشحها الأدبيات للتغلب على التوتر والضغط والترويح عن النفس. إلا أن بعض الناس يتمتعون بقدر من السكينة والاطمئنان أكثر من غيرهم بشكل تلقائي، وهي ظاهرة لفتت نظر العلماء مؤخرًا.
وحسب دراسة نُشرت في دورية دراسات السعادة، يرى علماء قسم العلوم النفسية والدماغية بجامعة ماساتشوستس أمهيرست أن أصحاب «الأنا الهادئة» أكثر سعادة في الحياة..
فما معنى هذا؟
الأنا الهادئة
في هذه الدراسة يقسم العلماء الناس إلى ثلاثة أنواع:
أصحاب «الأنا الصاخبة»، والتي تعني –كما هو واضح من اسمها– تمركز الإنسان حول نفسه بشكل يجعله أكثر أنانية، وقد يدخله ذلك في صراعات ومشاكل، وكأنه يحارب الحياة للفوز بمصالحه، وهو ما يزيد الضغوط الواقعة عليه.
أما «الأنا الصامتة» فتعني إنكار الذات تمامًا إلى درجة انعدام الشخصية وإهمال النفس ورغباتها، وهو ما يؤدي أيضًا إلى تراكم الضغوط وعدم تلبية الاحتياجات.
وبين هذا وذاك، يكمن الحل في المنتصف!
يطلق الباحثون مصطلح «الأنا الهادئة» على الشخص الذي لا يعتبر نفسه محور الكون، المتصالح مع الحياة متقبلًا ما فيها، وفي الوقت نفسه لا يتمركز حول ذاته أكثر من اللازم. ليس شخصًا أنانيًا يهتم بمصالحه فقط، بل ينظر إلى وجهة النظر الأخرى عند وقوع مشكلة بدلًا من الدفاع عن النفس طوال الوقت. هويته ليست منغلقة، بل يشعر بالانتماء للبشر جميعًا، ولا يحب التمييز بينهم على أساس العِرق مثلًا. لا يخجل من تطوير نفسه وقدراته باستمرار، مدركًا أنه ليس ثابتًا. لا ينفصل عن الحاضر، بل يعيشه بكل تركيزه متقبلًا كل ما فيه.
باختصار، هي صفة تتعلق بالشخصية والتفكير في معنى أن يكون المرء إنسانًا، حيث يوافق على عبارات مثل:
«أشعر بتطور آرائي وأفكاري بمرور السنوات – أتعامل مع الناس المختلفين عني بارتياح – أتبنى وجهة نظر الآخر لفهمها قبل اتخاذ موقف... إلخ».
فوائد نفسية
تقول هذه الدراسة، التي تحمل عنوان «تدخل الأنا الهادئة يعمل على زيادة السعادة…»، إن الذين يتمتعون بهذه القدرة يكونون أكثر قدرة على التكيف بعد التعرض لمواقف سلبية للغاية، كما أنها مفيدة للأشخاص الذين فقدوا وظائفهم، وكذلك تفيد الأمهات اللاتي يعانين ضغط رعاية طفل مريض بمرض مزمن.
باختصار: هي صفة مفيدة لمواجهة شدائد الحياة.
يضيف الباحث جوانيو ليو وزملاؤه أن التمتع بـ«أنا هادئة» يجعل الإنسان أكثر سعادة في حياته بوجه عام.
كيف ننمّي هذه الصفة؟
يقترح الباحثون ممارسة مهارة ذهنية تُسمّى «الوعي المنفصل»، التي تشرحها الدراسة كالتالي:
«القدرة على تقييد أو تقليل الحكم على الذات والآخرين، ليس فقط في الوقت الحاضر، ولكن حتى بعد مرور اللحظة الحالية. بهذه الطريقة تستطيع تأمل أفكارك ومشاعرك السابقة، ونقاط قوتك وضعفك. الوعي المنفصل هو قدرتك على رؤية نفسك كما لو كنت تراقبها من خارج أفكارك واحتياجاتك. إنها أيضًا القدرة على التفكير في كيفية سير الأمور في الماضي بموضوعية، مما يتيح لك إمكانية التعلم من أفعالك السابقة أو إدراك ما غاب عنك وقتها.»
هذه الصفة تزيد السعادة؛ فحين لا يعتبر الإنسان نفسه محور الكون، لن يضايقه ألا تسير الحياة على هواه. كما أن قدرته على رؤية الأمور من أكثر من منظور توسّع أفقه، وتجعله أكثر إدراكًا لقصوره، وبالتالي أكثر سعيًا لتطوير نفسه، وهو ما يحسّن من أدائه في الحياة عمومًا.
ويمكن تفسير هذه العلاقة بأنهم وجدوا ارتباطًا بين الأنا الهادئة والتمتع بقدر من الذكاء العاطفي، والقدرة على إدارة المشاعر والأحاسيس، ما يحسّن من قدرة الإنسان على إدارة العلاقات التي تشكل المصدر الأول للدعم النفسي في الحياة. وهو ما قد يكون أحد أسباب ارتباط الأنا الهادئة بالسعادة!
د. شريف عرفة
Published on November 17, 2022 00:20
•
Tags:
happiness, peace, positive-psychology, psychology, self-help, sherif-arafa
No comments have been added yet.


