آه .. يا بلد!
عبـــــــدالله خلـــــــيفةبلد ليس عدد سكانه يصل إلى مليون ولكنه غير قادر على توفير اللقمة والعمل لأبنائه.
بلد لا يصل ابناؤه إلى نصف مليون وينتج من النفط، وتحته بحيرات من النفط والغاز، ولكنه جائع ويتسول من الجيران.
بلد يمتلئ بالمصارف وكميات هائلة من النقود ومليارات من الدولارات والجنيهات الإسترلينية والينات والريالات، وتفوح من أوراق جرائده انتصارات ومكاسب الشركات والبنوك وفي استعراض بهيج للأرباح، يعيش كثير من شعبه العامل، والذي لا يجد عملاً، تحت مستوى خط الفقر، كبلدان كثيفة السكان.
بلد بنوكه وشركاته نهمة وإداراته كثيفة، يستقدم كل غريب، ويمد يده لكافة ألوان الشعوب والأديان والأعراق، ويجعل أبناءه يتشردون في الغربة، باحثين في صناديق زبالة الأمم والشعوب الأخرى عن لقمة، ورغيف.
بلد صغير كثيف السكان قليل الجغرافيا كأنه امبراطورية يبلع البحر والنخيل والجزر والفشوت والمحار والأسماك والينابيع، في نهم مالي لا يعرف الرحمة لصغار الطيور، والأعشاش والجيرة والجيران ويتشدق بالرحمة والمحبة في بالونات زاهية من الكلام.
بلد يسود وعيه الحماقة، وقد عادى عداءً شديداً الحكمة، واعتبرها خصمه اللدود، وجعل من الحماقة سيدة الحضور في الاقتصاد، وعلم الاجتماع، وفي السياسة، والجموع المتكلمة المتصارعة ابداً على فتات المنطقة النفطية، وعلى الريش من دجاجات الآبار السمينة في كل مكان.
بلد على شكل سفينة ضائعة، إما أن يغرق وإما يطفو منتفخاً بامراضه.
بلد لا يريد ان يصلح نفسه، وهو يتشدق كثيراً بالإصلاح على مدى القرون، ويتشدق كثيراً بالعلوم والثقافة وهو الجاهل الأمي الذي يحتاج إلى من يمحو أميته.
بلد لا يريد ان يذهب إلى مقاعد الدراسة الديمقراطية، وأن يتعلم الف باء الحضارة، والتضحية والصبر، وخدمة المواطن أولاً ثم الغريب الضيف.
بلد ينتظر قضاءه الصعب ذات يوم حين يجد ارضه محروقة، وسماءه ملوثة، وقد باعت الرمال والمياه والغاز والشيم والمصائد والزيت بعد أن أضاع القمح والنخيل واللوز والعصافير.
بلد عاجز أن يتحد ولو يوماً واحداً.
بلد باع وجهه للغرباء من كل الأجناس، وجلس متسولا على قارعة الطريق العالمي، وخزائنه مليئة بالعملات والأسهم وشهادات الاستثمار.
بلد على باب الله ويترصده الشيطان.
بلد أخذ شهادة الثرثرة بتفوق.
بلد سينهض ذات يوم حين يقف على أيدي أبنائه وبناته، وليس ثمة ناطور فكري وسياسي واقتصادي يعتقل إرادته الحرة، ويلطش خبز الصباح من فمه.
بلد سيتعلم كيف يقاوم ويجمع شظايا الإرادات المبعثرة في نهج وطني واسع.
بلد لن يقبل التسول.
بلد لن يرحل من الخليج أو يغوص في قعر بحره مثل سفينة غوص عتيقة.
بلد سيكتشف النفط مجدداً وسيعبر اتفاقية الخط الأحمر والأصفر.
بلد سيوزع نفطه المباع على فقرائه وحاراته الناضبة من أبنائه.
بلد لن يكون هو بؤرة التناقضات في المنطقة بل سيكون عابرا الحواجز.
والذين اسروه واختطفوه سيكونون في ذمة التاريخ.
أخبار الخليج 22-10-2004


